احترام التنوع الديني وتفاعل الثقافات
مقدمة هذا الكتاب تشكل فاتحة سلسلة كتب بحدود السبعة تحت عنوان عريض "حوار الحضارات" وتحت كل منها تدخل موضوعة من الموضوعات الحيوية التي تشغل تفكير وحياة سكان هذا الكوكب المنتمين الى ثقافات واديان ومشارب معرفية وايديولوجية وعلمية متنوعة. هذه السلسلة صدر منها حتى الان كتابان الاول تحت العنوان المذكور اعلاه والثاني تحت عنوان "حوار الحضارات: والعلاقة الدولية"، هي من تحرير د. سهيل فرح العضو الفاعل في اكاديمية التعليم الروسية، استاذ الحضارات في الجامعة اللبنانية، الى جانب التحرير تقع على كاهله مسؤولية الاعداد والمقدمة والاشراف العام على السلسلة، يعاونه في النص الروسي زميله العضو الفاعل في اكاديمية العلوم الطبيعية الروسية، عميد معهد العلاقات الدولية في جامعة نجني نوفغورد الحكومية الروسية اليغ كولوبوف. تحوي السلسلة في جنباتها ابحاث مفكرين من الفعاليات الدينية والسياسية والديبلوماسية والاقتصادية والفنية من القارات الخمس. السلسلة تصدر عن وزارة التعليم والبحث العلمي في دولة الاتحاد الروسي بالتعاون مع جامعات روسية واجنبية وبالتنسيق مع المنتدى العالمي للحوار مع الحضارات. والنص المنشور في هذه الصفحة هو جزء مقدمة الكتاب الاول الذي ترجم الى العربية وصدرعن دار علاء الدين في شهر ايار من عام 2008.
ان المواضيع الاساسية التي يطرحها ويناقشها كتاب "حوار الحضارات: المعنى، الافكار، التقنيات" هي مبادئ الحوار وآفاقه بين الحضارات، القيم الروحية في زمن العولمة، التنوع الديني والثقافي في روسيا والمشرق العربي، تفاعل الثقافات، آفاق تطور الحوار بين الحضارتين العربية والروسية، ثقافات العالم وعولمة الثقافة.
اسئلة الكتاب الفلسفية والحياتية
ان مؤلفي هذا الكتاب الذين ينتمون الى ثقافات ودول واديان وفاعليات وافكار متنوعة من روسيا واوكرانيا وايطاليا والاردن وسوريا ولبنان، طرحوا على انفسهم مجموعة من الاسئلة والمهام الفكرية – النظرية والحياتية – المعاشة المرتبطة بحاضر ومستقبل تعايش التجارب الثقافية:
1 – ما هي القواسم المشتركة او "نقطة الاوميغا" الكليانية التي تجمع التنوع البيولوجي الحي بين الكائنات المتعايشة على هذا الكوكب؟
2 – هل يشكل التنوع الثقافي مصدرا ديناميا محركا للتنمية الاقتصادية والأخلاقية والروحية، ام مصدرا للتشتت والفردانية والتعصب وبالتالي للارهاب؟
3 – ما هي حدود التلاحم والتباعد بين التعددية الثقافية والتنوع الثقافي؟ وهل الاولى رد ديموقراطي سياسي على الثانية؟
4 – هل التنوع الثقافي وبالتالي التعدد الاثني والديني والفكري في كل من الروسيا والمشرق هو مصدر نعمة ام نقمة لهاتين المجموعتين؟
5 – هل يوفر التبادل الثقافي المتجدد بين الجماعات المتنوعة القاطنة في هاتين الحضارتين الفضاء الرحب لازدهار الطاقات المبدعة في كل الميادين وبالتالي يقوم بتغذية الحياة السياسية المتعددة بآرائها وخياراتها؟
6 – ما هي الضمانات الحقوقية التي يتوجب ان تقوننها السلطات التشريعية والتنفيذية في المنطقين، لا بل على المستوى العالمي، لكي يشكل مبدأ التنوع الثقافي جزءا لا يتجزا من حق الانسان في التعبير الحر بلغته الوطنية معبرا بذلك عن هويته الثقافية؟
7 – ما هي السبل الواقعية والناجحة بالكلمة والصورة التي تخلق القاعدة الصلبة والمستمرة للتعاون بين الطاقات المتنوعة والمتعددة في كل من الروسيا والمشرق العربي، لا بل في كل الحضارات المتضررة من خطر التوتاليتارية المعولمة التصادمية الجديدة والهادفة الى كسر احتكار تداول الافكار من جهة واحدة؟
8 – كيف يمكن تحاشي تحويل الثقافات المحلية الى ثقافات متحفية، غير حية، امام خطر طوفان الجانب العدواني في العولمة. تلك التي تسعى لاطالة عمر سيطرة "الجنوب" او ما يسمى بمحور المليار الذهبي على حساب حالة البؤس والشقاء التي تعيشها معظم الشعوب المنتمية الى ما يسمى بـ"الجنوب"؟
9 – كيف يمكن تهيئة الظروف الملائمة لان تكون جميع الثقافات في الروسيا والمشرق، وعلى المستوى الدولي، حاضرة في وسائل التعبير والنشر بشكل يؤمن لها المساواة في فرص الوصول الى المعارف العلمية والتقنية، بما فيها المعارف المعلوماتية والرقمية؟
10 – ما هي آفاق السياسات الثقافية المادية والمعنوية التي تنتجها حكومات المشرق والروسيا واوكرانيا وايطاليا ومصر وسوريا والاردن ولبنان من اجل الحفاظ على مجمل العناوين والدلالات التي تحدد معنى وروح الهويات الحضارية لهذه الشعوب؟
11 – كيف يمكن توفير الدعم المادي والمعنوي للطاقات المبدعة في كل المجالات في هذه البلدان من اجل تحفيزها لانماء ثقافاتها وانتاج قيم مادية وحضارية جديدة؟
12 – ما هي الاسباب التي ادت الى الاهتمام الملحوظ في فترات ماضية بالعلاقة الدينامية بين الروسيا والعالم العربي، والاخرى التي ادت الى الاهمال وبروز بعض النقاط السلبية التي تقف عثرة امام احياء وتطوير الجوانب الايجابية بين الطرفين. وبسؤال آخر ما هي الجهود المطلوبة من اجل التحرر من المخلفات السلبية لتجارب التعاون في الماضي القريب وفي الحاضر الآتي؟
13 – هل يمكن جذب اهتمام القطاع العام والقطاع الخاص من المنظمات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني من اجل وضع خطط واقعية ومثمرة لتطوير مجمل العلاقات الثقافية بين الحضارتين؟
14 – ما هي التجارب الايجابية التي يمكن ان يقدمها كل من المشرق والروسيا للأونيسكو وللعالم من اجل المساهمة في صياغة استراتيجية اخلاقية عالمية معتمدة على مبادئ الاحترام والتعاون والشراكة واللقاء الانساني المبدع بين ثقافات هذا الكوكب واديانه وافكاره وعلومه؟
انها افكار واسئلة ومهام طرحت على الكتاب من اجل تحفيز المقاربات التحليلية النقدية في الحاضر والمستقبل.
نعترف بداية ان الاسئلة كبرى والمهام ضخمة. فليس من السهولة بمكان الجواب حتى عن البعض منها في مثل هكذا عمل. هي اسئلة ومهام تشغل العالم بأسره، وتحتاج الى جهد جماعي للحكومات والاكاديميات والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني، علها تنقذ المركب البشري من حالة الفوضى والتشاؤم التي تضغط عليه، علها تفتح نافذة من الامل لخيارات حرة وعادلة للحضارات الانسانية.
لذا فان الاسئلة قد تكون اقرب الى المبادئ التصورية، المفاهيمية، الانتقائية، التي لا تدعي الشمولية او الاجابة الشافية عن التحديات الكبيرة المطروحة امامنا جميعا.
بصرف النظر عن هذا، يجمع هذا الكتاب بين ضفتيه اسماء معروفة لذوات مفكرة، من بلدان وتخصصات وتجارب متنوعة، جمعتهم هموم وهواجس تكاد تكون واحدة. وهي كيفية استنهاض الطاقة الكامنة في عقول ونفوس الروس والمشارقة من اجل الاعلاء من نهج التواصل والتفاعل والتناضج والحوار واللقاء الايجابي ليس بين الروس والعرب فحسب، بل وعلى المستوى العالمي".
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد