سبيكتور وكيندي: هل هما حمامتا سلام أمريكيتين بين إسرائيل وسورية
الجمل: برغم الاهتمام –الظاهري على الأقل- الذي يبديه الكونغرس الأمريكي والإدارة الأمريكية لـ"السلام" فقد برزت مؤخراً بعض التصريحات الأمريكية المتضاربة إزاء تحقيق السلام بين سوريا وإسرائيل، وبغض النظر عن هذه التصريحات باعتبارها تندرج ضمن الوقائع الجزئية، فإن ثمة أسئلة تبرز على أساس اعتبارات الوضع الكلي للسلام السوري – الإسرائيلي، منها: كيف يدرك الأمريكيون هذا السلام؟ وهل يوجد أساساً إدراك أمريكي للسلام السوري – الإسرائيلي يتميز عن الإدراك الإسرائيلي؟
* التصريحات الأمريكية و"سقف" الموقف الإسرائيلي:
زار دمشق السيناتور الأمريكي أرلين سبيكتور، وكان برفقته عضو مجلس النواب الأمريكي الجمهوري باتريك كيندي، وقد صرح السيناتور سبيكتور قائلاً "أعتقد بوجود لحظة هامة جداً في الشرق الأوسط وتوجد فرصة حقيقية إذا كانت الأطراف مستعدة من أجل التحرك"، وأضاف السيناتور سبيكتور قائلاً في تصريحه الذي نقلته وكالة الأسوشيتد برس "الأمر يرجع للأطراف، الأمر يرجع إلى سوريا وإسرائيل ولكن الولايات المتحدة في مركز ومكانة تتيح لها أن تقدم المساعدة".
وتشير المعلومات إلى أن سيناتور ولاية بنسلفانيا عن الحزب الجمهوري أرلين سبيكتور قد رتب جدول أعمال زيارته بحيث يقابل الرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم وذلك لمناقشة:
· عملية السلام الشرق أوسطية المتوقعة حالياً.
· العلاقات السورية – الأمريكية المتوترة.
وتقول المعلومات أيضاً بأن السيناتور سبيكتور قد رفض الإجابة على التساؤلات القائلة بأنه يحمل رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت إلى القيادة السورية يتعلق موضوعها باستئناف محادثات السلام بين البلدين، واكتفى عند طرح هذه التساؤلات بالقول "أعتقد بأن هذا الأمر يجب أن أتحدث فيه مع الرئيس بشار قبل أن أتحدث عنه للإعلام". وأشار المصدر الإخباري إلى أن السيناتور سبق أن زار إسرائيل والتقى أولمرت وقبيل مغادرته صرح للصحفيين قائلاً "سوف أشجع الرئيس بشار لبدء محادثات السلام مع إسرائيل".
أما باتريك كيندي، عضو مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الجمهوري، جزيرة رود، فقد صرح قائلاً بأنه يتطلع إلى التحدث مع الرئيس الأسد حول ترقية وتطوير السلام واستقرار جار سوريا، وأضاف قائلاً بأنه يريد أن يرى انتخابات حرة ونزيهة في لبنان والسيادة الكاملة فيه.
ولكن على الجانب الآخر، اهتمت الصحف الإسرائيلية، وبشكل متزامن مع تغطيتها لزيارة عضو الكونغرس الأمريكي أرلين سبيكتور وباتريك كيندي، بإبراز تصريحات كينيدي –المرافق للسيناتور سبيكتور في زيارة دمشق- والتي أشار فيها إلى أنه "سوف تكون سوريا مخطئة إذا اعتقدت أن عليها الانتظار إلى حين مغادرة إدارة بوش الجمهورية للإدارة الأمريكية والبيت الأبيض وذلك من أجل الحصول على صفقة أفضل إذا تم انتخاب إدارة ديمقراطية".
وأشارت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية إلى تصريح سبيكتور للصحفيين في إسرائيل عقب اجتماعه مع أولمرت وقبيل مغادرته إلى دمشق والذي أشار فيه إلى توقف المحادثات مع سوريا وأضاف قائلاً "إنها حكاية المثل المأثور حول قصة الدجاجة والبيضة ومن الذي أتى أولاً".
* إشكالية الطرف الإسرائيلي: جدول أعمال سلام سوريا – إسرائيل:
يقول تقرير الصحفي الإسرائيلي باراك دافيد بأن وزارة الخارجية الإسرائيلية قد قررت الآتي:
· وضع قضية سوريا باعتبارها واحدة من أهدافها المركزية للعام 2008م.
· وضع خطة إستراتيجية تهدف إلى إقصاء سوريا عن المحور الراديكالي أي محور الشر.
وأشار التقرير إلى أن مسؤولي وزارة الخارجية الإسرائيلية قد أشاروا إلى أنه لا يوجد حتى الآن برنامج واضح يؤدي إلى هذا الهدف ولكن توجد قائمة من الأفكار والآراء التي تتضمن:
· إبعاد سوريا عن إيران.
· إبعاد سوريا عن حزب الله اللبناني.
· إبعاد سوريا عن المنظمات الفلسطينية.
وأوضح التقرير بأن هذه الأهداف والغايات تنسجم وتتماشى مع توجهات أولمرت الحالية الهادفة إلى الـ"تدقيق" عن طريق عدد مختلف من الوسطاء بين سوريا وإسرائيل من أجل اختبار مدى رغبة دمشق في البدء بمفاوضات السلام مع إسرائيل.
وتتضمن أجندة أولمرت ووزارة الخارجية الإسرائيلية لعام 2008م، التي أجازتها الوزيرة تسيبي ليفني، بالإضافة إلى قضية سوريا، مجموعة من القضايا الأخرى من أبرزها:
· ترقية سلام أنابوليس.
· الاستمرار في عزل حماس في الساحة الدولية.
· تحسين الأوضاع المعيشية في قطاع غزة.
· تطبيع العلاقات مع البلدان العربية.
· فتح قنوات جديدة للاتصال مع البلدان العربية التي ليس لإسرائيل علاقات دبلوماسية معها.
· مقاومة وإعاقة التطورات النووية الإيرانية.
· مساعدة الجماعات اليهودية التي تواجه المعاناة والمصاعب.
وإزاء جدول أعمال وزارة الخارجية الإسرائيلية "الطموح" لعام 2008م، وعلى خلفية "مشروطيات" أولمرت التي تتبنى أكثر الفرضيات تشاؤماً مع الطرف السوري، تبدو لنا بوضوح محنة السياسة الخارجية الإسرائيلية، والتي تحاول الجمع بين معطيات نظرية "تحليل النظم" الأكثر تعقيداً في علم الرياضيات، ومعطيات "تلمودية" الرابي اليهودي موسى بن ميمون التي أدرجها عن طريق الكتابة السرية في رسائله التي جمعها في كتاب أطلق عليه تسمية "دليل الحائرين".
ويمكن توضيح محنة السياسة الخارجية الإسرائيلية إزاء سوريا عن طريق الإشارة إلى الأداء السلوكي الإقليمي الذي يفترض الإسرائيليون أنه السبيل الأمثل لتحقيق السلام، وهو سبيل يتضمن إبعاد سوريا عن إيران وحزب الله والفصائل الفلسطينية، هذا ما هو معلن، أما على الصعيد غير المعلن فهو يتضمن احتفاظ إسرائيل بالجولان بعد أن يتم إبعاد سوريا عن إيران وحزب الله والحركات الفلسطينية ثم بعد ذلك يكون أولمرت قد اقتنع بمصداقية سوريا واختبر جديتها إزاء السلام، ويتكرم بعد ذلك بالموافقة على دخول إسرائيل في محادثات السلام مع سوريا.
* الأزمة في العمق:
أولمرت يهودي، تسيبي ليفني يهودية، وتقول المعلومات والتقارير الصحفية بأن السيناتور الجمهوري الأمريكي أرلين سبيكتور هو يهودي أيضاً، ومن ولاية بنسلفانيا، وتجدر الإشارة إلى أنه بدا "طيباً" في كلامه بخلاف رفيقه الآخر الأمريكي –غير اليهودي- النائب الجمهوري باتريك كينيدي، والذي تشير المعلومات إلى أنه من أتباع المسيحية الصهيونية.
النظرة الفاحصة للأزمة في العمق تشير إلى أن الإدراك الأمريكي لسلام سوريا – إسرائيل هو إدراك لا يتمتع بالاستقلالية، ولا يستطيع أن يتجاوز سقف إسرائيل، والتي بدورها لن تستطيع تجاوز سقف جماعات اللوبي الإسرائيلي التي لن تستطيع تجاوز سقف إدراك المؤسسة الدينية اليهودية.
أما هذه المؤسسة الدينية فهي من الممكن، بل في غاية السهولة، أن تغير رأيها وتقبل بالسلام، بل ربمت ما هو أكثر من السلام، ولكن حصراً إذا أركت أن حجم المخاطر التي تهدد وجود إسرائيل من غير الممكن تفاديها أو تلافيها، وبالمقابل ليس من طريق لبناء وتشكيل هذا الإدراك سوى القيام برفع هذه المخاطر.
يفكر الإسرائيليون في عزل سوريا عن بيئتها الإقليمية وحتى الآن لم يفكر الإسرائيليون في تصاعد احتمالات عزل اليهود داخل الولايات المتحدة إذا تصاعدت الحملة ضد اللوبي الإسرائيلي وما يمكن أن يترتب على ذلك من خطر حقيقي يهدد تماماً "وجود إسرائيل".
تأتي زيارات وتصريحات وجولات أعضاء الكونغرس اليهود وأتباع المسيحية الصهيونية وهي تحمل مفارقة متعاكسة تتضمن العمل من أجل السلام من جهة، والعمل من أجل إسرائيل من جهة أخرى، وعلى ما يبدو فإن المستهدف البارز من هذه الزيارات ليس هو سلام سوريا – إسرائيل، وإنما هو الرأي العام الأمريكي الذي أدمن اليهود الأمريكيون واللوبي الإسرائيلي إشباعه بمختلف "وجبات" الكذب النبيل الذي صاغ مبرراته النظرية الفيلسوف السياسي اليهودي الأمريكي –ألماني الأصل- ليو شتراوس وقام بعملية "تنزيله إلى الأرض" زعيم المحافظين الجدد مايكل لايدن في رسالة دكتوراه ركزت على أطروحة الفيلسوف الإيطالي نيقولا ميكافيلي بحيث يكون يهودياً تلمودياً هذه المرة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد