«الزوبعة» في الميدان السوري: الشام كجنوب لبنان
يرى القوميون في لبنان أنفسهم معنيين بالحرب الدائرة على أرض الشام. بالنسبة اليهم، الجيش السوري والرئيس السوري بشار الأسد يمثلّان خياراتهم في القومية والسياسة والموقف. وهذا الموقف ليس جديداً، إذ ترسّخ التحالف الاستراتيجي بين قيادة القوميين والرئيس الراحل حافظ الأسد منذ نهاية السبعينيات. وعلى عمق هذا التحالف في لبنان خلال الحرب وما بعدها، بقي كثير من القوميين يشعرون بالغبن تجاه مضايقات الأجهزة الأمنية السورية لهم على أرض الجمهورية، إلى أن انحسرت المضايقات شيئاً فشيئاً في سنين حكم الرئيس بشار الأسد.
اليوم، لم يعد القوميون يخفون مشاركتهم في المعارك السورية، هذه معركتهم قبل غيرهم، وهذا «هلالهم الخصيب» الذي تغنّوا بضرورة توحيده على مدى عقود. وكان سعاده من أوائل المحذرين من «خطر الدعوة الوهابية» وتأثيرها على المشرق، وفي أحد مقالاته (نفوذ اليهود في الفاتيكان، كتاب مقالات في المسألة الفلسطينية، 1944)، يقول إن «الدعوة التي يتزعمها ابن السعود العربي، هي من الدعوات التي تحمل خطراً سياسياً على سوريا. ومن مدهشات الدعوة السياسية، اللابسة لبوس الدين، محاولة إظهار الحركة الوهابية، التي هي ليست سوى رجوع بالمحمدية إلى أوليات التفكير العربي الصحراوي المحدود، بمظهر حركة إصلاحية في الدين».
لذلك، يمكن من يمرّ في شارع المقدسي الموازي لشارع الحمرا الرئيسي في بيروت، أن يلحظ «بوسترات» جديدة للحزب، وكذلك في محيط معظم المكاتب التابعة للحزب في بيروت والمناطق. «بوسترات» تحمل زوابع حمراء وأقوالاً لمؤسس الحزب أنطون سعاده، وصوراً لشهداء سقطوا أخيراً في معارك خاضوها إلى جانب الجيش السوري وحزب الله ضد مسلحي المعارضة السورية وتنظيم «القاعدة».
«لقد فرضت على سوريا هذه الحرب فرضاً»، يقول رئيس المكتب السياسي للحزب في سوريا بشار اليازجي. في نظر القوميين، «الجماعات الإرهابية المسلحة تنفذ أجندة إسرائيلية وأميركية. الأميركيون يعترفون بأنهم يقدمون المساعدات والتدريب لهم في الأردن وتركيا، وإسرائيل أسعفت المئات من جرحى الإرهابيين وتزودهم بالمعلومات».
وإذا كان الحزب في لبنان قد أحجم، في المرحلة الماضية، عن المجاهرة بهذا الدور لاعتبارات عدة، منها «توفير التحريض على القوميين واستهدافهم في لبنان والشام، والحفاظ على السرية قدر المستطاع» كما تقول مصادر معنية بالنشاط العسكري في بيروت، فإن اتساع رقعة المعارك، وانتشار مقاتلي الحزب في أكثر من جغرافيا، بات معهما الظهور إلى العلن أمراً عابراً، وخصوصاً مع بدء سقوط شهداء لبنانيين.
منذ بدء الحراك الشعبي في الأزمة السورية، لم يخرج القوميون في تظاهرات مناوئة للنظام (باستثناء حالات قليلة من قوميين ينتمون إلى تنظيم يرأسه وزير المصالحة السوري علي حيدر). بل على العكس، خرجوا في تظاهرات مضادة ورفعوا أعلام سوريا داخل المحافظات وفي المغتربات أيضاً، ونظّموا فعاليات مدنية داعمة للدولة والجيش، وهم يجاهرون اليوم بهذه المواقف. «الاصطفاف القومي إلى جانب الرئيس الأسد والجيش السوري أمر طبيعي»، يقول اليازجي، إذ «من غير المنطقي أن يقف القوميون، سواء داخل التنظيم أو خارجه، إلى جانب «ثورة » ترفع علم الانتداب الفرنسي الذي نشأ حزبهم لمحاربته وقدم شهداء في مواجهته.
التنكيل بالقوميين
لم توفر المجموعات المسلحة أعضاء الحزب وكوادره والعائلات المحسوبة عليه من التنكيل، «عقيدتنا فكرة منفتحة تقدمية، والحزب موجود في كل قرية ومدينة في سوريا، وفي كل مذهب ودين، وعقيدتهم ظلامية إقصائية متخلّفة»، يقول نائب رئيس الحزب (النائب أسعد حردان) في دمشق صفوان سلمان. ويضيف: «المعارضة المدعومة من الخارج تعمل على إحداث الشروخ المذهبية الحادة وتفتيت المجتمع السوري، وهي تعرف خطر دور حزبنا عليها، فهو حركة مدنية عابرة للطوائف والمذاهب، تحارب التطرف من منطلق فكري وعقائدي، وتخترق كل فئات الشعب السوري». في محافظة إدلب مثلاً، كان الحزب قد فعّل حضوره على نحو جيد في سنوات ما قبل الأزمة، وفي المقابل ظهرت في المحافظة «ردة دينية كبيرة»، ما جعل المواجهة حتمية في ربيع عام 2011. وترافق اغتيال الدكتور سمير قناطري، المنفذ العام للحزب في إدلب، ونائب نقيب صيادلة سوريا، داخل صيدليته في آب 2011، مع حملة تهجير ممنهجة للقوميين من ريف المحافظة، فانتقل جزءٌ منهم للسكن في المدينة، ونزح جزء آخر إلى السويداء ودمشق، فضلاً عن الخطف والإعدامات التي تعرض لها عدد منهم. ويوضح صفوان أن «اغتيال قناطري هو أول اغتيال لشخصية سياسية، واستهدف الشهيد بسبب دوره في إعادة النازحين الذين لجأوا إلى المخيمات التركية، ووساطاته مع الدولة لإطلاق معتقلين وتهدئة الأوضاع في إدلب».
من إدلب إلى حلب وريفها، هجّر المسلحون القوميين باكراً، وصادروا أملاكهم وبيوتهم وحرقوا مكاتبهم في الأحياء التي سيطروا عليها من المدينة قبل عام ونصف عام. وفي حماه، نزح القوميون إلى المدينة من الريف، وجزء منهم إلى السلمية، حيث استطاع الحزب تنظيم مجموعات مقاتلة إلى جانب الجيش وقوات الدفاع الوطني لمواجهة مسلحي المعارضة. ولا تختلف الحال في حمص وريف دمشق كثيراً، إلّا أن القوميين الذين نزحوا من أحياء حمص وقرى ريف القصير ومدينة القصير شكلوا مجموعات عسكرية وساهموا مع أبناء البلدات في الدفاع عن قرى حوض العاصي وتحرير قرى عرجون والحميدية ومطار الضبعة وبعض أحياء مدينة حمص القديمة، وكذلك قرى القلمون وقرى وادي النصارى، حيث للحزب وجود كبير هناك. وفي الشمال الشرقي، هُجّر القوميون من مدينة دير الزور، ونزح بعضهم إلى الحسكة، فيما بقي القوميون في القامشلي والحسكة في بيوتهم في ظل سيطرة المقاتلين الكرد. وكان المكان الأول الذي دخله وأحرقه مسلحو «جبهة النصرة» في مدينة راس العين مكتب مديرية القومي في المدينة.
محاور القتال
على الرغم من تحفظات المصادر العسكرية عن ذكر مناطق بعينها يشارك فيها القومي في معارك، تنشر صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها يديرها قوميون، صوراً وأخباراً لمقاتلين من الحزب مع ذكر مواقع عملياتهم، إضافة إلى ما تنشره صفحات تابعة للمعارضة السورية. وبحسب معطيات متقاطعة، تتركز أماكن انتشار مقاتلي القومي، على نحو أساسي، في محافظتي حمص وريف دمشق، إذ يقاتلون في حي باب هود ومحاور قرى وادي النصارى مع قلعة الحصن وبلدة الزارة وتلكلخ، إضافة إلى القصير وقرى ريفها كربلة والغسانية والناعم، وشرقاً في اتجاه قرى القلمون. وبرز دورهم في معارك صدد ومهين قبل أشهر والنبك وفليطا، وقبلها في معلولا، وحالياً في صد هجمات المسلحين عن بلدة صيدنايا ودير شيروبيم. وينشط مقاتلو القومي أيضاً على خطوط تماس ضاحية جرمانا مع مناطق الغوطة الأخرى. وبقدر الأهمية التي يوليها الحزب لمحافظتي حمص وريف دمشق، يبرز وجوده في بلدات محافظة طرطوس، وخصوصاً مرمريتا وصافيتا، كما أنه تحوّل إلى القوة العسكرية الأولى في السويداء بين الفصائل التي تقاتل إلى جانب الجيش السوري، بعد تكثيف نشاطه على مدى الأشهر الماضية في المدينة وقرى المحافظة المتاخمة للحدود الأردنية والمناطق الساخنة من محافظة درعا.
فراس الشوفي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد