غول رئيساً: ردود الأفعال والتوقعات والملف السوري في السياسة التركية
الجمل: بعد شهور المواجهة بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي، والقوى العلمانية التركية، وأخيراً –كما تقول صحيفة الهيرالد تريبيون انترناشيونال الأمريكية- فاز عبد الله غول، في البرلمان التركي بمنصب الرئاسة، ليصبح رئيس الجمهورية التركي الحادي عشر.
• خلفيات عبد الله غول:
ولد عبد الله غول في 10 تشرين الأول عام 1950، في مدينة كايسيري التركية –كما ورد في ملف أخبار الـ(بي.بي.سي) البريطانية- وأكمل مراحل الدراسة بحصوله على درجة البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة اسطنبول في عام 1983م، وقد قضى فترة عامين دراسيين في بريطانيان وتحديداً في جامعتي لندن، واكستر، وإضافة إلى اللغة التركية، فهو يتحدث الانكليزية كلغة دراسة، وما هو لافت للنظر إتقانه الشديد للغة العربية، وذلك بسبب خلفيته الإسلامية وقراءاته الدينية.
في 20 أب 1980 تزوج عبد الله غول من هايرونيسا أوزي أورت، المرأة التي ظلت تتميز بميولها الدينية الإسلامية وتمسكها بارتداء الحجاب، وأنجبت له طفلين وبنت واحدة.
عمل عبد الله غول بعد تخرجه في المجال الأكاديمي، حيث شارك في تأسيس شعبة الهندسة الصناعية في أدايازاري، وشارك في تقديم محاضرات الإدارة في جامعة سكارايا، وفي الفترة من عام 1983 وحتى عام 1991م، عمل عبد الله غول في بنك التنمية الإسلامي، وذلك بمدينة جدة السعودية، وفي عام 1991م أصبح عبد الله غول محاضراً متخصصاً بالجامعات التركية في مادة الإدارة الدولية.
• عبد الله غول والعمل السياسي:
بدأ حياته السياسية عندما التحق بعضوية اتحاد الطلاب الوطني التركي، وهو اتحاد يتميز بتوجهاته الإسلامية- القومية المتشددة.
بعد تخرجه من الجامعة، وتحديداً بعد عودته من السعودية، شارك في تأسيس حزب الرفاه الإسلامي، وقد تم انتخابه عضواً في البرلمان عن حزب الرفاه نائباً لدائرة منطقة كايساري (مسقط رأسه) وذلك في جولتي عام 1991م، و1995م الانتخابيتين، وخلال فترة عضويته في البرلمان التركي، كان دائم الانتقاد للنظام السياسي التركي الذي وضع أسسه مصطفى كمال أتاتورك وأتباعه.
في عام 1999م، احتفظ عبد الله غول بمقعده البرلماني، ولكن هذه المرة نائباً عن حزب الفضيلة، الذي حل محل حزب الرفاه، وبعد حل حزب الفضيلة، الذي حل محل حزب الرفاه الذي تم حله أيضاً شارك عبد الله غول في تأسيس حزب العدالة والتنمية، وقد تم انتخابه للمرة الرابعة في عام 2002م لعضوية البرلمان بواسطة دائرة كايساري، وهذه المرة عن حزب العدالة والتنمية. وقد تم تعيين عبد الله غول رئيساً للوزراء في تشرين الثاني 2002م، وذلك نيابة عن زعيم الحزب رجب طيب أردوغان الذي كان لا يستطيع تولي أي منصب آنذاك بسبب الحظر الذي كان مفروضاً على توليه المناصب السياسية العامة.
في آذار 2003م، تولى عبد الله غول منصب وزير الخارجية، وترك لرجب طيب أردوغان مسؤولية تولي منصب رئيس الوزراء بعد أن تم رفع الحظر عنه.
لعب عبد الله غول دوراً رئيسياً في منع أمريكا من استخدام الأراضي والأجواء التركية في غزو واحتلال العراق، وأيضاً في منع أمريكا من استغلال حلف الناتو آنذاك في تقديم الدعم والمساعدة للقوات الأمريكية التي نفذت عملية الغزو (القرار في مجلس الناتو يصدر بالإجماع فقط ولما لم توافق تركيا، فقد فشلت بالمساعي الأمريكية في الحصول على قرار دعم الناتو لها في الحرب ضد العراق).
• عبد الله غول ومعركة الرئاسة التركية:
كانت كل التوقعات تقول بأن رجب طيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية، سوف يرشح نفسه لمنصب الرئاسة، ويترك منصب رئيس الوزراء لعبد الله غول، ولكن أردوغان –كما يقولون- كان وفياً لموقف عبد الله غول السابق عندما ترك منصب رئيس الوزراء لأردوغان في آذار 2003م، وتولى منصب وزير الخارجية.
القوى العلمانية التركية، وعلى وه الخصوص الأحزاب العلمانية، وأنصار أتاتورك، وجنرالات المؤسسة العسكرية، قاموا بشن حملة كبيرة ضد ترشيح عبد الله غول، وركزوا في حملتهم على مواقف عبد الله غول السابقة المعادية لأفكار أتاتورك، وللنظام السياسي العلماني التركي، وأيضاً على أدائه السلوكي الذي يتسم بالتشدد الإسلامي. وشاركت في الحملة إدارة بوش والصحف الأمريكية، وأيضاً إسرائيل وجماعات اللوبي الإسرائيلي داخل تركيا، والتي تتكون من اليهود الأتراك بشكل أساسي، والذين استطاعوا خلال الخمسين عاماً الماضية التغلغل في أجهزة ومؤسسات الدولة التركية، وخاصة أجهزة الأمن والمؤسسة العسكرية. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الأركان الحالي الجنرال بيوكانيت أليسار هو من يهود تركيا.
تم إجراء التصويت على انتخابات رئيس الجمهورية داخل البرلمان ضمن ثلاث جولات، تنافس فيها عبد الله غول ضد المرشحين: صباحاتين كاكماكوغلو، وتايفون إيلسي، وقد نجح عبد الله غول في الحصول على الأغلبية في الجولات الانتخابية الثلاث، وكانت نتيجة التصويت داخل البرلمان في الجولة الأخيرة كمايلي:
- 339 صوتاً لصالح عبد الله غول.
- 70 صوتاً لصالح صباحاتين كاكماكوغلو.
- 13 صوتاً لصالح تايفون إيلسي.
• تولي عبد الله غول الرئاسة.. ردود الأفعال وأبرز التوقعات:
تحدث الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية توم كيسي، من واشنطن قائلاً بأن الولايات المتحدة ترحب بهذا التمرين في الديمقراطية التركية، ونعتقد بأنها سوف تستمر في مسار التطوير الديمقراطي في ذلك البلد).
وتحدث رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو قائلاً بأنه يأمل بأن الحكومة التركية (سوف تكون قادرة على استئناف العمل.. من أجل إعطاء دفعة جديدة فورية إيجابية لمحادثات الاتحاد الأوربي).
• أجندة الرئاسة التركية:
جاء عبد الله غول إلى منصب الرئاسة، وأصبح حزب العدالة والتنمية الإسلامي مسيطراً على الأغلبية في البرلمان التركي (السلطة التشريعية)، وعلى مجلس الوزراء التركي (السلطة التنفيذية)، وتبقت أمام الحزب السيطرة على المحكمة العليا، والمؤسسة العسكرية. ولما كان الدستور التركي يتيح لرئيس الجمهورية سلطة تعيين رئيس المحكمة العليا، وقائد الجيش، فإن أمر السيطرة على هذين المنصبين الهامين هو مسألة زمن لا أكثر بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، وقد يتوقف الأمر على مدى علاقات التعاون أو الخلاف بين هاتين المؤسستين مع السلطتين التنفيذية والتشريعية وتوجهات حزب العدالة والتنمية في المرحلة القادمة. هذا على الصعيد الرسمي الداخلي الخاص بهياكل الدولة، أما على الصعيد الشعبي العام، فإن أمام حزب العدالة والتنمية الكثير من الأجندة العالقة، والتي يحاول الحزب حالياً وضع الحلول لها عن طريق تعديل الدستور التركي، وتشير المعلومات إلى أن البرلمان التركي قد بدأ حالياً المناقشات حول التعديلات الدستورية المقدمة بواسطة حزب العدالة والتنمية، ومن أبرزها:
- السماح بارتداء الحجاب للنساء في الجامعات وفي المؤسسات وهيئات الدولة العامة.
- السماح باستخدام اللغة الكردية، ويمنح أكراد جنوب تركيا المزيد من الحقوق الثقافية.
وتقول التوقعات أيضاً بأن حزب العدالة والتنمية سوف يواصل معركته في الشارع التركي ضد القوى والأحزاب والحركات العلمانية.
أما فيما يتعلق بأزمة حزب العمال الكردستاني، والأوضاع الخاصة في شمال العراق، فإن حزب العدالة والتنمية سوف يكون أمامه خيارين صعبين، هما:
- الخيار الأول: تنفيذ عملية الاقتحام العسكري، وسوف يترتب عليها:
أ- كسب تأييد المؤسسة العسكرية التركية والرأي العام التركي.
ب- التأثير سلباً على العلاقات الأمريكية- التركية، والعلاقات الإسرائيلية- التركية.
- الخيار الثاني: عدم تنفيذ الاقتحام العسكري، وسوف يترتب عليه:
أ- تزايد معارضة المؤسسة العسكرية، وتزايد سخط الرأي العام التركي على النحو الذي يؤدي إلى تزايد شعبية الأحزاب والقوى العلمانية التركية.
ب- الحفاظ على العلاقات الودية التي ظلت تربط تركيا بأمريكا وإسرائيل.
بالنسبة للعلاقات مع إيران، فإن التوقعات تقول بأن وتائر التعاون التركي- الإيراني في مجال النفط والغاز سوف تزداد، وسوف تصبح تركيا الممر والميناء الأكثر أهمية لإمداد النفط والغاز العالمي، وذلك لأن تمرير النفط الإيراني، ونفط بحر قزوين عبر ميناء جيهان التركي سوف يعطي تركيا وزناً أكبر في الحسابات الاستراتيجية العالمية المتعلقة بالنفط، إضافة إلى أنه سوف يوفر لتركيا الكثير من العائدات الأجنبية التي تساعدها في دعم اقتصادها الوطني.
أما نفط العراق فإن تدفقاته عبر ميناء جيهان التركي مازالت مستمرة، وحالياً تحاول حكومة كردستان الإقليمية، والحركات الكردية الأخرى استخدام ورقة النفط العراقي في الضغط على الحكومة التركية، وذلك عبر تهديد الحكومة التركية بأن قيام الجيش التركي باقتحام شمال العراق سوف يؤدي بالضرورة إلى إيقاف تدفقات النفط العراقي العابرة لتركيا.
أما بالنسبة لسورية، فإن كل التوقعات تقول بأن عبد الله غول سوف يسعى لتعزيز العلاقات السورية- التركية، ضمن المشوار الذي بدأه خلال فترة توليه منصب وزير الخارجية. ويرى بعض المراقبين بأن سورية سوف تكون لها أهمية كبرى بالنسبة للحكومة التركية الحالية، وذلك لأن سورية:
- تمثل الممر والمنفذ الآمن لحركة النقل البري بين تركيا والأردن، والسعودية، والخليج، وأيضاً وسط وجنوب العراق في حالة حدوث الصراع التركي- الكردي في شمال العراق.
- تمثل سورية النقطة المحورية الأكثر أهمية في عملية أي حوار أو تفاهم تركي- عربي.
- تمثل سورية سوقاً هاماً للمنتجات التركية.
- تمثل سورية نقطة الامتداد الرئيسية لسكان جنوب تركيا، وعلى وجه الخصوص العلويين الأتراك، والأكراد الأتراك، والمسيحيين الأتراك الموجودين في مناطق جنوب تركيا.
وعموماً، برغم الأغلبية البرلمانية التي أيدت ترشيح عبد الله غول، والدعم الشعبي الكبير له في الشارع التركي، فإن هناك الكثير من المخاطر التي تهدد حكومة حزب العدالة والتنمية، وتمثل المؤسسة العسكرية الخطر الداهم الأكبر، وتقول المعلومات أنه برغم حضور رئيس الأركان وقائد الجيش الجنرال بيوكانيت أليسار لمراسم أداء عبد الله غول للقسم كرئيس للجمهورية، فإن معظم قادة وجنرالات المؤسسة العسكرية التركية لم يشاركوا بحضور إجراءات القسم.
معطيات الخبرة السياسية التركية السابقة تقول بأن المؤسسة العسكرية التركية لها خبرة كبيرة في تنفيذ الانقلابات والتدخل في الشؤون السياسية الخاصة بأجهزة ومؤسسات الدولة والحكم، وقد سبق أن تدخلت المؤسسة العسكرية وأطاحت بأربعة حكومات تركية منتخبة وذلك في الفترة من عام 1960 وحتى الآن.
وبرغم التصريحات التي وعد عبد الله غول باحترام العلمانية والدستور العلماني، فإن عدم حضور جنرالات المؤسسة العسكرية التركية لإجراءات ومراسم أداء عبد الله غول للقسم الرئاسي، يمكن تفسيره بمثابة نقطة البداية في (الحرب الباردة المنخفضة الشدة) بين المؤسسة العسكرية وحزب العدالة والتنمية، ويرى المراقبون بأن هذه الحرب الباردة سوف تستمر، ويتوقع تحولها إلى (حرب باردة مرتفعة الشدة) عندما يمضي حزب العدالة والتنمية قدماً في تنفيذ برنامجه الإسلامي، وسوف تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تغذية هذه الحرب الباردة باستخدام الوسائل الاقتصادية على النحو الذي يدفع الاقتصاد التركي باتجاه حالة الأزمة الاقتصادية، والتي سوف تؤدي إلى تزايد السخط في الشارع التركي ضد حزب العدالة والتنمية.. وعندها سوف يكون خطر المؤسسة العسكرية أكبر على حزب العدالة والتنمية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد