سليمان رئيساً ومساع لإحياء المثلث السعودي ـ المصري ـ السوري
... أخيرا عاد للجمهورية اللبنانية رأسها وصار ميشال سليمان الرئيس الثاني عشر في سجل «رؤوس الجمهورية»، لكنه الأول، في ما حظي به تنصيبه، من مراسم احتفالية، شاركت فيها «الدول» الكبرى والصغرى، الى الحد الذي فاض معه المجلس النيابي بقاعته الرئيسية وشرفاته الدائرية وأروقته، بالضيوف الأجانب والعرب، حتى صح القول إن ما شهده لبنان، أمس، كان عرسا تاريخيا بين مجموعة متناقضات، أنتجت تسوية ميشال سليمان، ومثله خطاب القسم الدستوري بما تضمنه من كل شيء يريده كل طرف، حتى كاد كل واحد يعتقد أنه هو من كتب بخط يده هذا الخطاب الحمّال الأوجه والتفسيرات!
ومن نزل يوم أمس الى ساحة النجمة، وجد نفسه، شريكا في حالة احتفالية، غير مسبوقة. الحرس الجمهوري بأبهى حلته وموسيقاه تصدح في ارجاء المكان وعناصره يصدحون بعبارة «رئيس» بأعلى صوتهم، فيما السجادة الحمراء، بدت كأنها تدشن لتوها بلونها الزاهي، فيما الساحة تضج بالمواكب. موكب أميري وآخر رئاسي وثالث وزاري ورابع لمعارضين اختلطوا بالموالين، أو بمن بدأوا يتموضعون «بين بين»، في غياب «جنرال الأمن».
في ساحة النجمة، كان الحشد الاعلامي والأمني، لا يشبه أي جلسة من قبل، لكن من دون توترات أو استفزازات، ما عدا «الدوز» الاحتفالي الذي بدا عند المعارضين أعلى منه عند الموالين، فيما كان الرئيس نبيه بري وفريق العمل المجلسي مثل «أهل العروس والعريس» في آن معا.
ومن كان يراقب أبعد من ساحة النجمة، سمع ترنيمة تصفيق واحدة تخرج من منازل لبنانية كثيرة، في العاصمة والضواحي، فرحا باعلان انتخاب ميشال سليمان، الذي بات انتخابه يشكل في نظر غالبية اللبنانيين، المدخل نحو المصالحة اللبنانية الشاملة، اذا اكتملت شروطها الداخلية أولا، والعربية أولا وأخيرا...
ولعل العنصر الذي كان مدعاة للارتياح أيضا، أن الانتخاب شبه التوافقي(118 صوتا من أصل 127)، حظي باجماع عربي ودولي، بدا أكبر بكثير من التعاقد التوافقي اللبناني القسري حول الرئيس الجديد، ولذلك كان مشهد احتلال كل من وزراء خارجية سوريا والسعودية وايران ومصر وغيرهم للصف الأول، في الشرفة المطلة على القاعة العامة، أصدق تعبير عن تلك الأدوار المتناقضة التي وجدت ضالتها و«تقاطعها» في قطر، التي «ترأس» أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، جلسة أداء اليمين الدستوري.
ولفت الانتباه حضور ضيوف آخرين بينهم الضيف التركي رجب طيب أردوغان الذي فاجأ بحضوره على الرغم من ظرفه الصحي والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، فيما جلس وزراء خارجية بعض الدول الأوروبية ووفد الكونغرس الأميركي في الشرفة الدائرية مع عدد كبير من سفراء الدول العربية والأجنبية، بالاضافة الى ضيوف الشرف الرسميين اللبنانيين، وبينهم من ينزل للمرة الأولى للمجلس منذ سنوات طويلة.
وما كان ناقصا في مجلس النواب اكتمل في العشاء التكريمي الذي اقامه رئيس مجلس النواب نبيه بري، مساء أمس، في «البيال»، على شرف أمير قطر، حيث حضر قادة الموالاة، واكتمل عقد المعارضة بمن في ذلك الرئيس عمر كرامي وأركان «اللقاء الوطني» والوزير السابق سليمان فرنجية، بالاضافة الى كتلة الوفاء للمقاومة والعماد ميشال عون وأعضاء كتلته، فيما غاب وزراء خارجية السعودية ومصر وسوريا الذين غادروا بيروت نظرا لارتباطات سابقة.
وبعدما أمضى رئيس الجمهورية آخر ليلة في منزله العسكري في الفياضية، من المقرر أن ينتقل رسميا اليوم الى القصر الجمهوري عند الثانية عشرة ظهرا، على أن يشارك قبل ذلك، في مراسم وداع أمير قطر في مطار بيروت، الى جانب رئيسي المجلس والحكومة، وبعد ذلك، يستقبل وزير خارجية ايران منوشهر متكي الذي سيكون أول زائر رسمي للقصر الجمهوري في عهد ميشال سليمان.
وبينما أعطيت تفسيرات كثيرة، من جانب الموالاة، لمغادرة الوزير وليد المعلم سريعا لبيروت، بعد جلسة أداء القسم، فإن مصادر متابعة للزيارة قالت ان المعلم أبلغ مستقبليه اللبنانيين اعتذاره عن تمضية ليلته في بيروت (كان قد حجز له مبدئيا) وذلك بسبب ارتباطه بموعد مفاجئ في مطار دمشق مع وزير خارجية اسبانيا ميغيل انخيل موراتينوس، وهو اللقاء الذي عقد ليلا على مدى تسعين دقيقة وأعرب خلاله الأخير عن تقديره لدور سوريا البناء في المساعدة على تحقيق التوافق اللبناني، كما نوه بالدور السوري «البناء جدا» في المنطقة.
وتستقبل دمشق اليوم الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، الذي قرر أن يعطي الأولوية في المرحلة المقبلة، لمسار اعادة تطبيع العلاقات اللبنانية السورية، وذلك في اختبار جديد وحقيقي للدور الذي يمكن أن تلعبه الجامعة العربية في هذا المضمار، بعد أن كانت قد تعرضت للسهام بسبب ملاحظات فريق المعارضة على أداء موسى في الموضوع الداخلي اللبناني.
ومن المقرر أن يجتمع موسى بالرئيس بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع والوزير المعلم، فيما كشفت مصادر دبلوماسية عربية في العاصمة المصرية أن الجانب المصري، قرر على خلفية التطورات الايجابية الأخيرة في لبنان، أن يتحرك بسرعة، على خط العلاقات السعودية السورية، وقالت ان رسائل غير مباشرة تم تبادلها بين الجانبين في الآونة الأخيرة ولم تستبعد احتمال قيام الوزير المصري عمر سليمان بزيارة قريبة الى دمشق.
وألمح رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الى أن الدوحة تقوم بمسعى جدي أيضا على خط اعادة تطبيع العلاقات بين دمشق والرياض.
وجاء اللقاء الذي عقد، امس، في مجلس النواب اللبناني، بين وزيري الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والايراني منوشهر متكي، في مكتب الأمين العام للمجلس عدنان ضاهر، بناء على ترتيب مسبق، ليعطي اشارة اضافية حول منحى عام لاعادة ترتيب العلاقات الاقليمية وخاصة بين طهران والرياض اللتين واجهتا ما يشبه القطيعة خلال شهر مضى، كذلك بين الرياض ودمشق، اللتين انتقلتا بعد زيارة الفيصل السرية الى دمشق من مرحلة التوتر الى المواجهة الدبلوماسية.
وقالت مصادر تابعت مجريات اللقاء بين متكي والفيصل أن الجزء الاقليمي استحوذ على معظمها، وقالت ان الجانبين اتفقا على استمرار التواصل بينهما، واشارت الى أن الخلوة بين الوزيرين بدأت موسعة بحضور السفيرين عبد العزيز خوجة ومحمد رضا شيباني، ثم تحولت الى لقاء ثنائي مغلق، خرج بعده الوزيران وعلامات الارتياح بادية على محياهما، وخاصة الفيصل الذي دخل لوداع الرئيسين ميشال سليمان ونبيه بري في مكتبه بينما كان مجتمعا بوزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط ورئيس مجلس الشعب المصري فتحي سرور. وقال بري انه يأمل أن يشكل الوفاق اللبناني مدخلا للتوافق السوري السعودي الذي من شأنه تحصين اتفاق الدوحة.
وبينما راجت معلومات في بيروت أن لقاء الفيصل ومتكي، تطرق الى موضوع رئاسة الحكومة اللبنانية في المرحلة المقبلة، فان الأوساط اللبنانية التي اطلعت على مضمون اللقاء، نفت ذلك بشدة، وقالت ان مسألة رئاسة الحكومة لم تحسم بعد وإن الترشيحات تقتصر على أحد اسمين لا ثالث لهما (سعد الحريري وفؤاد السنيورة)، لكن لكل اسم شروطه الداخلية والخارجية، ولذلك من الأفضل القول ان اسم الحريري مطروح جديا لكن الأمور لن تحسم، الا هذه الليلة، اذا إن من سيشاركون في استشارات التكليف، غدا، سيقدمون اسما متفقا عليه.
وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم تكن قوى الموالاة، قد توافقت على موعد اجتماع موسع لاركانها في قريطم من أجل اتخاذ موقف موحد من التسمية.
يذكر أن القصر الجمهوري قد حدد مواعيد للنواب حتى ظهر يوم الأربعاء المقبل، ما يعني أن استشارات التأليف لن تبدأ الا يوم الخميس وتستمر حتى مساء الجمعة، على أن تبدأ ملامح الحكومة بالتبلور في نهاية الأسبوع المقبل على أبعد تقدير، لتبدأ بعد ذلك عملية اعداد البيان الوزاري الذي سيكون في جزء كبير من بنوده متكئا على بنود اتفاق الدوحة.
وقالت مصادر ان الجانب القطري، على هامش جلستي مجلس النواب وكذلك على هامش عشاء «البيال»، قام بعملية جس نبض لقضية التأليف الحكومي، حتى أن أمير قطر تحدث علنا أمام عدد من قادة الموالاة والمعارضة بما في ذلك خلال زيارته ليلا للنائب الحريري في قريطم، حول وجوب تسريع عملية التأليف الحكومي، وأعطى تعليمات لرئيس الحكومة بأن يتابع هذا الملف حتى يبلغ خواتيمه السريعة.
وقالت مصادر المعارضة ان التأليف لن يكون صعبا لأن الحصص واضحة، وربما هناك أمر وحيد عالق، هو ما اذا كان النائب الحريري يرغب بتوزير شيعي من ضمن حصة الموالاة (16)، «وذلك أمر سيكون في مصلحة المعارضة التي ترغب أيضا بأن يكون هناك وزير سني بين الـ 11 وزيرا للمعارضة».
وقالت المصادر انه اذا كان أمر حقيبة الداخلية محسوما لمصلحة رئيس الجمهورية، فان المعارضة والموالاة ستتقاسمان حقائب الخارجية والمالية والدفاع والعدلية (اثنتين لكل جهة).
في هذا السياق، علم أن «تكتل التغيير والاصلاح» حسم أمر مرشحيه وهم على الشكل الآتي: جبران باسيل ونبيل نقولا (عن مقعدين مارونيين)، اللواء عصام أبو جمرة (عن أحد المقاعد الأرثوذكسية)، هاغوب بقرادونيان (المقعد الأرمني)، ايلي سكاف (عن المقعد الكاثوليكي).
وتردد أن رئيس الجمهورية يتصرف على أساس تسمية ثلاثة وزراء، هم ماروني (الأرجحية لأحد النائبين السابقين ناظم الخوري ومنصور غانم البون)، أرثوذكسي (آل المر)، كاثوليكي.
أما «حزب الله» وحركة «امل» فقد حسما أيضا والى حد كبير أسماء الوزراء الذين سيمثلون الطرفين في الحكومة، حيث ستكون هناك تعديلات طفيفة، خاصة في ما يتصل بالحقيبة السيادية الشيعية.
من جهة الموالاة، فإن نصيبها سيكون موزعا على الشكل الآتي: ستة مقاعد سنية، بينها مقعدان لكل من الوزير محمد الصفدي والوزير خالد قباني، ثلاثة مقاعد مارونية (واحد منها للقوات والثاني للكتائب والثالث لأحد ممثلي قرنة شهوان)، ثلاثة مقاعد درزية، من حصة النائب وليد جنبلاط الذي يتجه لترشيح النائب وائل أبو فاعور بالاضافة الى كل من غازي العريضي ومروان حمادة، علما بأنه ترددت شائعات أن اسم الأخير لم يحسم حتى الآن، بالاضافة الى وزيرين أرثوذكسيين ووزير كاثوليكي (ميشال فرعون) ووزير من الأقليات أو الأرمن.
الى ذلك، تلقى الرئيس ميشال سليمان، أمس، أول دعوة رسمية لزيارة بلد عربي من الرئيس المصري حسني مبارك، سلمها له وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، ووعده بتلبيتها في أقرب فرصة ممكنة، كما تلقى سليمان اتصالات تهنئة أولها من نظيره السوري بشار الأسد وثانيها من الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد وثالثها من الزعيم الليبي معمر القذافي.
وقالت مصادر ان رئيس الجمهورية وفور انجاز عملية تأليف الحكومة ونيلها ثقة مجـــلس النواب سيبدأ جولة عربية هي الأولى له خارج لبنان، تبدأ من دولة قطـــر وتشـــمل عواصم عربية عدة أبرزها حتى الآن، المـملكة العربية السعودية وســـوريا ومصــر والامارات العربية المتحـــدة.
الى ذلك، من المقرر أن يلقي الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، خطابا سياسيا شاملا، في احتفال يقام مساء اليوم، في الضاحية الجنوبية في الذكرى الثامنة للتحرير من الاحتلال الاسرائيلي، يتطرق فيه الى المستجدات الداخلية ما بعد اتفاق الدوحة وانتخاب العماد سليمان.
وقالت مصادر قيادية في المعارضة إن خطاب نصر الله سيتضمن إشارات واضحة إزاء سياسة الأبواب المفتوحة على مصراعيها بين السيد نصر الله والنائب الحريري، وذلك بعد انتفاء الأسباب التي كانت تحول دون عقد لقاء بين الطرفين طيلة المرحلة التي أعقبت اندلاع حرب تموز.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد