صناعة الرسوم المتحركة في سوريا: ها نحن ذا عربياً
بعد نجاح السوريين في الدراما التلفزيونية العربية، يبدو أنهم اليوم مرشحين كي يصنعوا نجاحاً ثانياً في سوق التلفزة العربية، من خلال صناعة مسلسلات الرسوم المتحركة.
كان للمصريين قصب السبق في إنتاج هذه النوعية من المسلسلات، ولو انها بقيت تعاني من الكثير من المعوقات المادية والتكنولوجية. يخطو اليوم الخليجيون خطوات واثقة أيضاً في هذه الصناعة تؤهلهم ليكونون عرّابي تطويرها، وإن اعتمدوا في ذلك على تقنيات وإمكانيات غربية. إلا أن الحضور السوري البشري في هذه الصناعة ظل هو العامل البارز. إذ ينهض اليوم بها، كثير من الموهوبين السوريين من رسامين ومصممين وكتّاب، شكلوا مجموعات عمل، خاضت تجاربها الخاصة وحيدة، واستطاعت أن تصل إلى مرحلة شكلت فيها الرافد الأساسي لمحطات خاصة ببرامج الأطفال مثل «سبايس تون» و»سبايس باور»، وكل ذلك في ظل غياب البنى التحتية المطلوبة والكافية وتراجع دور الدراسة الأكاديمية في التجربة، وغياب آليات إنتاج مؤسساتية. الأمر الذي يجعل من طموح ريادة مقبلة في هذا المجال مشروعاً مهماً للمناقشة والعمل.
خلافاً للدراما التلفزيونية السورية التي قامت بداية بجهود القطاع العام قبل ان يعود القطاع الخاص ليتولى المهمة ويحقق الانتشار الواسع المعروف للدراما السورية في الفضاء العربي، تبدو صناعة الرسوم المتحركة اليوم هاجساً يشترك فيه القطاعين. إذ أنشأت المؤسسة العامة للسينما عام 2004 قسما خاص بسينما الأطفال باسم «دائرة نصوص الأطفال» التي ساهمت في إنجاز فيلمين كرتونيين سينمائيين هما «خيط الحياة» و»طيور الياسمين». في وقت خصصت جزءا من ميزانيتها لتنفيذ فيلم كرتون طويل كل عامين. مؤخراً، أعادت مديرية الإنتاج التلفزيوني (مع تولي إداراتها الجديدة تفعيل دائرة الرسوم المتحركة في التلفزيون العربي السوري التي تأسست عام 1983) العمل على انتاج أول مسلسل كرتون لها هو «جزيرة المغامرات» مع وصول أجهزة حديثة ومتقدمة تقنيا، وقدوم خبير كندي للمساعدة في التدريب. علماً ان كاتب سيناريو «جزيرة المغامرات» هو أحمد معروف والاخراج لموفق قات. بالتوازي، أبصر النور عدد من شركات القطاع الخاص المتخصصة بصناعة الرسوم المتحركة، منها شركتي «النجم» و»تايغر برودكشن». إضافة إلى عملها بشكل منفرد، دخلت شراكات مع القطاع العام «مؤسسة السينما» وكان من آخر إنتاجاتها المشتركة الفيلم السوري «طيور الياسمين» للمخرجة سلافة حجازي الذي حاز على جائزة أفضل فيلم كرتون عربي في مهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال في دورته العشرين التي انعقدت في الفترة بين 5-13 آذار الحالي. والعمل وفق ما أكدت مخرجته حجازي للزميل منصور ديب «نتاج تعاون لمجموعة من الشباب السوريين في اختصاصاتهم الفنية المختلفة، وبعض المواهب الشابة العالمية».
كان فيلم «خيط الحياة» قد حصد عدة جوائز في عدة مهرجانات منها مهرجان القاهرة السينمائي الخاص بالأطفال حيث نال جائزة لجنة تحكيم الأطفال الدولية، وجائزة الإبداع الذهبية للسيناريو والإخراج في مهرجان الإذاعة والإعلام في مصر، كما شارك في مهرجان لندن السينمائي ضمن تظاهرة السينما العالمية، وبحسب كاتبة العمل ديانا فارس فإن رئيس لجنة اختيار الأفلام في المهرجان جوستن جونسون رأى أن للفيلم «قصة ممتعة وساحرة تقدم للجمهور الغربي فرصة نادرة لاكتشاف جزء من العالم لم يكن قد اطلع عليه كثيراً».
النجاحات السابقة تطرح اليوم الثقة في قدرة السوريين على تحقيق نجاحات في هذه الصناعة، شريطة تأمين البنى التحتية التي من شأنها بلورة الأفكار والإمكانيات البشرية... وإن كان الاعتماد حتى الآن بشكل أساسي على التمويل العربي الخارجي في كثير من إنتاجات في هذه الصناعة، فإن نجاحات متكررة من شأنها في الغالب أن ترفع صناعة الرسوم المتحركة السورية إلى مستوى الدراما التلفزيونية، حيث تصير ماركة الصناعة السورية المسجلة مصدر إغراء لاستثمار المال العربي، لا منتجاً يخضع لأهوائه فقط.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد