مبايعات جديدة لتنظيم «داعش» في القلمون والتلّي يعلن الحرب في أكثر من اتجاه
لا جديد في الكلام الذي قاله زعيم «جبهة النصرة في القلمون الغربي» أبو مالك التلّي في التسجيل الصوتي، أمس، الذي صدر بعنوان «النداء الأخير». بل بدا التلّي كأنه يتلو نص البيان القديم الذي صدر عن «جيش الفتح في القلمون» في أيار الماضي، ومهّد لإشعال فتيل الحرب مع تنظيم «داعش» في بعض جرود المنطقة، بالتزامن مع الحملة الضخمة التي قادها الجيش السوري و «حزب الله» في جبال القلمون آنذاك.
وقد يكون الجديد الوحيد الذي ورد في كلام التلّي أنه أضاف إلى قائمة الاتهامات التي وجهها إلى «داعش» تهمتين جديدتين، هما «تسليم القرى» و «بيع النفط إلى النظام السوري»، فيما التّهم الأخرى مثل قتل قادة الفصائل (عرابة إدريس والمقنع) وقتل أبو أسامة البانياسي و «الغلو وتكفير المسلمين»، وردت بتفصيل أدق في البيان القديم الذي حمل عنوان «معذرة إلى ربكم».
ولكن عندما يقرر التلّي أن يخرج ويكرر فحوى البيان السابق مع بعض الإضافات الطفيفة عليه، فهذا يعني أحد احتمالين، إما أنه لم يشعر أن البيان السابق أدّى الغرض منه، وبالتالي يريد استكماله، وإما أن هناك مستجدات على ساحة القلمون والمناطق المحيطة، سواء من الجانب السوري أو اللبناني، كوادي بردى أو القلمون الشرقي أو عرسال وجرودها، فرضت عليه اتخاذ موقف تجاهها.
وقد جاء خطاب التلّي بعد جملة من التطورات التي شهدتها المنطقة سورياً ولبنانياً. فسورياً جاء التسجيل بعد ساعات من استعادة الجيش السوري السيطرة على قرية مهين ما أدى إلى قطع الطريق أمام تنظيم «داعش» للتقدم نحو القلمون، كما كان متوقعاً. وقد يكون التلّي شعر ببعض الاطمئنان لهذه الخطوة لأن نجاح «داعش» في إيصال الإمدادات إلى معاقله في جرود قارة وجريجير كان يمكن أن يقلب المعادلة العسكرية لمصلحته في مواجهة خصومه الإسلاميين. وكذلك جاء التسجيل بعد انتهاء معركة الزبداني ودخولها في دهاليز التسويات، حيث خسرت «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» بالنتيجة أهم معقل لهما في محيط دمشق. وما زاد الطين بلّة من هذه الجهة أن نشاط تنظيم «داعش» أخذ يتصاعد في منطقة وادي بردى المجاورة في الفترة الأخيرة، وحصلت اشتباكات بينه وبين بعض الفصائل أكثر من مرة، الأمر الذي أثار المخاوف لدى البعض.
أما لبنانياً، فقد صدر التسجيل الصوتي لأبي مالك التلّي بعد التفجير الذي استهدف اجتماع «هيئة علماء القلمون» في عرسال، الشهر الماضي. وبعد التفجيرات التي ضربت منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية، وتبنى مسؤوليتها «داعش». حيث سادت في أعقاب هذه التفجيرات أجواء مبنية على بعض المعطيات الأمنية أن لبنان أصبح في صلب اهتمام «الدولة الإسلامية»، وهو ما رفع درجة التنافس مع التنظيمات الأخرى وعلى رأسها «جبهة النصرة».
لذلك من غير المستغرب أن يكون التلّي، وجد نفسه مضطراً إلى إثبات وجوده، خصوصاً أن المرة الأخيرة التي سُمع فيها صوته كانت مع بداية معركة الزبداني، والتي انتهت إلى غير ما تضمنته تهديداته في ذلك الخطاب، فكانت خسارته مزدوجة.
وما يلفت الانتباه في كلام التلّي، أمس، الذي جاء تحت عنوان «النداء الأخير» أنه خص بكلامه عدداً من الأسماء، وطالبهم بـ«التحاكم إلى شرع الله وترك التنظيم»، و «التوبة إلى الله»، و «التبرؤ من هؤلاء المجرمين الذين قتلوا حلم الصادقين في إقامة الخلافة على منهاج الراشدين، فقتلوا وشرّدوا وكفّروا الكثير ممن يذودون عن أعراض المسلمين». وهؤلاء الذين ذكر أسماءهم هم: الشيخ نبيل، ومازن خلوف، وأبو الهدى، وأبو خالد السريع.
ويعتقد أن نبيل هو الشيخ نبيل أبو محروس الذي يتولى رئاسة «المحكمة الشرعية» لدى «داعش في القلمون». كذلك يعتقد أن أبا الهدى هو أبو الهدى السوري الذي كان يقود «لواء عمر بن الخطاب» وبايع «داعش» بعد أن انضم لفترة إلى «جبهة النصرة».
أما أبو خالد السريع فهو قائد «لواء الحمد» العامل في القلمون، ويعتقد أنه شكّل من قبل «لواء خالد بن الوليد»، وقد ورد اسمه في قرار صادر عن قاضي التحقيق اللبناني فادي صوان في الثاني من تشرين الأول من العام 2014، حيث كانت التهمة الموجهة إلى خالد رحال هي «الانتماء إلى جماعة السوري أبو خالد السريع في وادي حميد في جرود عرسال، وتأمين الأسلحة للواء الإسلام».
والاسم الأخير مازن خلوف هو مؤسس وقائد «لواء صقور الأمويين»، ولم يسبق أن عُرف عنه أنه كان مقرباً من «داعش».
غير أن مصدراً مطلعاً على تطورات القلمون أكد، أن خلوف والسريع قد بايعا «داعش» بالفعل، وهما حالياً يتوليان مناصب قيادية فيه. وفي المعلومات أن علاقة وطيدة تربط بين الرجلين وبين قائد «لواء تحرير الشام» فراس البيطار المتّهم من قبل «جيش الإسلام» بمبايعة «داعش» سراً، وأن الأخير أقنع الرجلين بمبايعة أبي بكر البغدادي، وتعهد لهما بتزكيتهما أمام قيادة التنظيم في الرقة. ومن المهم أن نشير هنا إلى حدوث اشتباكات عنيفة بين «جيش الإسلام» وبين «تحرير الشام» في مدينة الضمير بريف دمشق، واستمرت طوال أمس. ما يطرح تساؤلاً حول إمكانية وجود تنسيق معين بين «جبهة النصرة في القلمون» وبين «جيش الإسلام» لافتتاح معركة مزدوجة ضد الفصائل المبايعة.
وثمة أمر آخر، هو أن يكون التلّي قد قرر الاستفادة من التطورات السابقة بهدف السير وفق سياسة فرع تنظيمه في الجنوب، التي تقضي بتوجيه اتهام «الدعشنة» إلى أي فصيل يريد محاربته والتخلص منه، كما حصل في درعا مع «سرايا الجهاد» و «شهداء اليرموك». وقد سبق لأبي مالك التلّي، عبر ذراعه الإعلامية «مراسل القلمون»، أن أصدر بياناً ينتقد فيه تشكيل «سرايا أهل الشام». وقد تشكلت هذه السرايا في 30 أيلول الماضي من غالبية فصائل القلمون الغربي، من دون أن يذكر البيان أسماء هذه الفصائل. وسمي أبو موفق الشامي قائداً عاماً لها، وأبو حسن القلموني قائداً عسكرياً، وأبو جابر الشامي رئيس المكتب السياسي.
ولكن بات بحكم المؤكد أن فصائل «تجمع واعتصموا»، التي انشقت عن «جيش الفتح في القلمون» وأعلنت صراحة أنها ترفض قتال تنظيم «داعش» انضمت إلى السرايا الجديدة. وهذه الفصائل هي «لواء الغرباء»، و «لواء نسور دمشق»، و«كتائب السيف العمري»، و «لواء رجال من القلمون». وهو ما يمكن أن يكون التلّي قد اعتبره إشارة إلى أن السرايا تسير في الخط نفسه الرافض قتال «داعش». فإذا ما أضيف هذا إلى البيعات التي حصل عليها التنظيم، يكون من حق التلّي أن يخرج ليهدد ويتوعد.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد