معطيات الخبرة السورية في السياسة الدولية
الجمل: توجد في علم العلاقات الدولية العديد من المفاهيم والاصطلاحات المتعلقة بالقوة، واستخدامات القوة، وغير ذلك، ومن ابرز مفاهيم القوة في الوقت الحالي، نجد ما يعرف بـ(القوة الخشنة) و(القوة الناعمة) وحالياً تتسابق كل دول العالم بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط من أجل الحصول على عناصر القوة، والتي حددها خبراء العلاقات الدولية والنظام الدولي بـ: القوة الاقتصادية والتكنولوجية، والعسكرية والاجتماعية، والسياسية، والثقافية.
* التعريفات والدلالات المفهومية
يشير مفهوم القوة إلى القدرة على النفوذ، والسيطرة وتنقسم القوة إلى (قوة خشنة) ويقصد بها في مجال العلاقات الدولية والنظام الدولي المبدأ التفسير النظري الذي يتبنى استخدام الوسائل العسكرية والاقتصادية من أجل التأثير على سلوك واهتمامات الكيانات الأخرى، وبكلمات أخرى يمكن القول بأن (القوة الخشنة) تركز على إرغام وقسر وكسر إرادة الكيانات الأخرى بهدف إجبارها على تغيير توجهاتها وأداءها السلوكي.
أما بالنسبة لـ(القوة الناعمة) فيقصد بها في مجال العلاقات الدولية والنظام الدولي المبدأ التفسير النظري الذي يتبنى استخدام الوسائل الثقافية أو المذهبية أو العقائدية في السيطرة على سلوك واهتمامات الكيات الأخرى.
* منطقة شرق المتوسط واستخدامات القوة
بسبب حساسية الموقع الجيو-سياسي الذي تحتله منطقة شرق المتوسط على خارطة العالم، فإن عامل القوة يتميز بخصوصية هامة في ضبط التوازنات الإقليمية والمحلية الخاصة بمنطقة شرق المتوسط، وبمنطقة الشرق الأوسط، وأيضاً بكامل التوازنات الدولية بين القوى العالمية الكبرى والعظمى...
تتضمن منطقة شرق المتوسط خمسة كيانات سياسية، هي سوريا، إسرائيل، الأردن، لبنان، والأراضي الفلسطينية، إضافة إلى وجود العديد من الأطراف الأخرى التي تتميز بالقدرة على التأثير، ومن أبرزها حزب الله اللبناني، وحركة حماس.
ظلت منطقة شرق المتوسط تنعم بالسلام والاستقرار والأمان، طوال القرون الماضية، ولكن بحلول عام 1948م، وبإقامة الكيان الإسرائيلي، وزراعته (قسراً) على أرض دولة فلسطين، بدأت الاضطرابات وحالة عدم الاستقرار والفوضى الضاربة الأطناب.
وبسبب الدعم الأمريكي والأوروبي الغربي استطاع الكيان الإسرائيلي بناء واحدة من أكبر ترسانات السلاح في العالم ولجأ هذا الكيان منذ بداياته الأولى إلى استخدام (القوة الخشنة) من أجل كسر إرادة دول وشعوب المنطقة والتأثير بشكل مباشر من أجل قسرها على تعديل سلوكها ومواقفها، والسيطرة على مصالحها.
(القوة الخشنة) التي ظلت تستخدمها إسرائيل، كانت تجد المساندة والدعم بواسطة (القوة الناعمة) الأمريكية والأوروبية، وإذا كانت (القوة الخشنة) الإسرائيلية تعمل بشكل مباشر في احتلال الأرض وممارسة القتل والدمار والخراب، فإن (القوة الناعمة) الأمريكية الأوروبية ظلت تساند ذلك عن طريق استخدام الوسائل الدبلوماسية والثقافية والمذهبية والمالية.
أدت محصلة استخدام القوتين الخشنة الإسرائيلية والناعمة الأمريكية – الأوروبية بالفعل إلى التأثير في بعض دول المنطقة، وعلى وجه الخصوص مصر، الأردن، حكومة السنيورة، وحركة فتح، وبرغم ذلك مازالت سوريا والمقاومة اللبنانية الواسعة القاعدة الشعبية التي يقودها حزب الله وحركة حماس التي يساندها 70% من الشعب الفلسطيني لم تتأثر أو تنحني استجابة لأي من القوتين.
* سوريا ومعطيات خبرة القوة في النظامين الدولي والإقليمي
تتميز سوريا والسوريون بالعراقة التاريخية عن الكثير من شعوب العالم، في خبرة مواجهة الاستهداف الخارجية، أياً كانت عن طريق القوة الخشنة أو الناعمة، وقد نجحت سوريا بكفاءة عالية في وضع حد على مدى التاريخ لكافة أشكال عمليات الغزو (الخشن) الذي يعتمد الآلة العسكرية، والغزو (الناعم) الذي يعتمد الوسائل الدبلوماسية والثقافية والمذهبية.
ولم تقتصر خبرة سوريا والقوة على مجال الدفاع ضد الأطراف الخارجية فقط، بل ظلت ومازالت تتمتع بقدر وافر من عناصر (القوة الناعمة) التي تتزايد يوما بعد يوم، وذلك على النحو الذي جعل من سوريا العامل الأول المؤثر على الرأي العام العربي في الوقت الحالي، ويبدو الدليل الواضح على ذلك من تأييد الشارع العربي لمواقف سوريا ورفضه لمواقف الأطراف الأخرى بما في ذلك بعض الحكومات العربية أزاء قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، فالشارع المصري يعارض توجهات نظام حسني مبارك إزاء قضايا الصراع العربي الإسرائيلي بدليل المظاهرات والمواكب التي ظلت تحدث بين الحين والآخر في مصر، والشارع الأردني يؤيد مواقف سوريا ويرفض مواقف النظام الملكي بدليل تزايد المعارضة لهذا النظام، ولو تم طرح مواقف سوريا في استفتاء عربي في مواجهة مواقف نظام حسني مبارك والنظام الأردني وحركة فتح وحكومة السنيورة وقوى 14 آذار لفازت بأغلبية ساحة المواقف السورية…
* سوريا ومستقبل (القوة الناعمة)
تكمن القوة الناعمة في القدرة على تشكيل وترتيب أفضليات الأطراف الأخرى، وقد تبوأت سوريا موقع القيادة في العالم العربي ليس عن طريق القوة العسكرية أو تقديم القروض والمعونات المالية، أو عن طريق اطلاق التصريحات وإنما عن طريق تبني المواقف التي ظلت تنسجم مع المصلحة العربية، ومعطيات الحقوق المشروعة، والتعامل بوضوح وشفافية ومساواة مع الجميع، الأمر الذي أدى إلى إضفاء المزيد من الجاذبية على القيادة السورية.
دفعت أمريكا مليارات الدولارات وقدمت مئات الاف الأطنان من العتاد العسكري والمساعدات، وقامت اياديها الخفية بتمويل الصحف ووسائل الإعلام وشراء الاقلام، ونشر الكتب، إضافة إلى تخصيص الأقمار الصناعية ومختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وبرغم ذلك لم تحصل من الشارع العربي على 1% من حجم الدعم والتأييد والجاذبية التي حصلت عليه سوريا في الرأي العام العربي…
ولم تقتصر جهود أمريكا على منافسة (القوة الناعمة) السورية، فقط على ماسبق ذلك، بل جندت الكثير من الأنظمة الجمهورية والملكية والقوى السياسية في الساحة العربية لكي تقوم بشن الحرب النفسية والإعلامية بالوكالة عن أمريكا ضد سوريا، وبرغم ذلك تفاجأت هذه الأطراف بالمردور العكسي الذي جلبته لها حروب الوكالة ضد سوريا، فقد تزايدت شعبية سوريا وقوتها الناعمة أما هي فقد فقدت أبسط مقومات الدعم والسند المعنوي على النحو الذي جعل زعماءها يتوارون خجلاً عن إلقاء التصريحات كما كان يحدث من قبل ضد سوريا، ويتركون لوزرائهم والناطقين باسمهم في الصحف ووكالات الأنباء القيام بالمهمة التي لم تجلب لهم سو المساعدات الأمريكية التي يقوم بسرقتها كبار المسئولين، كما تؤكد ملفات برنامج المعونة الأمريكية، وأستهزاء الرأي العام المحلي والعربي والدولي.
الجمل قسم الترجمة والدراسات
إضافة تعليق جديد