حرب أوباما على سوريا وعواقبها
الجمل - شيموس كوك - ترجمة: د. مالك سلمان:
أعلنت إدارة أوباما سلفاً الحربَ على سوريا, مع أنها ليست "رسمية" بعد. خذوا الوقائع, وكلها أعمال حربية: تعترف الولايات المتحدة الآن بمجموعة من المنفيين السوريين بصفتها الحكومة الرسمية في سوريا؛ تقدم الولايات المتحدة الدعمَ المباشر للمتمردين الذين يهاجمون الحكومة؛ نسقت الولايات المتحدة مع الناتو مكاناً لنصب الأنظمة الصاروخية – بالإضافة إلى 400 جندي أمريكي – على الحدود التركية-السورية؛ رسم أوباما "خطاً أحمرَ" إذا تجاوزته سوريا ستقوم الولايات المتحدة بالتدخل العسكري المباشر. لو أن أي دولة أخرى تصرفت بهذه الطريقة مع الولايات المتحدة لكان ذلك إعلانَ حرب بكل تأكيد.
يتم تكرار كافة الخطوات الإستراتيجية التي قادت إلى الحرب على العراق. فقد جمع أوباما "ائتلاف الراغبين" الدولي, على غرار بوش, من عدة أمم بهدف إسقاط الحكومة السورية؛ فقد وضعت 130 دولة اسمَها على الورق لدعم عملية إسقاط حكومة الأسد.
لكن في واقع الأمر, تتشكل المجموعة في جوهرها من تحالف الولايات المتحدة/أوروبا/الناتو وملكيات الخليج. أما ما تبقى من "الائتلاف" فيه أطراف اقتصادية وسياسية تابعة لهذه المجموعات الرئيسية مستعدة للتوقيع على أي مغامرة عسكرية تقدم عليها الدول الثرية, وإلا فسيتم تجميد المساعدات العسكرية والمالية والسياسية لهذه الدول الفقيرة.
إن تعطش أوروبا المتزايد للدم ظاهرة جديدة نسبياً؛ إذ يبدو أنه تمت تسوية الانقسامات الأوروبية أثناء الحرب على العراق وبعد ذلك غزو ليبيا. فحتى ألمانيا الآن ترغب في المشاركة المباشرة في الجهود الحربية, حيث تنوي إرسال الصواريخ والجنود إلى الحدود التركية أيضاً.
لكن الناتو لا يزال تحالفاً يقع تحت سيطرة الولايات المتحدة. فأي عمل عسكري يقوم به الناتو يكون بقيادة الولايات المتحدة, بما أن الجيوش الأوروبية صغيرة بالمقارنة مع الجيش الأمريكي, كما أنها تفتقد للكثير من الأسلحة والتطور التكنولوجي الذي يتمتع به الأخير. فأنظمة الصواريخ الروسية المتطورة التي تمتلكها سوريا بحاجة إلى دور عسكري أمريكي لتحييدها.
على غرار بوش, يقوم أوباما باستخدام ائتلاف الراغبين الذي شكله لصرف الانتباه عن حقيقة تجاوزه للأمم المتحدة وتقويضه لنظام حل النزاع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية, الذي يلفظ أنفاسه سلفاً.
وعلى شاكلة بوش أيضاً, استغل أوباما الأمم المتحدة استراتيجياً لإضعاف سوريا بواسطة العقوبات, وعندما لم يكن من الممكن دفع الأمم المتحدة للعب دور أكبر – بسبب اعتراض الصين وروسيا – ألقى أوباما بالأمم المتحدة جانباً واختار الناتو, وهو تحالف عسكري أمريكي/أوروبي تم تأسيسه كقوة ردع ضد الاتحاد السوفييتي الذي لم يعد موجوداً الآن.
وعلى غرار بوش مرة أخرى, فبرك أوباما دافعاً مزيفاً للحرب. فقد سرق أوباما حجة بوش حول "أسلحة الدمار الشامل" واستبدلها ﺑ "استخدام الأسلحة الكيماوية" بمثابة فزاعة تستدعي التدخل العسكري. ففزاعة أوباما مزيفة مثلها مثل فزاعة بوش. جاء في "نيويورك تايمز":
" ... إن تأثير تلك العبارة [أن سوريا تخطط لاستخدام الأسلحة الكيماوية] تلاشى تقريباً عندما أكد وزير الخارجية الفرنسي, لوران فابيوس, خلال مؤتمر صحفي أنه لم يتم التأكد من مثل هذه التقارير."
لكن غياب هذا التأكيد لم يقلق الإعلام الأمريكي الذي يكتفي بتكرار أي تقرير صادر عن الاستخبارات الأمريكية كأنه حقيقة مثبتة, بغض النظر عن الأكاذيب السابقة التي أودت بحياة الكثيرين في العراق وأماكن أخرى.
بالطبع لا تملك الولايات المتحدة أي شرعية لإيجاد "بديل" عن الحكومة السورية, بما أن الولايات المتحدة مكروهة على نطاق واسع في المنطقة بعد تدميرها للعراق وأفغانستان وليبيا, بالإضافة إلى حرب الطائرات الآلية (بلا طيار) الدائرة ضد باكستان واليمن. ليس هناك سوري واحد عاقل يدعو حكومة الولايات المتحدة من أجل "تحرير" بلاده. وفي الحقيقة فإن ائتلاف مجموعات المعارضة السورية داخل سوريا, "هيئة التنسيق الوطنية" – التي تتجاهلها الولايات المتحدة بشكل كامل – تعارض التدخل العسكري وتطالب بحل النزاع بالوسائل السياسية. وقد قال حسن عبد العظيم, أحد قادة "هيئة التنسيق الوطنية": "نرفض من حيث المبدأ أي نوع من التدخل الأجنبي العسكري لأنه يهدد حرية بلدنا."
أما الكذبة الأخرى الرائجة التي يرددها السياسيون الأمريكيون والإعلام الأمريكي الرسمي فهي أن الحكومة السورية على حافة الانهيار. وهذه الكذبة مؤثرة من حيث أنها تخلق حالة طارئة ﻠ "القيام بعمل ما". كما أنها ترسم صورة لنهايات النزاع والتي يستسيغها الأمريكيون. والحقيقة هي أن المتمردين السوريين المدعومين من الغرب قد قاموا بهجمات جريئة كبيرة تم إحباطها والرد عليها من قبل القوات الحكومية. ولكن في كل مناسبة من هذه المناسبات استخدمت الحكومة الأمريكية هذه الهجمات كذريعة لتعزيز دعمها للمتمردين والتفكير جدياً الآن بنشر صواريخ وقوات أمريكية على الحدود السورية. وبالطبع, في حال سقوط الحكومة السورية, ليس لدى أوباما أي خطة ﻠ "الحفاظ على التقرار" البلاد, بما أن القوة الضاربة للمتمردين المقاتلين في سوريا – "جبهة النصرة" – تم تصنيفها من قبل الحكومة الأمريكية كمنظمة إرهابية.
لقد خلق أوباما وحلفاؤه في الناتو وملكيات الخليج وضعاً خطيراً جداً في سوريا. فقد دمروا سلفاً النسيج الاجتماعي السوري ومزقوه إلى أشلاء من خلال دعمهم للمتمردين, لكنهم من خلال ذلك دفعوا الكثير من السوريين إلى دعم حكومتهم التي ينظرون إليها كحامٍ لهم ضد المتمردين الذين لجؤوا إلى التطهير العرقي/الديني على نطاق واسع بالإضافة إلى جرائم حرب أخرى لإخضاع السكان.
لا تزال الحكومة السورية تتمتع بقاعدة شعبية عريضة, مما يعني أن هذه الكارثة الدموية ستستمر دون أي نهاية تلوح في الأفق, وخاصة بما أن أوباما وضع نصب عينيه مسألة "تغيير النظام" ويقوم بتطويق البلد بالصواريخ والقوات الأمريكية والأوروبية. وسوف تستمر إيران وروسيا في دعم الحكومة السورية. وفي ظل ظروف كهذه يمكن أن تندلع حرب واسعة في أي وقت. يمكن للولايات المتحدة أن تزعم أن الحكومة السورية عازمة على استخدام الأسلحة الكيماوية كذريعة للتدخل المباشر. أو ربما تدعي تركيا – وهي عضو في الناتو – أن سوريا قد أطلقت الصواريخ على أراضيها, بحيث يسارع أوباما إلى "الدفاع" عن حليفته. وعندما تندلع الحرب "بشكل رسمي", يمكن لإيران أن تعزز دعمها لسوريا بإرسال القوات – عبر العراق – مما يعطي الولايات المتحدة ذريعة أخرى ﻠ "الدفاع" عن نفسها ودفع النزاع باتجاه إيران. ويمكن لحزب الله, في لبنان, وإسرائيل أن يتدخلا أيضاً, بما أن لكليهما مصالحَ في النتائج التي يؤول إليها النزاع في سوريا. ويمكن لأي سيناريو يفكر فيه المرء أن يجرَ دولاً أخرى إلى الحرب, بما في ذلك روسيا, التي تدعم الحكومة السورية سلفاً. وقد بدأ العديد من هذه السيناريوهات سلفاً بالوكالة ولا تحتاج إلا إلى دفعة واحدة لكي تتطور إلى حرب إقليمية شاملة.
إن أي أمة تتعرض للهجوم تولد منطقاً يعمل على إذكاء التوتر صادر عن تلك الدول التي تسعى لانتهاز الفرصة واستغلال الوضع. إن حرب الوكالة في سوريا على وشك أن تتحول إلى كارثة أكبر يمكن لها أن تدمر الشرق الأوسط عبر جولة جديدة من الحرب والبربرية.
("كاونتربنتش", 17 كانون الأول/ديسمبر 2012)
الجمل: قسم الترجمة
التعليقات
توخي الدقة بالتعاريف والابتعاد عن الخطاء الدارجة والمغتربون
إضافة تعليق جديد