أجندة مجلس التعاون الخليجي في سورية
الجمل: تصاعدت التوترات كثيراً بين سوريا ودول مجلس التعاون الخليجي بسبب تطورات فعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي السوري، وفي هذا الخصوص فقد ركزت وجهات النظر على قيام مجلس التعاون الخليجي وعلى وجه الخصوص دولة قطر بتقديم الدعم المادي والرمزي لخصوم دمشق، وفي هذا الخصوص نشر معهد السلام الأمريكي ورقة بحثية سعى من خلالها الخبير إيميل هوكايم لجهة الكشف عن خلفيات التوترات السورية ـ الخليجية: فكيف يبدو مشهد التوترات الجارية تحت السطح وفوق السطح، وما هي الأبعاد غير المعلنة التي شكلت محفزات هذه التوترات؟
* القراءة في سياقات الموقف السعودي ـ الخليجي
سعى الخبير إيميل هوكايم في مستهل ورقته البحثية لجهة التعامل مع معطيات أساسية استند عليها كعناصر تحليلية، وهي:
• متغير الاضطراب الناشئ بفعل وقائع الحدث الاحتجاجي: يقول هوكايم بأن دول مجلس التعاون الخليجي قد وجدت في وقائع الحدث الاحتجاجي السوري فرصة سانحة لجهة ممارسة الانتقام ضد إيران.
• متغير القدرات: يرى هوكايم بأن دول مجلس التعاون الخليجي لا تملك القدرات اللازمة لجهة إنفاذ سيناريو انهيار دمشق، وذلك لأن قدرات دول الخليج لجهة القيام بعمليات إسقاط القوة، واحتواء دمشق هي قدرات محدودة.
• متغير الانسجام: يقول هوكايم بأن العداء للنظام في دمشق لا ينسجم مع المصالح الخليجية ولا حتى مع وجهة النظر الخليجية السابقة إزاء دمشق، وبرغم تزايد وتائر الخصومة مع دمشق، فإن دول مجلس التعاون الخليجي ما تزال متباينة إزاء تفاصيل التنسيق الاستراتيجي والدبلوماسي إزاء دمشق.
• متغير البعد الطائفي: يرى هوكايم بأن تأثير العامل الطائفي أصبح يمارس حضوره القوي في تعليقات رجال الدين الخليجيين، وأيضاً في الفعاليات الإعلامية الخليجية المعادية لدمشق، الأمر الذي أسفر عن إنتاج خطاب طائفي ضد سوريا.
• متغير المعارضة السورية: يقول هوكايم، بأن أجزاء من المعارضة السورية، انخرطت في عملية تعاون وتواصل مع الأطراف الخليجية وبالذات السلطات القطرية، والتي تقوم بتزويدها بالدعم المادي والرمزي، وإغراءها بالمزيد، وبرغم هذا التواصل، فإنه ما زال هناك قدر من عدم الثقة بين الطرفين، إضافة إلى أن فصائل المعارضة السورية لم تتوحد بشكل قاطع لجهة اعتماد خيار التعاون الكامل مع قطر وبلدان الخليج.
على أساس اعتبارات هذه المتغيرات، سعى الخبير إيميل هوكايم لجهة القيام بتحليل وتفسير معطيات العلاقات السورية الخليجية على خلفية المواقف المتبادلة حول فعاليات الحدث الاحتجاجي السوري بحيث تقوم دمشق من جهة باتهام الأطراف الخليجية وبالذات قطر بتقديم الدعم لفعاليات الحدث الاحتجاجي، وبالمقابل تقوم الأطراف الخليجية وبالذات قطر بالاستمرار في تقديم الدعم والسند لفعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي السوري.
* حسابات دول مجلس التعاون الخليجي: لماذا الاشتباك مع دمشق؟
أشارت الورقة البحثية إلى ردود أفعال دول مجلس التعاون الخليجية باعتبارها قد أخذت طابعاً متطوراً، منذ لحظة البداية وحتى اللحظة الراهنة، وفي هذا الخصوص أشارت الورقة البحثية إلى المعطيات التحليلية ضمن التوصيف الآتي:
• لم تكن دول مجلس التعاون الخليجي تتوقع اندلاع شرارة الحدث الاحتجاجي السياسي في سوريا، وبالتالي فقد فوجئت بالأمر عند بدايته.
• تعاملت دول مجلس التعاون الخليجي بقدر من الارتباك واللايقين إزاء شرارة الحدث الاحتجاجي السوري، لحظة انطلاقها، وعلى وجه الخصوص إزاء المفاضلة بين جدوى الآتي:
ـ مدى إمكانية استثمار الفعاليات لجهة القيام بدعم الحدث الاحتجاجي بما يؤدي إلى تغيير النظام في دمشق، الأمر الذي يدعم روابط دول المجلس مع واشنطن وبلدان غرب أوروبا.
ـ مدى إمكانية استثمار الفعاليات لجهة القيام بدعم عملية وساطة ينتج عنها التوصل إلى تسوية أزمة الفرقاء السوريين، الأمر الذي يدعم قوة الدبلوماسية الخليجية.
• أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي أكثر ميلاً لجهة التخلي عن خيار صفقة التسوية، والاتجاه نحو تفضيل خيار استهداف دمشق، وذلك بسبب الآتي:
ـ استمرار زخم فعاليات الحدث الاحتجاجي.
ـ تزايد ضغوط خصوم دمشق على بلدان مجلس التعاون.
• تزايد استدعاء نخبة دول مجلس التعاون الخليجي لمعطيات إرث الخلافات السابقة مع دمشق، وهي المعطيات التي انطوت على الآتي:
ـ الموقف الخليجي السلبي إزاء الحركات السياسية ذات التوجهات القومية العربية، خاصة وأن دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت لها حساسية متزايدة إزاء هذه الحركات بعد قيام نظام الزعيم العراقي السابق صدام حسين بغزو واحتلال الكويت.
ـ تزايد نفوذ التوجهات السلفية ـ الوهابية في عملية صنع واتخاذ القرار في دول المجلس إضافة إلى دورها الفاعل في تشكيل الرأي العام في دول المجلس إزاء الطوائف الإسلامية الأخرى، المفارقة للتيار السني السلفي الوهابي.
ـ تزايد حساسية دول مجلس التعاون الخليجي لتزايد وتائر علاقات دمشق ـ طهران.
هذا، وأشارت الورقة البحثية إلى أن نخبة دول مجلس التعاون الخليجي ظلت تنظر إلى قوى 14 آذار اللبنانية باعتبارها الحليف الرئيسي لدول المجلس في لبنان وذلك لجهة ارتباطها بالسنة اللبنانيين والذين تعتبرهم السعودية جزءاً من المجتمع الإسلامي السني العالمي الذي تعتقد الرياض بأنها المسؤول الأول عنه في مواجهة المجتمع الشيعي العالمي الذي تنظر طهران إلى نفسها باعتبارها المسؤول الأول عنه. وتأسيساً على ذلك، فقد نظرت دول مجلس التعاون الخليجي إلى دور دمشق الداعم لحزب الله اللبناني ليس باعتباره دوراً داعماً للمقاومة وإنما باعتباره دوراً يندرج ضمن مهددات المجتمع السني اللبناني المرتبط بالسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.
* حسابات دول مجلس التعاون الخليجي إزاء دمشق: الطموحات الجديدة
تطرقت الورقة البحثية إلى انتقال دول مجلس التعاون الخليجي باتجاه إدراك جديد لبنود معادلة توظيف فعاليات الحدث الاحتجاجي السوري، بما يتيح لدول المجلس تحقيق بنود جدول الأعمال الآتي:
• إعادة ضبط التوازنات الإقليمية: سعت النخبة الخليجية إلى التعاون مع واشنطن لجهة السيطرة على العراق وإبعاده عن طهران. إضافة إلى تعزيز موقف المجتمع السني العراقي، ولكن بخروج القوات الأمريكية من العراق خسرت النخبة الخليجية حساباتها إزاء العراق، فقد أصبحت بغداد نقطة قوة مضافة لصالح طهران، وإزاء ذلك تحاول النخبة الخليجية الآن استهداف دمشق بما يجعلها نقطة قوة مضافة لصالح دول مجلس التعاون الخليجي.
• حسم مصير الملف اللبناني: النجاح في استهداف دمشق سوف يتيح لحلفاء دول مجلس التعاون الخليجي في لبنان الصعود مرة أخرى إلى السلطة في بيروت، الأمر الذي سوف يعيد لبنان مرة أخرى إلى دائرة نفوذ دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى إبعاد بيروت عن طهران وجعل لبنان يشكل نقطة قوة ثانية مضافة لصالح دول مجلس التعاون الخليجي.
• تعزيز الروابط القبلية ـ الطائفية: تنظر نخبة دول مجلس التعاون الخليجي إلى المكونات القبلية ـ الطائفية في المنطقة العربية ككل وفي مناطق الرقعة الممتدة من اليمن وحتى الساحل السوري واللبناني، بشكل مختلف، وفي هذا الخصوص، فإن هذه النخبة تسعى إلى تعزيز نفوذ المجموعات الطائفية والقبلية التي تنسجم مع مكونات دول المجلس. وتأسيساً على ذلك، فإن إدراك نخبة دول مجلس التعاون الخليجي إزاء مجموعات الشيعة الخليجيين ومجموعات البدون، أخذ طابعاً عابراً للحدود، باتجاه المناطق الواقعة شمال وجنوب رقعة دول مجلس التعاون الخليجي، ومن أمثلة ذلك على سبيل المثال لا الحصر: موقف دول مجلس التعاون الخليجي إزاء ملف الشيعة الزيدية في اليمن.
افترضت الورقة البحثية أن نخبة دول مجلس التعاون الخليجي قد قطعت شوطاً كبيراً في مسيرة استهداف دمشق، وبأن مسيرة هذه الخصومة قد تجاوزت نقطة اللاعودة، إضافة إلى قيام العديد من الفئات الخليجية بالانضمام إلى مسيرتها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تزايدت فعاليات زعماء الجماعات السلفية ـ الوهابية المعادية لدمشق، وأصبحت تصريحات رجال الدين من أمثال يوسف القرضاوي المرتبط بقطر، تسير جنباً إلى جنب مع فعاليات الأجهزة الإعلامية والصحفية الخاصة بدول المجلس، وبرغم كل ذلك، فقد خلصت الورقة البحثية إلى أن فعاليات دول مجلس التعاون الخليجي ضد دمشق سوف تظل محدودة التأثير، وبسبب إدراك نخبة دول المجلس لهذه الحقيقة، فقد سارعت لجهة توسيع دائرة الاصطفافات عن طريق القيام بضم أنقرا، وذلك لمعادلة التوازن الإقليمي، بحيث إذا كانت طهران تقف إلى جانب دمشق، فإن أنقرا تقف إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي، وإضافة لذلك، فإن إدراك دول مجلس التعاون الخليجي لفعاليات الحدث البحريني باعتبارها فعلاً إيرانياً، فإن دعم فعاليات الحدث السوري سوف يتيح لدول المجلس نقل رسالة واضحة لطهران مفادها أن دمشق سوف تكون الثمن المقابل للمنامة، وعلى خلفية هذا التلميح أشارت الورقة البحثية إلى أن قطر قد سعت إلى مطالبة طهران بضرورة الابتعاد عن دمشق كشرط لقبول دول المجلس للتعاون مع طهران.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد