مفاهيم مغلوطة حول عزة الإسلام
د. سامح عسكر:
نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله !
نفهم من ذلك إن أبي طالب عمّ الرسول والذي كان سبباً في (عزة الرسول) كان مسلما؟..وهل قبيلة خُزاعة المشركة التي (أعزّت الرسول) في معركة الخندق كانت مسلمة؟
في الحقيقة هذه الكلمة الشهيرة خرجت للجهاد والغزوات، فمعناها هو (نحن قوم أعزنا الله بالجهاد والغزوات فإذا ابتغينا العزة بغير الجهاد والغزوات أذلنا الله) وفي الأحاديث ما يحض على هذا المعنى كمن يموت ولم تحدثه نفسه بالغزو مات على شعبة من شُعَب النفاق، وأن الجهاد والغزو ذروة سنام الإسلام..
مفهوم العِزّة مشتق من مفاهيم أخرى كالحرية والكرامة، وهي أمور لا يملكها الشخص العادي إلا إذا كان قويا، فعندما يكون السلفي ضعيفا ومطارد من أمن الدولة فهو ذليل لأنه غير مجاهد، فخرجت الكلمة لتشجيع الجهاد ضد المجتمع وإعادة فرض القيم الدينية للسلفي خصوصا على أجهزة الأمن..
فالواقع إذن مختلف، لأن المسلمين هم أكثر شعوب الأرض (امتهانا وذلة) رغم تدينهم، لكن الأمم القوية تفرض عليهم شروطها الخاصة، ولا وجود لمصالح المسلمين في القصة، وبالتالي فالواقع يُكذّب الكلمة تكذيبا فاضحا، فأكثر الشعوب الآن عِزة وكرامة هي شعوب أمريكا وروسيا والصين كأقوى الدول بلا منازع رغم عدم تدينهم بالإسلام..
أصل الكلمة منسوبة للصحابي "عمر بن الخطاب" في غزو دمشق سنة 634م، وكانت حوارا بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، يعني لا هي قرآن ولا حديث نبوي، بل في حُكم المحدثين (ضعيفة السند) كونها (مُعنعنة) ولوقوفها على شخصين اثنين:
الأول: قيس بن مسلم وهو متهم بالإرجاء العقائدي..يعني كافر عند البخاري، ورغم ذلك وثّقوه لأنه مؤمن بالجهاد والغزو...سبحان الله..!
الثاني: طارق ابن شهاب وهو (الوحيد) الذي سمع هذه الكلمة من عمر بن الخطاب لأبي عبيدة رغم وجود آلاف في معركة دمشق وقتها منهم مئات الصحابة والرواه ..سبحان الله..!
الكلمة مرت مرور الكرام بعد ابن أبي شيبة وهو أول من رواها لمدة 1100 عام حتى أحياها الجهاديون في القرن 20 وأخرجوا من التراث كنوز فوّاحة بها عطور وأزهار دسمة..وتلك الكلمة كانت من بين أزهار التراث التي أحياها المشايخ لخدمة الجهاديين رغم معناها المضطرب وتصادمها مع الواقع..!
فهي مضطربة معنويا لعدم تحديد معنى الإسلام المقصود، هل هو إسلام السنة والشيعة أم السلفية والصوفية أم ماذا؟ وغير واقعية أيضا لأن المسلمين رغم تدينهم فهم أذلّاء..مما يعني الحاجة مرة أخرى لتفسير معنى العزة المقصود الوارد في قوله تعالى " إن العزة لله جميعا " [يونس : 65] " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون" [المنافقون : 8]
والآيات تقول بوضوح أن العزة معناها (القوة) فهناك قوة إلهية مطلقة مشتقة منها قوة بشرية في الأخذ بأسباب تلك القوة والتشجيع عليها، وآية المنافقون نزلت في الجُبناء الذين خافوا من الروم في معركة تبوك..وقصتها في التراث أنها كانت دفاعية ضد نوايا الروم بغزو العرب..وبالتالي فمعنى الآيات أن الروم لو نجحوا في غزوكم سيذلوكم..فكونوا أعزة واعلموا أن الله معكم ما دمتم تدافعون عن الأرض..
لكن الشيوخ بقدرة قادر حوّلوها لمنطقة أخرى تماما وهي الغزو والقتال والسلب والنهب، فكل من يغزو ويسرق ويغتصب هو عزيز، وهذه كارثة الفتوحات والغزوات التي يقوم عليها الفقه الإسلامي القديم الذي أنتج داعش حاليا، فكل من أراد العزة بالغزو والقتال استدل على تفاسير الفقهاء للآية وترديدهم بغباء مقولة عُمَر المنسوبة، واعلم أن كل من يردد هذه الكلمة إما لا يفهم معناها ويكررها كالببغاء..أو يفهم معناها وفي طريقة لتكوين جماعة جهادية تقتل الناس باسم الرب وتعيد عصر العبودية والرقيق ليكون فضيلته هو الوحيد العزيز في الكون و 7 مليار بني آدم ذليل تحت ركبته..
إضافة تعليق جديد