المحافظون الجدد يتدخلون في انتخابات مجلس الشعب السوري
الجمل: نشرت مجلة ويكلي ستاندارد (Weekly Standars) الأمريكية، الناطقة بلسان حال صقور جماعة المحافظين الجدد، والتي يترأس تحريرها اليهودي الأمريكي وليم كريستول زعيم وعراب الجماعة، تحليلاً عن الانتخابات التشريعية السورية، أعده الباحث ديفيد شينكر، مستشار شؤون سوريا، لبنان، الأردن، وفلسطين بمكتب وزير الدفاع الأمريكي، وخبير الشؤون السورية واللبنانية بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، التابع للوبي الإسرائيلي. وقد حمل التحليل عنوان (لماذا أهمية الانتخابات السورية).
يقول ديفيد شينكر: هذا الشهر ظلت سوريا ضمن خطوط العناوين الرئيسية في واشنطن، فأولاً في بادئ الأمر كانت هناك زيارة مطلع نيسان المشؤومة بواسطة نانسي بيلوزي رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى دمشق، ثم في الأسبوع الماضي قيام رجل الأعمال الأمريكي- السوري ابراهيم سليمان بالسفر إلى القدس رامياً لخطة غير مصرح بها –استناداً إلى دمشق- من أجل تجديد محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل. وهذا الأسبوع هدد الرئيس السوري بشار الأسد بالحرب مع إسرائيل إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام.
ما هو غائب بقدر كبير عن الريبورتاج –التقارير والتحقيقات الصحفية- خلال هذا الهيجان الإعلامي هو أخبار الانتخابات البرلمانية السورية الوشيكة الحدوث. وبالفعل، خارج سوريا، فإن حقيقة أن السوريين سوف يذهبون لصناديق الاقتراع هذا الأحد (22 نيسان) لانتخاب برلمان جديد قد بدت عملياً غير ملحوظة تقريباً. وبمعنى ما يعتبر هذا ممكن الفهم: سوريا دكتاتورية، والمشرّع –أي البرلمان- يملك سلطة قليلة، والانتخابات ليست حرّة ولا نزيهة، والمعارضة تقاطع المنافسة. وبرغم ذلك، تعتبر الانتخابات السورية هامة، ليست فقط باعتبارها كتحرك للطبيعة القمعية للنظام السوري، وإنما لأن هذه الانتخابات تسلّط الضوء على مصاعب واشنطن المستمرة في الضغط على النظام السوري لكي يعدل سياساته الضارة المحلية والخارجية.
الانتخابات السورية لن تكون أكثر من سباق خاص. فالانتخابات سوف لن تغير الأمر الواقع في سوريا ولا في المشرع –البرلمان- نفسه. وخلال الانتخابات الأخيرة في عام 2003 (167) نزلوا بواسطة الجبهة الوطنية التقدمية –تحالف حزب البعث الحاكم فقط مع الأحزاب السياسية القانونية- فازوا بالمقاعد. الـ83 مقعداً المتبقية في المجلس- التشريعي كانت من نصيب المستقلين الذين وافق عليهم النظام، بينما قاطع الانتخابات المرشحون المعارضون الموالون للديمقراطية. هذا والتعيين لـ167 من 250 مقعداً للجبهة الوطنية التقدمية هو أمر يفوض ويلزم به القانون السوري, ويكفل للحزب الحاكم السيطرة على أكثر من ثلثي المقاعد. ومن بين كلمات أخرى فإن هذه الأغلبية المتفوقة، تكفل الهيمنة التشريعية للبعث، وتمنع المستقلين الأقلية من المطالبة بمحاسبة الرئيس بموجب الدستور السوري.
في مضمار الانتخابات، ضغطت المعارضة من أجل التغييرات في قانون الانتخاب، وعلى وجه الخصوص، جماعات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان في سوريا نادت بوضع حد ونهاية لـ(حصص) المقاعد المخصصة للجبهة الوطنية التقدمية، وإنهاء قانون الطوارئ الذي يحد التعبير السياسي، ومن أجل عملية انتخابات شفافة ونزيهة. وبدلاً من ذلك أصدر النظام تعديلاً على قانون انتخابات عام 1973م، ركّز على إصلاح تمويل الحملات. وحدد البند الجديد نفقات الحملات لانتخابات البرلمان بـ58000 دولاراً أمريكياً للمرشح وخول بتعيين مراجع مالي مسؤول من أجل إرسال التقارير عن النفقات الحالية إلى لجنة الانتخابات السورية.
قال بعض السوريين الموالين للنظام، والأكاديميين بأن هذا التقييد المالي الجديد يهدف إلى درء ومنع الفساد ومساواة ساحة النزال للمرشحين السوريين. وما هو مرجح، يتمثل في أن القانون الجديد قد هدف للحد من التمويل الخارجي المحتمل لمرشحي الإصلاح السوريين.
واهتمام القيادة السورية بالطبع، هو أموال واشنطن، وبالذات مبلغ تمويل الـ5 ملايين دولار التي رصدتها والتزمت بها إدارة بوش في عام 2006 لدعم الإصلاحيين السوريين. وحتى الآن تقريباً، لا شيء من هذا المال قد تم إنفاقه أو صرفه، ومنظمات المجتمع المدني السورية مثل التجمع الديمقراطي الوطني -تحالف من خمس جماعات مجتمع مدني موالية للديمقراطية- ظلت مشمئزة وغير راغبة في النظر في أمر قبول التمويل الخارجي، خوفاً من مواجهة التهم وتقويض مصداقية جهودها الموالية للديمقراطية في الوطن.
واشنطن على ما يبدو قررت الانتظار لحين انجلاء الانتخابات السورية. فلا قامت بتمويل حلفائها الإصلاحيين، ولا أدانت كامل اللعبة. ولاشك في أن الإدارة الأمريكية قد ناقشت أسلوب الخوض في السياسات الانتخابية السورية –كالضغط من أجل مراقبين انتخابيين دوليين، على سبيل المثال- ولكنها في نهاية الأمر قررت أن تكون ضدها. وبالطبع فإن قرار المعارضة الذي ارتأته –أمريكا- يعكس وجهة نظر الإدارة الأمريكية التقييدية الجديدة المتعلقة بأولوية ترقية الديمقراطية. وإذا أخذنا قائمة مظالم الولايات المتحدة الطويلة –والمتزايدة- ضد سوريا، وعلى أية حال، فإن إعراض ونفور الإدارة الأمريكية إزاء التنازع مع دمشق حول قضية الديمقراطية هو أمر مقلق.
ظلت سوريا تمثل مشكلة لصانعي ومتخذي القرار السياسي في الولايات المتحدة. وانتخابات هذا الأسبوع هي تذكرة أخرى بعد، لكل من الإدارة الأمريكية والكونغرس، بحيث يتوجب على واشنطن أن لا تضمر أي أوهام وفقاً للطبيعة الحقيقية للنظام السوري، وفي الوقت نفسه فخيارات سياسة الولايات المتحدة تبحث عن وسيلة مفيدة تستخدمها وجهاً لوجه إزاء دمشق. وبينما لا تعتبر الديمقراطية دائماً قضية كسب وربح، فهي تمتلك تأثيراً مع البعض من حلفائها الأوروبيين الذين ينظرون حالياً في أمر التوائم والوئام مع سوريا، وبأقصى حد أدنى، فمن الممكن أن تمثل الديمقراطية سهماً آخر في جعبة سياسة الولايات المتحدة، وفي هذا الخصوص، فإن كياسة وذوق الولايات المتحدة حول الانتخابات تمثل فرصة ضائعة.
وعموماً يمكن القول: ليس ديفيد شينكر وحده الذي ينشط داخل أروقة الإدارة الأمريكية في تسويق العداء لسوريا والبلدان العربية، فقد تحدث سكوت كارينتر مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى منتقداً الانتخابات السورية. وتجدر الإشارة إلى أن ديفيد شينكر، وسكوت كارينتر وغيرهم من خبراء ومستشاري إدارة بوش، لم يسبق أن تحدث أي واحد منهم عن (الانتخابات الأمريكية) التي أجرتها سلطات الاحتلال الأمريكي في العراق ودورها في بناء العملية الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان العراقي!!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد