مقتطفات من حوار غير منشور مع ادوارد سعيد
قبل فترة قصيرة من رحيله وبعد صراع مع مرض اللوكيميا اللمفاوية المزمنة دام عقداً ونيفاً من الزمن، وافق المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد أن يجري حواراً استثنائياً مع الباحثين اللبنانيين – الفرنسيين كريم إميل بيطار وروبير فاضل، مخلاً بالوعد الذي كان قطعه على نفسه بعدم إجراء أي حوار تبعاً لظروفه الصحية. والحوار الذي لم ينشر في أي صحيفة أو مجلة نشره الباحثان في كتابهما المشترك الصادر حديثاً في باريس بعنوان «نظرات الى فرنسا» (دار سوي).
في هذا الكتاب يشارك ثلاثون مفكراً وباحثاً من العالم متحدثين من وجهة نظرهم عن فرنسا، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، ومحللين «الأزمة الوجودية» التي تعيشها فرنسا راهناً. ومن الذيـــن شاركـــوا في الكتاب عبر حوارات أو دراسات: محمــد أركون، بطرس بطرس غالي، جورج قرم، كارلوس فوينتس، فاتسلاف هافل، ستانلي هوفمان، تيودور زيلدن وسواهم.
يكتسب هذا الحوار الأخير مع إدوارد سعيد طابعاً خاصاً نظراً الى أنه يأتي بمثابة «وصية الى فرنسا»، ويحمل بعداً رمزياً مهماً، فالمفكر الراحل وجّه كلماته الأخيرة الى فرنسا ومفكريها، هو الذي خبر الثقافة والأدب الفرنسيين بعمق، على رغم إقامته في الولايات المتحدة وكان من المثقفين النادرين، الملتزمين نهجاً فكرياً عالمياً. وتكمن فرادة هذا الحوار في كونه يكشف وجهاً شبه مجهول من صاحب «الاستشراق». هنا مقتطفات من الحوار غير المنشور:
يتحدث إدوارد سعيد عن علاقته الشخصية بفرنسا وبدايات تعرفه الى ثقافة هذا البلد، وكان والده شارك خلال الحرب العالمية الأولى، في الحملة العسكرية الأميركية التي أتت لمساندة فرنسا قائلاً: «بالنسبة الى شخص مثلي، ترعرع في فترة الانتداب البريطاني في فلسطين ومصر، طالما شكلت فرنسا الخيار البديل. وكان لي كثير من الأصدقاء الناطقين باللغة الفرنسية، لا سيما في فيكتوريا كوليج في القاهرة وفي نوادي القاهرة حيث كنت أتمرن على لعب التنس. وبالتالي من الطبيعي أن تصبح اللغة الفرنسية اللغة البديلة والثقافة الفرنسية الثقافة البديلة بالنسبة إلي. إلا أنّ معرفتي بفرنسا كانت سطحية فلم يسبق لي أن زرت ذلك البلد. وكانت تقتصر على ما جلبه أبي من ذكريات: فرنسا، حب الحياة وبلد الجنس والنبيذ وكل هذه الكليشيهات. والغريب انني انتظرت مجيئي الى الولايات المتحدة في مطلع الخمسينات من القرن الفائت لمتابعة دراستي الثانوية، وأبدأ بالغوص في الأدب الفرنسي. وأذكر أن اتصالي الأول بالأدب الفرنسي حصل في سن المراهقة، عبر نص «الجدار» لسارتر. وقد تأثرت كثيراً بآفاق هذا الكتاب الفلسفية والفكرية، وأدهشتني التعددية التي ينطوي عليها، لا سيما بالمقارنة مع الأدب الأميركي. ففي الفترة عينها، كنا نقرأ جون شتينباك إلا أن أسلوب سارتر ونظرته الى العالم مختلفان تماماً. وقد سحرني هذا الاختلاف. وما أن بلغت السابعة عشرة من عمري ودخلت جامعة برنستون، حتى التحقت بعدد من الدروس التي تتمحور حول الأدب الفرنسي، وكان يقدمها أستاذان رائعان. وكانت تدور حول الرمزية والرواية الفرنسية الحديثة، إضافة الى ما بعد الرمزية والسوريالية. وكانت المحاضرات خالية من أية نقاشات أو حوارات، كانت مجرد دروس نظرية غنية بالاقتباسات وعدد من المراجع التي كان يوصى الطلاب بقراءتها في نهاية كل حصة. لقد جُذبت كثيراً الى مفهوم التاريخ الثقافي في ذلك الوقت وتأثرت به. وسمحت لي قراءاتي باكتشاف فرنسا، هذا البلد الذي لم أذهب لزيارته زيارة مطولة إلا في العقد الثالث من عمري».
وبضبف: «خلال السنوات الأولى التي عملت فيها أستاذاً في جامعة كولومبيا، وقد عُيِّنت في منصبي هذا منذ 40 سنة، أي عام 1963، عاودت الاهتمام بالأدب الفرنسي. ووجدت فيه بديلاً للنظام الذي نشأت عليه ودرست فيه، أي التقليد الإنكليزي - الأميركي الوضعي، الذي يتسم بضيق الآفاق التاريخية. وبالنسبة إليّ، كان التقليد «الروماني» هو البديل، وعلى رأسه فرنسا وإيطاليا. ومن خلال مؤلفات تعود الى أشخاص من قبيل الجامعي إيريك أورباك وهاري لفين، استاذي السابق في هارفرد ومؤلف كتاب هو من أهم الكتب عن الرواية الفرنسية في القرن التاسع عشر، تمكنت من توسيع دائرة اهتمامي بالأدب الفرنسي من القرن الثامن عشر الى القرن العشرين، كما بالنقد الأدبي. وكنت الرجل الأميركي الأول الذي تناول مدرسة النقاد الفرنسيين الجديدة في كتبه، وذلك ضمن مقال مطوّل حول لوسيان غولدمان. وقد اهتممت بفكرة أن غولدمان كان تلميذ جورج لوكاش في الثلاثينات، وانه كان ينتمي في تلك الفترة الى أنصار «النقد الجديد»، وهي مجموعة تختلف عن النقد الأميركي بكل ما للكلمة من معنى. كانت مخالفة تماماً للفلسفة وتشدد على الجمالية على حساب البقية. وفي موازاة ذلك، لم أتوقف عن قراءة سارتر وميرلو بونتي والتقليد الفينومنولوجي، الناتج في معظم الوقت عن هوسرل وأحياناً أخرى عن هايدغر. ولعبت فرنسا دور الأرض الخصبة لهذا النمط من التفكير، ذلك أن الفرنسيين كانوا يلعبون دور الوسطاء بين الفلسفة الألمانية والتقليد الإنكليزي - الأميركي. وأخيراً، أتى العام 1966 وجلب معه حدثاً هائلاً يعيشه المرء مرة واحدة في العمر، إذ عُقد حينذاك المؤتمر المنتظر وعنوانه «لغات الانتقاد وعلوم الإنسان» في جامعة جون هوبكنس واستطاع للمرة الأولى استقطاب كبار المؤلفين الذين قرأت أعمال بعضهم أو سمعت عن البعض الآخر منهم، ولا سيما جان هيبوليت ورولان بارت وجاك دريدا وجاك لاكان وجورج بوليه وجان بيار فرنان وتزفيتان تودوروف وجيرار جينيت... ويعود الفضل في دعوتي الى المشاركة في هذا المؤتمر الى مقالاتي التي سمحت لي بالتواجد مع كل هؤلاء الكبار على مدى أسبوع. وفي الواقع، أدهشني أمران متناقضان. الأول هو بعد نظرهم ولا محدودية فكرهم، فقد كان في إمكانهم أن يتحدثوا في طريقة متكلفة عن الفلسفة اليونانية أو الألمانية أو عن أي موضوع آخر. والثاني قدرتهم على التحول أشخاصاً متعصبين لفرنسيتهم. حتى أن بقية المفكرين كانوا يشعرون باحتكار المفكرين الفرنسيين للموضوعات المطروحة للنقاش، علماً أنهم كانوا يطرحون جدليات تعني العالم بأسره، ويتحدثون عن نيتشه وفرويد وهايدغر. وخُيّل للمشاركين الآخرين في المؤتمر – أي الأجانب (بعض الإيطاليين والأميركيين) – أن المفكرين الفرنسيين يوجهون الكلام بعضهم الى بعض لنيل الإعجاب المتبادل بينهم، غير آبهين لبقية الموجودين! كان ذلك مذهلاً حقاً!
أستطيع أيضاً أن أعزز كلامي بقصة حدثت مع رولان بارت. نظراً الى بعد حرم جامعة جون هوبكنس عن بالتيمور، كنا ننزل جميعاً في الفندق نفسه، ونلتقي يومياً. وفي كل صبح تنقلنا المركبة نفسها الى الجامعة. وعلى الطريق، اعتدت الجلوس بالقرب من رولان بارت، لذلك كان من الطبيعي أن نتبادل الحديث. اهتممت كثيراً بالمحاضرة التي ألقاها خلال ذلك المؤتمر والتي دارت حول فعل «كتب»، الذي وصفه بالفعل غير المتعدي. وخلال أحد نقاشاتنا الصباحية، أخبرته أن أعماله تشبه، في كثير من نواحيها، أعمال أحد النقاد الأميركيين المشهورين والفريدين من نوعهم، كينيث بورك. بدا بارت مهتماً جداً بالموضوع، حتى انه دوّن اسم بورك وطلب مني أن أزوّده بلائحة تضم أهم كتبه. فاستجبت لطلبه قبل أن نعود الى حديثنا. وبعد سنتين، التقيت مجدداً برولان بارت، في مؤتمر كان يُعقد في شيكاغو. ألقينا التحية واحدنا على الآخر بحرارة وتكلّمنا عن أمور مختلفة، قبل أن أسأله إذا تسنّت له فرصة المقارنة بين أفكاره وأفكار بورك. وإذا به يجيب: «أفكار من؟». لقد فاته كلياً الأمر واضطررت الى الإصرار على مطلبي أكثر من مرة، على رغم أهمية بورك ونقاط التشابه بينهما. وأظن انني كنت في صدد تناقض شكلي الى أقصى درجة. فمن ناحية، هناك التعصب الى الانتماء الفرنسي، الذي أصفه بالمتطرف والذي كان يمنع المفكرين الفرنسيين من النظر الى خارج حدود عالمهم الفكري أو الاهتمام بالكبار دون سواهم، ومن ناحية أخرى، هناك انفتاح فعلي على بقية العالم في بعض الأحيان. فعندما كان كلود ليفي شتراوس يتكلم عن الفكر مثلاً، كنت أشعر انني أستمع الى مفكر عالمي بكل ما للكلمة من معنى. وبالطبع، ذلك هو الاستثناء الذي يثبت القاعدة السائدة وهي العصبية الفرنسية. وليفي شتراوس كان يدحض هذه الفكرة. فهو تأثر كثيراً بالإثنولوجيا الإنكليزية - الأميركية. وبيار بورديو كان أيضاً استثناء في هذا المجال، نظراً الى تتبعه لكل ما يجري خارج الفلك الفرنسي. لكن سواهما من المفكرين كانوا منغلقين على ذاتهم، ولا يهتمون إلا بشخصهم. ولا أدري كيف أفسّر هذه الشوائب، قد يكون السبب عقليتهم أو النظام التربوي والبرامج التي تتخطى حدود المقبول في صرامتها».
ورداً على السؤال: نظراً الى المكانة الخاصة التي يحتلها المفكرون في المجتمع الفرنسي، هل ترى أنهم يستغلون مكانتهم تلك ويستثمرونها في المكان المناسب بغية الدفاع عن قضايا مهمة، أم أن المسألة تختصر في المظاهر؟ هل نشهد اليوم تراجعاً للنفوذ الفكري الذي تتمتع به فرنسا، لا سيما بالمقارنة مع الفترة التي تلت الحرب مباشرة؟ يجيب: «لم يستطع المفكرون الفرنسيون المعاصرون لي من لعب دور جوهري، واللغة هي أحد الأسباب التي أعاقتهم. فقلة قليلة منهم فقط متمكنة من لغة أخرى غير الفرنسية، كالإنكليزية على سبيل المثل. والمفكرون العرب يعانون أيضاً من عائق اللغة. فهم يعجزون عن التعبير بغير اللغة العربية ويكتفون بذلك، متسائلين، مثلهم مثل المفكرين الفرنسيين، «لمَ عسانا نعقّد حياتنا بتعلّم لغات أخرى؟» إن هذا النمط من التفكير مؤسف للغاية. ولكن هنا أيضاً، يمكنني أن أذكر أمثلة مضادة وأسماء لامعة مثل تودوروف. فأصول هذا الكاتب البلغارية لم تمنعه من أن يصبح مفكراً فرنسياً وهو من النادرين الذين يقرأون ويتكلمون ويفهمون اللغة الإنكليزية. إتيان باليبار يُعتبر أيضاً من الناطقين باللغة الإنكليزية. وهو يعطي دروساً، بين الحين والآخر، في الولايات المتحدة حيث تُرجمت كتبه وباتت موضع قراءة ودراسة. لكن أفكار الآخرين، حتى المفكرين اليمينيين الأكثر شهرة في فرنسا مثل فينكلكروت أو برنار هنري ليفي لا تتعدى حدود العالم الناطق باللغة الفرنسية ولا تلقى صدى واسعاً في العالم».
لكن هؤلاء يحشدون جمهوراً واسعاً من خلال الشاشة الفرنسية الصغيرة. يقول سعيد في هذا الصدد: «نعم، هذا صحيح. فجمهورهم التلفزيوني – إذا جاز التعبير – أكبر من جمهورهم الأكاديمي والجامعي. في المقابل، خُيّل إليّ لوهلة أن رجلاً مثل ريجيس دوبري قد يلعب دوراً مهماً خارج فرنسا. فقد منحه عمله في أميركا اللاتينية ومؤلفاته حول دور المفكر، خلفية دولية. إلا أن كتبه لم تلق الصدى الذي يليق بها في الولايات المتحدة، وقد تكون اللغة السبب وراء ذلك. وأتذكر الآن قصة تتعلق بدوبري وباللغة. منذ سنوات، عندما صدر كتابي «عن المثقفين والسلطة» في باريس (دار سوي 1996)، التقينا في برنامج تلفزيوني أنا ودوبري وفينكلكورت. وفي المناسبة، شعرت ان الرجلين لا يستلطف واحدهما الآخر! وبالعودة الى صلب الموضوع، غمر الغضب دوبري عندما علم أنني وصفته في أحد مقالاتي بالكلمات الآتية: بـ «المفكر اللامع والمتعدد الآفاق». واستخدمت كلمة «المتعدد» بمعناها في اللغة الإنكليزية، أي الرجل المنفتح والقادر على تناول مواضيع مختلفة في كتاباته. لكنه اعتقد انني استخدمت الكلمة بمعناها الفرنسي، أي الشخص المزاجي والمتقلب في أفكاره...».
ويتحدث عن إميل زولا، الرواي والمفكر الملتزم قائلاً: «لم أعاود قراءة كتابات إميل زولا منذ فترة طويلة، لكنني قرأته من خلال أحد زملائي الذي يعمل أستاذاً في قسم الأدب الفرنسي في جامعة كولومبيا. إن سيرة زولا الذاتية التي وضعها هنري ميتران، ذلك الرجل المتضلّع في كل شاردة وواردة تتعلق بزولا، هائلة، وقد سمحت لي أعماله أن أتعرّف أكثر الى زولا. بالطبع، سبق أن قرأت رواياته مثل «جيرمينال» و «نانا» وسواهما خلال فترة دراستي، وأعرف أن زولا كاتب موهوب لكنه لا ينتمي الى الكتّاب الذين أعاود قراءتهم مراراً وتكراراً، على غرار مارسيل بروست وغوستاف فلوبير الذي يُعتبر نقيض زولا على مستويات عدة. وهنا تأتي المقارنة في غير محلها. دعني أعترف إذاً أن إعجابي بزولا، المفكر الملتزم، يفوق إعجابي بزولا الروائي. فالسياق الذي تجري فيه أحداث روايات زولا مغاير تماماً للسياق الذي نعيش فيه اليوم ما أحببته في زولا هو مداخلاته العامة، والدور الذي لعبه كأحد الوجوه التي تركت بصمات واضحة في الثقافة الفرنسية. والمثير للاهتمام في ذلك الرجل هو ناحيته الفرنسية البحتة، وقدرة قضية ما على التأثير فيه ومسّه من الداخل وذلك بشهادة من المجتمع برمته. إضافة الى قدرته على دفع الأمور نحو مزيد من العدالة، كما حصل مع نصه «أتهم». وستبقى كلمة «مفكر» مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بزولا.
مقولة ألبير كامو
وعن ألبير كامو وعن رأيه بمقولته الشهيرة: «إذا خُيّرت بين العدالة وأمي، أختار أمي» التي تجسّد العلة التي يعاني منها العالم المعاصر، حيث يندرج الجميع تحت راية ذويه وجماعته ويغلّب النسب على الانتساب، ويفضل الولاءات القبلية والمجتمعية والشخصية على القيم والعدالة، يقول سعيد: «أنا أعارض هذا الانقسام وأعتقد أن التصنيف خاطئ أساساً. وأظن أن ذلك يُعزى أولاً الى غياب أي معارضة طبيعية بين العدالة والأم. لم يُفترض بنا أن نختار؟ ولم لا يمكننا اختيار العدالة والأم معاً؟ من جهة أخرى، نحن نرتكب خطأ باعتقادنا بأن الدفاع عن العدالة قد يدفعنا الى التخلي عن أمنا، فالعدالة بذاتها أمر طبيعي للغاية. وفي نهاية المطاف، وحدها العدالة تستطيع تخليص الأمهات من كل شٍر يتربّص بهن. إن الدفاع عن العدالة لا يعني بالضرورة مخالفة الولاءات والانتماءات الفطرية والأساسية. ومن خلال هذا السؤال تبرز بعض النقاط التي تقف عائقاً بيني وبين كامو».
في كتابه «الثقافة والامبريالية»، يقارب سعيد ألبير كاموا بطريقة مستحدثة، من خلال تحليل اللاوعي الاستيطاني. ويبيّن أن كامو خضع، إما بكل وعيه أو من دون وعي، لسيطرة العقلية الاستيطانية. ويشير أيضاً الى أن الرجل العربي الذي قتله مرسو في رواية «الغريب» كان شخصية مجردة، نجهل عنها الكثير... يقول سعيد عن كامو: «أعتقد أن كامو كان رجلاً موهوباً، إلا أنه بالغ – الى حد التصنع – في إظهار أخلاقياته. كامو كان واعياً أخلاقياً، لكنني حاولت إظهار كيف أن انعدام النزاهة وحال الهروب والنظرة المخالفة للتاريخ التي ألقاها على المكان الذي عاش فيه، كيف أن كل تلك الأمور شوّهت هذا الوعي الأخلاقي. وأعني بذلك أن كامو لم ينقل العلاقة الفعلية بين المستوطن والمستوطَن كما هي في الجزائر. وبالنسبة إليه، شكّل الاستيطان سياسة سيئة مارسها نظام سيئ وحكومة فرنسية سيئة، لكنه لم يكن يرى أن ذلك يندرج في عملية تاريخية طويلة، تستند الى التجريد المنظم والى بناء عقلية استيطانية. وأعتقد أن ذلك أشبه بالوضع الذي نشهده في إسرائيل، وفي سلوك بعض المفكرين تجاه هذه المسألة بالتحديد. وما لا أستطيع فهمه هو أن الكثيرين من الفرنسيين ما زالوا يرون في كامو مثالاً للكاتب الأخلاقي والمفكر التقدمي. وقد أدركت الأمر عندما درس إبني كامو في المدرسة. كان يقرأ رواية «الغريب» حينها. وسألته إذا ما كان الكتاب مدروساً بحسب سياقه، وإذا ما كانوا يتعرفون خلال الحصص المخصصة لدراسته الى الخلفية والكاتب والحياة في الجزائر... لكن الدروس لم تكن تجري على هذا النحو. ففي معظم الأحيان، يتم تجاهل كل هذه الأمور ويظهر كامو بالتالي كالكاتب الأخلاقي الفرنسي الكبير في القرن العشرين. لا شك في أن في وضع كامو قد يستغوينا التركيز على الأسلوب فقط. فنحن في وجه كتاب نثري رائع، في وجه «كتابة بيضاء» أو كما سمّاها بارت. ومن المؤكد أن كامو كان يعيش في بيئة صعبة جداً، في بيئة منغلقة على فرنسيي الجزائر. لكننا لا نجد في شخص كامو وعياً لجهة استغلال شمال القارة السمراء. فيما أن الكاتب الفرنسي أندريه جيد كان يعي تماماً وجود هذا الاستغلال. وأنا لست أستغيب كامو، لطالما قلت، ولا أزال، إنه كان كاتباً موهوباً جداً، لكنه يخفي أمراً ما وذلك لا يريحني. فمن الطبيعي أن نرى فيه، كما نرى في أندريه جيد، مثالاً يُحتذى به لجهة الثقافة الفرنسية. إلا أنني أعتقد أن وضع جيد يختلف تماماً. كامو كان يعتبر نفسه مؤلفاً أخلاقياً وكاتب مقالات. أما جيد فكان قبل كل شيء من أنصار المتعية، وكانت أعماله منفتحة جداً ومتأثرة بهذه المتعية على طريقة أوسكار وايلد».
وعن سارتر الذي عاد فجأة الى الطليعة، بعدما كاد العالم أن ينساه وعن الإرث الذي تركه يقول سعيد: «مهما كثرت الإشاعات عنه، وعلى رغم كل سيئاته، يبقى سارتر بالنسبة إليّ أحد أهم الوجوه الفكرية التي عرفها العالم في القرن العشرين. وقبل الحديث عن سارتر الروائي، تجدر الإشارة الى أنه كان ناقداً أدبياً وفلسفياً فريداً. وفي هذا الإطار، تطاردني أعماله من كل ميل وطرف، أذكر منها كتابه الرائع عن فلوبير، «أبله العائلة»، وكتابه عن بودلير والمقالات الأخرى التي تناولت باقة متنوعة من المؤلفين. وأظن أن أعماله تأتي في صدارة التحقيقات النقدية. وعرفنا سارتر أيضاً كروائي وكاتب مسرحي رائع، فكيف ننسى رواية «الغثيان» وسواها من روائع المسرح التي تحمل توقيعه. ميزة سارتر انه كرّس معظم حياته ليطرح على نفسه كما على غيره أسئلة حيوية. وقد أثبت شجاعة كبيرة في تعاطيه مع الأمور، فتطرّق الى موضوعات شبه محرمة في المجتمع مثل فيتنام والجزائر. غير أن ذلك لا ينفي وجود بعض الشوائب والإبهام حول مسيرته الفكرية على بعض المستويات، ونذكر في هذا الإطار موقفه حيال القضية الفلسطينية».
تميل مواقف سارتر حيال الصراع العربي – الإسرائيلي الى بعض من الغموض والتناقض خصوصاً في التزامه المطلق تجاه القضيتين الفيتنامية والجزائرية، أو المديح الذي قام به في المقدمة اللاهبة لكتاب فرانتز فانون «محكومو الأرض». ويقول سعيد: «أو عندما نتذكر إعجابه الكبير بجان جينيه وبالعمل الرائع الذي أهداه إياه».
وعن امتناع سارتر عن إظهار المزيد من الدعم للقضية الفلسطينية يقول: «أعتقد أن سارتر تأثر بالحرب العالمية الثانية، وذلك طبيعي جداً. لقد أدرك فظاعة المحرقة التي أتت بمثابة ضربة أعادته الى الواقع وعززت وعيه السياسي والفكري. والأمر سيان بالنسبة إلى ميشال فوكو، على رغم صغر سنّه. فكلاهما شعر بعد الحرب أن إنشاء دولة إسرائيل خطوة طبيعية ومحقة، تأتي بمثابة تعويض لمعاداة أوروبا للسامية وقد تسمح بالتخفيف من وطأة شعور الذنب الذي يعذبهما ويعذب غيرهما بسبب الفظائع التي ارتُكبت بحق اليهود الذين تعرضوا للإبادة الجماعية خلال الحرب، على اختلاف جنسياتهم، فرنسيين كانوا أم ألماناً أم بولنديين. ومن هنا، عجز سارتر عن استيعاب وجهة النظر العربية. ونادراً ما اهتم بالعالم العربي، وكان ذلك غريباً بعض الشيء. فكان يرى في عبدالناصر رجلاً اشتراكياً من جهة، وفاشياً يشبه الألمان من جهة أخرى. لم تنشأ يوماً علاقة فعلية بين سارتر والثقافة العربية ولطالما غلب الانزعاج عليها وهذا ما لا أفهمه، وهو أحد الأسباب التي دفعتني الى مقابلته عام 1979. أردت أن أفهم الحقيقة، فصلة سارتر بالفكر العربي كانت ضعيفة في الوقت الذي كان على علاقة متينة ببعض الإسرائيليين، على غرار إيلي بن غال وبيار فيكتور اللذين أخذاه في رحلة الى إسرائيل وأعطياه صورة إيجابية عنها... أما العالم العربي والثقافة العربية فلم يعرفهما البتة. كل ذلك كان غريباً بعض الشيء. لكننا بشر ولكلٍّ سيئاته. هناك أمور تمسّنا وتؤثر فينا أكثر من غيرها. لقد أخطأ سارتر في قضايا كثيرة ولم تؤثر فيه معاناة الشعب الفلسطيني. صحيح أن موقفاً كهذا مخيّب للآمال، ولكن لا يكفي لنفي موهبته ومواقفه الشجاعة إزاء قضايا أخرى».
سارتر والعداء لاميركا
وعن عدائية سارتر وسيمون دو بوفوار المتطرفة للولايات المتحدة، وهو شعور ذا طبيعة جوهرية لا يستند الى انتقادات شرعية لسياسات أميركية معينة، يقول سعيد: «أزعجني ذلك، خصوصاً أن هذه العدائية لا تستند الى انتقادات شرعية، حتى انها لا تستند الى معرفة حقيقية للولايات المتحدة. ومن الواضح أن سارتر ودو بوفوار كانا يجهلان هذا البلد. والأمر سيان بالنسبة الى غيرهما من المفكرين الفرنسيين. فغالباً ما تنبع عداوتهم للولايات المتحدة من جهل فعلي لهذا البلد. وهذا ما دفعني في مرحلة ما الى كتابة مقالة تحت عنوان «أميركا الأخرى»، التي صدرت في صحف عالمية عدة ومنها صحيفة «لوموند ديبلوماتيك» الفرنسية، في آذار (مارس) 2003. أعتقد ان من الضروري أن نتذكر دائماً أن بوش وإدارته لا يمثلان سوى أحد أوجه الولايات المتحدة الكثيرة والمختلفة. كنت أود لو أن سارتر ودو بوفوار أوليا أهمية أكبر للوجه الآخر من أميركا. جان جينيه مثلاً، الذي التقيته للمرة الأولى في جامعة كولومبيا اهتم كثيراً بهذا الوجه الآخر. فقد نظر عن كثب الى الحركة المضادة للحرب التي نشأت في نهاية الستينات، والى النشاطات التي قام بها طلاب اليسار والجذريون وحتى البلاك بانثرز. جان جينيه كان متميزاً من هذه الناحية، على خلاف الكثير من المفكرين الفرنسيين التقليديين والتافهين في عدائهم لأميركا، لأن شعورهم ذلك ما كان يستند الى معرفة كافية بهذا البلد أو الى انتقادات شرعية ومفصلة».
وعن تأثير مفكري ما بعد الحداثة في فرنسا على طلاب الجامعات الأميركية التي أبدت اهتماماً كبيراً بمفكرين مثل فوكو ودريدا وبودريار الذين يحظون بمحبة أكبر في الولايات المتحدة منها في فرنسا، يقول: «إنه لسؤال صعب. إذا أخذناهم كل واحد على حدة، سأقول إن فوكو لا يحظى بالتقدير الذي يليق به كباحث وجامعي. فالكثيرون من الأميركيين يعتقدون أن فوكو هو فقط هذا الرجل الذي أطلق العنان لموضوعات أثارت ضجة كبيرة كالرغبة المثلية والجنس والجنون. وهي موضوعات منحت فوكو مكانة كبيرة، وجعلت الناس ينسون أنه جامعي كبير وفيلسوف رائع في الدرجة الأولى، «فيلسوف جذري»، بحسب تصنيف نيتشه. هذا هو الوجه الذي أثار إعجاب جيل دولوز في فوكو والذي بقي مهمشاً بعض الشيء في أميركا، حيث يطغى الفكر المنظم والأنظمة الصغرى على البقية. عندما يتعلق الموضوع بمفكرين مثل دريدا وفوكو. فدريردا ومفهوم اللابناء يقعان اليوم في قلب نوع من البدعة الموجودة في الجامعات الأميركية. وقد ركّز الكثير على ذلك المفهوم من دون أن يفهموا أعمال دريدا الأولى. وأعتقد أن أعمال دريدا اللاحقة عكست، بطريقة أو بأخرى، التأثير الأميركي. فتحوّل كاتباً يتّسم بغموض أكبر ومنذ ذلك الحين فقدت أعماله رونقها لأنها كانت تفتقر الى الصراحة. إن مشكلة هؤلاء المفكرين لا تكمن بالمبالغة في تقديرهم، بقدر ما تكمن في أن بعض النواحي من أعمالهم، واشدد على «بعض النواحي»، تحوّلت مجرد آليات متحركة. وبالتالي، بات من السهل الحصول على كميات هائلة من نسخ دريدا وفوكو، بدلاً من إنشاء أشخاص يحاولون فهم دريدا وفوكو، وانتقاد أعمالهما بالأسلوب نفسه الذي نقلاه في تعاليمهما. على صعيد آخر، أُصبت بخيبة كبيرة عندما علمت أن جاك دريدا قبل دكتوراه فخرية من الجامعة العبرية في إسرائيل... ولعل توقيعه على بيان يدين بقسوة السياسات الإسرائيلية هو بالضبط ما خيّب أملي. وقّع على البيان وقبل بلقب فخري منحته إياه جامعة تابعة لبلد وصفه بنفسه أنه يقمع الفلسطينيين وينتهك حقوق الإنسان ويضرب القانون الدولي بعرض الحائط! بالنسبة الى دريدا وبودريار، لا وجود لحجم التاريخ وأهميته. عندما يعلن بودريار أن عهد الخطابات الكبرى وزمن التحرر وعصر الأنوار ولت، أنا لا أوافقه الرأي بتاتاً. فالكثير من الناس في العالم، وفي الولايات المتحدة، يتأثرون حتى اليوم بكل ما له صلة بالعدالة والحرية والأمل والقيم الأخرى. ونظراً الى ذلك، أعتقد أن ما يروّج له بعض مفكري ما بعد الحداثة لا يخلو من الازدراء والاستخفاف بكل من يؤمن بهذه القيم. وهذا هو السبب عينه الذي يمنعنــي مـــن الموافقة على مفهوم «نهايـــة التاريخ» لفوكوياما الذي يبسّط كـــل الأمــور الى حد التفاهة. أين الاعتراف بجهود الإنسان إذاً؟ أنا ألمس نوعاً من الكسل عندما أسمع أشخاصاً يأتون ليقولوا إنهم فقدوا كل اهتمام بتلك الأمور وبقضايا العالم الفعلية وبمعاناة البشر، وإنهم باتوا يهتمون بأفكار أخرى كالمسرح والمظاهر والروايات القصيرة والكفاءات التقنية...».
ويتطرق إدوارد سعيد الى موقف بعض المفكرين من الصراع العربي – الإسرائيلي الذي يعيد الى مسألة «العدالة وأمي» بحسب مقولة كامو، خصوصاً أن في عالم اليوم يتقدم النسب على الانتساب، ويقول: «أعتقد بأن العلاقة التي يحاول البعض إيجادها بين قضية ما والسبب الذي يدفعهم الى الدفاع عنها هي في معظم الأحيان علاقة طبيعية تنبع من انتمائهم ونسبهم. كنت أتمنى أن ينبع خيارهم من قناعة شخصية. فالاختيار يفرض ألا يهرع المرء الى مساندة «مخيمه» في شكل تلقائي. عندما انتقدت القيادة الفلسطينية بشدة، أثنى ريجيس دوبري على موقفي النادر، ذلك أن معظم المفكرين يميلون الى الدفاع اللامشروط عن مخيمهم وهذا ليس مفهومي لدور المفكرين. فمهمتهم الأولى تبقى الاعتراف بالحقيقة مهما كانت صعبة، وإن دفعت شعبهم الى التشكيك بهم. وفي نهاية المطاف، يعجز المفكر عن إتمام مهمته على الوجه الصحيح عندما يكتفي بإخبار جمهوره أو جماعته ما ترغب في سماعه وما يطمئنها ويثبّت قناعاتها السابقة والمكتسبة. وأظن أن هذا الفرق يستحق أن نتوقف عنده. إنه مسعى وراء النقاوة وتحقيق إنجاز ما. ثانياً، كنا نجد عند بعض المفكرين، حتى الكبار منهم، ما عدا البعض طبعاً، حاجة ماسة الى الإيمان بشيء ما. حتى عندما كانوا يتكلمون عن العلمانية، استطعنا أن نستشف فيهم صورة خيالية غير علمانية. وغالباً ما رأينا دفعاً شبه ديني يحثهم على المضي قدماً. لربما كان هذا الدفع بديلاً عن الإيمان الكاثوليكي. ولكن أعتقد أن المشكلة تكمن على هذا المستوى، هناك حاجة الى الإيمان بنظام سماوي ودفع شبه ديني وسعي وراء تحقيق إنجاز تام، مهما كان الثمن. ثم ان صورة المفكر الذي يلعب دور المحقق ويهتم بمشكلات الدنيا وبتفاصيل خاصة ويكرّس نفسه للنظر في الظروف التي يعيش فيها الأقل حظوة، ويقوم بدراسة القضايا الاجتماعية على مر التاريخ، ويزور الأماكن المهملة عادة والأحياء الفقيرة حيث يعيش المهاجرون والطبقة العاملة، أي المفكر الذي يتسلح بالشجاعة لمواجهة البؤس الاجتماعي، إن هذه الصورة إذاً باتت عملة نادرة في فرنسا، على الأقل قبل وصول بورديو، لأن بورديو غيّر مجرى الأمور، ولربما كان الوحيد الذي عالج مسائل ترتبط بالثقافة الشعبية والحياة اليومية بكل ارتياح، على الأقل أنا لا أعرف سواه. فبورديو كان يتوجه الى الشعب ويسعى الى استقطاب جمهور واسع. وفي الوقت نفسه، كان يأخذ احتياطاته من وسائل الإعلام. إلا أن حذره هذا لم يمنعه من الذهاب للبحث عن جمهوره والتواصل مع الشعب».
معاداة السامية والعنصرية
وعن بعض المظاهر المخلة في فرنسا مثل بروز الشعور بمعاداة السامية والرهبة المرضية أحياناً من الإسلام والعنصرية ضد العرب يقول هو الذي كتب في «الاستشراق» أن معاداة السامية والعنصرية ضد العرب ناجمتان عن الخلفية الفكرية نفسها والعقلية عينها: «لا يمكن الفصل بين معاداة السامية والعنصرية ضد العرب. هذا مؤكد. فجذور الاستشراق هي نفسها جذور معاداة السامية، أي النظريات العرقية والأفكار الخاطئة حول اللغات السامية ومفهوم العرق السامي والفكرة السائدة التي تقول إن اليهود شرقيون فقط. بقي اليهود في فرنسا وبريطانيا شرقيين لمدة طويلة من الزمن، وكان يُنظر اليهم كفئة غير قابلة للدمج تماماً كما يُنظر الى بقية الشرقيين اليوم: فئة غير قابلة للدمج في المجتمع. إن أشهر الشخصيات اليهودية في الأدب الإنكليزي وردت في كتاب «تاجر البندقية» وفي رواية «دانيال ديروندا» لجورج إليوت. وفي العملين، نحن أمام شرقيين لا يهود من السكان الأصليين، بل غرباء. ولطالما بقي الوضع على هذا الحال في فرنسا».
ويضيف: «إن مكافحة العنصرية تحت كل أشكالها بدأت لتوها، ولكن أعتقد أن من الممكن تخطي تلك الأفكار المسبقة ولا سيما في فرنسا. ففي الولايات المتحدة، عندما نحاول الاهتمام بتاريخ الانشقاق وتاريخ معارضة العقائد المشددة وتاريخ العنصرية المضادة ومكافحة الأفكار المسبقة، والصراع من أجل الشمولية والانفتاح على العالم، تبقى فرنسا الأنوار المرجع الأول الذي يخطر في بالنا. هذا لا يعني أن المشهد كان خالياً من أي تناقضات، بل على العكس. فهذه التناقضات تتبلور مثلاً من خلال فولتير، أحد رموز عصر الأنوار، على رغم معاداته للسامية، هو الذي كان يروّج للعلمانية ويقوم باتفاقات جانبية مع البابا في الوقت نفسه.
ولكن، على رغم كل ذلك نقل لنا فولتير مبادئ الصراع من أجل الشمولية والعدالة وأعتقد أن هذا الصراع سيبقى خالداً مهما تغيّر الزمان. إنما، المذهل والغريب في فرنسا هو أنكم ستجدون دائماً، في وجه العنصرية والعصبية المحلية والعقول المحدودة، تياراً يتسم بالتسامح والعظمة وخطباً تدعو الى إرساء العدالة والحرية، ما يساعد على خلق إنسان مثل توسان لوفرتور. إن توسان لوفرتور كان في طريقة أو أخرى ثمرة الثقافة الفرنسية. فهذا الرجل الأسود قرأ إعلان حقوق الإنسان والمواطن على رغم ثقل العبودية ويديه المكبلتين، وقرأ أعمال ميرابو وتأثر بعصر الأنوار... فتحركت أحاسيسه وانكسرت الأصفاد لينتفض الإنسان الموجود في داخله من أجل محاربة العبودية في هايتي. هكذا كُتبت الأسطر الأولى من قصة تروي ثورة شعب أراد الحياة فاستجاب له القدر».
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد