أنسداد في غزة ونذر حرب.. مماطلة إسرائيلية في تنفيذ اتفاق القاهرة
تزايد التشاؤم في قطاع غزة في ظل استمرار الأزمة الداخلية الفلسطينية وتفاقمها. ورأى كثيرون في لجوء حركة «حماس» اليوم إلى توزيع نصف راتب على موظفي حكومة غزة، مظهرا من مظاهر عمق الأزمة التي تخطت التجاذبات بشأنها مؤخرا سقفا جديدا في الاتهامات.
ويربط كثيرون بين هذه المظاهر واستمرار الحصار المفروض على القطاع، وانعدام سبل إعادة الإعمار وتخفيف المعاناة وبين تزايد احتمالات العودة إلى مربع الحرب مع إسرائيل مع قرب انتهاء مهلة الشهر.
وليس هذا مجرد تقدير يتردد على ألسنة بسطاء الناس الذين خرجوا من حرب الخمسين يوما، بل هو تقدير يزداد رسوخا لدى الكثير من المراقبين والساسة. وقد أشار أمس سفير الاتحاد الأوروبي لدى إسرائيل لارس فابورغ أندرسون، في حديث مع الصحافيين، إلى خشيته من استئناف الحرب في قطاع غزة إذا لم يطرأ تقدم في المفاوضات حول وقف نار طويل الأمد بين إسرائيل و«حماس».
وقال «إذا لم تتم معالجة الوضع في غزة فهناك احتمال كبير لاستئناف العنف»، مشددا على أنه «محظور العودة إلى الوضع الذي كان قائما». وأشار إلى أن أي اتفاق سيبرم ينبغي أن يوفر على حد سواء مطلب إعادة إعمار القطاع واحتياجات إسرائيل الأمنية. وطالب أندرسون بالعودة السريعة إلى طاولة المفاوضات في القاهرة، لأنه «من الضروري إعادة القطاع للسلطة الفلسطينية كي تقود جهود إعادة الإعمار. نحن لا نريد العودة خلال شهور معدودة إلى وضع ينعدم فيه الاستقرار».
وكان رئيس ممثلية الاتحاد الأوروبي في رام الله جون غات روتر قد أطلع صحافيين على انطباعاته عن زيارته إلى القطاع الاثنين الماضي. وروى لهم أنه التقى بأناس في غزة في وضع «يائس وخشية شديدة من استئناف العنف. الوضع في غزة لم يتغير أبدا، بل إن الحياة صارت هناك أسوأ». وأوضح أن الاتحاد الأوروبي يجري اتصالات مكثفة بشأن مؤتمر الدول المانحة المقرر عقده في القاهرة في 12 تشرين الأول المقبل. وأضاف أنه ليس معروفا بعد إن كانت إسرائيل ستشارك في المؤتمر أم لا. وشدد على وجوب عدم اقتصار المؤتمر على جمع الأموال، مطالبا بأن يخوض المؤتمر في الجوانب السياسية أيضا.
ومن المعروف أن اتفاق وقف النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والذي وقع في 26 آب الماضي، تضمن إجراء مفاوضات خلال شهر لتثبيت وقف النار، وحل مسائل الحصار وإعادة الإعمار. وأشارت عدة جهات إلى أن مصر بصدد توجيه دعوات في الأيام القريبة للطرفين للحضور إلى القاهرة لإجراء المفاوضات. ومن الواضح أن أسبوعين حتى الآن مرا من دون البدء بالمفاوضات، فضلا عن كلام إسرائيلي تردد مرارا يبدي تحفظات اتجاه الذهاب إلى القاهرة لإجراء المفاوضات. ويعتقد كثيرون أن إسرائيل، لأسباب مختلفة، بينها الرغبة في محاولة تكريس ردع المقاومة في القطاع، قد تلجأ إلى استفزاز المقاومة للعودة إلى دائرة الحرب.
وكانت أوساط فلسطينية مختلفة في غزة حذرت من أن المماطلة، وعدم إيجاد حلول للأوضاع المأساوية في القطاع، من حصار ودمار، كفيل بدفع المقاومة إلى كسر ذلك بقوة النيران. وأمس أكد النائب في المجلس التشريعي عن حركة «حماس» إسماعيل الأشقر أن التهدئة حققت مطالبها وشروطها التي اشترطتها باتفاق لم توضع به كلمة واحدة ضد إرادة المقاومة الفلسطينية. وأضاف، في تصريح نشرته صحيفة «البرلمان» الصادرة عن المجلس التشريعي الفلسطيني، «في حال تنصل الاحتلال من اتفاق التهدئة فالمقاومة لم تضع السلاح، وهي جاهزة لمعاودة القتال والتصعيد، وجاهزة أن تقاتل لشهور وشهور بروح عالية، وستكبد الاحتلال خسائر فادحة جدا». وكانت أذرع عسكرية لفصائل المقاومة قد كررت مؤخرا الأحاديث حول الاستعداد للقتال، إذا لم يتم فك الحصار.
والواقع أن المخاوف من تزايد احتمالات العودة إلى مربع الحرب ليست قصرا على الفلسطينيين والأوروبيين، بل هناك تجليات لها في الجانب الإسرائيلي أيضا، إذ حذر أمس المعلق العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل من أن «الجمود شبه التام في جهود إعادة إعمار القطاع، والمصاعب التي تواجه حماس في عرض ولو إنجاز فعلي واحد نتيجة الحرب، يزيد تحديدا من خطر استئنافها».
ربما لهذا السبب، وبحسب ما سبق ونشرت «هآرتس»، فإن أوساطا في الجيش الإسرائيلي أوصت المستوى السياسي بإظهار سخاء في تقديم التسهيلات للقطاع، من منطلق الفهم بأن بدء إعادة الإعمار أمر إلزامي لمنع استئناف القتال. وتتحدث هذه الأوساط عن وجوب تقديم تسهيلات أوسع في حركة الأفراد والبضائع في كل المعابر وتوسيع نطاق الصيد. غير أن المستوى السياسي الإسرائيلي لا يزال يرفض تقديم هذه التسهيلات، حتى لا تفسر بأنها خضوع للضغط، وحتى لا تعرضها «حماس» كإنجازات لها أمام الجمهور الفلسطيني، في وقت لا تتقدم فيه السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس (أبو مازن).
وكان مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قد أشار إلى أن «حماس» عادت إلى حفر الأنفاق وإنتاج الصواريخ. ورغم إنكار جهات عسكرية إسرائيلية لذلك، إلا أن التحركات الإسرائيلية شرقي قطاع غزة بحثا عن الأنفاق والقيود المشددة على الصيادين في البحر تنذر بتخوفات إسرائيلية فعلية. وقد ظهر خلاف كبير في هذا الصدد بين وزيري الخارجية والدفاع الإسرائيليين. ففي حين يعرض رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه موشي يعلون هدف تجريد غزة من السلاح كأحد أول الأهداف التي تسعى إليها إسرائيل في مفاوضات القاهرة، يشدد وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان على أن هذا مطلب «غير واقعي»، موضحا أن الحرب على غزة عززت من قوة «حماس» خلافا لما يشيعه نتنياهو ويعلون.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد