خطةالبنتاغون"الخيارالسلفادوري": نشر فرق الإعدام والموت في سورية (2-2)
الجمل- ميشيل تشوسودوفسكي ـ ترجمة عاصم مظلوم: شرارة الأزمة لم تنطلق نتيجة السياسات الداخلية غير المتوازنة، بل كانت نتيجة خطة مدروسة وضعها تحالف أمريكا والناتو لإشعال فتيل الفوضى الاجتماعية، ولنزع مصداقية حكومة الرئيس الأسد وبالتالي زعزعة استقرار سورية كأمة.
منذ منتصف آذار 2011، قامت المجموعات المسلحة الإسلامية المدعومة سرا من الاستخبارات الغربية والاسرائيلية بشن عدة هجمات إرهابية ضد المباني الحكومية إضافة إلى أعمال الحرق والتدمير.
كما هو مثبت بالوثائق، استهدف القناصة والمسلحين عناصر من القوات المسلحة والمدنيين العزل.
الهدف من هذه الهجمات المسلحة هو تحريض الشرطة والجيش على القيام برد فعل يشمل نشر الدبابات والمدرعات علنا كي يتم تبرير التدخل العسكري "الإنساني" عبر تكليف الناتو بمهمة "واجب الحماية".
طبيعة النظام السياسي السوري
من المؤكد وجود أسباب للاضطراب الاجتماعي في سورية، فنسبة البطالة ارتفعت في الأعوام الأخيرة، وتدهورت الأوضاع الاجتماعية بشكل خاص بعد تبني سياسة الاصلاح الاقتصادي عام 2006 التي كانت نتيجة لتبني توجهات صندوق النقد الدولي. وتضمنت تلك السياسة إجراءات صارمة كتجميد الأجور، تحرير النظام المالي، الإصلاح التجاري والخصخصة.
علاوة على ذلك، يوجد انقسام فعلي داخل الحكومة السورية والجيش، فالسياسة الشعبية لحزب البعث أصبحت بالية بقيام جزء من المؤسسة الحاكمة بتبني خيارات الليبرالية الجديدة. في المقابل تبني سياسة صندوق النقد الدولي أدت إلى زيادة غنى النخبة الثرية المسيطرة على الاقتصاد، بالإضافة إلى ظهور فئات مؤيدة لأمريكا ضمن الرتب العالية في مؤسستي الجيش والاستخبارات. لكن الحركة "المؤيدة للديمقراطية" المحتضنة من الاسلاميين والمدعومة من الناتو و"المجتمع الدولي" لم تنبثق من غالبية المجتمع المدني السوري.
يسيطر الاسلاميون بشكل كبير على الحركة الاحتجاجية، وهذه الحركة تمثل جزءا صغيرا من الشعب السوري، وهي ذات طبيعة طائفية وهي لا تقدم حلولا لمشاكل عدم المساواة الاجتماعية، الحقوق المدنية والبطالة.
غالبية المجتمع السوري (بما في ذلك المعارضين للرئيس الأسد) لا تدعم "الحركة الاحتجاجية" التي تتسم بالعمليات المسلحة، وفي الحقيقة تلك الغالبية تعارض تماما تلك الحركة.
المفارقة هنا أنه بالرغم من الطبيعة الشمولية للحكومة، تتمتع حكومة الرئيس الأسد بدعم ملموس من الشعب وقد تأكد ذلك بمسيرات التأييد الضخمة.
تعتبر سورية الدولة الوحيدة المستقلة والعلمانية المتبقية في العالم العربي، وقاعدتها الشعبية المعادية للامبريالية والعلمانية إنما هي نتيجة لمبادىء حزب البعث الذي لا يفرق بين الطواثف والأديان، وهي تدعم نضال الشعب الفلسطيني.
الهدف النهائي من تحالف أمريكا والناتو هو تمزيق وتدمير سورية كدولة مستقلة علمانية، والتخلص من النخب الاقتصادية الوطنية وصولا إلى استبدال نظام الرئيس الأسد بمشيخة عربية بصورة دولة إسلامية تكون موالية لأمريكا أو موالية "للديمقراطية الأمريكية".
بطبيعة الحال تقوم وسائل الاعلام بالتعمية على دور التحالف العسكري الأمريكي – الاسرائيلي – الناتو في تحريك الهجمات المسلحة، بل وأكثر من ذلك، العديد من "الأصوات التقدمية" تقبلت مقولات الناتو عن "المظاهرات السلمية" التي تتعرض "للقمع الوحشي من قوى الأمن والجيش السوري".
التمرد المدمج مع الإرهاب
أكدت قناة الجزيرة ووسائل الاعلام اللبنانية والاسرائيلية قيام "المتظاهرين" بإحراق مقرات حزب البعث والقصر العدلي في درعا في منتصف آذار الماضي، لكنها تزعم بذات الوقت أن المظاهرات كانت "سلمية".
لقد تمكن المتمردين المسلحين من اختراق الحركة الاحتجاجية الشعبية وجرى المزيد من عمليات الإحراق في حماة خلال شهر تموز، حيث تم إحراق المباني الحكومية والمحكمة والمصرف الزراعي.
التمرد موجه ضد الدولة والهدف النهائي من عدم الاستقرار السياسي هو تغيير النظام، وفرق الاغتيال التابعة للمسلحين قامت بأعمال إرهابية ضد المدنيين والعسكريين على حد سواء.
يتعرض المدنيون المؤيدون للحكومة للتهديد والترهيب وهم هدف لعمليات الاغتيال التي تنفذها المجموعات المسلحة.
في الكرك قرب درعا قام السلفيون بإجبار السكان على المشاركة في مظاهرات معارضة للحكومة ونزع صور الرئيس الأسد من بيوتهم. حسب رواية شهود عيان، تم شنق شاب على شرفة منزله في اليوم التالي لرفضه إزالة الصورة من منزله.
الناس يريدون الخروج بشكل سلمي للمطالبة بتغيرات محددة، لكن الجماعات السلفية تتسلل بينهم لتحقيق أهدافها، وتلك الأهداف ليست السعي للتغيير من أجل سورية أفضل، بل من أجل تحقيق أجنداتها الخاصة.
تجنيد المجاهدين: الناتو وتركيا
التمرد في سورية يتسم بذات مواصفات التمرد في ليبيا: فهو تحتضنه مجموعات مسلحة لها علاقة بتنظيم القاعدة. التطورات الأخيرة تشير إلى وجود مجموعات متمردة مسلحة إسلامية مدعومة من الناتو والقيادة العليا التركية.
"يقوم المسؤولين في مقر عمليات الناتو في بروكسل والقيادة العليا التركية برسم خرائط الخطوة العسكرية الأولى في سورية، وهي تسليح المتمردين بأسلحة لمواجهة الدبابات والمروحيات السورية التي تعتبر رأس الحربة في القضاء على المنشقين. بدلا من تكرار النموذج الليبي من الضربات الجوية، يفكر المخططون الاستراتيجيون في الناتو في إرسال كميات ضخمة من الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، مدافع الهاون، والأسلحة الرشاشة الثقيلة إلى مراكز الاحتجاجات بهدف صد القوات السورية الحكومية". (موقع DEBKAfile, NATO to give rebels anti-tank weapons, August 14, 2011)
ومخطط تدخل الناتو أصبح الآن على طاولة النقاش، وحسب مصادر عسكرية واستخباراتية، تقوم تركيا والمملكة السعودية والناتو بدراسة "شكل هذا التدخل".
تحول في البنية العسكرية التركية
في أواخر تموز، قام قائد الجيش ورئيس أركان الجيش التركي، الجنرال ايشيك كوشنار، بتقديم استقالته هو وقادة القوى البحرية والجوية. الجنرال كوشنار يمثل التيار العلماني في الجيش التركي، وتم تعيين الجنرال نجدت أوزال خلفا له في قيادة الجيش ورئاسة مجلس الأركان.
لهذه التطورات أهمية فائقة، فهي تشير إلى حصول تحول ضمن القيادة العسكرية التركية العليا لمصلحة الإخوان المسلمين ومنها دعم أكبر للتمرد المسلح في شمال سورية.
تؤكد مصادر عسكرية أن المتمردين السوريين " يتدربون مع ضباط أتراك في معسكرات خاصة على استخدام الأسلحة الحديثة في معسكرات تركية على مقربة من الحدود السورية"، ويتم تسليم الأسلحة إلى المجموعات المتمردة برا، بشكل رئيسي في تركيا وتحت حماية الجيش التركي، مع بديل آخر هو نقل الأسلحة عبر الشاحنات إلى داخل سورية بحماية عسكرية تركية ونقلها إلى قادة المتمردين في نقاط التقاء يتم تحديدها مسبقا.
هذه التطورات تشير إلى احتمال تدخل عسكري تركي مباشر في النزاع، وهذا يمكن أن يؤدي إلى نشوب مواجهة عسكرية واسعة النطاق بين تركيا وسورية.
الحرب البرية بمشاركة جنود أتراك قد تعني إرسال الجنود إلى شمال سورية من أجل "اقتطاع جيوب عسكرية من سورية ليتم توفير الدعم العسكري واللوجستي والطبي للمتمردين السوريين".
كما كان الحال في القضية الليبية، تقوم المملكة السعودية بتوفير الدعم المالي للمتمردين. "ستقوم أنقرة والرياض بتقديم الحركة المناهضة للأسد بكميات كبيرة من الأسلحة والتمويل ليتم تهريبها إلى سورية من الخارج." كما تتم دراسة فكرة نشر قوات من مجلس التعاون الخليجي والسعودية في جنوب سورية بالتنسيق مع تركيا.
تجنيد آلاف الجهاديين
تم في أنقرة وبروكسل أيضا مناقشة موضوع إطلاق حملة "للجهاد" لتجنيد آلاف المسلمين المتطوعين، وهذا يذكرنا بحملة تجنيد المجاهدين لخوض "الحرب المقدسة" ضد السوفييت في الحرب السوفييتية – الأفغانية بالوكالة عن المخابرات المركزية الأمريكية. كما تفيد مصادرنا بأن أنقرة وبروكسل درستا أيضا مسألة إطلاق حملة تجنيد آلاف المسلمين المتطوعين من بلدان الشرق الأوسط والعالم الاسلامي للمحاربة إلى جانب المتمردين السوريين، حيث سيقوم الجيش التركي بإنشاء معسكرات لهم وتدريبهم وتأمين دخولهم إلى الأراضي السورية.
عملية تجنيد المجاهدين لخوض حرب الناتو "الإنسانية" تجري على قدم وساق. تم نقل 1500 مجاهد أفغاني قامت السي آي إيه بتدريبهم ليقاتلوا إلى جانب ثوار ليبيا "المؤيدين للديمقراطية" تحت إمرة عبد الحكيم بلحاج، القائد السابق للجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة.
" تم تجنيد معظم العناصر من أفغانستان، وهم من الأوزبك، الفرس والهزاريين. وفق صور وثائقية ظهر هؤلاء المقاتلين وهم يقاتلون في المدن الليبية" ((The Nation, Pakistan
النموذج الليبي للمتمردين المدمجين ضمن سرايا إسلامية مع قوات خاصة من الناتو يتوقع تطبيقه في سورية، وخاصة بعد أن تم نشر مقاتلين إسلاميين مدعومين من الاستخبارات الغربية والاسرائيلية فيها.
إشعال نار الإنقسام الطائفي في المجتمع السوري
سورية دولة علمانية يتشارك فيها المسلمون والمسيحيون تراثا تاريخيا منذ ظهور الدين المسيحي، ويتعايشون فيها منذ قرون.
يتم تقديم الدعم للمفاتلين الجهاديين، وهم بدورهم مسؤولون عن العنف الطائفي الذي يستهدف العلويين، المسيحيين والدروز، وتوجد تقارير تعود إلى أوائل أيار عن قيامهم بمهاجمة بيوت للمسيحيين في درعا.
في إحدى القرى المسيحية خارج درعا، وحسب شهود عيان، قام حوالي 20 مسلح على الدراجات بإطلاق النار على منزل لمسيحيين مع إطلاق شعارات شريرة ضد المسيحيين. ووفقا لمصدر آخر، تلقت عدد من الكنائس رسائل تهديد أثناء عيد الفصح تطلب منهم الانضمام للمظاهرات السلفية أو الرحيل.
في دوما التي تقع في ضواحي دمشق، رفع المتظاهرون شعار "العلوية للتابوت والمسيحية إلى بيروت"! حسب وكالة التيار الاخبارية. يشعر المسيحيون في سورية بالقلق إلى أجندة العديد من التيارات المتشددة ومنها التيار السلفي، التي تهدف إلى الإستيلاء على الحكم وطرد المسيحيين إلى الخارج. وقد صرح قائد مسيحي "في حال تمكن السلفيون من الحصول على نفوذ سياسي، سيجرصون على مسح أي أثر للمسيحية في سورية."
أيدن كلاي: "نحن نرغب بتطوير الحياة والحقوق في سورية بقيادة الرئيس الحالي، لكننا لا نريد الإرهاب. المسيجيون هم أول من يدفع ثمن الإرهاب... مطلب المسيحيين هو أنه عندما يحدث التغيير، ألا يكون التغيير وفق أجندات معينة أو أجندات أشخاص معينين، بل أن يكون التغيير لصالح الشعب السوري بطريقة سلمية بقيادة الحكومة الحالية."
"على عكس الوضع في مصر، حيث قام المسيحيون بدعم الثورة التي أطاحت بحسني مبارك، يرغب مسيحيو سورية بالسلم وبنفس الوقت يطالبون بإصلاحات أكبر تحت لواء الحكومة الحالية. يتوقع المسيحيين أن تلبية مطالب السلفيين سيؤدي إلى الفوضى وسفك الدماء. نحن نطالب الحكومة الأمريكية أن تتصرف بحكمة وحذر عند وضع سياسات لها آثار سياسية عميقة على الأقليات في سورية عبر عدم توفير دعم غير مباشر لحصول السلفيين على موطىء قدم لاستغلاله في تطبيق أجندتهم المتطرفة." (Syrian Christians Threatened by Salafi Protestors, Persecution News, International Christian Concern (ICC), May 4, 2011)
الهجمات على المسيحيين في سورية تعيد ذكريات عمليات القتل التي مارستها فرق الموت في العراق بحق المسحيين في العراق.
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد