«سكين الزرقاوي» تعيد رسم المسار، من «النصرة» إلى «القاعدة»: التشدّد هو الحل
أثار القيادي في «جبهة النصرة» أبو فراس السوري (رضوان محمود نمّوس) لغطاً جديداً في أوساط «الجهاديين» إثر شنّه هجوماً عنيفاً على «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» وصل حدّ التكفير. نمّوس، الذي سبق له أن شغل منصب «المتحدث الرسمي باسم جبهة النصرة» قبل أن يُعفى من ذلك المنصب ويُعيّن «مسؤولا إداريّاً على المعاهد الشرعيّة»، أفرد مقالاً مطوّلاً لهذه الغاية، معدّداً تسعاً وعشرين نقطةً تجعل من أصحاب «مشروع أمّة» في مصاف «الكفّار».
وتراوحت ردود فعل «الجهاديين» ورموزهم ما بين مرحّب بكلام «السوري»، ومهاجمٍ له، ومتّهم بـ«الغلو». المهاجمون طالبوا «قيادة جبهة النصرة» بوجوب «إعلان موقف واضحٍ» وضرورة «التبرّؤ من هذه التصريحات»، وهو أمرٌ يُستبعد أن تُقدم عليه «قيادة النّصرة». وأقصى ما يُمكن توقّعه في هذا السياق أن تحاول الخروج بموقف «وسطي»، لا يتبنّى كلام نمّوس صراحةً، ولا يتبرأ منه، تدفعها إلى ذلك أسبابٌ عدّة، من بينها مخاوف «شق الصفوف» في حال التبرّؤ من تلك التصريحات، نظراً إلى مكانة نمّوس بوصفه «أحد رموز التيّار الخراساني» الذي أعاد القبض على زمام الأمور داخل «النصرة» بعد أن مرّت عاصفة «فك الارتباط» بسلام. ومن الواجب في هذا السياق التنبيه إلى أنّ نمّوس لم يهاجم فقط «أحرار الشام» بل تجاوزها إلى دعاة «فك الارتباط» داخل «النصرة»، من دون أن يصل الأمر حدّ تكفير هؤلاء صراحةً. ومن البديهي أنّ مهاجمة مشروع «الفك» بهذه الشراسة تعني ضمناً مهاجمة كلّ من تبنّاه. نمّوس أطلق على هؤلاء صفة «فهلوية الجبهة ولاعبي السيرك»، مؤكّداً أنّهم «في وهم بعيد يسرحون في شعاب الباطل ويتوهون في سراديب الضلال». ويشمل هذا الوصف كلّ دعاة «القطريّة» داخل «النصرة». وممّا يعزّز رجحان كفّة سير الأحداث نحو إحجام «قيادة النصرة» عن اتّخاذ موقف يتبرّأ من «السوري» وتصريحاته أنّ كلام نمّوس في واقع الحال يبدو أشبه بمظهرٍ من مظاهر التحولات المرحليّة الجديدة التي تمرّ بها «النصرة»، ومن خلفها التنظيم الأم «القاعدة». فكلام نمّوس يطابق في روحه كلاماً مماثلاً سبق أن صدر في مناسبات عدّة عن المُنظّر «الجهادي» المعروف أبو قتادة الفلسطيني (عمر محمود عثمان، أردني من أصل فلسطيني) . ومن المعلوم أن الأخير يُعتبر أحد أبرز مُنظّري «القاعدة»، وأكبر المؤثرين في سياسات «النصرة» وسلوكياتها. وكان الفلسطيني واحداً من «الرموز الجهاديّة» التي عملت على إجراء «مراجعات شرعيّة شاملة» لواقع «الجبهة»، على ضوء الدعوات المتزايدة إلى «فك الارتباط». وتؤكّد مصادر «جهاديّة» عدّة أنّ «المراجعات والمشاورات لم تقتصر على قيادات النصرة، بل شاركت فيها أبرز قيادات تنظيم القاعدة، وعلى رأسها الشيخ (أيمن) الظواهري (زعيم التنظيم)».
أثار القيادي في «جبهة النصرة» لغطاً جديداً في أوساط «الجهاديين»
ويبدو أنّ تلك المراجعات بدأت تؤتي ثمارها في المرحلة الراهنة على شكلِ تصعيدٍ في الخطاب المتشدّد، سواء للتنظيم الأم «قاعدة الجهاد»، أو لفرعه في بلاد الشام «جبهة النصرة». وتُمكن ملاحظة هذا التصعيد بجلاء في بعض بيانات «النصرة» الأخيرة، كما في الحوار الصوتي الذي أجرته «مؤسسة المنارة البيضاء» مع أبو عبدالله الشامي (محمد عطّون)، وهو أحد صُنّاع القرار «الشرعي» داخل الجبهة . كذلك يُمكن إدراج بعض الإجراءات «الإداريّة» التي اتّخذت داخل «النصرة» في هذا الإطار، ومنها على سبيل المثال فصل صالح الحموي («أس الصراع»، وتجميد أبو ماريّا القحطاني (العراقي ميسر الجبوري).
كذلك، تُمكن ملاحظةُ مساعي تنظيم «قاعدة الجهاد» لاستعادة النبرة العالية، واستعادة ثقة «المجاهدين المتشدّدين» بوضوح في آخر تسجيل لزعيم التنظيم أيمن الظواهري، والذي جاء ضمن سلسلة «الربيع الإسلامي». ويبدو كلام الظواهري في التسجيل المذكور أشبه بمحاولة إعادة الاعتبار إلى نفسه بوصفه «زعيم الجهاد ضد الصليبيين»، سواء عبر دعوته صراحة إلى مهاجمة دول «التحالف»، أو عبر الدعوة إلى الوقوف في صف تنظيم «الدولة الإسلاميّة» ضدّ «التحالف». الظواهري، رغم تأكيده عدم «شرعيّة خلافة أبو بكر البغدادي»، شدّد على أنّه «إذا كان القتالُ بين الصليبيين والصفويين والعلمانيين وبين أيةِ طائفة من المسلمين والمجاهدين بما فيهم طائفةُ أبي بكر البغدادي ومن معه، فإن خيارَنا الأوحد هو الوقوفُ مع المسلمين المجاهدين، حتى وإن ظلمونا وافترَوا علينا ونقضوا العهودَ وسلبوا الأمةَ والمجاهدين حقَهم في الشورى واختيارِ خليفتِهم، وتهربوا عند التخاصمِ من التحاكمِ للشريعةِ». ورغم أن الظواهري يُدرك صعوبةَ تجاوب البغدادي وتنظيمه مع مبادرته، بما تتضمنّه من الدعوة إلى «تحاكم شرعي»، فإن صدور هذه المبادرة في هذا التوقيت واقترانها بالدعوة إلى مهاجمة «الصليبيين» والوقوف في صف «داعش» ضد «التحالف» يبدو أشبه برسالة موجّهة إلى «الرأي العام الجهادي». وإذا كان الإمعان في التشدّد هو الورقة الرابحة التي كرّست تنظيم «داعش» في واجهة المشهد «الجهادي»، وأفلح في اجتذاب آلاف «المهاجرين» من عتاة المتشددين إلى صفوفه، فيبدو أن الظواهري قد حسم موقفه أخيراً وقرّر لعب الورقة ذاتها أملاً في إعادة توازن مفقود. ومن البديهي أن أمراً كهذا يستدعي في الدرجة الأولى سلوكاً مشابهاً تتبنّاه «جبهة النصرة» بوصفها فرع التنظيم في بلاد الشام، وذراعه الضاربة في «مسرح الجهاد الأوّل». وتجدر الإشارة إلى أنّ الظواهري حرص في تسجيله الأخير على تقديم اسم أبو قتادة الفلسطيني، وأبو محمد المقدسي (عاصم طاهر البرقاوي، أردني من أصل فلسطيني) في قائمة «المشايخ» الذين اعتبرهم «ثروتنا ورأس مالنا وذخيرتنا وكنزنا الثمين في هذا العصر». كذلك ينبغي التذكير بأن «الشرعي العام لجبهة النصرة» د. سامي العريدي، هو أردني الجنسيّة أيضاً، شأنه شأن كثير من المؤثرين في «النصرة»
صهيب عنجريني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد