الامتدادات الجديدة للأزمة الغزاوية
الجمل: تقول آخر الأخبار أن الجدار الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المصرية قد تعرض جزء كبير منه للهدم عن طريق القنابل، وبعدها استطاع الآلاف من المحاصرين داخل القطاع عبور الأراضي المصرية، وقد أمر الرئيس المصري سلطات الأمن المصرية بتسهيل عبور الفلسطينيين لأنهم يتعرضون إلى الضغوط الإنسانية.
* البؤرة النشطة الجديدة:
لم يعد قطاع غزة تلك الرقعة المستطيلة من الشريط الساحلي التي لا تتجاوز مساحتها الـ 360 كيلومتراً، وإنما أصبح القطاع بمثابة "بؤرة"نشطة تلقي بتداعياتها المؤثرة بشدة على عملية السلام في الشرق الأوسط، والعلاقات الفلسطينية – الفلسطينية والعلاقات الفلسطينية – العربية والعلاقات الإسرائيلية – العربية (خصوصاً مع مصر) والعلاقات الأمريكية – العربية (خصوصاً مع مصر والسلطة الفلسطينية).
* تداعيات أزمة غزة:
ألقت عملية استيلاء حركة حماس على قطاع غزة بتداعياتها العنيفة التي تردد صداها داخل وخارج الساحة الفلسطينية:
• التداعيات السياسية: إضعاف السلطة الفلسطينية وحركة فتح المتحالفة مع معسكر المعتدلين العرب والإدارة الأمريكية وصعود حركة حماس المؤيدة لسوريا والمعارضة لمعسكر المعتدلين العرب وأمريكا، وقد أثر ذلك على توازنات عملية السلام في الشرق الأوسط، وفشلت جهود إسرائيل والولايات المتحدة الهادفة إلى عزل الملف الفلسطيني عن الملف السوري، على النحو الذي يتيح لإسرائيل والإدارة الأمريكية بالتعاون مع المعتدلين العرب لجهة الانفراد بالملف الفلسطيني مما يؤدي إلى عزل سوريا والموقف السوري عن كامل القضية الفلسطينية.
• التداعيات الأمنية: إضعاف تفاهمات مؤتمر شرم الشيخ الأمني الذي هدف إلى إرساء ووضع أسس تعاون أمني استخباري إسرائيلي – أمريكي – مصري – أردني – سعودي – خليجي – فلسطيني.
• التداعيات العسكرية: حدوث المزيد من الاختراقات ونقاط الضعف في الأمن العسكري الإسرائيلي بسبب فشل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في إيقاف الهجمات الفلسطينية ضد الأهداف الإسرائيلية.
• التداعيات الإقليمية: تزايد الخلافات بين المصريين والإسرائيليين حول الإيفاء بتطبيق الواجبات والالتزامات التي نصت عليها بنود اتفاقية كامب ديفيد، فمن جهة طالب الإسرائيليون مصر بضرورة فرض السيطرة على حدودها مع قطاع غزة ومن الجهة الأخرى اشترط المصريون أن يلتزم الإسرائيليون بتنفيذ برنامج خارطة الطريق وأن يسمحوا للمصريين بإرسال المزيد من القوات إلى الحدود الأمر الذي رفضته إسرائيل باعتباره يتنافى مع بنود اتفاقية كامب ديفيد.
• التداعيات الدولية: تزايد جهود وتحركات الإدارة الأمريكية الهادفة إلى تشديد الضغوط الدولية على الفلسطينيين عن طريق الضغط على الاتحاد الأوروبي وتوظيف أدوات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، كذلك تأثرت علاقات واشنطن – القاهرة بسبب أزمة قطاع غزة.
* الامتدادات الجديدة لأزمة غزة:
برزت المزيد من الأطراف الإقليمية والدولية المهتمة بأزمة قطاع غزة، وفي هذا الخصوص صرح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قائلاً بأنه يدين إسرائيل لقيامها بمحاصرة قطاع غزة على النحو الذي أدى على مواجهة الفلسطينيين لتراجيديا إنسانية محزنة. ووصف أردوغان قطاع غزة بأنه تحول إلى "سجن مفتوح في الهواء الطلق" كما انتقد أردوغان السلطات الإسرائيلية لقيامها بالربط بين الحصار وعمليات إطلاق الصواريخ، وأكد أردوغان على ضرورة ألا يستغل الإسرائيليون عمليات إطلاق الصواريخ كفرصة لفرض العقاب الجماعي على حوالي 2 مليون مواطن فلسطيني يعيشون حالياً داخل القطاع.
* عملية سلام الشرق الأوسط على مفترق طرق:
وصفت أزمة قطاع غزة كامل عملية السلام في الشرق الأوسط، بما في ذلك مؤتمر سلام أنابوليس الذي لم يكمل مساره، في درجة الرهان الأقرب إلى الصفر. بكلمات أخرى، وعلى أساس اعتبارات حسابات الفرص والمخاطر فإن:
• فرصة نجاح عملية السلام الشرق أوسطية سوف تصبح "صفراً" إذا تجرأت إسرائيل على الاقتحام العسكري لقطاع غزة.
• خطر اندلاع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وتقويض جهود عملية السلام في الشرق الأوسط التي سوف تصبح أقرب إلى 100%.
وإزاء حسابات الفرص والمخاطر التي أصبحت أكثر تعقيداً، يحاول الائتلاف الإسرائيلي الحاكم البحث عن استقلال وتوظيف الفرص التي تؤمن استمرارية حكومته وتلبية طموحات أطراف التحالف الإسرائيلي الحاكم:
• أولمرت يرد معالجة أزمة قطاع غزة على النحو الذي يتيح له الاستمرار في زعامة كاديما والحكومة الإسرائيلية.
• تسيبي ليفني تريد معالجة أزمة قطاع غزة بالطريقة التي تساعد في التخلص من أولمرت وتعزيز قبضتها على تحالف كاديما والصعود إلى رئاسة الوزارة.
• إيهود باراك يريد معالجة أزمة قاع غزة بالطريقة التي تبرزه كقائد عسكري إسرائيل قوي، وتظهره كسياسي إسرائيلي يتميز بالقدرة على دفع الأطراف العربية وخصوصاً مصر والسلطة الفلسطينية لتلبية المشروطيات الإسرائيلية فيما يتعلق بالملف الفلسطيني.
* خط دمشق – غزة:
برغم المسافة الجغرافية بين دمشق وقطاع غزة، فإن تطورات الوقائع السياسية والمعطيات الميدانية تشير دائماً إلى أن دمشق حاضرة في قطاع غزة، وحضور دمشق الواضح في أزمة غزة سببه:
• التزام دمشق بثوابت الحل السلمي الشامل والقائم على رد الحقوق العربية العادلة، وهي استرداد أراضي الجولان والأراضي الفلسطينية من الاحتلال بما في ذلك قطاع غزة.
• رفض دمشق للحلول غير العادلة التي يحاول الإسرائيليون فرضها على المنطقة وفقاً لمبدأ السلام مقابل السلام، بدلاً من مبدأ الأرض مقابل السلام الذي تطالب به دمشق والرأي العام "الغزاوي".
• الوجود الكبير للاجئين الفلسطينيين في دمشق.
• رفض دمشق لأي مساومة يتم إنجازها في الظلام وتهدف إلى سلب الحقوق الفلسطينية.
عموماً، تعددت التفسيرات والأزمة "الغزاوية" واحدة، ومن بين التفسيرات الكثيرة التي حاولت التصدي لأزمة غزة الحالية هناك تفسير يقول بأن الهدف الرئيسي لقيام إسرائيل بتشديد ضغوطها ضد قطاع غزة يتمثل في غايتين هما:
• تعزيز قدرة سلام فياض رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية الحالية.
• إضعاف قوة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية الحالي.
التخلص من محمود عباس واستبداله بسلام فياض أصبح يشكل ضرورة هامة للإسرائيليين واللوبي الإسرائيلي والإدارة الأمريكية لأن سلام فياض سوف يقدم التنازلات التي تكفل توقيع السلطة الفلسطينية على اتفاق سلام أنابوليس ضمن الصيغة التي يريدها الإسرائيليون. إضافة إلى أن صعود سلام فياض إلى منصب رئيس السلطة الفلسطينية سوف يشكل لحظة البداية لانطلاق مرحلة نوعية جديدة في علاقات مثلث رام الله – تل أبيب – واشنطن. ومن أهم مزايا هذه المرحلة الـ"سلام فياضية":
• إحداث القطيعة الشاملة بين الفلسطينيين الموجودين داخل الأراضي الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين الموجودين خارجها، وذلك على النحو الذي يؤسس تجاهل السلطة الفلسطينية عن "حق العودة" في مفاوضاتها مع إسرائيل والتركيز بدلاً عن ذلك على بعض البنود التفاوضية الثانوية مثل دعم السلطة الفلسطينية والإصلاح الاقتصادي الفلسطيني وغير ذلك.
• إحداث القطيعة الشاملة بين السلطة الفلسطينية ككيان فلسطيني عربي، والبيئة الإقليمية العربية وذلك بحيث يتم القضاء نهائياً على جهود الجامعة العربية لحل القضية الفلسطينية والقضاء على أي دور في القضية الفلسطينية يمكن أن تقوم به سوريا وغيرها.
• نقل الملف الفلسطيني من ملف "إقليمي" إلى ملف إسرائيلي داخلي، لا يسمح لأي طرف إقليمي التدخل فيه، وذلك على النحو الذي يؤدي إلى انفراد السلطات الإسرائيلية بمعالجة الملف الفلسطيني على أساس اعتبارات أنه يندرج ضمن ملفات الأقليات الموجودة في سائر أنحاء العالم.
وحالياً، يقوم رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض ببعض الجهود لحل أزمة قطاع غزة فهل سيوفر له الإسرائيليون دعماً لعملية تلميعه وتعزيز شعبيته داخل فلسطين على النحو الذي يدعم صعوده لاحقاً إلى منصب رئيس السلطة الفلسطينية؟ والإجابة دعنا ننتظر ونرى.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد