كيف أصبح أوباما والقاعدة "طيزين بلباس واحد" في سوريا !
الجمل - شيموس كوك- ترجمة: د. مالك سلمان:
بالنسبة إلى رئيس ينفذ سياسة بوش في "الحرب على الإرهاب" ضد القاعدة و "فروعها", من المستغرب أن يستهدف الرئيس أوباما الحكومة السورية العلمانية بهدف "تغيير النظام".
ومن المستغرب أيضاً أن حليف أوباما العسكري الأقوى على الأرض في سوريا – أي القوة المقاتلة الأفضل عتاداً والأكثر تأثيراً ضد الحكومة السورية – هي "جبهة النصرة", وهي مجموعة مرتبطة بالقاعدة وتهدف إلى تحويل سوريا إلى دولة إسلاموية متطرفة تعمل على فرض نسخة أصولية من قانون الشريعة.
من الصعب أن نعرف بدقة كيف حصلت جبهة النصرة على الأسلحة, ولكن بمقدور المرء أن يخمن بناءً على المعطيات المتوفرة. فقد وضحت "نيويورك تايمز" بالتفصيل انكبابَ "سي آي إيه" على عملية شحن كمية ضخمة من الأسلحة تشمل على آلاف الأطنان من الأسلحة التي تم نقلها من السعودية وقطر إلى سوريا:
"إن دور ‘سي آي إيه’ في تسهيل شحن [الأسلحة] ... أعطى الولايات المتحدة درجة من التأثير على عملية [توزيع الأسلحة] ... وقد أكد مسؤولون أمريكيون أن مسؤولي البيت الأبيض كانوا على اطلاع دائم على شحنات [الأسلحة]".
إلى أين تذهب هذه الأسلحة في عملية نقل الأسلحة الضخمة هذه؟ يجب هنا طرح سؤال هام: أي متمردون في سوريا يمتلكون الأسلحة, وأي منهم لا يمتلكون على أسلحة؟ تقول "الغارديان":
"إن افتقارَ ‘الجيش السوري الحر’ [العلماني] للأسلحة والموارد الأخرى بالمقارنة مع ‘جبهة النصرة’ [الجهادية] موضوع يتم التطرق إليه بشكل مستمر ... ‘إذا انضممتَ إلى جبهة النصرة, فسوف تحصل على سلاحك الخاص لكن معظم كتائب ‘الجيش السوري الحر’ لا يمكنها تأمين الرصاص لمقاتليها,’ ... وقد انضمَ 3,000 مقاتل من ‘الجيش السوري الحر’ إلى جبهة النصرة في الأشهر القليلة الأخيرة, بسبب عدم توفر الأسلحة والذخيرة ... فنادراً ما ينسحب مقاتلو النصرة بسبب نقص في الذخيرة ..."
مع أنه من الصعب معرفة إن كانت الأسلحة التي نقلتها "سي آي إيه" تصل بشكل مباشر أو غير مباشر إلى جبهة النصرة, من المرجح جداً أن هذه الأسلحة تصل بشكل مباشر إلى أبناء أعمام النصرة الإيديولوجيين, بما أن غالبية المتمردين السوريين من المتطرفين الإسلامويين.
فعلى سبيل المثال, عندما قدمت مجلة "إيكونوميست" توصيفاً للمجموعات المقاتلة في سوريا, في مقالتها "من يقاتل في سوريا", أشارت – بنوع من الأسف – إلى أن المجموعة غير الإسلاموية الوحيدة موجودة في المناطق الكردية, وهي منطقة مستقلة. أما بالنسبة إلى المجموعة المقاتلة المدعومة من الولايات المتحدة "القيادة العسكرية العليا", فقد اعترفت "إيكونوميست" أن "سيطرتها محدودة جداً على الأرض". تذكروا أن مجلة "إيكونوميست" تؤيد بقوة تدخلَ الولايات المتحدة والناتو العسكري في سوريا.
كما أكدت "نيويورك تايمز" على الهيمنة التامة للمتطرفين في صفوف المتمردين:
"لا يوجد في أي منطقة في سوريا يسيطر عليها المتمردون أي قوة مقاتلة علمانية تذكر."
وهكذا فإن المقاتلين المتمردين العلمانيين, الذين يشكلون الأقلية, لا يقودون الحربَ الأهلية, ولن يصلوا إلى السلطة في حال سقوط الأسد. حيث إن الثوريين السوريين الحقيقيين سوف يقعون على الفور ضحايا للمتطرفين الذين سيسارعون إلى تصفية حلفائهم السابقين. وقد أصبح واضحاً الآن أن سياسة أوباما الخارجية في سوريا تشجع الإرهاب بشكل فعلي.
تشكل عدة مناطق في سوريا الآن واقعة تحت سيطرة المتمردين ملاجىءَ آمنة للإرهابيين, وقد تم تنفيذ مئات التفجيرات الإرهابية ضد الحكومة السورية استهدف العديدُ منها المناطقَ المدنية. وبينما تضخ الولايات المتحدة الأسلحة إلى المناطق التي يسيطر عليها الجهاديون, فقد تجاهلت أيضاً الفظائع التي ارتكبها هؤلاء المتمردون والموثقة على "يوتيوب", والتي تشمل عدداً كبيراً من جرائم الحرب منها قطع الرؤوس, والإعدام الجماعي للسجناء, والتطهير العرقي, والحادثة الأخيرة حيث تم تصوير أحد قادة المتمردين المعروفين وهو يقطع جسدَ جندي سوري ويأكل قلبَه.
ومن خلال التقليل من أهمية هذه الأعمال البربرية, تؤكد إدارة أوباما استمراريتها, بما أن المتطرفين مدعومون من قبل الولايات المتحدة والإعلام الأمريكي ومحميون من الضغوطات السياسية الدولية. فالسؤال الذي لا يفكر الإعلام الأمريكي في طرحه هو: من أين جاء كل هؤلاء المتطرفين الإسلامويين ولماذا؟ فطالما كانت المعارضة الإسلامية السنية في سوريا معتدلة دينياً, مما يعني أن غالبية المتطرفين من الأجانب.
جاءت إيديولوجيا هذا التطرف من الشخصيات الدينية السعودية وحلفائها الذين يستخدمون الإسلام كأداة سياسية لاستهداف البلدان "غير الصديقة" للمملكة السعودية والولايات المتحدة. وخير مثال على ذلك في الحالة السورية الفتوى التي أصدرها 107 مشائخ والتي تدين الحكومة السورية وتشجع المسلمين على مقاتلتها. تشجع هذه الفتوى على الجهاد, على الرغم من أن كلمة "الجهاد" لم تذكر.
ومما تقوله هذه الفتوى:
"من واجب جميع المسلمين دعم الثوار في سوريا [ضد الحكومة] ليتمكنوا من إنهاء ثورتهم بنجاح والحصول على حقوقهم وحريتهم."
هناك نفاق واضح في هذه الفتوى: فالسعوديون الذين وقعوا على هذه الوثيقة التي تطالب ﺑ "الحرية" في سوريا لا يطالبون بالحرية في المملكة السعودية, البلد الأقل حرية في العالم كله.
بالإضافة إلى تزويد السعودية وقطر للمتمردين السوريين بالأسلحة – بمساعدة "سي آي إيه" – تقدم الشخصيات الدينية السعودية المرتبطة بالنظام السعودي الدعمَ الديني/السياسي عبر تضليل المسلمين ودفعهم للذهاب إلى سوريا لمهاجمة بلد إسلامية مما يؤدي إلى انقسامات طائفية كبيرة نرى معالمَها الآن في كافة أنحاء العالم الإسلامي. فالسعودية تقوم بتصدير معظم هذه الحرب الطائفية الإسلامية, حيث تعمل على تمويل المدارس الإسلاموية المتطرفة في كافة أرجاء الشرق الأوسط والتي تجتذب إليها فقراءَ هذه البلدان من خلال تأمين الخدمات الاجتماعية الأساسية التي تفشل هذه الدول في تقديمها إما لأنها فقيرة أو لأنها لا تريد تقديمها.
هناك فصل هام حول هذا الموضوع في كتاب ڤيجاي براشاد الرائع "تاريخ شعوب العالم الثالث". والنقاش الدائر الآن في الولايات المتحدة وبلدان الناتو يتركز حول إعطاء أسلحة أكثر تطوراً للمتمردين المتطرفين في سوريا. وتضغط إدارة أوباما على الاتحاد الأوروبي لرفع حظر توريد السلاح إلى سوريا بحيث يتم إغراق البلاد بسيل من الأسلحة (إذ يبدو أن عمليات "سي آي إيه" لم تغرق سوريا بالأسلحة بعد).
رداً على نقاش "رفع الحظر" الدائر, جاء في بيان منظمة "أوكسفام" الذكي:
"إن إرسال الأسلحة إلى المعارضة السورية لن يخلق ملعباً للهو. فعوضاً عن ذلك, سيمكن الجميع من حمل السلاح الذي سيذهب ضحيته المدنيون السوريون. وقد تعلمنا من تجاربنا في مناطق النزاعات الأخرى أن هذه الأزمة سوف تستمر لوقت أطول في حال ضخ المزيد من الأسلحة في سوريا."
وقد قام أحد دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي بتوبيخ إدارة أوباما لزعمها بقدرتها على ضمان عدم وقوع الأسلحة الجديدة في "الأيادي الخطأ" في سوريا:
"سيكون هذا أول نزاع نتظاهر فيه أن بمقدورنا إحلال السلام عبر إرسال الأسلحة. فإذا كنتم تتظاهرون بأنكم تعرفون إلى أين ستذهب الأسلحة, فستكون هذه الحربَ الأولى في التاريخ التي يكون فيها ذلك ممكناً. فقد رأينا ذلك من قبل في البوسنة وأفغانستان والعراق. فالأسلحة لا تختفي؛ إنها تظهر حيثما تكون هناك حاجة إليها."
في سوريا, يحتاج هذه الأسلحة أولئك الذين يقاتلون على الأرض. ومرة أخرى, يعترف الجميع أن متطرفي النصرة يشكلون القوة المقاتلة المؤثرة ضد الحكومة السورية, ولذلك فإن الأسلحة ستذهب إليهم.
دفعَ أوباما بمقولة "صديق صديقي عدوي" إلى مستويات غير منطقية, وهو يساعد بذلك على إنتاج جيل جديد من المتطرفين الإسلامويين سوف يساهم في إذكاء لهيب "الحرب على الإرهاب" التي تقودها الولايات المتحدة والتي يبدو أنها لن تتوقف.
إن الهدف الحقيقي وراء "الحرب على الإرهاب" ليس وضع حدٍ للإرهابيين, بل استهداف البلدان المناهضة للسياسة الخارجية الأمريكية: حيث كانت العراق وليبيا – مثل سوريا – بلدين علمانيين عند تعرضهما للغزو؛ كما تم غزو أفغانستان على الرغم من أن معظم المتورطين في هجمات 9/11 كانوا من المملكة السعودية.
لم تكن هناك أية مشاكل إرهابية في العراق قبل الغزو الأمريكي, كما لم تكن هناك مشكلة إرهابية في سوريا قبل أن يظهر على الساحة المتمردون المدعومون من الولايات المتحدة. من الواضح لمعظم الأمريكيين أن سوريا وإيران تحتلان الصدارة على لائحة أوباما الحربية, حيث تشكلان أولوية تفوق الأهمية المعطاة لأي مجموعة إرهابية. وهذا الذي يدفع أوباما للسكوت عن المجموعات الإرهابية في سوريا: إذ يقوم باستخدامها كأداة ضد هدفه الحقيقي, سوريا ومن بعدها إيران.
يجب ترك الشعب السوري يقرر مستقبله بنفسه. فالولايات المتحدة عاجزة تماماً عن "مساعدة" البلدان من خلال استخدام الوسائل العسكرية, كما تبرهن البلدان الممزقة من أمثال أفغانستان والعراق وليبيا بشكل يبعث على الأسى. يجب على الحركة العالمية المناهضة للحرب أن تصرخ بصوت عالً:
ارفعوا أيديكم عن سوريا !
تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 28 إيار/مايو 2013)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد