حل جيش المهدي: هل هو خيار استراتيجي عراقي أم أمريكي
الجمل: تزايدت المعلومات والتسريبات القائلة بأن جيش المهدي الشيعي العراقي قد أصبح في مواجهة قرار حل تنظيمه وتسريح عناصره وحتى الآن ما تزال ردود أفعال قادة جيش المهدي وزعماء التيار الصدري تجمل المزيد من الإشارات والرسائل المتعاكسة.
* ماذا تحمل التقارير؟
نشرت وكالات الأنباء العالمية التقارير القائلة بأن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر سوف يصدر في الفترة المقبلة قراراً بحل وتسريح جيش المهدي التابع للتيار الصدري، وما كان جديراً بالملاحظة أن معظم التقارير أكدت على قرار الصدر بحل الجيش سوف لن يكون بلا مقابل وإنما المقابل هو اشتراط الصدر أن يكون حل الجيش رهيناً بإصدار الإدارة الأمريكية رسمياً جدولاً زمنياً لخطة انسحابها من العراق.
وتشير التوقعات إلى أن المشاورات والتفاهمات جارية على قدم وساق على خط واشنطن – بغداد من أجل وضع اللمسات النهائية لجهة:
• إعطاء القوات الأمريكية أساساً للوجود الشرعي في العراق.
• توقيع اتفاقية تحسم وجود القوات الأمريكية في العراق قبل انتهاء فترة ولاية الأمم المتحدة والمحدد لها نهاية هذا العام.
• إفساح المجال أمام الإدارة الأمريكية لإجراء عملية انسحاب شكلي وفقاً لاستبدال مفهوم سحب القوات الأمريكية بمفهوم إعادة انتشار القوات الأمريكية في العراق.
هذا، وتقول التسريبات بأن بغداد تصر على ضرورة سحب القوات الأمريكية بحلول عام 2010 بينما تصر واشنطن على ضرورة تفادي ذلك وتشير التسريبات إلى أن إدارة بوش تتفادى حالياً وضع أي تحديد أو جدول زمني لسحب القوات الأمريكية من العراق تفادياً لأي تطابق بين موقف إدارة بوش والجمهوريين مع موقف المرشح الديمقراطي أوباما، الذي حدد جدولاً زمنياً لسحب القوات وطرحه أمام الرأي العام في سياق حملته الانتخابية.
* جيش المهدي ولعبة توازن القوى:
توجد أربعة أطراف عراقية مسلحة تمارس تأثيراً كبيراً على توازن القوى داخل العراق هي:
• الأطراف الشيعية: وهي جيش المهدي التابع للتيار الصدري يقوده مقتدى الصدر، ويجد مساندة أغلبية الشيعة المتركزين في بغداد وجنوب العراق. ويوجد أيضاً فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي يقوده عبد العزيز الحكيم ويتمتع ببعض الدعم في أوساط شيعة بغداد والجنوب العراقي وعلى وجه الخصوص ذوي الأصول غير العربية.
• الأطراف السنية: وتتميز بأنه كثيرة العدد إلا أنها تتميز بتوجهاتها القبلية والعشائرية بحيث يوجد لكل عشيرة ومنطقة سنية فصيلها المسلح التابع لها وتنتشر بشكل مكثف في مناطق بغداد وشمال بغداد ومناطق غرب العراق.
• الأطراف الكردية: وتتمثل في قوات البشمركة التي تنقسم إلى جناحين أحدهما تابع للاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه جلال الطالباني وتتمركز قواته في المناطق الكردية العراقية المتاخمة للحدود العراقية الإيرانية وتحديداً منطقة السليمانية. والثاني تابع للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البرزاني وتتمركز قواته في المناطق الكردية الموجودة حول مدينة أربيل والمتاخمة للحدود مع سوريا.
توازن القوى داخل العراق ترتب عليه تشكيل خارطة تحالفات سياسية – عسكرية – أمنية بالغة التعقيد تمكنت في الآتي:
• الأطراف السنية: تلتزم بقواعد اشتباك تقوم على أساس اعتبارات أن العدو هو أمريكا هو وإيران وكل من يقف إلى جانبها يندرج ضمن دائرة تحديد وتعريف العدو وعلى هذه الخلفية تشن الأطراف السنية المسلحة عملياتها العسكرية ضد القوات الأمريكية وقوات الحرس الثوري الإيراني الموجودة بشكل غير معلن في العراق وضد الأطراف الشيعية والكردية.
• الأطراف الكردية: تلتزم بقواعد اشتباك تقوم على أساس اعتبارات التعاون والتكامل مع قوات الاحتلال الأمريكي والقتال ضد الأطراف السنية والشيعية التي تحاول التغلغل في إقليم كردستان إضافةً إلى المشاركة في العمليات العسكرية إلى جانب القوات الأمريكية وأيضاً الدفاع عن حكومة بغداد التي يشارك فيها الأكراد بفعالية كبيرة.
• الأطراف الشيعية: كانت تلتزم بقواعد اشتباك على أساس التعاون الكامل مع القوات الأمريكية وإيران والمليشيات الكردية، ولكن بسبب تفاقم الأزمة على خط طهران – واشنطن وقيام قوات الاحتلال الأمريكي بممارسة المزيد من الضغوط العسكرية على الفصائل الشيعية وتحديداً جيش المهدي فقد اضطرت بعض الأطراف الشيعية إلى تغيير قواعد الاشتباك الأمر الذي ترتب عليه اندلاع معارك البصرة الأخيرة التي سبقتها وتزامنت معها معارك أخرى متعددة في بغداد وبعض مدن جنوب العراق بين عناصر مليشيا جيش المهدي والقوات الأمريكية ومما يعرف بقوات الأمن العراقية.
* حل جيش المهدي: هل هو خيار استراتيجي عراقي أم أمريكي؟
بلا شك أدت التفاعلات في البيئة السياسية العراقية الخارجية إلى إلقاء المزيد من التداعيات والتأثيرات على البيئة السياسية الخارجية التي تتضمن العديد من الفرص والمخاطر ومن أبرزها فرصة إيران في استمرار برنامجها النووي مقابل فرصة أمريكا في استمرار وجودها في العراق وعلى الطرف المقابل من ذلك توجد مخاطرة إيران من خلال الضربة العسكرية مقابل مواجهة أمريكا مخاطر مواجهة قواتها لحرب عصابات شيعية واسعة النطاق داخل العراق.
الأمريكيون كعادتهم يسعون دوماً لتعظيم منافع الفرص لأكبر ما يمكن وبالتالي فمن الممكن الافتراض بأن حل جيش المهدي هو خيار أمريكي لأنه يعظم فرص سيطرة أمريكا على العراق ويقلل مخاطر مواجهة أمريكا لحرب عصابات شيعية داخل العراق إذا قامت بتنفيذ الضربة العسكرية ضد إيران.
الإيرانيون ظلوا يسعون لتعظيم منافع فرص الحصول نعلى القدرات النووية لأنها برأيهم السبيل الوحيد لتأمين وجود إيران كقوة إقليمية كبرى في المنطقة إضافةً إلى تعديل ميزان القوى الإقليمي لصالحهم في مواجهة دول الجوار الإيراني مثل باكستان والهند وروسيا والوجود الأمريكي في العراق والخليج العربي وأفغانستان وتركيا إضافة إلى روسيا.
* حل جيش المهدي: هل من صفقة سرية في المنطقة الخضراء؟
من الصعب تصور أن تكون طهران بعيدة عما يجري ويحدث في الساحة العراقية لعدة أسباب أبرزها:
• الروابط الوثيقة بين نوري المالكي وطهران.
• الروابط الوثيقة بين الأطراف الشيعية وطهران.
استراتيجية الأمن الإيراني القائمة على استخدام نظرية حافة الهاوية لجهة استخدام الساحة العراقية لتهديد أمريكا التي تهدد إيران وبكلمات أخرى فإن طهران تستخدم الساحة العراقية في عملية دع الخطر الأمريكي الماثل ضدها حالياً على خلفية أزمة البرنامج النووي وذلك بحيث تكون النتيجة النهائية للطرفين هي سقوط الطرفين في الهاوية بما يؤدي إلى حصولهما معاً على نتيجة "خاسر - خاسر". إن حل جيش المهدي ستترتب عليه المزيد من التداعيات التي من أبرزها:
• حدوث تغيير في توازن القوى داخل العراقي وذلك لجهة انفراد فيلق بدر بالقوة العسكرية في جنوب العراق وفي المجتمع الشيعي الذي يمثل 65% من إجمالي سكان العراق.
• تراجع النفوذ السياسي للتيار الصدري ومقتدى الصدر وهو نفوذ ظل يعتمد بشكل أساسي على قوة ميليشيا جيش المهدي وحده دون سواه.
• تراجع مكانة مقتدى الصدر داخل المؤسسة الدينية الشيعية العراقية.
• تدهور أوضاع الأمن الجنائي في العراق لأن عدداً كبيراً من عناصر جيش المهدي ستجد نفسها حرة طليقة من الضوابط التي كانت تتقيد بها على الأقل من خلال تنظيم جيش المهدي.
هذا، وتقول التوقعات بأن المستفيد الأكبر من حل جيش المهدي هو:
• القوات الأمريكية التي ستجد الساحة العراقية أكثر انفتاحاً وتقبلاً لوجودها.
• المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي سيسعى لاستقطاب عناصر جيش المهدي لجهة تعزيز قدراته العسكرية.
• إيران لأنها ستركز تحالفها مع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي يتمتع بقبول ومباركة واشنطن وبالتالي فإن إيران ستجد حليفاً شيعياً عراقياً يجد القبول والترحيب في أروقة وردهات البيت الأبيض الأمريكي.
• نوري المالكي وذلك لأن إضعاف التيار الصدري بفعل حل جيش المهدي سيترتب عليه إفساح المجال أمام القوى السياسية الشيعية الداعمة لنوري المالكي لكي تعمل بنشاط وفعالية أكبر في أوساط الشيعة العراقيين.
هذا، وعموماً وإن كان حل جيش المهدي سيترتب عليه حدوث ظاهرة فراغ القوة في جنوب العراق وبعض مناطق بغداد فأن هذا الفراغ سيكون مؤقتاً ومحدوداً وذلك لأن هناك أطراف أخرى أكملت استعداداتها للتقدم وملء الفراغ الذي سيحدث، فهل سيقدم مقتدى الصدر على حل جيش المهدي أم أنه سيقدم على المواجهة التي تتطلب قدراً من الشجاعة الإرادة وهو ما أكدت عليه معطيات الخبرة في الساحة العراقية لن يستطيع القيام به الزعماء الذين خاضوا تجربة التعامل مع الاحتلال الأمريكي واستلام الدعم الخارجي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد