عسكرة حوض المتوسط والسيناريو الفرنسي المفترض
الجمل: تقول بعض المعلومات والتسريبات الصادرة اليوم في أميركا وبعض بلدان الاتحاد الأوروبي, بأن مشروع الاتحاد من أجل المتوسط الذي سبق وان أطلقه الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي, سوف يشهد محاولة إحياء وتفعيل جديدة, ولكنها سوف تركز هذه المرة, على مقاربة التعاون بين ضفتي المتوسط, على أساس اعتبارات أجندة عسكرية, يجري حاليا ترتيب محتوياتها, ضمن ما يمكن أن يطلق عليه تسمية: جدول أعمال حلف الناتو المتوسطي الجديد.
الاتحاد من أجل المتوسط: أبرز عوامل الضعف
تحدثت الأوساط السياسية الإقليمية والدولية كثيرا خلال منتصف عام 2008م, عن مشروع الاتحاد من أجل المتوسط, الذي أطلقه الرئيس الفرنسي الحالي نيكولاس ساركوزي خلال حملته الانتخابية الرئاسية, وسعى لتنزيله على أرض الواقع عندما نجح في الصعود إلى قصر الأليزييه. ثم بعد ذلك انحسرت الضجة الإعلامية حول المشروع, بما رفع من سقف التكهنات القائلة بأن الجمع بين ضفتي المتوسط, سوف يكون أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا, فأميركا سعت منذ البداية إلى عرقلة المشروع, ودول وسط وشمال أوروبا سعت إلى عدم السماح بتطور المشروع باعتبار أن الأولوية يجب أن تكون لدعم وحدة وتماسك الاتحاد الأوروبي, أما دول جنوب المتوسط فقد سعت إلى التأكيد الحازم بأنها سوف لن تقبل بالمشروع إذا كان الهدف منه هو فتح نافذة خلفية لإدماج إسرائيل وإفساح المجال أمامها لتفادي الالتزام برد الحقوق المشروعة لشعوب وبلدان المنطقة.
عسكرة الاتحاد من أجل المتوسط:
تشير المعلومات والتسريبات إلى وجود بعض المساعي الجارية حاليا, لجهة رسم خارطة طريق جديدة لإحياء مشروع الاتحاد من أجل المتوسط, وأكدت هذه المعلومات, بأن خارطة الطريق المتوسطية الجديدة, سوف تركز على الآتي:
•حث الأطراف المتوسطية على ضرورة إعطاء الأولية لمعالجة المهددات, والمخاطر الأمنية بدلا من التركيز على إعطاء الأولية للقضايا السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.
•استخدام حلف الناتو هذه المرة ليقوم بدور الوسيط بين ضفتي المتوسط, وذلك طالما أن دول شمال المتوسط الأوروبية ترتبط بعضوية حلف الناتو, ودول جنوب المتوسط يرتبط العديد منها باتفاقيات شراكة مع حلف الناتو.
•إعادة إنتاج المفاهيم الأمنية الأوروبية التقليدية ضمن سياق جديد, لجهة دمجها مع المفاهيم الأمنية الشرق أوسطية التقليدية, مع مراعاة أن تسعى السباقات الأمنية الجديدة, باتجاه حث بلدان جنوب المتوسط لجهة اعتماد إدراك أمني متوسطي جديد, أكثر تأكيدا على إمكانية التعاون مع إسرائيل.
حتى الآن, لم تظهر خارطة طريق عسكرة مشروع الاتحاد من أجل المتوسط بشكلها الجديد والنهائي, ولكن, وكما هو واضح من خلال التسريبات, فإن خبراء حلف الناتو سوف يركزون على إنتاج مذهبية عسكرية-أمنية جديدة تستند على تجربة الشراكة العسكرية بين حلف الناتو, وبعض دول جنوب المتوسط, وعلى وجه الخصوص, المناورات والتدريبات العسكرية-البحرية المشتركة والتي شاركت فيها كل من تونس والمغرب والجزائر ومصر إضافة إلى موريتانيا, وذلك جنبا إلى جنب مع إسرائيل.
أبعاد خارطة عسكرة مشروع الاتحاد من أجل المتوسط:
تفعيل خارطة عسكرة مشروع الاتحاد من أجل المتوسط سوف لن يكون أمرا عاديا أو سهلا, وإنما سوف يطرح المزيد من الأبعاد الجديدة الأكثر تعقيدا, ويمكن الإشارة إليها من خلال النقاط الآتية :
•الأبعاد البنائية-المؤسسية العسكرية-الأمنية: التعاون العسكري الأمني أيا كان, يتطلب تفعيله أولا وقبل كل شيء ليس التفاهم المشترك وحسب, وإنما إقرار الاتفاقيات التي سوف تنظم مثل هذا التعاون, وتحدد نطاقاته ومجالاته وحدوده, فهل يا ترى سوف تتم الدعوة لعقد قمة متوسطية جديدة تنظر بشكل عام وجماعي في أمر إقرار اتفاقية للتعاون الأمني العسكري المتعدد الأطراف في المنطقة, أم أن الأمر سوف يتم عن طريق التحركات المنفردة, بحيث يتصل حلف الناتو مع كل طرف على حده, وعندما تكتمل الثنائية يتم القيام بعملية التعاون العسكري-الأمني كأمر واقع, ريثما يتم لاحقا طرحها في القمة المتوسطية ضمن صيغة اتفاقية تعاون عسكري-أمني متوسطي متعدد الأطراف.
•الأبعاد الوظيفية-السلوكية العسكرية-الأمنية: تشير المعطيات إلى سعي خبراء الناتو لجهة الربط بين العديد من العناصر الأمنية-العسكرية ذات الطابع الوظيفي-السلوكي-الإجرائي, بما يحقق جميع البنود التالية ضمن جدول أعمال متوسطي جديد, متوسطي موحد: مكافحة الإرهاب-أمن الطاقة-تأمين الممرات البحرية, وذلك بما يضمن إدراج العمليات العسكرية-الأمنية الجارية حاليا, والمتعلقة بـ: جهود منع تهريب السلاح إلى قطاع غزة, حرمان حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية من الحصول على إمدادات السلاح, إضفاء المشروعية على عمليات اعتراض السفن في عرض البحر. تعزيز المشاركة في أمن البحر الأحمر ومحاربة القرصنة في خليج عدن, حرمان الفصائل المسلحة الصومالية واليمنية من الحصول على إمدادات السلاح, حرمان الفصائل المسلحة العراقية من الحصول على إمدادات السلاح, تعزيز مشروع العقوبات المتشددة المتوقعة ضد إيران.
هذا, وتقول المعلومات, بأن خارطة طريق عسكرة مشروع الاتحاد من أجل المتوسط, سوف تواجه المزيد من المصاعب والعقبات, وعلى وجه الخصوص بسبب المعارضة التي سوف تجدها من جانب سوريا وتركيا وبدرجة أقل ليبيا, وفي هذا الخصوص تشير بعض التسريبات إلى أن تقديم هذا المشروع وطرحه بهذه الطريقة سوف لن يؤدي سوى إلى الفشل, وبالتالي, لابد من إحداث بعض التغييرات الطفيفة, بحيث تطرح البنود المزيد من العمومات ذات القابلية للإجماع, وتتفادى الدخول في التفصيلات الدقيقة ذات القابلية لإثارة الخلافات, وعلى سبيل المثال لا الحصر, فإن إثارة ملفات مثل أسلحة حزب الله, وأسلحة حماس, يمكن أن تؤدي ليس إلى إثارة الخلافات بين أطراف المشروع المتوسطي, وإنما أيضا إلى الإضرار باستقرار بعض هذه الأطراف, وعلى وجه الخصوص لبنان, والذي تمكن بعد مسيرة سياسية طويلة من تحقيق الاستقرار, ولم يعد يتحمل فتح الملفات الخلافية مرة أخرى.
حلف الناتو وإشكالية السيناريو المتوسطي الافتراضي الجديد:
تعتبر عملية وضع وبناء السيناريو المتوقع من المجالات الصعبة والتي تتطلب المزيد من القدرات والمهارات الادراكية, وحاليا, لم يعد السيناريو يمثل ذلك الجهد العقلي الخيالي الذي يسعى لبناء الوهم, وإنما أصبح جهدا عقليا, علميا, لجهة ارتباطه بمعطيات علم المستقبليات, خاصة وأن من يقوم بوضع السيناريو يقوم بالأساس ببناء وقائع مفترضة الحدوث.
تعتمد عملية نجاح السيناريو-أي سيناريو- على مدى تقيد السيناريو بتأثير العوامل الحاكمة, وتأسيسا على ذلك, فإن وضع أي سيناريو متوسطي, لن يستطيع مهما أوتي من قوة أن يتجاوز العامل الحاكم الرئيسي المتمثل في الصراع العربي-الإسرائيلي والذي تحول من معطى إقليمي إلى معطى دولي.
يقول بعض خبراء الشؤون الأوروبية, بأن فشل المشروعات الأوروبية السابقة والحالية إزاء منطقة الشرق الأوسط يعود بشكل أساسي إلى الأسباب الآتية:
•عدم قدرة دوائر صنع القرار الأوروبي على مستوى الدول الأوروبية, وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي, على القيام باعتماد "المعطيات الواقعية" في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط, وبدلا من ذلك, فقد ظلت كل عمليات صنع القرار السابقة تركز على الانسجام مع المعالجات الأميركية القائمة على "المعطيات المثالية".
•سعي الأطراف الأوروبية إلى دفع بلدان جنوبي المتوسط باتجاه تغيير أولويات اهتماماتها, وعلى سبيل المثال لا الحصر, من غير الممكن دفع دول جنوب المتوسط باتجاه السعي لحل مشاكل وقضايا البيئة والمناخ, والهجرة, والتخلي عن ملفات صراعها مع إسرائيل.
•سعي الاتحاد الأوروبي إلى اعتماد المعايير المزدوجة في سياسة الجوار الاوروبي, بما أدى إلى حدوث المزيد من المعاملة التمييزية, وإنتاج المفردات المزدوجة, إزاء التعامل الأوروبي مع الجيران من ناحية الشرق "دول القوقاز والجمهوريات السوفييتية السابقة" والجيران من ناحية الجنوب "دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".
هذا, وإضافة لذلك, أشار بعض الخبراء إلى أن أزمة التعامل الأوروبي الغربي مع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, هي أزمة سوف لن تصل إلى مرحلة الحل, وذلك طالما أن الإدراك الأوروبي التقليدي القائم على نزعة الدور الأبوي-البطركي الأوروبي, ما زال مسيطرا على توجهات دوائر صنع واتخاذ القرار الأوروبي المتوسطي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد