سعاد جروس : إنها القيامة يا جحا
الجمل ـ سعاد جروس: قيل لجحا, سلْ ربك النجاة من هول القيامة. فقال, ومن يبقى في هذه الدنيا إلى يوم القيامة؟!
ويبدو أن إدارة الرئيس الأميركي لن تخيب توقعات جحا, بعد اضطلاعها بدور تمثيل عزرائيل حاصد الأرواح. فمع إعلان الاستراتيجية الجديدة للعراق, والوعد بمزيد من الفتن الأهلية, إلى جانب ما يشاع عن خطط لتلغيم الساحة اللبنانية بالجواسيس والعملاء المتعددي الجنسيات والمواهب, وفتح بؤرة ملتهبة في الصومال... والحبل على الجرار. لن نأمل ببقاء أحد في دنيانا الفانية؛ إنا لله وإنا إليه لراجعون.
المفارقة الفاقعة في سياسة التبشير بالخراب أن الدعاية الحربية الأميركية استباقية أيضاً مثل حروبها, وباتت تستبق تصعيدها العسكري في أي منطقة في العالم, بالإعلان عن وجود عناصر للقاعدة, لتبرر مجازرها للأبرياء بحجة استئصال الإرهاب. ومن المعلومات المذهلة التي وردت بشكل عابر في أحد تقارير مجلة «النيوزويك» عن القاعدة هي أن عدد عناصرها في العراق لا يتجاوز أصابع اليدين!! إذاً, ما كنه تلك العمليات الضارية التي شنت على منطقة الرمادي والأنبار؟ ومن كانت تستهدف؟ وهل الدعايات كانت مجرد دخان للتغطية على نار تحرق كل ما قد يتبقى من أوطان وسيادة وطنية؟
اللعبة ذاتها تتكرر مع الصومال, فقبيل دخول الجيوش الإثيوبية إلى البلاد لدحر جيش المحاكم الإسلامية, سُمح لتجار السلاح الدوليين بشحن أطنان من الأسلحة للمحاكم عبر الجو, بعدها دخلت القوات الإثيوبية, ومع وصولها إلى مقديشو ظهر على شاشات التلفزة شخص قيل إنه من المحاكم, وصرح أن حربهم هي حرب على «الكفار والمسيحية». وهكذا تم تحديد طبيعة الحرب التي ترغب أميركا بزج الصوماليين في مستنقعها. وإذا شئنا المضي في التحليل استناداً إلى نظرية المؤامرة التي لم يعد هناك غنى عنها لفهم سياسة بوش, لا يستبعد أن يكون ذلك التصريح دعوة خبيثة لفتح باب الجهاد في الصومال, ليكون الجبهة الثالثة في الحرب الأميركية المزعومة ضد «الإرهاب», فتصيب بذلك عدة أهداف منها تخفيف الضغط عن الساحة العراقية, وشغل الرأي العام بمزيد من القضايا, وظهور أميركا بثوب المنافح عن قيم التحضر والانفتاح والحريات, والأهم تجميع الجهاديين وأعداء أميركا في عدة بؤر ملتهبة يسهل استهدافها, تؤدي إلى إشعال حروب أهلية مطلوبة لتنفيذ المشاريع الأميركية.
الصومال المصيدة الجديدة. هذا هو الهدف حالياً, إذ ما المانع من تلبية الدعوة من قبل كثير من الشبان الجهاديين, طالما هم يبغون أولاً وأخيراً استهداف المصالح الأميركية, وبدلاً من مهاجمتها في عقر دارها, تتم مواجهتها على ارض الصومال والعراق وأفغانستان, وأيضاً لبنان إذ يكتب يومياً العديد من التقارير حول وجود للقاعدة على أرضها, في الوقت الذي تؤكد فيه أميركا وحلفائها حقها في ملاحقة عناصر القاعدة أينما كانوا. ولا نظن أنها محض مصادفة أن يوجد المطلوبون في المناطق التي ترغب أميركا بالتدخل فيها وبسط سيطرتها عليها, فأميركا البراغماتية تعمل بعقلية سماسرة العقارات الذين ما أن تقع عينهم على العقار المطلوب, حتى يطلقوا حوله شتى الشائعات, كوقوعه ضمن مخطط تنظيمي لشق طريق أو شيء من هذا القبيل, ليحصلوا عليه بأبخس الأثمان.
والآن, ها هي الصومال قد تركت نهباً لنزاع أهلي, انتهى بتدخل جوي أميركي سافر, بصم عليه بالعشرة رئيس الحكومة الانتقالية عبد الله يوسف أحمد, بل وأعطاهم الحق المطلق في «شن غارات على ما أسماها مواقع لتنظيم القاعدة في بلاده». فما كان من الجامعة العربية وباقي المحافل الدولية إلا أن فغروا أفواههم دهشة وضربوا يداً بيد وقالوا صاغرين: «كنا نأمل أن يحرصوا على سيادة بلادهم والمصالحة بدلا من الدعوة إلى التدخل الأجنبي»؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله.
لا يختلف هذا السيناريو مع كل الحكومات «الوطنية» المعينة, أو المدعومة أميركياً في جبهات الهيمنة الأميركية, إذ لا همَّ لها سوى تنظيف التدخل الأميركي من الشبهات, وفي المستقبل القريب مما سيقترفه من جرائم. حرب هي بكل جلاء توسعية تعيد الشعوب المغلوبة على أمرها قروناً إلى الوراء, إلى العصور البدائية, تلك التي تقع قبل التاريخ المكتوب, حين لم يكن هناك بشر ولا هوام, مجرد أرض قاحلة, أرض موات.
المشكلة أن اللاعبين المحليين السياسيين يدخلون اللعبة, بزعم انتزاع الحقوق سواء عن طريق مسايرة الوحش, فيقعون في شرك الاستقواء به طمعاً بالحفاظ على سلطة كاذبة ليست أكثر من فتات فيخسرون ثقة شعوبهم, من دون أن يربحوا احترام أسيادهم العنصريين لكن المتحضرين, ولتذهب الأوطان أدراج حروب تضل أهدافها الوطنية في عجاج أهداف لعبة كبرى وقذرة.
إنها القيامة يا جحا.
بالاتفاق مع الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد