سورية الأولى عالمياً في تصدير الأغنام.. واستيرادها
ما تزال التجارة الزراعية السورية تتأرجح بين الربح والخسارة، فهي تقترب في أكثر من نقطة وعند أكثر من سلعة من التكيف مع متطلبات السوق ونمو الطلب العالمي على السلع الزراعية، وتبتعد أحياناً لتصدر سلعاً خاسرة.
وإثر رزمة من الاجراءات والتسهيلات التي اعتمدتها الحكومة لتشجيع سياسة التصدير، حققت بعض هذه السلع مواقع متقدمة على خارطة الطلب العالمي جعلت سورية الأولى عالمياً في تصدير الأغنام والثانية عربياً في أعدادها، إضافة إلى ميزات تنافسية تتمتع بها سلع أخرى أساسية.
التوجه اليوم نحو معايير جودة تتطابق مع المعايير العالمية بعد ان قررنا الانفتاح تدريجياً على الأسواق العالمية، خاصة ان وجهة التصدير الأولى للسلع الزراعية هي دول الاتحاد الاوروبي، والطريق إلى أسواق تكون فيها المنافسة على أشدها تمر عبر مقاييس صارمة للجودة لأن البقاء سيكون دائماً للأفضل.
ورشة السياسات الزراعية التي أقيمت مؤخراً في فندق الشام بحضور خبراء من منظمة الأغذية والزراعة، ناقشت هذه القضايا وتعرضت لأهم التحديات والآفاق المستقبلية والتصورات لما سيكون عليه الطلب العالمي خلال السنوات العشر القادمة.
في محاضرة للمهندس عصام اسماعيل رئيس قسم السياسات التجارية حملت عنوان: «التطورات والتحديات المستقبلية للتجارة الزراعية السورية»، يشير إلى ان مساهمة الزراعة وصلت إلى 27٪ من الناتج المحلي الاجمالي، وتشكل 22٪ من إجمالي الصادرات ويعمل فيها 25٪ من قوة العمل.
وقد تطورت التجارة الكلية مع التحرير الاقتصادي، ونما حجم الصادرات ليصل إلى 8.5٪ مليار دولار بين الأعوام 2000 - 2005، كما نمت الواردات بنسبة 20٪ لتصل إلى حوالي 10 مليارات دولار، وكانت الوجهة الأولى للتصدير الاتحاد الاوروبي بنسبة 44.5٪ تلتها السعودية 4٪ ومن ثم الولايات المتحدة وتركيا والعراق.
وتظهر بنية التجارة الزراعية سيطرة المنتجات الغذائية والحيوانية والمواد الخام في بنية الصادرات، إضافة إلى تغير تدريجي في البنية بزيادة حصة المواد المصنعة على حساب الخام والمواد الغذائية على حساب المواد غير الغذائية، كما تشكل القطن ومنتجاته الحصة الأكبر في الصادرات الزراعية السورية وان انخفضت قيمته.
وتظهر الاحصاءات تراجع تصدير القمح والفواكه نسبياً بعد النمو الكبير بين عامي 2002 و2004 في مقابل نمو صادرات أخرى كالمياه المعدنية 174٪ وزيت الزيتون 82٪ والبقوليات.
وتصدرت الأغنام الحية قائمة الصادرات الزراعية السورية عام 2005، تلاها القطن غير الممشط بنسبة 14.6٪، ومع نمو الطلب العالمي على السلع الزراعية استجابت بعض السلع السورية لهذا النمو وواكبته، في حين تراجعت أخرى وصنفت على هذا الأساس إلى أربعة أنواع:
- هناك سلع متفوقة ورابحة في الأسواق المتنامية حققت نمواً موجباً يتناسب مع نمو الطلب العالمي (كالأغنام - الكمون - القمح -زيت الزيتون - التفاح - جبن البقر الأبيض).
- سلع متراجعة وخاسرة في الأسواق المتنامية، وهذه السلع حققت نمواً سالباً للصادرات لم يتفق مع نمو الطلب العالمي (البندورة - الحمضيات - الفستق الحلبي - الثوم).
- سلع متحركة بشكل عكسي وهي رابحة في أسواق متقلصة (كالعدس - الحمص - الصوف).
- سلع خاسرة في أسواق متناقصة شهدت نمواً سالباً للصادرات السورية مع تناقض الطلب عليها (اليانسون - القطن غير الممشط وغير المكرود)، وهذا يقودنا إلى نتيجة مفادها ان التجارة الزراعية السورية تجارة تقليدية بسلع معينة ومتذبذبة بباقي السلع.
أما الواردات فتسيطر عليها بشكل كبير المواد الغذائية الحيوانية، على حساب المواد غير الغذائية، إضافة إلى ظهور زيادة تدريجية في الواردات غير الغذائية من جهة، والمواد الخام من جهة أخرى وبشكل رئيسي مدخلات الإنتاج للكثير من الصناعات.
السياسات التجارية الخارجية دخلت عليها تعديلات تدريجية منذ التسعينيات كان أهمها: إقامة اتفاقيات تحرير تجارة (المنطقة العربية الحرة واتفاقية التجارة الحرة مع تركيا)، إضافة إلى تعديلات عديدة في سياسات الاستيراد من حيث التعرفة الجمركية على المستوردات لتضمن أقل التعرفات بالنسبة لمستلزمات الإنتاج من السلع الحياتية والبدء برفع القيود غير الجمركية، وتمويل الواردات من قبل المصارف الخاصة والعامة، وإلغاء عمولة مؤسسة التجارة الخارجية على واردات المواد الأولية والسماح للقطاع الخاص باستيراد المواد الغذائية غير المتوفرة حالياً.
وهناك تعديلات دخلت على السياسات الخاصة بالاستيراد تمثلت في الاحتفاظ بالقطع الأجنبي الناجم عن عمليات التصدير، وتأسيس مجلس أعلى للتصدير، وهيئة وطنية لتنمية الصادرات، وممارسة رقابة أقل على صادرات النسيج والمصنوعات النسيجية.
ومع ذلك لا تزال مجمل تحديات تواجه التجارة الزراعية السورية أهمها:
- الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية واتفاقيات التجارة الحرة والشراكة الاوروبية المتوسطية.
- المواكبة التشريعية للتطورات الاقتصادية (قانون التجارة - قانون الشركات - قانون المنافسة - منع الاحتكار).
- التوجه نحو زيادة القيمة المضافة على الصادرات والابتعاد عن تصدير المواد الخام.
- زيادة الاستثمارات في القطاعات الزراعية الغذائية لمواجهة الطلب المحلي المتزايد نتيجة تغيير العادات الاستهلاكية وزيادة الدخل.
- الحفاظ على صادرات تمتلك ميزة نسبية ونوعية عالية والعمل على تنميتها (الأغنام - الكمون - الخضراوات والفواكه).
- البحث عن أسواق جديدة ذات ربحية عالية (البعثات التجارية في السفارات - السوق اليابانية والأمريكية والكندية).
وحول الميزة النسبية للحم الغنم السوري وتقديرات العرض والطلب عليه يشير سمير جراد رئيس قسم الأغذية الزراعية في مركز السياسات الزراعية في محاضرته إلى ان أغنام العواس تشكل المصدر الأول للحوم الحمراء والثاني للحليب، ويشكل قطاع الأغنام أحد أهم مصادر الدخل والعمالة خاصة في البادية السورية وأحد مصادر القطع الأجنبي لأنه مطلوب من قبل المستهلكين الأجانب في الدول العربية لمذاقه المميز، وقد ازدادت صادراته من خمسة آلاف طن عام 2001 إلى 68 ألف طن عام 2005، وزادت حصته في اجمالي الصادرات الزراعية من 4.2٪ إلى 16.1٪ عام 2005.
وقد شهد قطاع الأغنام السوري نمواً متزايداً خلال السنوات الأخيرة من 12.4مليون رأس غنم عام 2001 إلى 19.7 مليون رأس عام 2005 كما زاد إنتاج اللحم والصوف.
وفي عام 2005 بلغت سورية من الانتاج العالمي للاغنام 1.4٪ لتمثل المرتبة الاولى في صادرات العالم من الأغنام بنسبة 25.7٪، والمرتبة الثانية في الوطن العربي من حيث عدد القطيع بـ 19.7 مليون رأس غنم بعد السودان، 48.7 مليون رأس غنم.
وقد أعدت الحكومة خطة ضمن استراتيجية التنمية الزراعية لتحسين لحم الغنم السوري تتمثل في تحسين وحماية المراعي الطبيعية من خلال تعزيز دور التعاونيات الفلاحية وتطوير مراكز لتربية الأغنام لتحسين السلالة المحلية وتحسين خدمات الإنتاج الحيواني والمصادر العلفية، وتقديم الخدمات وإقامة البنى التحتية في البادية.
ويتطلب تطوير قطاع الأغنام تكوين قاعدة بيانات متخصصة لتحسين أداء السلسلة التسويقية وتشجيع التكامل الرأسي والأفقي لسلسلة لحم الغنم لتطبيق مواصفات أفضل والوصول إلى الحجم الأمثل للإنتاج، وتشجيع إنتاج جمعيات تسويقية متخصصة من حيث المدخلات والمخرجات لدفع الكفاءة التسويقية، إضافة إلى الأهمية الخاصة التي يكتسبها تشجيع وتصنيع وتنويع منتجات لحم الغنم لتوسيع أنماط الاستهلاك وزيادة القيمة المضافة وتحسين تأمين الأعلاف والخدمات البيطرية لخفض تكاليف الإنتاج وزيادة الفائدة للمنتجين وتحسين دخل منتجي الأغنام.
أما عملية التصدير فتحتاج إلى تنظيم بحيث لا تصدر الخراف أقل من الوزن المعتمد ولا تحدث اختناقات في السوق المحلية، ولا بد من التأمين على الثروة الحيوانية ضد المخاطر للحفاظ على استدامة هذا القطاع الحيوي والهام.
ولتكوين صورة واضحة عن طبيعة الاحتياجات في السوق العالمية، يقدم (هاتويغ دهاين) خبير منظمة الأغذية والزراعة عرضاً للتصورات العالمية للعرض والطلب على المنتجات الزراعية والتطلعات في منطقة الشرق الأوسط في محاضرته، ويشير إلى تناقص حاد في انتاج الحبوب لعام 2006 رغم الازدياد السريع في الطلب عليها، في حين يتوقع تسجيل محصول جيد خلال هذا العام رغم تناقص المخزون وارتفاع الأسعار.
أما أسواق البذور الزيتية والأعلاف، فهي محدودة ويعود هذا الأمر جزئياً بسبب الاستخدام المتزايد للزيوت والدهون كمحروقات، واستخدام المخزون العلفي كمحروقات أيضاً.
وتلاحظ المنظمة ان ارتفاع أسعار الحبوب العلفية ساهم في تحسين أسواق اللحوم والألبان، كما ارتفعت أسعار السكر بعد ثلاث سنوات من النقص وبعد تحسين الإنتاج العالمي.
أما عن توقعات تزايد الطلب العالمي على الأغذية لعام 2015 فتشير احصاءات الفاو إلى ان النمو السكاني يتباطأ، ويساعد نمو الدخل على تباطؤ النمو السكاني وتزداد المنتجات الأكثر حساسية لنمو الدخل بسرعة كبيرة، لكن من الملاحظ ان هناك تحولاً في أولويات المستهلك وزيادة في الطلب على الوقود الحيوي وخاصة في الدول النامية ودول آسيا.
أما توجهات العرض فهناك احتمال كبير ان تتم تلبية الطلب المتزايد مع استمرار التقدم التقني ونمو مردود المحاصيل من خلال تبني التكنولوجيا الحيوية وستزداد المنافسة في العرض، فالعرض سيكون أكثر في الدول ذات الكلفة المنخفضة والدعم القليل مثل دول جنوب أمريكا.
وتتوقع الفاو ان تنمو التجارة الزراعية أكثر بشكل خاص في الدول النامية وان يزداد الاعتماد المتبادل في توريد الأغذية وظهور مصدرين جدد.
اما من حيث بنية السياسات التجارية فهناك اصلاحات سيتم ادخالها على سياسات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن هذه الاصلاحات تسير ببطء وستفرض معايير منظمة التجارة العالمية تحديات جديدة.
وتشير بيانات المنظمة انه خلال السنوات العشر القادمة سيتباطأ نمو الطلب العالمي ويزداد نمو المنتجات ذات القيمة الأعلى وسيزداد الطلب على الوقود الحيوي بشكل سريع، وتستمر التجارة بالنمو وتواجه الدول النامية عجزاً واسعاً في استيراد الأغذية، اما الأسواق فسيتم تحريرها ولكن ستظهر اهتمامات تجارية جديدة، وستشهد منطقة الشرق الأدنى وشمال افريقيا ازدياداً في الطلب على السلع الغذائية نظراً لنمو الدخل والنمو السكاني، وسيزداد الاعتماد على واردات الأغذية الأساسية والأعلاف، لكن هذه الدول ستواجه مشاكل في التوريد بالنسبة للمياه، وسيكون عليها ان تتكيف مع المتطلبات الجديدة للسوق العالمية.
سهام طلب
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد