«داعش» يهدد بغداد والحوثيون يهددون صنعاء... بالصدفة؟
لم تكد تمضي أيام قليلة على سيطرة «داعش» على الموصل في العراق، حتى سيطر الحوثيون على مدينة عمران، جسر العبور صوب صنعاء في اليمن. هل تزامنُ الحدثين في اليمن والعراق ثمرة للخلاف السعودي ــــ الايراني؟ ام هو اخطر من ذلك، في سياق تأجيج الصراع السني ــــ الشيعي بغية تسهيل التقسيم المنظَّم للوطن العربي؟
فلنلاحظ التالي:
ــــ قيام الخلافة الاسلامية في العراق دغدغ أحلام بعض الاطراف الاقليمية، على أساس ان هذا سيزيد في تطويق ايران وحلفائها. سرعان ما تبين أن السعودية نفسها مهددة بـ «داعش». وقعت عمليتان ارهابيتان ضد مركز الوديعة الحدودي جنوب المملكة، ثم في مدينة شرورة على بعد 60 كيلومتراً (لعل قراءة مقال الزميل جمال خاشقجي في صحيفة «الحياة» السبت الماضي يعبّر عن شيء من القلق السعودي الداخلي من «داعش»). تماماً كما سعت قطر، اعلامياً، إلى الابتعاد عن خطر دولة الخلافة. قال الشيخ ــــ الداعية يوسف القرضاوي من الدوحة إن الخلافة باطلة. مع ذلك، يستمر الاعلام الغربي في اعتبار قطر أبرز داعمي وممولي «داعش» وتفرعات «القاعدة» و«طالبان». (عرضت سي أن أن في أواخر حزيران الماضي تقريراً مفصلاً عن ذلك، وعن سبب قبول الاستخبارات الاميركية هذا الامر برغم قلقها منه).
ــــ لم تكد تمضي ايام قليلة على سيطرة «داعش» على الموصل واعلان الخلافة، حتى فوجئ اليمنيون وجيرانهم بسيطرة الحوثيين على عمران اليمنية. هذا أمر كبير الاهمية والدلالات. عمران تبعد فقط بنحو 50 أو 60 كيلومتراً عن صنعاء. تربط صعدة المحاذية للسعودية بالعاصمة اليمنية. هي أيضاً أبرز معاقل آل الأحمر، زعماء قبيلة حاشد، ومنهم الشيخ حميد الاحمر القيادي في الاخوان المسلمين. الحوثيون انتصروا في عمران على اللواء 310، وهو من افضل الالوية، ويقوده العميد حميد القشيبي، المحسوب على تيار الاخوان. طموح حوثيي اليمن غير المعلن هو العودة الى السلطة لاسباب سياسية ودينية. خصومهم يَعدّونهم، لهذه الاسباب الدينية، أكثر قرباً من ايران، ويتهمونهم بتلقي التدريبات والاسلحة من الحرس الثوري ومن حزب الله. وهم يردّون بأن اتهامهم بالقرب من طهران سببه موقفهم المناهض لاميركا والداعم للمقاومة. الأكيد ان قدراتهم العسكرية باتت لافتة، وتدفع البعض الى تشبيههم بحزب الله اللبناني، برغم ان في التشبيه مغالاة. الاكيد، ايضاً، ان طروحاتهم السياسية الجاذبة، وكاريزمية قائدهم باتت تغري كثيرين. الاكيد، ثالثاً، ان دقة تنظيمهم في المسيرات الحاشدة في صنعاء نفسها وفي الاعلام، جعلت خصومهم في السلطة الحالية، وفي التجمع اليمني للاصلاح الاسلامي، يخشونهم ويسوّقون ضدهم تهمة الارتباط بايران والتشيّع والحلم بعودة عهد الامامة.
ــــ يلتقي الرئيس اليمني ورئيس الوزراء العراقي في انهما الاكثر جذبا للخصوم. ليس حال أحدهما أفضل من الآخر. يلتقيان أيضاً في جذب نقمة شعبية ضدهما بسبب سوء الاحوال الاقتصادية والامنية وانسداد الافاق السياسية. هما بذلك يمثلان احراجا جديا لداعميهما في الاقليم. ليس غريبا والحالة هذه ان نجد كاتباً سعودياً كعبد الرحمن الراشد في صحيفة «الشرق الاوسط» السعودية يكاد يطالب الرئيس اليمني بالرحيل. يتحدث عن سوء ادارة سياسية للبلاد. يشير الى الدور السلبي لاولاد عبد ربه منصور هادي، وينصح بعدم رمي كل اللوم على ايران. ليس غريباً ايضاً ان نجد أصواتا عراقية حليفة لايران او من داخل المرجعية الشيعية العراقية بدأت تلمح الى ضرورة تغيير المالكي.
هذا في السياسة، أما في البعد المذهبي الذي بات، وللاسف، محدِّداً للكثير من مآلات الامور في المنطقة، فيمكن القول إن الجولة التي ربحها السنّة في العراق عبر «داعش» وداعميه، وهؤلاء ليسوا جميعاً متطرفين، بل بينهم بعثيون وضباط سابقون وابناء العشائر، قابلتها جولة ربحها حلفاء ايران في اليمن. العراق واليمن مهمان جداً للدولتين الجارتين، السعودية وايران. لا تستطيع السعودية ترك اليمن يصبح اخطر الجبهات ضدها، وخصوصا ان الحوثيين كانوا قد اخترقوا اراضيها سابقا من صعدة، وثمة محاولات لتقريبهم من الحراك الجنوبي. وايران بدورها لا تستطيع ترك العراق يغرق في أتون «داعش»، فيُخِلّ بالتوازن الاقليمي.
لا شك ان الفارق كبير بين «داعش» والحوثيين. مجلس الامن تعامل مع «داعش» على انه تنظيم ارهابيّ وقد يضطر إلى مقاتلته فعلياً بسبب عودة الارهابيين الى الدول الغربية. المجلس نفسه اكتفى بمطالبة الحوثيين بتسليم السلاح، لكنه يرى انهم مكوِّن اساسي من مكونات المجتمع اليمني، وجزء من الحوار الذي كان ينبغي ان يؤسس لتقاسم جديد للسلطة. الحوثيون قرروا الاستجابة لمطالب المجلس، وقد ينسحبون من عمران. هم يقدمون، بالتالي، صورة عن فصيل اكثر عقلانية ومرونة. ربما يصبحون لاحقا احد الاطراف المقاتلة لـ «داعش» و«القاعدة» في اليمن. هذا يفيدهم ويفيد ايران ويحرج خصومهم.
مع ذلك، فان المطلوب في العراق واليمن اعادة نظر عميقة في تركيبة السلطة، اذا كان المطلوب حلاً سياسياً يوحّد البلاد. اما اذا كان المطلوب رفع منسوب الفتن المذهبية لتسهيل التقسيم، فان كل شيء يبدو جاهزاً. كردستان استقلّت تماماً تقريباً عن العراق، والغرب والوسط العراقيان مرشحان للسير على طريق الانفصال. وفي اليمن الجنوب جاهز للاستقلال، والحوثيون الذين نجحوا حتى في جذب جزء لا بأس به من قبيلة حاشد قد يحكمون السيطرة على المناطق المهمة التي باتت في قبضتهم، او التي سيصلون اليها قريباً.
المقياس الاقليمي والدولي سيكون اذاً عند ابواب بغداد وصنعاء. هل ينجح «داعش» ودولة الخلافة في اختراق العاصمة العراقية والسيطرة عليها؟ وهل يقرر الحوثيون السيطرة على صنعاء؟... اذا قرروا فهم سيأخذونها.
على أبواب العاصمتين العراقية واليمنية، يُرسم الآن بعض مستقبل المنطقة، فهل التقسيم بعد تفاقم الصراع المذهبي هو المطلوب، أم أنّ وصول الضغط الى هذه الدرجة سيمهد للقاء جدي ومفصلي بين السعودية وايران بغطاء دولي؟
يبدو فعلا ان كل الاحتمالات واردة. كل طرف يستخدم اخطر الاوراق حاليا لتطويق الطرف الاخر. هل كانت اسرائيل تنتظر اجمل من هذا المشهد من اقتتال اسلامي ــــ اسلامي، لكي تكمل قتل اهل غزة، وتطمح للسيطرة لاحقاً على نفطهم؟
سامي كليب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد