عسكر المعارضة السورية: صراعات داخليّة وارتباطات خارجيّة
بين اجتماعي الدوحة ومراكش للمعارضة السورية، تم وضع اللمسات الأخيرة على المشروع الدولي لتوحيد المعارضة السورية العسكرية. كان واضحاً منذ اجتماع الدوحة أنّ واشنطن لديها شرط أساسي للاعتراف بالائتلاف الوطني المعارض، وهو إثبات قدرته على إنشاء جسم عسكري موحّد، تنضوي تحت لوائه كتائب الداخل دون القوى المتطرفة إسلامياً. وقدمت الاستخبارات الغربية رؤيتها التفصيلية لهذه المهمة من خلال الإشارة إلى أنّه داخل سوريا يوجد بين مجموع المقاتلين «ثلث» ينتمي إلى فكر تكفيري سلفي و«ثلثان» ينتميان إلى مشارب مختلفة، وكلّها مقبولة من واشنطن. والمطلوب من الائتلاف الوطني إثبات قدرته على توحيد هذين الثلثين تحت لوائه عبر تشكيل قيادة جديدة للجيش السوري الحر، لديها فعالية ووجود على الأرض داخل سوريا.
وخلال الأيام القليلة الماضية، تمّت الاستجابة للوصفة الأميركية، وأُلّف مجلس أعلى جديد للجيش الحر، يضمّ غالبية المجموعات المقاتلة الميدانية، باستثناء التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها «جبهة النصرة» التي يقودها أبو محمد الجولاني. ووضع على رأس المجلس العميد سليم إدريس رئيساً لهيئة الأركان مع مساعدين.
على الورق، يبدو التشكيل الجديد قادراً على حلّ معضلة المعارضة المسلحة التي علق بها طوال المرحلة الماضية أمران مثّلا عائقاً أمام فتح باب تسليحها نوعياً، من قبل دول الاتحاد الأوروبي وواشنطن، وهما، اختراقها من قبل القاعدة، والثانية عدم تنظيمها وارتكابها ممارسات إجرامية.
هل تنجح هذه التركيبة؟
الإجابة عن هذا السؤال تحتّم دراسة واقع المعارضة المسلحة حالياً على الأرض، وملامح مكوّناتها وعلاقاتها البينية. وأول أمر يسترعي الانتباه في هذه الحيثية هو أنّ مشكلة تشتّت المعارضة غير ناتجة، فقط، من قدرتها الذاتية على الانتظام والاصطفاف ضمن تراتبيات واضحة ومتصلة، بل يرقى الأمر إلى وجود مشاكل سياسية وعقائدية وشخصية، حتى داخل صفوف المعارضين العسكريين، الذين تصنفهم واشنطن بأنهم «الثلثان»، الذين لا ينتمون إلى حركات أصولية متطرفة.
الصراع الأول الذي لا تستطيع واشنطن السيطرة عليه، داخل هذا الجزء من المعارضة، يتّصل بوجود افتراق كبير وتنافس شخصي حادّ بين الضباط المنشقين عن الجيش السوري النظامي. وواضح أنّ استبعاد التشكيل الجديد لكلّ من العقيد رياض الأسعد والعميد مصطفى الشيخ، لم يكن إلّا تعبيراً عن استشعار الدوليين المعنيين بملفّ إعادة هيكلة المعارضة المسلحة بهذا الصراع، وضرورة تقليم أظافر طرف فيه لحساب طرف آخر، علّ الأمور تستقيم.
بيئة الضباط المنشقين
كان للضباط الذين بكّروا بالانشقاق عن الجيش السوري دور مهم في جعل الحراك السلمي يدخل مرحلة العسكرة الكاملة في سوريا. وظهرت الإرهاصات الأولى لهذا التحوّل من خلال قيام بعض مجالس الثورة في المحافظات، (خاصة محافظات درعا وحمص وإدلب)، بتأليف مجموعات مسلحة تابعة لها، وأطلقت عليها تسمية الجناح العسكري لقيادة الثورة السورية في هذه المحافظة أو تلك. وكانت المهمة العمليانية لهذه الكتائب محدّدة بحماية التظاهرات السلمية، عن طريق قيامها بالاشتباك مع قوات الأمن عندما تحاول قمعها.
ويُعتبر الملازم عبد الرزاق طلاس من أوائل الضباط الذين أسّسوا هذا النوع من الكتائب في حمص، تحت مسمى كتيبة الفاروق، ثم برزت كتائب أخرى، لم يكن دائماً قادتها ضباطاً منشقين، أمثال كتيبة الأمين في إدلب وكتيبة الصحابة في ريف دمشق. ثم طرأ تطوّر تراكمي لهذه التجارب، تمثّل في انشقاق العقيد رياض الأسعد، وتأسيسه الجيش السوري الحر. ولفترة غير قصيرة، أدى هذا التشكيل دور الواجهة لمعظم النشاط العسكري في الداخل، حيث أخذ يتبنى كل عمليات الكتائب المسلحة التي ازدادت ظاهرة تشكّلها، مع تعاظم تدفق الأموال والسلاح للحراك العسكري في سوريا.
في إطار هذه المرحلة، حدث تطور جوهري آخر، تمثل في انشقاق العميد مصطفى الشيخ، وأسّس المجلس العسكري الأعلى في حمص، ثمّ أبرم تسوية مع الجيش الحر بقيادة الأسعد، أنتجت حالة اندماج بينهما تحت مسمى «المجلس العسكري الأعلى للجيش الحر». ولكن نشاطات هذا المجلس اقتصرت على فعاليات قام بها خارج سوريا، كالدعم الإعلامي للثورة، وتأمين الدعم الدولي والإقليمي لها، وتواصل مع قوى «الثورة» في الخارج.
ونظر كثيرون من ضباط الداخل المنشقين إلى تحالف الأسعد _ الشيخ على أنّه محور داخل بيئة المعارضة المنحدرة من الجيش السوري، يقوم باستغلال جهدهم الصامت في الداخل وعلى أرض المعركة، لمصلحة مراكمة نفوذ سياسي ومالي له في الخارج. وأبرز تعبير عن هذا السخط قاده، آنذاك، ضابط برتبة عقيد يدعى قاسم سعد الدين، الذي أنشأ جسماً عسكرياً داخل سوريا، تحت اسم «المجلس العسكري في مدينة حمص وريفها»، ونجح في أن يوحّد ضمنه الكتائب العسكرية التي ظهرت في هذه المنطقة. وأعلن سعد الدين «عدم انضوائه تحت راية المجلس العسكري الأعلى للجيش الحر في الخارج»، وعزا السبب إلى «أنّ قادة الخارج ليس لهم أيّ ارتباط بالجيش الحر والمجلس العسكري في الداخل».
وكرّت سبحة محاكاة اعتراض العقيد سعد الدين من قبل ضباط منشقين ينتمون إلى محافظات عدة، فتأسّست في كلّ من أدلب وريفها، ودمشق وريفها، وحماة، ودير الزور، مجالس عسكرية. واختير قاسم سعد الدين ليكون رئيس القيادة العسكرية للجيش الحر (في الداخل)، إضافة إلى كونه رئيس المجلس العسكري في حمص وريفها.
ويعتبر الآن إقصاء الشيخ _ الأسعد عن قيادة الجيش الحر بمثابة استكمال لانقلاب قاسم، لكن لمصلحة رموز أخرى، داخل بيئة الضباط المنشقين عن الجيش السوري الرسمي. وسيظلّ من المهم معرفة كيف سيتعامل معها ضباط مثل عبد الرزاق طلاس وقاسم سعد الدين، وخصوصاً أنّ الأول يعتبر أنّه الأحق بأن يكون له موقع داخل هيئة الأركان الجديدة، لدوره المبكر في قيادة الانشقاق عن الجيش والالتزام بالبقاء في الميدان والنضال من الداخل، على عكس سلوك قيادة الجيش الحر التي ذهبت للنضال من عواصم الخارج. أما سعد الدين فيعتبر نفسه الأحقّ بوراثة الأسعد والشيخ في قيادة التركيبة الجديدة للجيش الحر.
وفي كلّ الأحوال، يعتبر التغيير الذي حدث داخل هيئة الأركان العليا للجيش الحر غير كاف لحسم صراع مراكز القوى بين كبار الضباط المنشقين. والمقبل من الأيام سيوضح طبيعة هذه الإشكالية لجهة كيف ستتعامل هذه الأجنحة في ما بينها على الأرض.
خارطة تقاسم النفوذ الدولي
ستواجه مهمة مركزة الجهد المسلّح للمعارضة السورية إشكالية مهمة أخرى، يمكن تلخيصها بالسؤال الآتي: هل ستقوم الدول التي تمارس نفوذاً مباشراً على مناطق معينة في سوريا، من خلال تمويل وتسليح المجموعات والكتائب العسكرية المسيطرة عليها، بالتخلي عن نفوذها فيها، لمصلحة جعل كل مناطق المعارضة، وكل الكتائب فيها، تحت سلطة عسكرية مركزية واحدة، وبالتالي تحت إرادة سياسية واحدة.
باختصار هل ترضى دول تمويل وتسليح الحراك، (خصوصاً السعودية، وقطر، وتركيا، وفرنسا، وألمانيا) ترك حصص نفوذها على الأرض لواشنطن، التي تمارس هيمنة واضحة على هيئة الأركان الجديدة للجيش الحر، أم ستمارس نوعاً من الدعم الشكلي لخطة مركزة المعارضة، من دون ترك أوراقها فيها، التي تضمن مصالحها في أيّ تسوية مقبلة في سوريا.
خلال العامين الماضيين، ارتسمت خارطة اقتسام نفوذ بين الدول الداعمة للحراك المسلح، فوق مناطق سيطرة المعارضة. وصار واضحاً للعين المجردة أنّ الدول التي تموّل وتسلّح القوة النافذة من المعارضة في هذه المنطقة أو تلك، تمتلك حقّ الفيتو السياسي فيها. وبقراءة لوقائع النفوذ الدولي فوق ساحة سيطرة المعارضة العسكرية في سوريا، يتبيّن أنّ هناك دولاً عدة لها سيطرة ونفوذ عسكري غير مباشر (عبر حلفائها المسلحين)، فوق مناطق المعارضة السورية، وهي ألمانيا بشكل خاص من بين كل الأوروبيين، وتليها فرنسا، وأميركا، وتركيا، وقطر، والسعودية.
ومن خلال رصد التفاصيل لتقسيمات النفوذ هذه، يظهر الآتي:
يسيطر عسكرياً على جزء من منطقة الأكراد في الشمال الشرقي لسوريا، إقليم كردستان شمال العراق وجنوب تركيا. وهذا النفوذ العسكري مدعوم من أوروبا، وبخاصة من ألمانيا بشكل شبه حصري، ومن خلفها إسرائيل.
محافظة دير الزور وريفها، وجزء من اللاذقية وغرب القامشلي والحسكة، يسيطر عليها عسكرياً النفوذ السلفي الجهادي، المدعوم من تركيا وليبيا ودول الخليج، وتنظيم القاعدة في الداخل باسم كتائب أحرار الشام وجبهة ثوار سوريا. وهذا الأمر يطرح التباساً حول كيف ستتعامل هذه الدول والجهات مع نفوذها في تلك المنطقة المهمة؟ هل ستتخلى عنها أم أنّها ستستمرّ بإنشاء صلات غير مرئية للحفاظ على مصالح الجميع فيها، كما هو قائم الآن؟
محافظة حلب وريفها، والرقة، وحماة وريفها، يسيطر عليها عسكرياً نفوذ المجلس العسكري في حلب، ونفوذ الإخوان المسلمين المنسّق مع تركيا. وتعتبر هذه المنطقة إلى حدّ كبير مساحة نفوذ جغرافي عسكري وأمني لأنقرة، رغم أنّ جزءاً غير قليل منها يسيطر عليه الفكر السلفي الجهادي (كتائب أحرار الشام وجبهة ثوار سوريا) المدعومين من شبكات تمويل خليجية. وحتى الآن هناك تعايش ونوع من المساكنة بين هذين الخليطين في تلك المنطقة. وليس معروفاً كيف سيقيم الخليجيون والأتراك طريقة تعاملهم مع نفوذهما فيها، وفق الخطة الجديدة.
حمص وريفها وأيضاً تدمر، يسيطر عليها عسكرياً المجلس العسكري في حمص وريفها بقيادة العقيد قاسم سعد الدين. وجزء من هذه المنطقة يسيطر عليه الفكر السلفي الجهادي القادم من لبنان (كتائب أبو زيد)، وجزء تسيطر عليه كتائب الفاروق (الملازم عبد الرزاق طلاس). وكلّ هذه القوى متضرّرة عملياً، لأسباب مختلفة، من تشكيلة هيئة الأركان الجديدة، ومن المتوقّع أن تتضافر هذه الجهات الثلاث بأساليب ملتوية، لمصلحة إفشال سيطرة هيئة أركان الجيش الحر الجديدة على منطقتها.
إدلب وريفها وجزء من ريف حماة، يسيطر عليها عسكرياً المجلس العسكري في إدلب المرتبط بالمجلس العسكري الأعلى في تركيا، والمدعوم من تحالف أنقرة مع الإخوان المسلمين. ومن المستبعد أن يتخلى الإخوان عن هذه المنطقة، والحال مشابهة بالنسبة إلى تركيا التي تعتبرها ورقة استراتيجية لضمان مصالحها في أيّ تسوية حول شكل الحكم في سوريا.
الغوطة الغربية (ريف دمشق) والكسوة، زاكية، داريا، المعضمية، قطنا، كناكر، وعرطوز. يتركّز النفوذ الكبير فيها لمصلحة المجلس العسكري في دمشق وريفها بقيادة المقدم خالد حبوس. ويتجاذب هذا الأخير النفوذ في هذه المنطقة مع نفوذ عسكري كبير لتركيا عبر الرائد السوري ماهر النعيمي المقيم في أنقرة. وكلا الضابطين هما خارج القيادة العليا الجديدة للجيش الحر، رغم فاعلية نفوذهما على الأرض. وولاء النعيمي لتركيا يظلّ أبعد أثراً من أيّ ولاء آخر، كما أن حبوس يستفيد من نفوذه على الأرض لتحسين شروط تلقّيه موازنات العمل من الخارج ومن القوى الداخلية الكبيرة والتجار، بشكل حر. وليس متوقعاً أن يتخلى أيّ منهما عن امتيازاته، تحت اعتبار مركزة العمل العسكري. الغوطة الشرقية، يسيطر عليها خليط متداخل من الجماعات الإسلامية والمنشقة عن الجيش والفلسطينيين. وتتداخل عمليات تمويلها بين أكثر من دولة.
يوجد في درعا وحوران والجنوب نفوذ مهم لبريطانيا، انطلاقاً من الأردن، وبشكل منسق مع جماعة الإخوان المسلمين فرعي سوريا والأردن، وذلك عبر مكتب استخباراتها للتواصل والتنسيق المستحدث في عمان. ومستبعد أن تفكّك لندن هذه المنظومة في تلك المنطقة، لأنّها تمثل سيطرة مهمة على مساحة واسعة واستراتيجية من ديموغرافيا المعارضة السورية.
ناصر شرارة: الأخبار
--------------------------------------------------------------------------------
مدرب إسباني للمقاتلين
يؤكد الضابط السابق في سلاح الجوّ الإسباني، لويس مونار، الذي غادر عائلته ليتوجه إلى سوريا ويشارك في تدريب مقاتلي المعارضة، أنه «ليس من المرتزقة». وأوضح هذا المدرب العسكري لوكالة «فرانس برس» أنّه انتقل إلى سوريا لأنّه «لم يحتمل يوماً رؤية أطفال يقتلون بدون ردّ». واعترف، في الوقت نفسه، بأنّها فرصة مهنية «لإغناء سيرتي، وتسمح لي بتأمين العيش لأسرتي». وقد موّل بنفسه رحلته الأولى إلى هذا البلد، متنقّلاً بين محافظتي إدلب وحلب. وأخيراً، موّلته شبكة دولية من المغتربين السوريين الذين فتحوا له قناة اتصال مع كتيبة الفاروق التي تضمّ 12 ألف مقاتل في سوريا، ومع الجيش السوري الحر. وقال مونار «أعتزّ بالقول إنّ كل الذين قمت بتدريبهم ما زالوا على قيد الحياة»، موضحاً أنّ «مقاتلين فقط أصيبا بجروح طفيفة في معارك ضد وحدة من القوات الخاصة» في تشرين الثاني الماضي. وخلال زيارته الأولى، درّب مونار مقاتلين شباناً «معظمهم لم يحملوا مسدساً في حياتهم»، على استخدام الكلاشنيكوف والقتال المباشر.
(أ ف ب)
إضافة تعليق جديد