"أدب غرف النوم" في ثقافي الثورة
أدب غرف النوم
غازي حسين العلي
الحكاية بدأت على النحو التالي: كاتب مغمور يحلم بالشهرة. قدماه هنا ورأسه هناك. فكّر طويلاً بحل معضلته العويصة، إلى أن وجد ضالته أخيراً في تأليف رواية - أي رواية – يتناول فيها الذات الإلهية بالسوء.
تصدر (الرواية) بعد حين، فتثار حولها ما يشبه الزوبعة، ليأتي من يصدر (فتوى ما) بحق الكاتب المغمور، الذي ستؤازره سفارة غربية (ما) بمنحه حق اللجوء إلى بلدها، والهدف هو تخليص هذا الألمعي من (الإرهاب الذي يهدد فكره وحياته). هناك في الغرب، يعطونه بيتاً وراتباً، ليقضي بقية أيامه في ثبات ونبات، ويخلّف من زوجته الأجنبية الشقراء، صبياناً وبنات. هذه الحكاية غير قابلة للتعميم، ولكنها بدأت تأخذ حيزاً كبيراً من تفكير بعض الكتّاب المغمورين، لتتحول مع الزمن، إلى سعي محموم، للوصول إلى خاتمة (ساحرة) كخاتمة هذه الحكاية. بعض هؤلاء، ممن يخشون (الفتاوى)، وجدوا ضالتهم في الجنس، كذريعة للشهرة، فاجترحت قريحتهم روايات بورنو بامتياز، إلى درجة دفعتني إحداها، إلى توصيفها على أنها مجرد مذكرات مومس تروي حكاياتها مع عشاقها العابرين، بينما خلا النص الذي اسمه (رواية) من أي خصوصية فنية أو تقنية أو إنسانية، يمكن من خلالها التعامل معها، بوصفها عملاً فنياً محضاً، بغض النظر عن الموضوع. لقد كان الأدب على مرّ العصور، وسيلة تعبير وتأريخاً لحياة الأفراد والشعوب، والجنس جزء لا يتجزأ من هذه الوسيلة، لكن من المؤسف حقاً أن تتحول غرف النوم إلى فضاء روائي، ليس قبله ولا بعده، فضاء ضيق لا يتسع إلا لأنّات النساء وفحولة الرجال، مع بضع مفردات وتوصيفات مفتعلة، أقل ما توصف به، أنها وضيعة وتدفع القارئ إلى الاشمئزاز والقرف. وما جعل أدب غرف النوم هذا محط اهتمام وملاحقة، هو عمليات التضييق والمنع التي يتعرض لها، وأظن أنه لو أتيح للقارئ الاطلاع على هذا (الأدب) دون رقابة ومنع ومصادرة، فإنه سيصبح ذات يوم قريب جداً، مجرد سقط متاع لا يُقبل عليه أحد، لأنه ببساطة ،أدب طارئ، يعيش حالة مؤقتة طارئة، سرعان ما يضمحل ويختفي، مع اختفاء وزوال دوافعه وأسبابه.
الرواية أولاً
فواز حداد
لم تكن مقاربة الجنس في الأدب محظرة على الأدباء، فالجنس بحكم شيوعه في الأجناس الأدبية منذ القدم، كان ملكية عامة مبذولة للجميع دون استثناء، دون اقتصاره على النخبة أو العامة، ولذلك كان الخلط فيما يوحي به من مشاعر سامية أو أحاسيس دنيوية، بالإضافة إلى الطرافة والتسلية والاستئناس بالمجون. مثلما كان العري تارة فاحشاً، وأخرى مثال الفن الجميل.
يرتبط الجنس بالهيئة الاجتماعية، أكثر من ارتباطه بالفراش والطيش والخلوات المشبوهة. ولم يكن الزواج إلا صيغة للحفاظ على ترابط المجتمع وتماسكه، وبالتالي مارس عليه الكثير من الضوابط والقيود، فأدت مظاهر الحشمة والتزمت إلى اعتبار تناول الجنس انحطاطاً لا يليق بالأسر المحترمة والمحافظة، بقدر ما هو لصيق بالطبقات الفقيرة والرثة. مما انعكس على الأدب كأداة تعبير، لا سيما حين اعتبر الشعر، وفيما بعد الرواية، أدوات تعبير راقية، اتسعت للكثير من الرومانسية البريئة، وفيما بعد للنضال والكفاح، مع اشتباههما بالطهرانية الثورية، شملت التحرر من رياء الأخلاق البرجوازية، كإحدى سمات الطبقة المتحللة. وعلى الرغم من توخي رفعة الأدب، صدرت سواء في العلن أو سراً، كتب تتعرض للجنس بشكل مباشر وفج، استفزت قيماً سائدة ومستقرة، ككتابات دو ساد وكازانوفا، لا يمكن تصور أن كاتباً تجاوزها حتى الآن. وكتب أخرى نشرت بأسماء مستعارة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أخذت في الازدياد في القرن اللاحق حتى باتت تشكل تياراً لا ينضب من الاجتراء على المحرمات، ثم أصبحت موجة لا تني كل فترة عن اختلاق فضيحة ما. ليس أن الجنس موضوعاً جذاباً وحيوياً، وإنما أمر لا يمكن تفاديه، وإلا كنا تحت زعم دعاوى أخلاقية زائفة، تقمع عواطف ومشاعر ورغبات ونزعات مهما بلغ شذوذها تمور داخل البشر، وتتبدى بطفرات من هوس مستهجن، قد يبلغ حد الجريمة والجنون. يتحدد الخلاف بكيف يتعامل الأدب مع الجنس؟ إذا اعتقدنا أنه يجب التعامل معه كأي موضوع، فهذا يعني إدخاله إلى عرين الأدب، ليس للإثارة وتصيد الشهرة والاتجار به، وإنما كموضوع حساس وجوهري. لكن يعتقد بعض الكتاب والكاتبات أن الجرأة هي الإنجاز الأهم في الأدب، وموضوعها الأول هو الجنس. وإذا أدركنا بأن المحرمات الجنسية نتاج التقدم والحضارة، وإن عهود الهمجية تحفل بالمسموحات مما جرى التعارف عليها على أنها موبقات. يأتي الأدب ليس كي يكرس مفهومات خاطئة، وإنما كي يخلص الحضارة من تصلبها وجمودها. وهذا لا يكون بالتسيب ولا بالإسراف في العلاج، كما تفعل أفلام البورنو بافتعال شذوذ يتخطى قريحة أي كاتب مهموم بالجنس مهما بلغت وقاحته وتبذله. الهدف بالنسبة إلى صانعي تلك الأفلام: المال، أما الكُتاب فأكثر جشعاً: المال والشهرة معاً. الأدب ليس ضد الجنس على الإطلاق، وبلا ريب يبقى الأدب هو المجال الأرحب والأقدر، وإن كان شائكاً، ليواجه الإنسان نفسه ويضع مشكلاته الروحية والمادية تحت مبضعه. ولا يمكن أن يتم هذا بالنسبة للجنس إلا بادراجه ضمن شرطه الاجتماعي والنفسي والتاريخي والأخلاقي... عندما نقرأ “عشيق ليدي تشاترلي” نقرأ أخلاقيات المجتمع الفيكتوري وأمراضه، ولا نقرأ فقط علاقة امرأة ورجل بين أربعة جدران في كوخ، وإنما علاقة كاشفة لتصدعات خطيرة في مجتمع متكلس. كذلك روايات جين أوستن على الرغم من كل تهذيبها، نقرأ عواطف البشر الجامحة تحت غطاء من التعقل والكبرياء. وينطبق هذا على روايات كبار الروائيين؛ دوستويفسكي، بروست، محفوظ... يتعدى الجنس كونه جنساً محضاً، ينحو إلى التهييج والإثارة واختلاق الأوهام والأحلام كما تفعل الإعلانات أو ابتذاله بقذارة كما في الأفلام الزرقاء، وإنما الجنس البشري الساعي لاكتشاف الإنسان في غرائزه ونزعاته الخبيئة ومجاهيلها السوداء، وحاجاته الحقيقية. إن الجنس أحد أشكال الاتصال بالذات والآخر الأشد عمقاً، ومثلما هو من علامات الصحة، هو أيضاً من علامات المرض. وإذا أردنا الإشارة إلى ما يكتب أو ما يصلنا من كتابات تنزع إلى الجرأة بافتعالها تحت عنوان فضح المسكوت عنه، أو غيرها من العناوين المخادعة، والتي غالباً ما تأخذ شكل الرواية، فالنصيحة المجدية هي: الرواية أولاً وبعدها يأتي الجنس كجزء من عالم الإنسان، إذ لا يمكن أن يكون إلا جزءاً من كل. وليس الجنس أولاً، أو كل شيء، وبعده قد تأتي الرواية، أو لا تأتي.
الجسد والأدب وما بينهما
خيري الذهبي
منذ أكثر من عشر سنوات عرض في التلفزيون السوري مسلسل كان اسمه كاساندرا وكان هذا المسلسل ضعيفاً على كافة المستويات؛ التمثيلية، والإخراجية، وقبل كل شيء التأليفية، فقد كان مليودراما مفاجآت مضحكة أين منها أعمال المغفور له، مخرج الروائع حسن الإمام.
لكن المثير للدهشة والاهتمام كان نسبة المشاهدة الهائلة التي حظي بها هذا المسلسل متجاوزاً كل ما عرفته التلفزيونات حتى ذلك الحين، وكنت أعتقد أن هذه الظاهرة سورية فقط ولكني حين قمت ببعض الزيارات والمشاركات في العالم العربي فوجئت بأن هذا المسلسل قد حظي بنفس المشاهدية والإقبال وكنت قد التفت إلى هذا المسلسل حين كان سباك يعمل لدي في تغيير بعض الأنابيب المهترئة وحين آن أوان عرض المسلسل أصر على المضي إلى بيته، فأحضرت له الغداء، ولكن الغداء لم يكن ما يهمه إذ صرَّح لي بعد تلعثم قليل بأنه يجب أن يمضي إلى البيت لمشاهدة الحلقة الأخيرة من المسلسل، وأصبت بالدهشة وحاولت المزاح، ولكنه كان شديد الجدية، ولما كنت حريصاً على عدم خروجه من البيت تاركاً البلاط والرمل المتراكم في المطبخ وقبل إنهاء عمله، اقترحت زوجتي حمل التلفزيون إليه في المطبخ ليتفرج على حلقته، ثم يكمل عمله، وكان أن حملت إليه التلفزيون. و.. أكمل شغله في المطبخ بعد عرض الحلقة السعيد. بعد بضع سنوات تقدمت الكاتبة الشاعرة الجزائرية برواية سمتها ربما (ذاكرة الجسد) وكان أن حصلت على إقبال هائل، فقرأتها ولم تثر فيَّ شيئاً مما أثارته في الاتحاد النسائي السوري في ذلك الحين وفي تقاضي رسوم ممن سيحضر ندوات السيدة الجزائرية (اللهم ليس في هذا الكلام شيء من حسد!!!). فيما بعد أخذت أحلل الظاهرة وأحاول أن أقرأ تفسيراً لها، فما الذي شد السباك وعشرات الملايين من الشعب العربي إلى ترك كل شيء لمشاهدة مسلسل ضعيف كان اسمه كاساندرا، وما الذي جعل آلافاً من القراء غير القارئين يقرأون ويتباهون بحمل روايات هذه الكاتبة، الأمر الذي ذكرني بموضة حمل رواية الأم في الخمسينيات من قبل مراهقي تلك الفترة، فكأن حمل الرواية عمل نضالي في حد ذاته. وكأن حمل رواية الكاتبة الجزائرية إعلان تحد للأعراف المحافظة الجديدة التي غلبت على الجيل. ما بين ظاهرتي كاساندرا ونجاح المسلسل وهذه الرواية ونجاحها كان لا بد للمفكر من بحث عن سبب، وإلا فما الذي جعل الكثيرات من الكاتبات والكثيرين من الكتّاب يميلون فجأة إلى الحديث عن الجنس وعن الجسد، وعن الحواس، وعن الشهوات الليلية وعن التركيز على حقل لم يكن التركيز فيه مألوفاً إلا على استحياء ومواربة. ولكنا إن تذكرنا أن حرب (1973) وما نتج عنها من تغير في مراكز القرار في العالم العربي، فبعد مصر طلعت حرب الذي أدخل فن السينما إلى العالم العربي ومحاول مع طبقته نسخ التجربة البورجوازية الغربية، هذه المحاولة التي أنتجت أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش على المستوى الفني، وأنتجت طه حسين ومحمد مندور ولويس عوض ونجيب محفوظ على الجانب الأدبي. بعد هذه الطبقة جاءت طبقة من حاملي شهادة الثانوية بصعوبة لتستولي على الحكم وترفض تقليد البورجوازية الغربية في فتوحاتها الفنية والأدبية، وتعلن أنها مكتفية بنفسها، فكأن أن اختفى عبد الوهاب وطه حسين وجاء أحمد عدوية وشعبان عبد الرحيم وأمثالهما في الإبداع والأدب ونظراؤهما في العالم العربي. بعد حرب 1973 وتحول المركز الإشعاعي من دول الحضارة مصر وسورية إلى دول النفط،وانتقال الثروة – النفط إلى بلدان أخرى، هذه البلدان ما لبثت أن فرضت قيمها المتقشفة على كل شيء رقابياً وأدبياً، وتلفزيونياً وإبداعياً، وكنت قد شهدت بنفسي في العام 1975 الرقيب في إحدى تلك الدول وهو يمزق صفحات من سلسلة روايات الهلال لأنه في تلك الصفحات كلمات مثل قبَّلها، أو احتضنها، ثم لم تكتف الرقابات في تلك الدول بفرض رقابتها على بلادها، بل تمددت عبر تمويل الأعمال التلفزيونية الخاصة في مصر وسوريا لتجعل من ظهور كاحلي ممثلة عورة، ومن اختلاء شاب وأمه في لقطة واحدة ليس فيها محرم حراماً إلى آخره. هذا الجفاف والتجفيف الذي فرض على عيون وذائقة الشعب العربي والذي طال لما يقارب العقدين مع انعدام الفضائيات وانقطاع أفلام الأربعينيات ببذخها البصري عن المتفرج الحديث وأفلام الخمسينيات والستينيات بتحررهما البصري وطموحهما الفني وهكذا وجد متفرج أواخر السبعينيات والثمانينيات نفسه وهو يجول في بحر من التحفظ والمحافظة والتشدد و.. فجأة يتقدم مسلسل كاساندرا بممثلته المكسيكية نصف الجميلة مقرونة بممثلاتنا – في الأربعينيات وما بعد الفضائيات. ولكن الممثلة المكسيكية تلك لم تخضع لمقصات الرقيب النفطي، فعاشت عيون المتفرج العربي وهي تتأمل صوراً للمرأة غير التي فرضتها رقابات ما بعد ثورة النفط، فأصيب بالدوار، هذا المتفرج – الذي يمكن تسميته الآن بالقارئ وبعد غرقه في أدب الالتزام في الدول الثورية! وأدب المحافظة في الدول غير الثورية، هذا القارئ فوجئ بنص الكاتبة الجزائرية في طرحها للغة وعواطف كان قد حرمها، فطار عقله، وعقل – فيما بعد – بعض الكتّاب والكاتبات غير الواثقين من هدفهم من الكتابة، فانتشرت موضة الكتابة عن الجسد وأعضاء الجسد، ولغة الجسد، وليل الجسد، وصراخ الجسد، وأنين الجسد، والألعن أن المترجمين بدأوا بترجمة كونديرا، وكونديرا كاتب مثقف ثقافة تختزل الحضارة الغربية بيهوديتها ومسيحيتها وإغريقيتها ولاتينيتها ومعاصرتها وهو في رواياته يحاول اختصار الحضارة كلها في رواية، وحتى يمرر كل هذه الوجبة الدسمة من الفكر فهو يضيف إليها بعض البهارات من الحديث عن الجنس، والحديث عن الجنس في الحضارة الغربية المعاصرة غير مضمخ بالحرام ولا بالتابو. إنه حديث الحضارتين العباسية والأندلسية عن الجسد وعن الجنس دون تعظيم ولا تقزيم، بل هو جزء من الحياة و.. لا شيء آخر. ولكن للأسف الشديد قام قراؤنا – الكتّاب بالتنازل عن الثقافة والحضارة والفلسفة لدى كونديرا ولم يقرأوا إلا حديثه عن الجنس والجسد، وبدأت موضة لست أدري متى يسأم الكتّاب منها، ولكنهم سيسأمون. أنا أعرف ذلك وسيكتشفون أن الحديث عن الجسد مماثل للحديث عن الطعام والزهور وهذا ليس هدفاً في حد ذاته، بل وسيلة لهدف.. متى.. سيعيدون قراءة ابن حزم وألف ليلة وكونديرا ويهضمون كل هذا ليتجاوزوا كاساندرا ويعودون ثانية إلى حرم الأدب.. أرجو أن يتم هذا قريباً، فلقد سئمنا روائح الجسد ونريد عطر الجسد بعد إكسائه بثياب جمال الأدب.
ورود الجنة
فيصل خرتش
يمكن لنا أن نميز بين أربعة أنواع من الكتابة والجنس ، أحدها هو الكتابة الجنسية ، وفي هذا الموضوع تبرز الغرائز والأهواء ، ويصبح الجنس هدفاً بذاته يسعى إليه الكاتب ،
ولا يسعى إلى شيء سواه ، يغوص في الشخصية فلا تجد عنده إلا الجنس ، فيخرجه وينثره على الورق ، كأنما يريد أن يشعل فينا ناراً مخمدة انطفأت منذ مدة ، فتشتعل نفوسنا وتتهيج أرواحنا ونتابعه بعصبية وانفعال إلى أن يصل إلى الغاية التي ينشدها ، وهي تدميرنا وتدمير ذواتنا ، وهذا ما كنا نقرؤه عندما كنا شباباً في مرحلة المراهقة ، نخفي الكتب الجنسية ، وإن وجدنا الأمن مستتباً أخرجنا هذه الكتب وأسرعنا في قراءتها ، فتهجينا إلى درجة الانشغال عن كل ما سواها ، وحينئذ ترانا وقد أخذ بنا الشوق إلى المرأة كل مأخذ وصارت المرأة المتخيلة هي هدف نسعى إليه ، فنجمع غرائزنا واحتقاناتنا وكبتنا وأهواءنا ولا نرخي أنفسنا حتى نرتاح . هذا الموضوع هو أدب ، لكن يسمونه في بلادنا أدب ساقط ، أدب منحط وسافل . لذلك نجد كل شعوب الأرض عندها مثل هذا الأدب ، أمّا نحن ، فنميزه بأن نبتعد عنه قدر الإمكان ، مع أنه كان لدينا في القديم ، مثل هذه الصناعة ، وقد درجت إحدى الدور على نشر عدداً من الكتب الخاصة بهذا الأدب . في الطرف الأخر ، أو النوع الثاني تواجهنا الكتابة الخالية من الجنس ، أو الكتابة الفاضلة، وهي الكتابة منتهية الصلاحية ، فنجدها تحوّم في الطهارة والنقاء والحب البريء والأمومة ، هذه المواضيع التي أكل عليها الزمان وشرب عصيراً ، كي تبلع ، وتختفي آثارها، نراها وقد انطفأت وخبت آثارها ، وقلما نجد آثار مثل هذه المواضيع باقية حتى الآن ، اللهم عند الكاتب غير المجرّب الذي بدأ حياته دون أن يفقه من الحياة شيئاً . في النوع الثالث ، لدينا الجنس رسالة ، إنه مثل الطعام والشراب ، فكما أن الإنسان لا يستطيع العيش بدونهما ، كذلك لا تستطيع الحياة دون جنس ، لذلك نشعر ونحسّ به ، كما لو كان قدرة تتجلّى ، إنه من ذات العمل لا يجوز أن ينحرف عنه بضع بوصات أو يقترب منه بضع بوصات ، ينهمر في الكتابة ، نشعر به وكأن ضجيجاً قادماً من بعيد ، فإذا هو الآن ، يفتح أطراف الربيع ويتمرغ على العشب الأخضر الطري ، ويلتقط الكمثرى ، فإذا طعمها حلو ومستساغ ، رطب محمّل بأزهار وورود الجنة ، فنأخذ منه إلى أن ندوخ ونستسلم . هنا سيكون الجنس مقبولاً ، لا بل إننا لا نشعر به ، يمرّ بنا كأنثى تبتسم ، أو كامرأة عبرت آلاف الكيلومترات لترى فارسها الممشوق القامة ، إنه صوت الرعد حين نكون بداخله أو صوت أجنحة الفراشة حين نستمع له ، يكون قريباً من القلب ، ينفض لـه بسرعة ، ثم يغطيه بضرباته ، لقد وقع حبّ مفاجئ هنا ، في هذه الصفحة ، على هذه السطور ، لذلك اكتمل الحب بالجنس فكان نهراً عظيماً يصب في الخليج ، وتسمع لثرثرة المياه صوتاً عذباً وحنيناً جارفاً ، أشبه بأغنية الملائكة . في النوع الرابع ، ستجد صوتاً حنوناً وأهازيج مرحة وصوتاً في عمق الليل يجرحه ويناغيه ويعاتبه وحين تمسك به يتحول إلى شيء قابل للكسر ، فمرة يقدم لك الجنس بأكواب مترعة ومرة يمنعه عنك ، كأنما يقتص منك ، أو كأنما بينكما ثأر وأغنية ، فلا هو يريك إن قدمه لك ولا هو يغضبك إن منعه عنك . إذاً الأفضل هو النوع الثالث الذي يقدمه لك دون أن تشعر به أو تحسّ به ، لأنه غذاء للروح كما يقولون .
بعيداً عن العيون
نهلة سوسو
لماذا ما زالت غرفة النوم تحظى لدى الإنسان بخصوصية فائقة ومنها القفل والمفتاح ، مهما كان مستوى صاحبها المادي ؟ يكون القصر فارهاً ، وفيه جناح للنوم ، ويكون المنزل بثلاث غرف ، فتعزل منه غرفة واحدة للنوم ، وتستخدم غرفتاه الباقيتان لكل شؤون الإقامة :
الجلوس، والمعيشة والاستقبال ، ويكون المنزل بغرفتين فيقسم إلى واحدة للنوم ، وأخرى للمعيشة ، ويكون غرفة واحدة فيعزل منه قسم بستارة ، ليعطى تلك الخصوصية الموروثة منذ خلق آدم وحواء ، ربما حتى لغيرهما من الكائنات ( أما يقال دخلا عش الزوجية حتى اليوم ؟)
إنه إرث إنساني ، لم تصنعه الأعراف والتقاليد بقدر ماصنعته غريزة الحياء والخصوصية البالغة لاثنين يتشاركان أمراً لايدخله ثالث على الإطلاق وإن دخله ، ولو طيفاً ، أحدث الخراب في تلك الحميمية ، لافرق في ذلك بين الكهف ، في عصر الكهوف ، الذي فرش بأوراق الشجر ، وزين بالازهار البرية ،وبين غرفة نوم القرن الواحد والعشرين ، التي تعزل بالستائر ، وتفرش بالملاءات المطرزة ، وتكون أول اهتمامات العاشقين واخر محطاتهم ، بعد الانجذاب ، والرغبة والإعجاب ، وقبول الرائحة ، وثورة الخيال التي تفضي إلى امتزاج الاثنين في واحد ، ومغامرة استمرار الحياة بولادة طفل ...
والحب هو مجموع كل هذا بالاضافةإلى أشياء أخرى ، عصية على الكشف ، وما الجنس إلا جزء من هذا التكوين المعقد ، الذي يحاول الإنسان كشف أسراره منذ الأزل عبر تكوينات الفن البديعة ، مرة بالنحت لتأمل تكوينات الجسد ، ومرة بالرسم للتوقف عند ينابيع الجمال الحركي ، ومرة بالشعر لاختزال براكين المشاعر ، ومرة بالرواية لكسر قيود الزمن ، ورصد مشكلة التملك والغيرة ، والزوال ( رعب الإنسان الوجودي عبر كل العصور ) .
الفن عظيم بمقدار ارتقائه إلى التعبير عن قدر الإنسان على هذه الأرض ، وهو وحده ، من حفظ تاريخ الخليقة الحقيقي ، وهو نفسه غدا اليوم، طيعاً في يد قوى الهيمنة على الثقافات ، للإجهاز على كل وتد يحمل خيمة في المجتمعات مستلبة الوقار ، ملتمسة نرجسية الكاتب أو الفنان ، اللاهث وراء الشهرة بأي ثمن ، وتقديم جائزة الترجمة له على طبق من ذهب ، شرط أن يتنكر لقيم شعبه ، ويشتم معتقداته الدينية ، ويهجو قيم أمته الأخلاقية ، ويحطم المألوف في بديهياتها ( كما فعلوا بكل رموزهم المحترمة ) ولا بأس أن يأتي إلى أحضانهم دون أي أداة من أدوات الفن ، مهما كانت بسيطة ،ومنها اللغة ، ووجع الكتابة ، والرؤيا التي لابد لكل فن من بوصلتها ...
إن كانت الحشمة مقدسة لدى أمة الفنان « الصرعة » فلا بأس أن يخلع ملابسه ويأتي عارياًإلى حفلة الرقص حتى لو كان الباليه ، أو الفالس وبعد ذلك يأتي الشذوذ و«حرية»التنقل من شريك إلى آخر ، والحفلات الجماعية ،والحديث عن الفرادة والتخلف والبدائية ... والهمجية .. ولاضير في اختفاء تنوع الثقافات ، وسيادة هذه الثقافة ، ما دام ... اقتصاد الشركات الكبرى يلغي كل أشكال الاقتصاد الأخرى . من هذا المناخ يخرج الفن المعاصر ، وفيه روايات لاتستحق الذكر ، وأسماء تلمع ، ومع ذلك لامكان لها في هرم الإبداع الإنساني ،حيث أعمال الخالدين، الذين لم تكن لهم عين واحدة تتلصص على بقعة صغيرة من الوجود ، هي الفراش. وحيث لاامتداد زمنياً يستحق أن يستأثر باهتمام المبدع ( إنه مجرد إحدى عشرة دقيقة ،كما رأى باولوكويللو ) !
بينما تغلي المجتمعات بالكثير من القضايا والهموم ، التي عليها عاش فن الخالدين .. وأي معادلة في الوجود قامت على عنصر واحد ، أو جزئي مهما كان هاماً ، أو أساسياً ؟
بين الجنس والإباحيــة
نــذيــر جعفـــر
في ظل عالم وثقافة رقمية غير قابلة للقوننة والضبط تحت أي معيار كان , لم يعد من الممكن مطالبة المبدع بالامتثال إلى ذهنية التحريم السائدة ,وعدم خروجه على تابو الجنس والدين والسياسة . والرواية بوصفها تنوعا كلاميا يعكس غنى وتنوع الحياة الاجتماعية والاتجاهات الفكرية والمصائر والميول والرغبات , استطاعت بما تمتلكه من إمكانيات تعبير فنية أن تحطّم تابو الجنس بدرجات متباينة تراوحت بين المشاهد الحسية العاطفية الشفّافة , والمشاهد الجنسية المثيرة , والإباحية المبتذلة . والجنس بحد ذاته ليس موضوعا جديدا في الأدب العربي عبر عصوره المختلفة , فقد حفل به الشعر والنثر, كما نال حظا وافرا في المرويات السردية وبخاصة في “ ألف ليلة وليلة “ . وإذا كان تناوله في الرواية ما يزال يثير لدينا كثيرا من الأخذ والرد , فإن هذا الأمر قد حسم تماما في الآداب الغربية , وأضحت الأعمال التي أثارت ضجة واستهجانا في حينها بسبب جرأتها في اختراق تابو الجنس مثل : “ ديكاميرون “ لبوكاشيو , و” مدام بوفاري “ لفلوبير , و” عوليس “ لجيمس جويس , و” مدار الجدي “ لهنري ميللر , من كلاسيكيات الرواية الغربية . لقد عاد الحديث عن الجنس في الرواية يتصدر الاهتمام بوصفه موضوعا ساخنا , منذ الصدور المتوالي لعدد من الروايات المصرية , بدءا من : “ رامة والتنين “ لإدوار الخراط , و “ ذات “ لصنع الله إبراهيم , و “ التجليات “ لجمال الغيطاني , و” لبن العصفور “ ليوسف القعيد , ووصولا إلى “ عمارة يعقوبيان “ و” شيكاجو “ لعلاء الأسواني . كما أخذ هذا الحوار حول الجنس يتفاعل في المشهد الثقافي السوري بصدور عدد من الروايـات التي تناولته بأشكال ودلالات مختلفة لكل من : حيدر حيدر( وليمة لأعشاب البحر ) , ونبيل سليمان ( سمر الليـالي) , ووليد إخلاصي ( دار المتعة ) . إن الجنس في العمل الروائي مثله مثل أي موضوع آخر يمس حياة الإنسان ويؤثر فيها , فلا يمكن الحديث عن السلوك ودوافعه , وعلاقات الحب والزواج , والسياسة والاقتصاد , والأمراض النفسية والجسدية , والجريمة والمخدّرات , بمعزل عنه . وربما السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام ليس الحديث عن الجنس أو تصويره في العمل الروائي , إنما كيفية هذا التناول وأغراضه الفنية والجمالية التي تعزّز سياق النص فنيا أو تضعه في خانة الإثارة المجانية الرخيصة وحدها . وكمتلق للعمل الروائي أجد أن الجنس الذي ُيوظف أحيانا كتوابل خارجة عن السياق لا يخدم النص بقدر ما يسيء إليه , والإسراف في تصوير المشاهد الحسية الجنسية ينأى بالعمل الروائي عن مداره الحيوي الذي يعنى بتصوير السلوك والانفعالات والمصائر التي تتحكم فيها دوافع وعوامل عدة ليس الجنس أولها وآخرها . إن شفافية اللغة , وشفافية تصوير المشهد الجنسي , بما يتوافق مع السياق , ويعزّز المضمون والدلالة , شرط مهم في اجتذاب القارئ وتشويقه وتحفيزه على القراءة بما يوفّر له عنصري المتعة والمعرفة , وهما غاية كل فن جميل , سواء أكان رواية أم قصيدة , أم لوحة تشكيلية . إن جمالية السرد الروائي لا تتأتى من خروجه عن المألوف والاقتراب من الخطوط الحمراء وتجاوزها فحسب , بل من حرارة الحدث , وعمقه , ودراميته , وصلته بالحياة التي نعيشها والمشكلات التي نواجهها , وتعبيره عن التعدّد والتنوع الكلامي والإيديولوجي في لحظة من لحظات التحول المصيري التي تثير كثيرا من الجدل وردود الأفعال , وقبل كل هذا أسلوبه وأدواته وتقنياته المبتكرة المستخدمة في توصيل ذلك . فالجنس في تجليه الإنساني العاطفي فضاء مهم للإبداع الروائي , شرط ألا يقع في الإباحية الرخيصة التي تقترب من الدور المناط بأفلام البورنو لا بالفن عموما . وما الطابع الفضائحي الذي تعكّزت عليه بعض الأعمال الروائية في اكتساب شهرتها الزائفة إلا فقاعة إعلامية سرعان ما تضمحل وينتهي أثرها بانتهاء الضجّة المفتعلة حولها . أما الأعمال التي لا تكتسب شهرتها وحضورها من هذا الباب فستجد قراءها الدائمين في كل زمان ومكان . شأنها شأن تلك الأعمال الخالدة التي ما زالت تهزّ وجداننا , من الإلياذة و أوديب وميديا وأنتيغون , إلى ديكاميرون وعوليس ودون كيخوته وألف ليلة وليلة , وكل ماتركه أديبنا الراحل نجيب محفوظ من روايات وقصص , على سبيل المثال لا الحصر .
الجنس في الأدب
محمد أبو معتوق
الجنس صِنوُ القداسةِ. والحياةِ. والفنْ الجميل. وهو شطران... شطر يؤلف بين الروح والتوق والحنين, وشطر يؤلف بين الجسد والمفارق.. والعناق العميق.
والجنس: اتحاد في الآخر لتمجيد الوحدة.. وتشكيلها من جديد في إهاب حياة جديدة مختلفة ومؤتلفة مع آخر بعيد. والجنس ضالة المؤمن في اكتشاف الكينونة ومعنى التوحيد وهو من طرف آخر ضالة الضال... وهو يبحث في سواه عن نظيره وحبيبه ليتوارى داخله أو يضلَّ فيه. لذلك انشغلت به الأمم والديانات والحضارات والفلسفات... وطقسوا له.. فمنهم من أشاعه وأباح معناه ومقاصده وأوغل فيه. ومنهم من منع إباحته وأحاطه بالحذر والقوانين خوفاً من اختلاط نَسبِ المواليد. وبذلك نزع عنه شرط المتعة الوقتية وأدخله في الضرورة وأبعده عن أن يكون غاية في ذاته, ولذاته ليتماهى في معنى القداسة ويبتعد عن التقديس. لذلك انقسم الناس في الجنس. وأعلى كلُّ طرف من شأن دعواه وحجته فيه. وإمعاناً في أهميته وضبطه تحدثت النصوص المقدسة عن الجنس. وتشكلت في المخيلة الشعبية نصوص موازية, تسربت إلى الحكايات الشعبية والملاحم والأساطير... وفي عصور الكتابة اللاحقة حفلت المدونات الأدبية من شعر ومسرح ورواية وقصة.. بالجنس بوصفه مادة جاذبة لا يستكمل النص فتنته وألقه دون تناوله والحديث فيه, فمنهم من رفع الجنس في نصوصه إلى سُدّةِ الحب العذري.. ومنهم من جعله غاية في ذاته فأهوى به إلى أرض الشدِّ والجذب وتبعات الجوع والسرير. منهم من أسرف ومنهم ومن تعفف ومنهم من أعلن التعفف وأضمر التهتك وتمادى فيه «وهذا نمط من الناس في البلاد التي لا تحض على الحرية.. واسع الانتشار... وله ضراوة وتأثير. لذلك حصل الالتباس, بين كلمة (أدب) وكلمة (إبداع). وتعالت بين ظهرانينا الأصوات الزائفة التي تخلط بين معنى (الأدب) كنمط حذر ومحافظ من أنماط السلوك الاجتماعي.. وبين مفردة (إبداع) كنمط من أنماط الكشف والابتكار والبحث عن الحقائق الكبرى والنوازع وتحويلها إلى خطاب فني وأدبي رفيع. ولم يتوقف هذا الالتباس «عند حدود» وأدخل النص الذي يتحدث عن الجنس من بوابة التكفير والارتهان لفوضى الغرائز واعتبره المعتدلون نصاً قليل التهذيب. وأُدخل النص الذي يتظاهر بالحشمة والموعظة في بوابة الأدب الرجعي البليد. وهكذا أمعن كل طرف في التصدي للآخر وشجب دعواه والتمثيل فيه. ولعل الناظر إلى تراثنا الأدبي القديم, يحس بحضور اتجاهين في مراودة الجنس والحديث عنه. اتجاه القصيدة الجاهلية... التي أطلقت الحديث عن الجنس من قمقم المخاوف والمحاذير.. فاخترق الزمان والمكان وظل حياً في النصوص والنفوس, وأما الاتجاه الآخر, فهو اتجاه (الشعر العذري) الذي دفع التحريم أصحابه لرفعه إلى مرتبة الحب الصادق النقي.. كمحاولة منهم لجبِّ الفتنة والإمعان في التصعيد... وبذلك أصبحت النظرة العابرة واللمسة الخفيفة واللقاء الخاطف... أقصى ما يطمح إليه العاشق ويريد. وقد عاضد هذا الاتجاه من الحب العذري.. الكثير من شعراء المتصوفة. حيث أصبحت المرأة في شعرهم.. ذروة الجمال الذي أفاض به الخالق على الخلق فازدهت به الحياة ونهض معنى التوحيد. أما في أدبنا الراهن. من شعر ومسرح وقصة ورواية. فقد تباينت مواقف المبدعين كما تباينت من أزمنةٍ بعيدةٍ وعقود. لقد أدرك الكثير من الأدباء أن الجنس في الأدب ضرورة. كما هو في الحياة... والحياة والنص دون جنس لا ينهضان ولا يرقيان غير أن بعضهم نقله من خانة الضرورة وحوّله إلى غاية وأمعن في هتك أسراره ومراميه، وقلل من شأن الحب فيه. لذلك تردّت نصوصهم.. بعد أن أمعنوا في اللهاث خلف التفاصيل التي تقلل من شأن الجنس وتنهك عنصر الحياة والحب فيه. وصار من حقنا على هؤلاء أن نقول: الجنس ضرورة كالحياة المستمرة وليس غاية كاللحظات العابرة التي تحرك الغرائز ولا تنهض بالمواجد والحب العظيم.
الجنس في الرواية
خليل الرز
تكاد لا تخلو رواية من قبلة بريئة أو ماجنة، من عناق عابر أو حميم، أو حتى من مجرد ظهور سريع فاتن لربلة ريانة تكون بمثابة إنقاذ فوري لإيقاع رواية بدأ يترهل.
المسألة هنا لا تتعلق فقط بميل الكاتب لإثارة غرائز قارئه، وهي تهمة جاهزة على كل حال، بقدر ما هي إخلاص ملتبس لتقاليد كتابة مادام تاريخ هذه الكتابة ملتصقاً إلى هذا الحد بالعلاقة بين المرأة والرجل وسحرها الجنسي. وأقول «ملتبس» لأن الموضوع، أي موضوع، حين يكون بهذه الوفرة وهذا التنوع إنما يملك كل أسباب الابتذال، فأن تُضمّن الآن روايتك فراشاً حميمياً أمر أكثر من معتاد، ولذا لابد هنا من أن يكون الإخلاص لتقاليد الكتابة ملتبساً أعني أن لا يكون خالصاً، أن لا يفقد المغامرة، فلا ينزلق إلى الجاهز المتكرر في الروايات من قُبلٍ بائتة وسيقان محفوظة عن ظهر قلب. المسألة إذاً كلام بالأداة أيضاً. لقد اكتسبت العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة في تناولها الروائي الطويل من الخبرة ما حوّلها من مجرد موضوع إلى تكنيك به يستطيع المؤلف أن يقول مقولته وعليه يقيم عمارته إذا شاء كما يقيمها على أدواته الكثيرة الأخرى. ولكن هل أنتقص بما سبق من حيوية وأهمية حضور الجسد لذاته في بناء الرواية؟؟ أعني هل أتنكر بالأخلاق الحميدة إذ أحصر الجسد بلا هوادة بدور تقني محدد لا أتسامح معه بأي خروج عليه؟؟ لا أعتقد ذلك، بل أترك هذا الموقف للقادرين بقدرة قادر على تمييز الحدود أو وضعها بين التزام الجسد لدوره في الرواية وبين خروجه عليه، وما أكثر مثل هؤلاء المتبرعين بهذه المواقف الرنّانة الحصيفة التي تصدر أحياناً حتى من بعض الكتاب التائبين أو المفوضين في رواياتهم الرزينة بمهام اجتماعية ثقيلة ينوء تحتها أعتى الأحزاب والمنظمات الحماهيرية. وأرى أن افتراض شطط الجسد في رواية جيدة افتراض ينطوي إما على سوء نية أو على سوء فهم. كيف نفرّق الرواية الجيدة من غيرها؟؟ ليس من المستحيل التواضع على معايير حِرَفية ( وإن اختلفت الأذواق) للوقوف على ذلك. لكن الأهم أن لا نتبنّى مواقف أبدية عقائدية مسبقة من تجليات الجسد الإنساني في رواياتنا على الأقل مادامت تجلياته في الواقع قاصرة، ركيكة، ظالمة، ومشوّهة في غالب الأحيان. وربما كان على الذين لم تقنعهم القراءة ( كمصدر شبه وحيد للمعرفة) بضرورة حضور الجسد وإن كان طاغياً أن يتعرفوا عليه من جديد برؤيته مرة أخرى وأخرى في أعمال الرسامين الكبار منذ ميكيل آنجلو إلى مايكل باركيس وجبر علوان.
للكشف و ليس للإثارة
أنيسة عبود
ليس جديداً على الأدب العربي , قديمه و حديثه , تناوُل موضوعة الجنس في الأعمال الشعرية و السردية و خاصة في الرواية العربية بعد انتشارها كأهَم جنس أدبي يحتوي على خلاصة التجربة العامة و الشخصية ..
و إذا كان الإبداع مظهراً نفسياً داخلياً للنشاط الإنساني , متضَمناً الآليات و الديناميات النفسية الملحة للاندماج مع التجربة الحياتية و مع اقتحام المجهول و عدم الامتثال للأعراف و القواعد الجامدة فهل نستطيع أن نفسَر ظاهرة انتشار موضوعة الجنس مجدداً في أدب المرأة بعد أن كان يقتصر – و من وجهة أخلاقية – على الرجل المبدع الذي يمتلك مفتاح السلطة الأبوية , و باب التشريع في الممنوع و المسموح .. إذ يجيز الرجل المبدع لنفسه بل هو مُتاحٌ لهُ الخوض في كل القضايا التي تشكل “ التابو “ أو المحرَم الذي لم يكن مُتاحاً و لا مُستحباً للمرأة أن تخوض فيه و على الرغم من انحياز التشريعات السماوية و الأرضية للذكورة إلاَ أنَ بعض المجتمعات المغلقة لم تكن لتحبَذ أن ينتشر هذا النوع من الكتابة إلاَ على نطاق ضيق و مستور جداً .. و بما أن الإنسان يعيش في جسده مندمجاً وسط عالم مملوء بالأفعال و الانفعالات و المشاعر و الرغبات فكان الترميزُ و التلميحُ بحيث لا يخدش حياء اللغة و لا يطفو على السطح الاجتماعي و لو أنَ كتب التراث كانت مملوءةً بمظاهر الجنس الشفاهي مثل ألف ليلة و ليلة و طوق الحمامة و الكثير من الشعر الذي انتشر سرَاً في الأوساط العربية . و مع ذلك .. و رغم كل الممنوعات و المحظورات بدأت موضوعة الجنس تأخذ حيزاً مهماً في الكتابة الإبداعية العربية و هناك أعمال كثيرة تندرج ضمناً بحيث يخدم تناول موضوعة الجنس العمل الإبداعي و يهيئه لقبول رموزٍ و دلالات ٍ و غايات ليست مجانية مغايرة للمنظومة السائدة في المجتمع . و قد يكون تناول الجنس في الإبداع العربي الحديث نابعاً من ُمنطلق “ التابو “ المخيف و رفض القيود المفروضة – على هذا الموضوع لأن موضوعة الجسد لا تنفصل عن موضوعة الجنس و من لا يعرف جسده لا يعرف نفسه , و بالتالي لا يُقرأ دورُ الجنس في السياق المعبر عن الحالة الثقافية و الاجتماعية و تحديد الواقع العربي الذي يعيش حالة القمع و الاستلاب الجسدي و الروحي و بالتالي الجنسي , مما قد يضمر الكثير من الأذى و الخذلان النفسي تجاه القيود المفروضة . و من هنا بدأت الجرأة في تناول الموضوعة الجنسية في الأدب العربي لأن الجنس أداة كشفٍ و تحدٍ و تعريف بالمجتمعات و بعاداتها و تقاليدها و حتى بقيمها الإنسانية . و نجحت الكثير من الأعمال الروائية لأنها عملت على اختراق الخبايا – و كشف المستور .. من خلال لغةٍ تبوح بالقهر و تزيحُ العتمة عن تقاليد ليس لها علاقة بأي دينٍ سماوي .. فاخترق المبدع هذه العوالم المظلمة كي يضيء الجسد الإنساني بعيداً عن الشهوة فقط أو رغبة فقط لأن الجسد وعاء الروح وصورة من صور الإله .. و المرأة المعنية دائماً ليست محلاً للرغبات فقط و لا حديقة للنزوة .. و لأن هذه الأعمال الروائية نجحت .. تشجعت المرأة المبدعة و انسحبت من تحت الخمار اللغوي الساذج و راحت تكتب الجنس كما تراه إنسانياً و اجتماعياً و حياتياً بحيث مجدت الحب و الجسد و الرغبة في الإطار الإنساني و ليس في إطار الجنس لمجرَد الجنس بل الجنس كنوع من التمرد و التحدي و الكشف . دون العسف المخيف بالجسد و خاصة جسد المرأة محلَ الغواية و الاستلاب و القهر و التعذيب . و هكذا انتشرت كتابة الجسد . كتابة الرغبة في الرواية العربية لتعرية الواقع كما ذكرت . إلا أن هناك قطيعاً من الكتَاب لم يكتف عند حدود الكشف و التعرية لواقع الجسد المرير في المجتمع العربي .. بل انطلق نحو كتابة الغواية و الإثارة والتحريض مستخدماً جسد المرأة للترويجِ لكتابته و لاسمهِ و كان لهُ ذلك فعلاً في الأوساط المتخلفة و المنغلقة , فكان بذلك المساهم الأكبر في احتقار جسد المرأة تسليعهِ و احتقار الجنس الخلاَق و تحوير الغاية من كتابة الجنس إلى مجرَد كتابة إعلانية , مسطحة .. و كم من الأعمال انتشرت بين القراء فقط لهذه الأسباب دون التدقيق في الأسلوب وفي الفنية و التناول الموضوعي و التسلسل المنطقي للأحداث .. و لم يتوقف الأمر عند الكتاب الرجال بل تعدَاه إلى نساء كاتبات ولن أقول عنهن مبدعات لأنهن تناولن كتابة الجسد ,كتابة الجنس - لغاية في نفوسهن.. ناهجات الانتشار السريع و مغازلة الغرب الذي راح يلهث على كتابة الفضيحة و كتابة (( الغسيل القذر )) للمنطقة الإسلامية و كل ما هو مسكوتٌ عنه و لكن بأسلوب مسيء للقيم و الجسد و الأدب لأنه روجَ لإبداع هزيل و غثَ فقط لأنه يتناول المحرمات بصورة مُبتذلة .. و يحطَُ من قدر المرأة و من كرامتها , فهي ليست أكثر من أداة للشهوة في مجتمع ذكوري متسلَط .. و أعطى الغرب الجوائز الكثيرة لأسماء كثيرة ليست مهمة إبداعياً بل هي مهمة من خلال تدميرها للشخصية الإسلامية , و مدمرة للنص بحد ذاته لأنه لا يمتلك الخصوصية الفنية العالية . إن موضوع الإثارة و تحويل العمل إلى فيلم << بورنو >> يتلقفه المكبوتون يحتاج إلى وقفة طويلة مع أسماء كثيرة تنتشر الآن .. ظانةً نفسها بأنها حققت المجد من خلال التناول المشبوه للجسد و من خلال الانفلاش الأخلاقي و القيمي للشخصيات التي لا تخرج عنها أبداً . و بدلاً من أن تتطور موضوعات العمل الروائي و الرؤيا الإبداعية تتجه نتيجة للتحولات التي تحيطُ بنا و التي تزج بنا في خضمٍَ من الاغتراب المليء بالرموز و العلامات الغامضة , نجدُ وللأسف أسماء تنتشر كالنار في الهشيم مع أنها لم تكتب وعلى الرغم من عشرات الكتب - سوى كتاب واحد هو كتاب جسد المرأة لا غير .. و كأنَ العالم انتهى عند جسدها وبدا عند شهواتها .. مما يجعل المرء يتساءل “ ماالغاية من كتابة مكرورة , متحورة فقط على فلانة - تزوجت , و فلانة خانت , وأخرى باعت جسداً , و امرأةً سقطت .. و هكذا نجد تعويماً في المفردات و تكريساً لنظرة الرجل إلى جسد المرأة ممَا يعيدنا إلى القرون الوسطى و إلى التبعية الذكورية. إن مثل هذه الكتابة لا تحرر الجسد وهي ليست كتابة التحدي بل تعيده إلى حيواتهِ الحيوانية لا أكثر , و لا جدوى من هذه الكتابة التي من المفترض أننا تجاوزناها إلى مواضيع أكثر تعقيداً و إلحاحاً , إلا إذا كان الكاتب يسعى من خلال هذه الإباحية بكل ما تعني الكلمة أن يتوجه بها إلى الغرب المتهافت على هكذا نوع من الكتابة التي تهمَش الروح , و تمسخ الجسد , و تحول المرء إلى مجرد رغبة عابرة لا أكثر .. و لا يستعصي عن القارىء التمييز بين كتابة الجنس كجنس فضائحي , و بين كتابة الجنس للكشف و الاحتراز , و الحرية و العدالة و التمرد .. و مااللغة التي تُدعى “بالجريئة و البذيئة “ سوى دلالة على قصور المبدع تجاه التقاط مفردات جديدة و دالة و عميقة تخدم فضاء العمل الروائي ليصير أكبر من مساحة الجسد في الذاكرة . و إلاَ كان المرءُ يكتفي برؤية أفلام البورنو و لا يقرأ نصَاً , يُعمِلُ منه الذهن و التخييل .
الأدب والمستقبل
زهير جبور
موضوع الجنس في الأدب والفن ليس جديداً، ويعود زمنه إلى العهد القديم، ووجدناه في الشعر والحكاية والوصف، وعرفت بعض الكتب من خلاله، ولم يبخل علينا الأدب العربي بالبوح بأسراره، وهناك من تفنن بأسلوب ممارسته، والوصول المميز لمتعته،
لكنه لم يكن غاية بحد ذاته، ولو كان لما خلدت الأعمال، وفي العالم من اشتغل به، أمثال هنري ميلر وألبيرتو مورافيا، وحيدر حيدر، وغالب هلسا، ونوال السعداوي، وغادة السمان، وكتابات هؤلاء صبت بالمسألة الحياتية وواقعيتها، وقد قرأنا أدب الجنس العظيم بمعانيه الإنسانية، وهو لا ينفصل عنها ما دمنا نحياه ونمارسه، ونحتاجه، ونرغب به، ونندفع إليه، ومع زمن تكسر القيم وتلاشي المنطق، وسقوط الفلسفة بتعدد نظرياتها المثالية والرومانسية وغيرها، واغتيال السلوكيات العامة، والتخلي عن جمالية الوجود، وتجريد الطبيعة من نظمها وقد تناولته المعتقدات الدينية وضبطت أعرافه، وحدت من سلطته، وهذبت بتعاطيه، وجعلته كالطعام والشراب والأوكسجين، بأخلاقيات رقته وجّذبته، وأدخلت فيه الإنسان بما ميزه الله عن بقية المخلوقات. بدأت في النصف الثاني من القرن الماضي بعض التوجهات الأدبية للمتاجرة به، وكثرت الكتابة فيه وعنه، ومنهم من جعله الهدف الأساس للتغطية عن نقص إبداعي لم يتوفر بنسبة كبيرة في الأعمال المنشورة، ليتحول جسد المرأة إلى سلعة، والجنس عملية ابتذالية حيوانية، ففقدت الكتابة جوهرها، وشوهت الصورة النقية للحب، وعلاقة الرجل بالمرأة، وجاءت عند بعضهم أشبه بعلاقة الدراجة الهوائية لمن يجيد امتطاءها، ونزعت عن المرأة الوجه الخجول، وحمرة الوجنتين، وطالما تغنى بها الشعراء أو الكتاب الذين وصفوها بأعزب الكلام، وجعلوها متناسقة كجسد صبية امتلكت المواصفات التي ترشحها أميرة للشفافية، وقد أخذت العيون مكانتها، والنهود بتفتحها الزهري وتكورها الأسطوري، وكذلك العنق والشفاه ولون الجسد، وكل هذا أسقطوه وحولوه لعملية ميكانيكية تنتهي عند اعتزاز الأنثى بعدد الرجال الذين ضاجعتهم، وما توصلت إليه من نشوة، وغرضهم لا يتجاوز حدود منطقة الوسط التي هي العنصر الأساس والمحرك لتلك الكتابات، وقد ألغي عمق الفكرة، وبرزت الحيوانية الإنسانية ، ولعبت العولمة دورها فخربت وحولت السوء حقيقة مركزة على نسف الفكر البشري، دامجة الخير والشر، المنطقي واللامنطقي، وقد غزت مكتبتنا العربية تلك الأعمال، تحت يافطات الحرية، والتقدم، ومواكبة العصر والكونية، وآخر صرعات الرواية ما نشر مؤخراً في لبنان حول المثلية، وكثير من الأدباء المحترمين سابقاً ، وقعوا بالمطب، ومنهم من تربطني به صداقة، ويدافعون عن وجهة نظرهم، بما معناه ، ينبغي أن نخرج رؤوسنا من الرمال فالعالم هكذا، وكاتبات يقدمن تجاربهن بتفاصيلها(الوقحة) بحثاً عن الشهرة، والرواج، وجذب القارئ، وثمة ندوات تقام في الوطن العربي ويكنّ من أوائل المدعوات، ليس بفضل الاجتهاد الفكري، بل من أجل الخلفية المعنية والفرق شاسع بين الثقافة والتكور الشهواني الذي لا يعطي للإبداع أية قيمة، ولنعترف ونحن نعيش زمن الضحالة العامة أن فعل التكور قد أثر بشكل ملحوظ وهن يتصدرن الساحة، ودور النشر بتجاربها البخسة مفتوحة لهن، والأمثلة كثيرة، وليس مهمة هذا الملف الذي ينشره ملحق الثورة الثقافي بجرأة متصدياً لأول مرة لخطورة الموضوع، أن يفضح بل أن يوجه لكشف الدمار الناجم عن انتشار تلك الظاهرة المخيفة في أدبنا، وإن بقينا على ذلك فثمة أجيال قادمة لن تعرف من هو طه حسين ولا نجيب محفوظ أو هاني الراهب وفارس زرزور ولا جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، أجيال ستجد عند كتابها ومغنيها وفلسفتها وثقافتها، الجنس وقد تفرغ من القيم والمعرفة والفهم لمسؤوليات العيش، والارتباط بالوطن، وستجد كل شيء من حولها قد تهدم، وستكون عارية حتى من ورقة التوت، والجنس للجنس فقط، مثلي أو غير ذلك، ما دامت العملية الحياتية مقتصرة على الطعام والشراب والحيونة المطلوبة، ومن المدهش فعلاً أن جميع وسائل الاتصال تركز على ذلك، وها هي شاشاتنا تتحفنا بالمزيد كل يوم، وكله يصب في جسد المرأة، ونحن نواجه هذا بالصمت، كأنه حقيقة لا خلاص منها، أجد أنه من واجبنا التحرك، والمواجهة، وإجراء الفرز، وهذا لا يعني بالضرورة أن لا نكتب عن الجنس، بل ينبغي أن نتوجه بما نكتب لنعيد له صورته النقية وننقذه من حالة الاستهلاك التي وضعوه فيها لأغراض تستهدفنا، ومعركته لا تقل خطورة عن أية مواجهة يسعى الأعداء لاستغلالها، خدمة لمخططاتهم، وهي معلنة بوضوح، وأهمها غسل العقول وتشويه القيم، والخروج عن المألوف فيما آمنا وقدسنا واعتقدنا، والانتصار يتم من خلال انهيار البنيان المتماسك للمجتمع الذي توحده العقيدة وتميزه أدبياته. فهل سيبقى الصمت سلاحنا الأخرس عديم النفع؟ هو السؤال الأكثر إلحاحاً في هذا الموضوع، ولنتحدث بصراحة، فنحن نحتاج للمواجهة والتصدي بالعلن، وليكن ما حققه ملحق الثورة الخطوة الأولى نحو المزيد من الدراسات، والندوات، وحلقات البحث، فالأمر ليس بالبساطة التي يطرحها السادة أصحاب الخطوات الواسعة والسريعة باتجاه النهايات الفجائعية التي لا نعيرها اهتمامنا الآن وجميعهم في خط التآمر حتى لو كانت النوايا حسنة والتطلع فردي.
الرواية تتشخلع
لينا هويان الحسن
ما يحدث يشبه تماما موجة الفيديو كليب ،حيث الفنانة لا صوت ولا صورة فتحشو جسدها بالسليكون وتختبئ وراءالميكرفونات ومصفيات الصوت وتعري جسدها قدر ما يتاح لها .
أما إذا كانت فاقدة للموهبة تماما:فإنها تتشخلع وهذا ما يحدث مع الرواية العربية حاليا ،إنها باختصار تتشخلع ...تشخلعا مكشوفا ،مؤقتا مجانيا ،يلجأ له الكتاب لإخفاءالجانب الفني الركيك للرواية فيعمد الكاتب قليل الموهبة إلى ما يعمد إليه فنان صاعد ليس لديه صوت يساعده ،ويعمد إلى إحاطة نفسه بالنساءالشبه عاريات على أمل لفت النظر ..مهما كان الثمن ومشكلة هذا النمط من الأدب أنه أدب رواجه مؤقت لأن افتعال الجرأة وتصنيع التابو استجداء للشهرة بكل الأحوال لن يجعله في مصاف الأدباء الكبار ..المعلمين ؟ فالكتابة في الجنس مسألة حساسة تحتاج إلى ذكاء وذائقة سليمة وقلم يمتلك فنية هائلة بوسعه أن يقتنص اللحظة الغرامية بلحظة شهوة صحيحة تأتي بسياقها الطبيعي ،مثال ذلك وهذا رأيي الشخصي .من أجمل الأقلام التي استطاعت مقاربة غرف النوم هو قلم ماريو بارغاس يوسا ...فنقل مايحدث في غرفة نوم مسألة مهمة تمتلك جمالياتها الخاصة يفترض أن لا يستهان بها وإلا فإن النتيجة ستكون مثل فيلم عربي رخيص هابط ملئ بالراقصات ومشاهد ساخنة في الكبريهات ...وهذا ما يحدث مؤخرا في روايات الموجة إن صح التعبير ؟! عاجلا أم أجلا سيكتشف اولئك (المجربون)أن الأدب لا يحتمل المزاح بشأن الموهبة إما أن تكون موهوبا أو لاتكون ،إما تبدع في كل ما تكتب أولن تبدع مهما قلل الكاتب المفترض«أدبه»ظناً منه أنه يخترق تابو...الأدب للعمالقة ؟! والزمن ذكي جداً؟؟
المصدر: ملحق الثورة الثقافي
إقرأ أيضاً:
إضافة تعليق جديد