مواجهةقضائية بين تركياوإسرائيل وملامح تسوية في«التحقيق الدولي»
...وفي اليوم الخامس لجريمة البحر الاسرائيلية، ساد صمت عربي مطبق. كلمة واحد من مسؤول عربي لم تسمع أمس، بينما كانت التظاهرات تلف مختلف مدن العالم، ومصر التي عمتها تجمعات غضب في مختلف المحافظات.
أما الكلام «الحقيقي»، فكان للدولة التي صارت تتصرف على أنها صاحبة «القضية»، تركيا. رئيس حكومتها رجب طيب أردوغان واصل هجومه الحاد على ممارسات إسرائيل وحكومتها، التي قال إن أفعالها تجعل العالم ينظر الى نجمتها الداودية، تتماثل مع الشعار النازي، واتهمها بـ«محاولة تغطية جرائمها بإيجاد مبررات كاذبة عن استهدافها للإرهاب»، معرباً في هذا الإطار عن رفضه نعت حركة حماس بـ«المنظمة الإرهابية».
وبدا أن تل أبيب تسعى إلى الالتفاف على جريمة «أسطول الحرية» من خلال البحث عن «رزمة خروج» ملتوية. في هذه الأثناء، بات واضحاً أنّ تركيا وإسرائيل مقبلتان على معركة قضائية حادة، بعدما باشرت أنقرة إعداد ملفاتها لملاحقات المسؤولين عن مجزرة «أسطول الحرية»، في مقابل استعدادات إسرائيلية لحملة مضادة، في وقت ظل الغموض قائما حول طبيعة التحقيق الذي سيجرى في الجريمة الإسرائيلية، في ظل مخاوف من تكرار سيناريو «تقرير غولدستون» حول جرائم الحرب في غزة، رغم أن هامش المناورة قد بات أكثر ضيقا بالنسبة لإسرائيل.
وفي كلمة ألقاها أمام حشد جماهيري في مدينة قونية في وسط تركيا، شن أردوغان هجوماً حاداً على إسرائيل، معتبراً أنّ هذه الدولة «ترتكب جميع الجرائم غير الإنسانية والأعمال الدنيئة التي تجلب العار، وتحاول تغطية جرائمها بإيجاد مبررات كاذبة عن استهدافها للإرهاب». وأضاف إن «أطفال فلسطين يرشقون جنود الاحتلال بالحجارة، وإسرائيل ترد عليهم بالأسلحة المحرمة والقتل والإبادة وقنابل الفسفور»، مشيراً إلى أنّ «إسرائيل لم تكتف بقتل الأطفال الفلسطينيين في أحضان أمهاتهم، بل تتعامل مع المواد الغذائية الموجهة إلى أطفال غزة على أنها خطر يهدد أمنها».
وأكد أردوغان أنّ «مشكلتنا ليست مع الإسرائيليين أو الشعب اليهودي، بل مع حكومة إسرائيلية طاغية تمارس إرهاب دولة». واتهم الحكومة الإسرائيلية بأنها «منافقة» و«تهذي» و«تكذب»، مخاطباً قادتها بالقول: «إذا كنتم لا تفهمون التركية أقولها بالعبرية: لُو ترتساح (لا تقتل)، وهي أهم الوصايا الدينية». ورأى أن «الحكومة الإسرائيلية تعمل على عزل شعبها وتحرجه في كافة أنحاء العالم»، مشيراً إلى أنّ «ما يجري يجعل الناس تعتقد بأن نجمة داود باتت تشبه الصليب المعقوف».
وحث أردوغان إسرائيل على «الواقعية، وألا تحاول خداع أحد». وشدد على أنّ «للحرب قوانين وقواعد، إذ لا يمكن المساس بالأبرياء، ولا يمكن التعرض للسفن التي تحمل الرايات البيضاء. ولكن إسرائيل قتلت بوحشية شاباً يبلغ من العمر 19 عاما بعدما أصيب على ظهر السفينة التركية (مرمرة الزرقاء) مع العلم بأنه لم يكن يملك سلاحا».
وشدد أردوغان على أنّ «قضية فلسطين وغزة والقدس والشعب الفلسطيني قضية مهمة بالنسبة لتركيا، وهي لن تدير ظهرها لهذه القضية»، مؤكداً أنّ «مصير القدس ليس مختلفا عن مصير اسطنبول... ومصير غزة ليس مختلفا عن مصير أنقرة».
ورفض أردوغان وصف حركة حماس بأنها «منظمة إرهابية». وقال: «مع الأسف الشديد يقارن البعض هجمات منظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية ضد الجنود الأتراك بكفاح حركة حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكنني أقول إن رجال حماس هم رجال مقاومة وليسوا إرهابيين». وأضاف: «لقد قلت ذلك للمسؤولين الأميركيين... أنا لا اعتبر حماس منظمة إرهابية، وما زلت أقول ذلك اليوم. إنهم يدافعون عن أرضهم». وتابع، وسط تصفيق أنصاره، «لماذا لا تمنحونها فرصة؟ اتركوها تخض نضالا ديموقراطياً».
إلى ذلك، قال نائب رئيس الوزراء التركي بولاند ارينج إن تركيا ستخفض علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل، لكن التعاون الثنائي لن يجمد بالكامل. وأوضح أرينج، في مقابلة مع شبكة «أن تي في» التركية، أنّ أنقرة «ستخفض العلاقات في هذه المجالات إلى أدنى مستوى، ما دام هذا التعاون قائما... لكن أي دولة لا تستطيع أن تتجاهل بالكامل دولة أخرى تعترف بوجودها».
مواجهة قضائية
إلى ذلك، بدأت النيابة العامة التركية جمع الأدلة والقرائن والإفادات، تمهيدا لدراسة إمكان تقديم المسؤولين الإسرائيليين للمحاكمة على خلفية الهجوم الإسرائيلي على سفن أسطول الحرية. وأشارت وسائل الإعلام التركية إلى أنّ الخيارات القانونية المتاحة أمام السلطات التركية لمحاسبة إسرائيل تتراوح بين ملاحقة قادتها أمام المحاكم التركية أو الطلب من محكمة الجنايات الدولية فتح تحقيق جنائي في قضية «أسطول الحرية».
في المقابل، ذكرت صحيفة «هآرتس» أنّ النيابة العامة والنيابة العسكرية الإسرائيليتين تستعدان لهجوم مضاد على الساحة القضائية الدولية. ووفقا لـ«هآرتس» فإنّ قادة الاحتلال، لا سيما قائدي سلاح البحرية ووحدة «شييطت 13» (وحدة الكوماندوس التي ارتكبت المجزرة)، أصبحوا يخشون صدور مذكرات اعتقال بحقهم من قبل المحاكم الأوروبية ومحكمة لاهاي، وأنه «في ضوء تلك المخاوف تقرر جمع ما يمكن جمعه من مواد وشهادات حول عملية اقتحام سفينة مرمرة، من اجل الاستعداد للدفاع عن كبار قادة الجيش والمسؤولين السياسيين».
يأتي ذلك، في وقت ظل الغموض قائما حول طبيعة التحقيق الذي سيجرى في الجريمة الإسرائيلية ضد «أسطول الحرية»، بعدما دعا الرئيس الأميركي باراك اوباما، مساء أمس الأول، إلى «تحقيق فعال»، بموازاة دعوة بدأت تأخذ دفعا، إلى إشراك اللجنة الرباعية في «تحقيق إسرائيلي»، ما يشكل مخرجا مريحا للدولة العبرية من هاجس التحقيق الدولي.
وذكرت «هآرتس» أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدأ البحث عن «رزمة خروج» من أزمة «أسطول الحرية». وأضافت
أنه في الوقت الذي يبدي فيه نتنياهو معارضة شديدة لإجراء تحقيق في المجزرة البحرية، إلا أنه ترك الباب مفتوحاً أمام تحقيق يركز على نقطتين تتعلق الأولى بـ«قانونية العملية العسكرية في المياه الدولية»، و«اتهام إسرائيل باستخدام قوة مفرطة خلال الهجوم». ولفتت الصحيفة إلى أنّ التقديرات في إسرائيل هي أنه توجد «إجابات جيدة» على هاتين النقطتين، وأن «إسرائيل تستند على حقها في الدفاع عن نفسها خارج مياهها الإقليمية أيضا وذلك بموجب سوابق في القانون الدولي»، وأنّ «استخدام القوة خلال الهجوم على السفينة مرمرة، كان تناسبياً».
حصار غزة
من جهة ثانية، أشارت مصادر إسرائيلية لـ«هآرتس» إلى أنّ نتنياهو مستعد لدراسة «أفكار مبتكرة» و«نماذج جديدة» لمراقبة الحركة البحرية باتجاه غزة، مشيرة إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية، وفي إطار احتواء تداعيات الأزمة الناتجة عن مجزرة «أسطول الحرية»، تسعى حالياً إلى تجنيد المجتمع الدولي لعملية المراقبة الأمنية على الشحنات الداخلة إلى غزة، بينما سيبقى الحصار البري على حاله.
في هذه الأثناء، واصلت السفينة «راشيل كوري» اقترابها من سواحل قطاع غزة، بعدما أصر المشاركون فيها على تحدّي كل التهديدات التي أطلقها قادة الاحتلال، تزامناً مع بدء التشويش على اتصالاتها، ما يوحي بتكرار سيناريو القرصنة التي تعرضت له سفن «أسطول الحرية».
وفي بروكسل، أكد المسؤول في «الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة» روري برن لـ«السفير» بدء العمل على تنظيم «أسطول الحرية ـ 2»، مشيراً إلى أنّ الهدف هو تأمين ضعف عدد السفن التي شاركت في الأسطول الأول، لافتاً إلى أنه تم جمع ما يكفي حمولة مساعدات لثلاث سفن حتى الآن.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك اجتمع في القدس المحتلة مع وزير الخارجية القبرصي ماركوس كبريانو. وذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن المحادثات تطرقت إلى تداعيات عملية الاستيلاء على قافلة السفن الدولية إلى غزة، مشيرة إلى أن باراك أعرب لكبريانو عن تقديره لـ«المسؤولية التي أبدتها قبرص بمنعها إبحار القافلة من موانئها». وأوضحت أنّ الاجتماع تناول السبل الكفيلة بمنع تكرار مثل هذه الأحداث.
غليان الشارع
إلى ذلك، استمرت حالة الغليان الشعبي في كافة أنحاء العالم. وفيما تواصلت الاحتجاجات الشعبية في الشارع التركي لليوم الخامس على التوالي، هب عشرات آلاف المصريين للتظاهر في القاهرة وغالبية المحافظات المصرية احتجاجا على الحصار الإسرائيلي المتواصل لغزة والعدوان على «أسطول الحرية»، مرددين هتافات مؤيدة لحركة حماس. وشهدت العديد من العواصم الأوروبية تظاهرات مشابهة، لا سيما في بروكسل وفيينا وروما وتورينو واستوكهولم واستراسبورغ وأمستردام، وهامبورغ وزيوريخ، بالاضافة الى بغداد والمنامة والخرطوم وعمان، الى جانب تظاهرات في ماليزيا وكوريا الجنوبية والهند وكشمير وفنزويلا وباكستان والسنغال والسلفادور.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد