تقرير إسرائيلي يشير إلى الشرخ المذهبي في لبنان
من بين كل دول المنطقة، خص التقرير الاستراتيجي السنوي الصادر مؤخرا عن مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، مصر ولبنان بمقالة لكل واحدة منهما. وفيما أشارت المقالة حول مصر إلى «سياسة كبح الهزات» المنتهجة هناك، تناولت المقالة عن لبنان «الدمقرطة والأسلمة». وأعدت المقالة اللبنانية الباحثة في المركز برنديتا برتي.
وتبدأ المقالة بإشارة إلى استئناف الحوار الوطني اللبناني في آذار الماضي الذي خصصت جلسته لبحث استراتيجية الأمن القومي اللبناني. وأوضحت أن عواقب حرب لبنان الثانية (عدوان تموز 2006) تبدت في إظهار الفارق بين ائتلاف 14 آذار الداعي لنزع سلاح المقاومة والقوى الداعمة لـ«حزب الله» الرافضة هذا الخيار. وأشارت إلى أن فرص الاتفاق على حل لهذه المسألة ضئيلة، وأن الحكومة الجديدة في لبنان تعجز عن فرض جدول أعمال سياسي.
وتبين الباحثة أنه بعد «ثورة الأرز» العام 2005 التي انتهت بانسحاب الجيش السوري، عانت الدولة من متاعب الوفاق الوطني وتنامي الخصوصية الطائفية والأسلمة الاجتماعية. ولم تفلح مساعي انتهاج اصلاحات بسبب ضعف الحكومة ورغبتها في المحافظة على الهدوء الداخلي الهش عبر تقاسم النفوذ مع المعارضة. وتزايدت في هذه الأثناء الشروخ وتنامت السلفية ومخاطر الاصطدامات الطائفية.
وتعود الباحثة إلى القانون الانتخابي الذي أقر في العام 2008 والذي سمح بانتخابات أكثر شفافية وبالتالي ديموقراطية. غير أن هذا القانون يعاني من جملة عيوب بينها عجزه عن ملاحقة ظاهرة شراء الأصوات وهي ظاهرة مستشرية سمحت للاعبين خارجيين مثل إيران والسعودية بالتدخل المباشر في السياسة الداخلية عبر تمويل الحملات الانتخابية للقوى المشاركة، بحسب التقرير الذي لاحظ أن أحد أسباب انتشار الظاهرة هذه هو عدم اعتماد بطاقات اقتراع موحدة وسماحها للكتل بطباعة مثل هذه الأوراق. ولم يتبن القانون الانتخابي أيضا توصية انتهاج أسلوب الانتخاب النسبي. وعموما لم يحل القانون الجديد مشكلة عدم التساوي في الأصوات المطلوبة لانتخاب أي نائب.
ورغم عيوب القانون الجديد إلا أن إقراره اعتبر خطوة إيجابية وهو ما دفع الرئيس ميشال سليمان للمطالبة بسن قانون جديد يعتمد على الأسلوب النسبي.
عموما أنتجت الانتخابات وفق القانون الجديد في العام 2009 فوزا لقوى 14 آذار، بحسب المقالة. وبنظرة أولية بدا أن فوز هذه القوى خلق بداية لميل متزايد نحو دمقرطة النظام السياسي اللبناني. غير أن الواقع اللبناني في العام 2010 أكثر تعقيدا مما يبدو ظاهريا. فأولا، النظام الانتخابي يخلق فارقا بين عدد الأصوات التي ينالها حزب وعدد المقاعد التي ينالها. وهكذا على الرغم من أن ائتلاف 14 آذار فاز بـ 71 مقعدا من بين 128 إلا أنه لم ينل سوى 45 في المئة من الأصوات. أما ائتلاف 8 آذار الذي نال 55 في المئة من الأصوات فلم يفز إلا بـ 57 مقعدا في مجلس النواب. وهكذا فيما فازت قوى 14 آذار بالمقاعد اضطرت للإقرار بالأغلبية الشعبية للمعارضة وهو ما انعكس في تشكيلة الحكومة. وإعادة ترتيب تقاسم القوى قللت بشكل حاد من قوة الغالبية المنتخبة وقلصت فرص التنفيذ السريع لجدول أعمال الحكومة المنتخبة. وقد تصدع ائتلاف 14 آذار بانسحاب الحزب التقدمي الاشتراكي منه واقترابه من ائتلاف 8 آذار. وبالعموم فإن انتخابات العام 2009 أظهرت حدة الشرخ الطائفي في الحلبتين السياسية والاجتماعية اللبنانية.
وتلحظ الباحثة أنه رغم ميل قوى 14 آذار للغرب وللنهج الديموقراطي عموما، فإن هذا لا يعني أن جدول الأعمال الديموقراطي والليبرالي حكر عليها. فالمعارضة بزعامة «حزب الله» تقف عمليا في مقدمة جبهة المعركة السياسية من أجل التمثيل النسبي وإلغاء التقسيم الطائفي، وهي خطوات تفسر عموما على أنها إلزامية لتحسين الديموقراطية في لبنان. وعموما لا ترى الباحثة في ذلك أن المواقف هنا أو هناك تعبر عن موقف تقدمي أو رجعي لأن الأمور أكثر تعقيدا في لبنان.
وهنا تخلص الباحثة إلى أنه لا ينبغي تجاهل واقع أن لبنان يدخل بالتدريج في صيرورة انتهاج نظام ديموقراطي في عهد ما بعد الانسحاب السوري. لكن هناك أمورا تعرقل ذلك. وتشير بوضوح إلى أن بين أبرز هذه العوائق تنامي الخصوصية الطائفية والأسلمة.
وفي هذا السياق تظهر الكاتبة أنه إلى جانب «حزب الله» الذي منذ تأسيسه في العام 1982 شرع بترسيخ نفسه كقوة سياسية أساسية في الحلبة الشيعية، زادت قوى سنية من نفوذها بعد الانسحاب السوري. وقالت إن هذه القوى السنية كانت أثناء الوجود السوري تخضع لمراقبة دائمة ولم تكن قادرة على رفع صوتها بالانتقاد لا للحكومة ولا لسوريا مما أضعف مكانتها السياسية وقلص نشاطها. لذلك فإن زيادة فعالية هذه القوى في السنوات الأخيرة لا ينبغي أن يفاجئ أحدا. وتعدد في هذا الصدد الجماعة الإسلامية وحزب التحرير إلى جانب جماعات سلفية ذات إلهام وهابي.
وترى الباحثة أنه رغم أن «تيار المستقبل» لم يدعم علنا الجماعات الإسلامية إلا أنه طور علاقات معها استنادا إلى جدول أعمال مشترك معاد لسوريا و«حزب الله». وتم اتهام «المستقبل» بغض الطرف عن النفوذ المتعاظم للجماعات السلفية والسماح بنشوء جماعات جديدة بدعم سعودي. وبرزت التنظيمات السلفية في الأعوام الأخيرة في إطار ما سمي «ظاهرة التسرب العراقي» التي تعني عودة المجاهدين الذين قاتلوا في العراق إلى دولهم أو دول مجاورة. وبين الجماعات السلفية الجهادية في لبنان، عصبة الأنصار، جند الشام والأهم «فتح الإسلام».
ولاحظت برتي أن تواجد الجماعات السلفية الجهادية في المخيمات الفلسطينية شكل تحديا لقيادة فتح التاريخية وبالتالي صدامات متكررة بين الطرفين. وترى أن ضعف هذه الجماعات في مواجهة فتح دفعها للتحرش بالدولة اللبنانية وهو ما أثار من جديد وضع المخيمات والسيطرة الأمنية فيها. وتستذكر الكاتبة بشكل موسع أحداث مخيم نهر البارد والصدامات السلفية مع «حزب الله» بعد السابع من أيار 2008 وكذلك الاشتباكات في طرابلس بين أحياء سنية وعلوية. وتنتهي بالإشارة إلى أن العلاقة بين التنظيمات السلفية و«حزب الله» تتراوح بين العداء المتبادل إلى المواجهة الصريحة. ومع ذلك تشدد على أن الحركة السلفية في لبنان لا تشكل خطرا جديا على «حزب الله» لأن السلفيين اللبنانيين لا يزالون قوة هامشية على المستويين السياسي والعسكري. إلا أنها تخلص إلى أنه رغم هامشية هذه القوى السلفية في لبنان مقارنة بـ«حزب الله» فإن تناميها ظاهرة تستحق الاهتمام لأنها تعزز الشروخ الدينية القائمة وتشجع الخصوصية والراديكالية وتزيد من احتمالات الصدام الطائفي.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد