الارهاب «الجهادي» على الانترنت:خمسة آلاف موقع في عشر سنين
من 12 موقعاً في العام 1998 الى اكثر من 5 آلاف موقع اليوم. هذا هو الاحصاء الاخير لشبكة الارهاب الالكترونية. والـCyberterror ليس محصوراً بـ «القاعدة» او الجماعات الاسلامية المسلحة, انه ارهاب يعتمد على تكنولوجيا الانترنت المتطورة وينشط على امتداد العالم كله, تختلط فيه الجرائم المنظمة بالجرائم السياسية بنشاطات اجهزة الاستخبارات على اختلافها.
الاجهزة الامنية في مختلف دول العالم تعترف بدور الانترنت في العمليات الارهابية, و«مؤسسة الاستخبارات القومية» الأميركية تؤكد ان «التطرف ينمو بسرعة مذهلة في الشبكة العنكبوتية وهناك احتمال ان ينفذ مجهولون عمليات مفاجئة بصورة يصعب معها التعرف الى هوياتهم الحقيقية».
واذا كان الارهابيون قد استخدموا بالامس الابتكارات التكنولوجية السابقة كالهاتف والفاكس, فإن المعلوماتية تبدو اكثر فائدة لهم, عبر الاتصالات المرمزة سواء كانت رسائل بريدية الكترونية او رسائل صوتية, اذ انه يصعب رصدها ويسهل تحديدها عن طريق اخفائها وراء صور تبدو بريئة المظهر. اضافة الى ذلك تشكل الانترنت اداة مثلى للارهابيين لبث دعواتهم الى جمهور اوسع بحرية تامة, من خارج سيطرة الحكومات والرقابة الاعلامية ومن دون الكشف عن هوياتهم, كما انها تصل المنظمات الارهابية بعضها ببعضها الآخر, مما يخلق جبهة ارهابية شبه موحدة ويقوي الشعور بالتضامن في وجه «العدو المشترك».
وتقول مجلة «الايكونومست» البريطانية ان سهولة وانخفاض تكلفة معالجة الكلمات والصور والصوت والفيديو سمحت بولادة ليس عصر المواطن الاعلامي وحسب, وانما المواطن الارهابي, فالقاعدة مثلا تبث بصورة دورية «نشرات اخبارية» مع مقنعين داخل الاستديوهات تتضمن تغطية للاحداث في مختلف الجبهات الجهادية كالعراق وافغانستان والشيشان وفلسطين. كما تظهر على الانترنت صور تفجير المواقع الاميركية مع سماع صرخات «الله اكبر» بعد دقائق للعودة من تنفيذ هذه العمليات. كما ان المجاهدين صنعوا لعبة فيديو على الكمبيوتر باسم «ليلة القبض على بوش» وفيها يشارك اللاعبون بقتل الجنود الاميركيين والرئيس الاميركي نفسه.
وكاميرا الفيديو المحمولة على الكتف او اليد اصبحت في عصر الانترنت: بأهمية الكلاشنيكوف وقذيفة «الآر. بي. جي» وقد اشار الى هذا الامر ايمن الظواهري نفسه بقوله في رسالة بعث بها الى الزرقاوي تم رصدها «اننا نخوض اكثر من نصف معركتنا في الساحة الاعلامية». وتقول مجلة جهادية وجدت في كمبيوتر احد الارهابيين «صوروا كل شيء. هذه نصيحة الى المجاهدين, لا تحتقروا التصوير يا اخواننا. عليك ان تدركوا ان كل لقطة تلتقطونها هي بأهمية صاروخ يطلق على العدو الصليبي وعملائه».
وهيكلية الانترنت غير المركزية التي تستوحي الشبكات العسكرية حول كيفية النجاة لدى حصول هجوم نووي, تمنح الشبكات الجهادية مرونة عالية من التكيف مع المستجدات, فهي تظهر ثم تغيب, لتعود الى الظهور مجدداً في امكنة اخرى, احياناً بسبب قطع خدمة توفير الاتصال لها, واحياناً تعتمد ذلك لتكون في منأى من المراقبين.ويشبهها الخبراء بلعبة «غزاة الفضاء» حيث تظهر دائما شاشة جديدة بعد ازالة الشاشة السابقة التي تنبئ بهجوم محتمل.
وقد تنامى عدد المواقع الارهابية على الانترنت بوتيرة كبيرة, فمن بضعة مواقع لا يتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة في العام 1998 الى بضعة آلاف اليوم, بعضها في غاية التطرف, وبعضها الآخر يكتفي بالدعوة الى التقوى والورع, ومعظمها باللغة العربية, لكن بدأ البعض بترجمة مواده الى الانكليزية والفرنسية ولغات اخرى للوصول الى اكبر عدد من المشاهدين.
واهم ما تقدمه هذه المواقع ادلة عسكرية في شكل كتب وأفلام وسلايدات «باور باونت» تتضمن معلومات شتى عن الاسلحة وتقنيات الاغتيال وصنع المتفجرات والسموم. لكن الخبراء يرون ان هذه التعليمات يصعب تطبيقها, ولا يمكن اكتساب هذه المهارات الا في مخيمات التدريب وساحات القتال, كما حصل لمحاولي تنفيذ عمليات تفجير لندن وغلاسكو الاخيرة, حيث اخفقوا في تصنيع قنابل تفجير السيارات التي كانوا ينوون استخدامها بالرغم من ان معظمهم حاصل على درجة تعليم متقدمة. مع ذلك لا يمكن التقليل من اهمية تأثير مواد كـ«موسوعة التحضير» التي يتم تجديد محتوياتها بصورة دائمة والمجلات الالكترونية المماثلة كمجلة «حدبة الجمل».
وبعض المواقع يتطلب استخدام كلمة السر, حيث يتم بناء العلاقة مع المتصلين بصورة متدرجة وصولاً الى تطويعهم, لكن هذا التقنية تنقلب احيانا ضد اصحابها, اذ تسمح بدخول متسللين من العناصر المخابراتية والامنية, وقد حذر بعض المواقع من تلقي التعليمات عبر الانترنت, ودعا عوضا من ذلك الى تلقيها وبصورة مباشرة من مصادر موثوقة, وقد ذكر احدها: «هذا الموقع, كبقية المواقع, يخضع للمراقبة لكن المعلومات غير سرية, وبالتالي فإن الافراد الذين تتصل بهم لا يمكن الوثوق بهم على الاطلاق».
وقد ادى اعتقال بعض الارهابيين الذين يديرون هذه المواقع الى دعوة مواقع اخرى المتصلين بها الى اعتماد الحذر على الاونلاين, وقال احدهم «بدر 17»... «ثق بالله لكن اعقل جملك».
ويعتبر ابو مصعب السوري المعتقل حاليا في الولايات المتحدة من ابرز استراتيجيي «القاعدة», لكن مجلده الضخم الذي يتألف من 1600 صفحة «النداء الاسلامي الكوني للمقاومة» لا يزال قيد التداول على الانترنت وفيه يدعو الى انشاء خلايا جهادية مستقلة في الغرب لا صلة لها بالتنظيمات الجهادية الحالية تقوم بعمليات بصورة مستقلة وفي رأى الخبراء هذا المجلد هو جامعة مفتوحة للارهاب.
الا انه يلاحظ ان 60% من المادة «الجهادية» على الانترنت لا تتطرق الى الاحداث الجارية, وانما تهتم بالمسائل العقائدية والثقافية وهي موجهة اكثر الى قلوب وعقول «المجاهدين» اكثر مما تدعو الى القتال ضد الغرب.
واكثر المواقع شعبية موقع «ابن تيمية» الذي يدعو الى «الجهاد ضد الغزاة والاجانب», وكذلك موقع آخر يحتوي على كتاب الكتروني يدعى «اسئلة متعلقة بالمجاهدين واعمالهم» يتم توسيعه بصورة مستمرة, وهو يهدف الى تقديم معلومات وازالة شكوك حول شرعية الاعمال التي يقوم بها المتشددون كقتل مسلمين آخرين واستخدام اسلحة دمار شامل وحلق الذقون في بعض الحالات.
واللافت ان المنظر الاسلامي ابو محمد المقدسي, المعتقل حالياً في الاردن والذي يعتبر الاب الروحي للزرقاوي يلقى اهتماماً اكبر من اسامة بن لادن والظواهري في هذه المواقع, وهو يعتبر الدماغ المفكر في «القاعدة» وتبقى اهمية هذه المواقع انها كونية, وخارجة على سيطرة اي حكومة, ولا يمكن اقفالها بالشمع الاحمر, وهي خزان اساسي لتطويع المقاتلين.
وبين القصص المتداولة حول الارهابي الالكتروني قصة تقول انه في تشرين الاول /اكتوبر/ 2005 اوقف رجال الأمن في البوسنة مراهقاً سويديا من اصل بوسني يدعى وساد بكتاسيفيتش, وهو يطلق على نفسه على الانترنت اسم «ماكسيموس». وقد حكم عليه مع ثلاثة آخرين بالسجن 15 عاما للتآمر في شن هجومات في البوسنة ودول اوروبية اخرى. وقد عثر رجال الامن في شقته على 19 كيلوغراماً من المتفجرات واسلحة واشرطة فيديو تتضمن معلومات حول صنع البزات الانتحارية, واخرى يظهر فيها رجال مقنعون يعلنون انهم اعضاء في «القاعدة» في شمال أوروبا, كما تبين لهم انه اجرى عبر الكمبيوتر اتصالات مع مقاتلين آخرين عبر أوروبا, وفي عدادهم «جهادي» يسمي نفسه تشبها بجيمس بوند «ارهابي 007».بعد يومين دهم رجال الشرطة البريطانيون شقة في غرب لندن واوقفوا يونس تسولي البالغ من العمر 22 عاماً, وتبين انه ابن مسؤول كبير في القطاع السياحي المغربي, يدرس تكنولوجيا المعلومات. يونس لم يطلق في حياته عياراً نارياً, ولم يشارك في اي عملية عسكرية, لكن تبين انه اكثر خطورة من المقاتلين, فهو «ارهابي 007» الذي لعب على الانترنت دورا محوريا في اعادة تنظيم «القاعدة» بعد سقوط نظام «طالبان» وخروج «القاعدة» من افغانستان, وقد كشفت محاكمة «ارهابي 007» مع اثنين من رفاقه لم يسبق له ان التقى بهما وجهاً لوجه, انهم كانوا يتواصلون عبر الانترنت, وتبين ان اسميهما الالكترونيين هما «ابو ثابت» وطارق الداود, والاخير كان يدير ايضا شبكة لبطاقات الاعتماد المزيفة بلغت قيمتها 8.1 مليون جنيه استرليني وانفقت على شراء معدات للتنظيمات الجهادية ولاقامة مواقع جهادية على شبكة الانترنت, كما تبين ان «الارهابي 007» متورط في عمليات تستهدف تفجير مواقع عسكرية ومدنية في واشنطن وجوارها, في عدادها مبنى الكابيتول والبنك الدولي, ونصب جورج واشنطن الماسوني, وقد القي القبض على سيد احمد (21 عاماً) واحسان الصديقي (19 عاماً) المقيمين في اطلنطا, واعترفا بانهما ارسلا صورا عن المواقع المستهدفة الى «ارهابي 007» كما سافرا الى كندا حيث اجتمعا بمتآمرين آخرين للتداول بشأن الهجومات المقررة.
واللافت خصوصا على ضوء المحاولات الاخيرة لتفجير السيارات في لندن ومطار غلاسكو المتهم بها مجموعة من الاطباء والعاملين في الجهاز الطبي, انه كان قد تم العثور في كمبيوتر «ارهابي 007» على رسالة تقول: «نحن 45 طبيباً مصممون على الجهاد في سبيل الله ونقل المعركة الى داخل أميركا الفاسدة بعون الله» كما تتحدث الرسالة عن مؤامرة لضرب قاعدة بحرية, يرجح ان تكون قاعدة ماليبورت في فلوريدا بهدف تدمير حاملة الطائرات «يو اس اس جون ف. كيندي» و12 زورق مواكبة, وكذلك اندية التعري القريبة من القاعدة البحرية.
وقدر كاتب الرسالة الذي لم يكشف عن اسمه, واكتفى بالاشارة الى انه سرح من الجيش الاردني, بان يراوح عدد الضحايا بين 200 و300 شخص, كما زعم انه يحظى بمساندة طيار سوف يوفر الغطاء الجوي خلال العملية, وقال انه يفتقر الى معلومات حول تصنيع قنابل تفجير السيارات وطلب من «ارهابي 007» تزويده بكتيب حول هذا الشأن, وكان مكتب التحقيقات الفدرالية الاميركي (اف. بي. آي) قد اجرى تحقيقات في حينه حول المسألة لكن تبين له انها تفتقر الى الصدقية.
وباختصار تبدو شبكة الانترنت الواسعة, وكأنها معسكر تدريب افتراضي للارهابيين, ولغة المواقع الارهابية (التي تحمل اسم مواقع جهادية) هي العربية في معظم الاحيان, وهي تدعو الى «الجهاد» وفي الوقت نفسه تعلم اصول صنع المواد المتفجرة والاحزمة الناسفة, وقد اجرى استاذ علوم الاتصال الاسرائيلي «غابريل فايمان» دراسة عن المواقع التابعة للمنظمات الارهابية, ونشر نتائج دراسته في نيسان /ابريل/ من العام الماضي تحت عنوان «ارهاب على الانترنت». عندما بدأ «فايمان» دراسته قبل ثمانية اعوام لم يكن هناك سوى اثني عشر موقعا يستخدمها الارهابيون, وحاليا يتجاوز العدد الخمسة آلاف موقع, وهو في تزايد يومي تقريباً.
ويرافق فريق من الباحثين العالميين هذه المواقع على مدار الساعة يومياً. تترجم المادة المنشورة وتؤرشف لدراستها. لكن تعقب هذه المواقع يكون صعبا في بعض الاحيان, لأنها تظهر على الشبكة ثم تختفي سريعاً. الاصعب من هذا هو معرفة الاشخاص المسؤولين عنها, لان امكان اخفاء الهوية على الانترنت تزداد سهولة.
ويلاحظ «فايمان» ان المواقع الراديكالية تتطور بسرعة من حيث التصميم والامكانات التقنية, بل انها تتفوق احيانا في هذا المجال على المواقع الحكومية الاميركية. وقد تنبه الارهابيون مبكرا جداً الى الامكانات التي تتيحها الانترنت, مما جعلهم يطورون تقنياتهم فيها, وما زالوا يحافظون على تفوقهم في هذا المجال, ويرصد «فايمان» تطورا جديداً وهو التحول من المواقع الراديكالية العامة الموجهة الى جمهور واسع, الى مزيد من المواقع التخصصية الموجهة الى فئة معينة. هناك مواقع موجهة للنساء مثلاً, او للاطفال, وحتى لـ«الاعداء».
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد