اقتراح أميركي لوقف إطلاق النار في غزة: هدنة مؤقتة ومفاوضات برعاية مصرية
منذ يوم الأربعاء الماضي وإسرائيل تعيش مفارقة كبيرة أكثر من أي وقت مضى. فهي من جهة تعرف أن مشكلتها مع غزة لا تحسم بالسلاح مهما بلغت قوته، لكنها تعرف أيضاً أن أي تسوية يمكن التوصل إليها، خصوصاً لوقف النار تصطدم بواقع الرفض من جانب أوسع القطاعات. وبعدما تبين أن غزة بقوتها أفلحت في أن تكون نداً ولو بحدود، فقد الإسرائيليون عقلهم ولم يعودوا يستوعبون كيفية التعامل عند تكاثر الأنداد من هذا النوع.
ومنذ أيام ووسائل الإعلام الإسرائيلية تتحدث عن البحث عن مخرج سياسي يقود إلى وقف النار من جهة، ويحفظ ماء وجه إسرائيل من جهة أخرى. وتحاول القيادة الإسرائيلية إشاعة أنه يكفيها في هذه المرحلة «تحرير» الإسرائيليين من خطر الأنفاق الممتدة عبر الحدود مع القطاع لذلك تعتبر مواصلة مهمة البحث عنها وتدميرها أولوية قصوى. ويجري تصوير أي اتفاق لوقف النار يحفظ لإسرائيل هذا الحق ولو لفترة زمنية قصيرة أمراً مرغوباً لأنه يحول دون التورط بتوسيع العملية البرية وما تتضمنه من عواقب.
وبديهي أن كل ذلك يجري في ظل شعور يزداد عمقاً لدى الإسرائيليين بأن «عملية الجرف الصامد» تتحول إلى حرب واسعة بكل معنى الكلمة. ولكن هذه ليست مجرد حرب واسعة إنها أيضاً في نظر الإسرائيليين، بحسب «هآرتس» على الأقل، أسوأ الحروب. فهي حرب أقرب ما تكون إلى انجرار إلى شرك لا فكاك منه، خصوصاً لحكومة سدّت كل آفاق التسوية السياسية مع الفلسطينيين ولم تدع لهم سبيلاً سوى المقاومة. وباتت الحكومة الإسرائيلية أمام خيارين لا ثالث لهما: استمرار الحرب من دون آفاق حسم وبثمن باهظ، أم وقف إطلاق نار يفتح أفقاً سياسياً لا تريده.
وأمس الأول، نقلت «معاريف الأسبوع» عن عضو في المجلس الوزاري المصغر قوله إن «الضغوط الدولية الثقيلة على الطرفين تفعل فعلها» وأن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يبحث عن مخرج سياسي يسمح بوقف النار. وبحسب الوزير فإن «التقدير قبل لقاء نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي جون كيري كان أنه إذا ما وضعت الولايات المتحدة أمام اسرائيل اقتراحاً يضمن آلية عمل دولية لتجريد قطاع غزة ونزع سلاح حماس، فإن نتنياهو وموشيه يعلون سيرفعان الى المجلس الوزاري اقتراحاً بوقف النار حتى نهاية الأسبوع».
لكن المشكلة هي أن حماس لم تعد وحدها، وصارت مطالبها مطالب الشعب الفلسطيني بأسره بعد تبني منظمة التحرير ورئاسة السلطة لهذه المطالب. وقد عنى هذا التبني أن المفاوض الفلسطيني، وخلافاً لما كان عليه في الماضي، صار يؤمن أن المقاومة كفيلة بإجبار إسرائيل على قبول شروط كان يرفضها في ظل الصدام بين المقاومة والمفاوضات. وللمرة الأولى منذ نشوء السلطة الفلسطينية تتحدث السلطة والمقاومة تقريباً بموقف واحد أساسه أن السلاح الفلسطيني لا ينزع إلا بزوال الاحتلال.
ونظراً إلى أن كل الاتصالات الجارية باتت تعتمد على واقع أن المبادرة المصرية باتت خلف ظهر الجميع فإن الحديث عن وقف النار صار يدور حول فتح أفق التسوية العامة انطلاقاً من غزة أولاً. ففك الحصار عن غزة صار رديفاً لزوال الاحتلال ليس فقط بوجوده الاحتلالي المباشر، وإنما أيضاً لنفوذه على هذه المنطقة وللعراقيل التي يضعها أمام علاقة القطاع مع العالم الخارجي ومع الضفة الغربية.
وهناك منذ اليوم من يتحدّث عن أن الانتهاء من قضية الأنفاق الممتدة إلى داخل مستوطنات غلاف غزة يحتاج إلى أسبوعين. وهذا يعني أن كل الحديث عن الهدنة مجرد كلام إلا إذا تراجعت إسرائيل عن إتمام مهمة اكتشاف الأنفاق وتدميرها أو إذا قبلت المقاومة بالهدنة في ظل استمرار العملية الإسرائيلية ضد الأنفاق.
وقد صاغ جون كيري اقتراحاً لوقف النار يراوح ـ بحسب ناحوم بارنيع في «يديعوت أحرونوت» ـ بين «الاقتراح المصري الذي أذلّ حماس ومرّغ أنفها، والاقتراح القطري الذي منح حماس الشعور بالنصر». وهو يقترح الموافقة على هدنة مؤقتة تُناقش في أثنائها كل مطالب حماس وتضطر إسرائيل الى التفاوض فيها تحت إشراف كيري والأوروبيين. وهذه حبة دواء مُرة لإسرائيل وما زال خالد مشعل لم يرد عليها بالموافقة».
ويتضمّن اقتراح كيري وفق المصادر الإسرائيلية المكونات التالية: وقف نار مؤقت لأسبوع يبدأ يوم غد الأحد، تبقى خلاله القوات الإسرائيلية في أماكن تواجدها وتواصل عملها ضد الأنفاق. وخلال وقف النار تبدأ مفاوضات بين إسرائيل وحماس بوساطة مصرية وبمشاركة السلطة الفلسطينية لتحقيق تسوية أكثر ثباتاً. وتضمن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للطرفين أن المفاوضات ستطال القضايا المهمة لهما ـ نزع الصواريخ والأنفاق كمطلب إسرائيلي وإزالة الحصار وإعادة إعمار القطاع كمطلب فلسطيني.
وبحسب بارنيع فإن «إسرائيل تطلب نزع السلاح في هذه المرة أيضاً وألا يصنعوا في غزة صواريخ بعد الآن. وزاوج نتنياهو هذا المطلب الذي اقترحه أول مرة شاؤول موفاز، بحملة دعاية دولية. وقد يكون جيداً للدعاية وقد يكون كذلك أيضاً لمساومة الأميركيين، لكن أحداً في الجيش الإسرائيلي لا يؤمن بأن تحول حماس سيوفها إلى محاريث. ويقول أحد الجنرالات إن المقاومة هي في طبيعة حماس وفي مورثاتها الجينية، وسواء أكان اتفاق أم لا فإن صنع القذائف الصاروخية سيجدّد بعد الحرب».
وبعدما يشير بارنيع إلى أن نتنياهو وافق على المبادرة المصرية وهو يعلم بوجود الأنفاق، ويقول إن نتنياهو كرئيس للحكومة لم يجد أن «الأنفاق تهديد يُسوّغ عملاً عسكرياً قبل «عمود السحاب» وفي خلالها وقبل «الجرف الصامد» وخلالها».
وفي نظره «فوجئ نتنياهو مثل آخرين في الحكومة بقدرة حماس الهجومية وبروحها القتالية وبعدد القتلى من الجنود. وهو فقط يستطيع أن يجيب عن سؤال أكان العلم بالثمن يمنعه من الوصول إلى العملية البرية؟ ولست على يقين من أنه أهل لأن يجيب على هذا السؤال حتى حينما يتحدث إلى نفسه».
وفي كل حال فإن إسرائيل صارت ترى في كل من يختلف معها أنه «نفق» وهي ترى كيري ضمن هذا المنظار. وهكذا كتب المراسل العسكري لـ«يديعوت» أليكس فيشمان تحت عنوان «نفق كيري»، أن «الحماسة عندنا لإعلان هدنة إنسانية ليست عامة، فهم في إسرائيل ايضاً لا يؤمنون بأن الاتفاق الانساني سيفضي الى هدنة دائمة، وبأن حماس ستحظى بوقت تنعش فيه نفسها استعداداً لتجديد اطلاق النار».
واعتبر فيشمان أن «المبادرة تحولت إلى الهدنة من نفق بسيط له مدخل واحد ومنفذ خروج واحد إلى شبكة أنفاق لها عشرات الأفواه تضمن أن كل من يدخل إليها لن يصل إلى بيته بسلام». وأشار إلى أن كيري بالتنسيق مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي التقاه في القاهرة أمس، يهندسان «نفق الخروج من ورطة الجرف الصامد واعتمدا عليه اعتماداً مطلقاً. ومصر هي المقاول المنفذ. وسيكون من الصعب جداً على الأطراف، بل على حماس أن ترفض ذلك، لأن الثمن الدولي سيكون باهظاً جداً. فهم يواصلون لعب اللعبة برغم أنه لا أحد يؤمن بأن الخطة الضخمة التي يُدبّرونها ستتحقق».
وهكذا فإن الولايات المتحدة وإسرائيل ـ بحسب فيشمان ـ تغلقان فتحات النفق المتعددة واحداً تلو الآخر حيث أغلقوا الفتحة القطرية. وهناك مسار متعرّج للنفق يبدأ من العودة لتفاهمات 2012 تُضاف إليها ضمانات دولية وفتح معبر رفح وتسهيلات اقتصادية. ويشدّد على أن «إسرائيل ليست لها مشكلة في أن يكون معبر رفح مفتوحاً بل بالعكس: فليدخل الفلسطينيون وليخرجوا الى مصر ومنها كيفما شاؤوا. بل ليست عندها مشكلة في أن يقف رجال أبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) عند باب المعبر أو في أن ينتشروا في محور فيلادلفي».
فقط بعد ذلك تبدأ المرحلة الثالثة بإشراف المصريين وبرقابة أميركية، وهي مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين تعرض فيها المطالب. وبعدها تأتي المرحلة الرابعة التي لا يعرف الإسرائيليون كيف يهضمونها وهي أن مصر بحثٍّ من الإدارة الأميركية تريد إعادة العجلة إلى الوراء إلى إعلان حكومة المصالحة الفلسطينية، حيث يريدون للسلطة تولي الأمور في القطاع والبدء بعملية إعادة الإعمار.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد