«مصير الاسلام في العصر الحديث»
يعتبر الكاتب التونسي محمد الحداد من الباحثين العرب الذين يرسمون خريطة الفكر الإصلاحي العربي المعاصر، وذلك من خلال التفكير في المنهج والرؤية المستثمرين في النص النهضوي العربي بعامة وخطاب الإصلاح الديني على وجه الخصوص.
ومن هنا قدمنا للقارئ العربي والمغربي جملة من الدراسات في هذا الصدد في كتاب: «مساءلة النص الفلسفي المغربي المعاصر» (الصادر عن وزارة الثقافة المغربية - 2007).
وهكذا فقد عرف هذا الرجل بإنتاجه الفكري والعلمي في هذا السياق ويتجلى ذلك في مؤلفاته، ومن أهمها: «محمد عبده قراءة جديدة في خطاب الاصلاح الديني» (2003)، «حفريات تأويلية في الخطاب الاصلاحي العربي» (2002)، «مواقف من اجل التنوير» (2005)، «جمال الدين الأفغاني: صفحات مجهولة من حياته» (1997)، «البركان الهائل» في آليات الاجتهاد الإصلاحي وحدوده (2006)، «الإسلام: نزوات العنف واستراتيجيات الإصلاح» (2006)، «ديانة الضمير الفردي» (2007)... وغيرها من المقالات النقدية للمشاريع الفكرية العربية الكبرى نذكر منها، حتى نضع القارئ في دائرة تفكير هذا الكاتب التونسي: تعقّل العقل في التّراث الإسلامي»، دراسات عربيّة، بيروت، عدد5/6 (03-04/1998)، ص45-58، قراءة نقديّة لـ «نقد العقل الديني» لمحمد أركون»، دراسات عربيّة، بيروت، عدد 9/10 (07-08/ 1998)، ص 119- 125، «محمّد عبده بين الإشراق الصّوفي والنّضال السياسي»، بحث قدّم في ندوة «الأصيل والدّخيل». كليّة العلوم الاجتماعيّة، تونس تشرين الثاني (نوفمبر) 1998، «ثالوث الإصلاح (الأفغاني، عبده، رضا) بين الحقيقة التّاريخيّة والتّمثّل الأيديولوجي»، ندوة «الاجتهاد وقراءة النصّ الدّيني»، معهد بورقيبة للّغات الحيّة، تشرين الثاني 1998، محدوديّة التمثّل الدّيموقراطي لدى عبده»، منبر الحوار، بيروت. عدد 38، 1999- ص 96- 111، «المتشكلات الخطابيّة: تحليل لا مضموني للجدل الإسلامي الحديث حول المرأة»، ندوة «المعنى وتشكّله»، كليّة الآداب في منوية، 1999. نشرت ضمن أعمال الندوة، «من تاريخ الفلسفة إلى نقد العقل: قراءة في مشروع الجابري» مقال تأليفي لدروس ألقيت على طلبة الأستاذيّة، مخطوط، كليّة الآداب منوية، 1999- 2000، «الدّين والدّولة والعلم في عصر النهضة: المجادلة بين عبده وأنطون»، مختزل دروس ألقيت على طلبة المرحلة الأولى عربية، مخطوط، كلية الآداب منوية، 1997- 1999، «قراءة النص التراثي بين التجديد والترديد: الجابري نموذجاً»، ندوة النص والقراءة مناهج وقضايا. كلية الآداب منوية، 26- 28/ 04/ 2001، وعلى هذا مكننا الدكتور محمد الحداد مشكوراً من نسخة نصه: «ديانة الضمير الفردي ومصير الإسلام في العصر الحديث» (2007). هذا الأخير الذي فضلنا أن يكون موضع قراءتنا وتعريف مفاصله الكبرى للقارئ العربي المنخرط في بناء الخطاب الاصلاحي والنهضوي العربي الحديث والمعاصر.. وهكذا تميز الحداد برسمه خرائط القراءة النقدية والمنهجية للنص الإصلاحي العربي.. وذلك من خلال مكتسبات الحداثة الأوروبية وتحولاتها المشهودة في مجال المناهج العلمية: التأويليات والحفريات والفيلولوجيات والنقد التاريخي والسيميولوجيات..الخ... إذ إن هذه التوسلات إنما دفعت الكاتب التونسي إلى كشف مناطق خصبة للتفكير والتأمل، بل إعادة كتابة الخطاب العربي المعاصر بمقولات الإضمار والنفي واللامفكر فيه والاستشهاد والذاتية... وفق فكر متشعب كما يقول ادغار موران.
أشار الحداد في كتاب «ديانة الضمير الفردي» إلى إن المهمة الأساسية للمثقف اليوم في ظل العالم الحديث وتحولاته وانتقالاته.. هي طرح معالم «نهضة ثانية».. شرط «ان نتخلى عن فكرة تقديم الوصفات العامة في شكل الكتيبات النضالية للعهد الثوري أو المشاريع الفضفاضة لقراءة التراث أو التطبيقات السطحية للمناهج والفلسفات الحديثة» (ص6). وهذا يستلزم ان يتخلى العقل الجديد عن «الاطمئنان الإيديولوجي..» ويقبل ما دعاه ادغار موران «الفكر المتشعب» (ص6)، والفكر النقدي انما رفض السرديات المتوارثة عن النهضة والغرب نحو المراجعة والتقويض والتفكيك والمساءلة..
كما اقر الحداد بأن «الإصلاح الديني» يتأسس على ثلاث مسائل أساسية: «المقاربة العلمية للظاهرة الدينية» و«الاجتهاد» و «الإصلاح الديني».
أما المسألة الأولى فهي «تغيير التصورات السائدة وفتح المجال لتصورات أخرى أكثر موضوعية» (ص 8)، وأما المسألة الثانية وهي الاجتهاد فهو «جهد عملي لتكييف التصورات الدينية التي تتمسك بها مجموعة مع المتطلبات الذهنية والمادية التي يفرضها تطور أنماط العيش. فهو محاولة لتحقيق التوازن بين الإيمان ومقتضيات العصر. ولما كان الإيمان امراً ذاتياً لا يخضع للمعالجة العلمية فان هذا التوازن، ثم هذا الجهد العملي المسمى اجتهاداً، انما يظلان مسألة عملية اعتبارية. مثل انه يمكن أن يمنع عادة تعدد الزوجات بتأويل عملي للنص الديني لا تثبته الأدلة اللغوية والتاريخية. كما ان الاجتهاد اختيار المجموعة البشرية المعنية بدين معين، أما الظاهرة الدينية فليست مختصة معينة ومقاربتها تخضع لمبدأ الاختصاص العلمي دون الانتماء الديني» (ص8). واخيراً وليس آخراً، مسألة «الإصلاح الديني» الذي هو عند الكاتب: «ترتيب جماعي للعلاقة بين المتخيل الديني والمتخيل الاجتماعي في الخبرات المعيشية لمجموعات بشرية ذات تنظيم اجتماعي وثقافي معقد. فلا تطرح قضية الاصلاح في المجتمعات التي لم تشهد انفصالاً واضحاً بين ثقافة المشافهة وثقافة المكتوب، ولا في المجتمعات التي لم يتميز فيها شكل واضح للدولة مستقل نسبياً عن التنظيمات الاجتماعية الأولية مثل الأسرة والقبيلة» (ص9).
وبهذا فان إستراتيجية تفكيك الخطاب الإصلاحي العربي انما تتأسس على «طموح مزدوج: فهم الآليات العميقة لاشتغال العقل العربي الحديث ومتابعة تحولات الظاهرة الدينية في المجتمعات التي تتجه، اختياراً أو اضطراراً، نحو الحداثة والعولمة(...) وأما الطموح الثاني فانه يرتبط بضرورة تأسيس أديان مقارنة للحاضر، تمثل ميداناً جديداً للبحث يتخذ له موضوعاً الظاهرة الدينية في ذاتها. فكل الأديان الكبرى واجهت قضية الحداثة ولا بد من ان تنتهي إلى شكل من أشكال التوافق معها، ولا يمكن ان يمثل الإسلام استثناء أو يكون ديناً غير قابل للإصلاح الديني.. اذن هذه بعض المقاطع من كتاب «ديانة الضمير الفردي» التي لم نتدخل لنقدها أو تأويلها.. إذ ان الأمر يتطلب التفصيل والتقريب الموضوعي وهذا ما يتجاوز هذه الصفحات.. لذا لنا عودة لتفصيل مشروع هذا الكاتب، وان كان لا يحبذ محمد الحداد كلمة «مشروع».. لما في هذه اللفظة من نزوع أبوي - سلطوي.
يوسف بن عدي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد