المصريون يتساءلون : ما هي مهمة جيشنا ؟
تختصر اللافتة التي رفعها أحد المتظاهرين خلال تظاهرة مؤيدة للمقاومة اللبنانية في القاهرة، الأسبوع الماضي، السجال الحاد الذي باتت تشهده دوائر النخبة والمعارضة حول ماهية حدود الأمن القومي المصري. فقد كتب على اللافتة، أموال ضرائبنا تذهب للجيش، ليس للترفيه السياحي، وإنما من أجل حماية أمننا القومي المستباح.
وما يزيد السؤال إلحاحاً هو ما يتابعه المصريون على شاشات التلفزة من انتصار تلو الآخر على جبهة القتال لفئة قليلة من حزب الله ضد إسرائيل، فيما المسؤولون المصريون، وعلى رأسهم الرئيس حسني مبارك، يحاولون إخراس كل من يسأل عما يجب أن تقوم به مصر، بسؤال استنكاري يظهر روحاً انهزامية، تريدوننا أن نحارب إسرائيل؟. وهي بدأت بسلسلة تصريحات من أن مصر لن تدخل حرباً من أجل أحد، وأن الجيش المصري لن يحارب إلا دفاعاً عن التراب الوطني، وكان آخرها قول وزير الخارجية احمد أبو الغيط، أمام لجنة الدفاع القومي في مجلس الشعب، من أن العرب لن يحاربوا بدماء مصرية، ثم اجبرته الاستنكارات الشعبية على التراجع والقول إن تصريحاته حرفت.
وتحولت هذه التصريحات إلى مادة للتندر بين الكتاب، الذين قال أحدهم إن الدماء المصرية، كما يقول المسؤولون لن تهدر من أجل العرب، ولا حتى من أجل المصريين، مشيرين إلى قتل إسرائيل 9 من عناصر الشرطة المصرية خلال 4 سنوات، فيما لم تتخذ القاهرة موقفاً قوياً، حتى أن والد أحد هؤلاء الشهداء قال إن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أخذ بثأرنا.
لم يأبه المصريون كثيراً ربما للتصريحات المتتالية لمسؤوليهم، الذين اعتبروا أن محاربة إسرائيل ضرب من الخيال، فالغضب الشعبي ترجم إلى تظاهرات تطالب بالانضمام إلى حزب الله لمحاربة إسرائيل. وقاد بعض هذه التظاهرات جماعة الإخوان المسلمين التي عبر مرشدها محمد مهدي عاكف عن رغبته بمشاركة حزب الله القتال، فيما أعلن الحزب الناصري، في بيان، فتح باب التطوع للشباب الراغبين بالانضمام للمقاومة في الجنوب لدعم صمود الشعب العربي.
الثابت أن الأزمة اللبنانية خلقت مجموعة تساؤلات مهمة باتت هماً رئيسياً في العديد من النقاشات، وقد عكست نفسها أحيانا في مقالات الكتاب وتصريحات السياسيين، وتتعلق بمدى جهوزية الجيش المصري للحرب، وما هي الخطوط الحمراء التي يصبح فيها قرار الحرب أمراً لا مفر منه، وما هو مفهوم الأمن القومي المصري، وهل ما يحدث في فلسطين ولبنان لا يشكل تهديدا للأمن القومي المصري.
ويعتبر المستشار طارق البشري أن القاهرة حين تدافع عن فلسطين أو سوريا أو لبنان فإنها لا تحارب عن الآخرين، وإنما تدافع عن أمنها القومي بالأساس، وبالتالي فإن تأمين الجبهة الشرقية هو جوهر الأمن القومي المصري.
ويوضح أحد الخبراء الاستراتيجيين المصريين أن هناك خطوطاً حمراء للمؤسسة العسكرية، قد يدفعان بالدولة المصرية لإعلان الحرب، وذلك في حال تعرض موارد المياه لتهديد أو تعرض الجبهة الشرقية لمصر، وهي سوريا، إلى خطر الاعتداء العسكري، ما يهدد أمن النظام ويقوض الدولة السورية.
ولا يجيب الخبراء، رداً على سؤال إذا كانت مصر ستدخل في حرب ضد إسرائيل من أجل سوريا، بنعم قاطعة، مشيرين إلى انه حسب الكتاب والقواعد العسكرية فإنه أمر مفروغ منه، ولكن قرار الحرب والسلم يبقى، في النهاية، قراراً سياسياً بامتياز، مشددين على انه في عرف العقيدة العسكرية المصرية، فإن العدو له مرادف واحد هو إسرائيل.
وبرغم التصريحات بأن مصر لن تحارب وأن اقتصادها الحالي لا يستطيع أن يحرك الآلة العسكرية التي تتطلب اقتصاداً قوياً، إلا أن ثمة تأكيداً عبر تصريحات وزير الدفاع المصري لمناسبات قومية عديدة بـ ضرورة الاستمرار في التدريب الجاد والواقعي تحت مختلف الظروف.
ويؤكد الخبراء أن المؤسسة العسكرية تراقب عن كثب العمليات العسكرية في لبنان وعمليات المقاومة اللبنانية، وذلك تطبيقاً لقاعدة عسكرية أساسية وهي أنه طالما العدو في حالة نشاط عسكري فلا بد من مراقبته، موضحين أن القاهرة تمتلك، من ناحية الجهوزية العسكرية، أقوى سلاح بحري في المنطقة باستثناء الغواصات النووية التي تمتلكها إسرائيل، فيما يعتبر سلاح المدفعية من أكثر الأسلحة التي يوجد فيها توازن مع إسرائيل وسلاح الطيران يلبي الغرض.
وتبقى المؤسسة العسكرية تراقب الأمر من وراء الستار، وهي الحاضر الغائب في كل النقاشات تقريباً، بدءا من تلك المتعلقة بمستقبل نظام الحكم وموقفها من قضايا أساسية ومهمة مثل التوريث والفساد، مروراً بما يحدث في فلسطين، وصولاً الى العدوان الإسرائيلي على لبنان، ووحدها تملك الإجابة على سؤال إلى أي مدى يهدد ما يحدث في لبنان الأمن القومي لمصر.
وهناك حتماً من يسأل: أي خطة تحضر لمصر ومتى تكون المواجهة المقبلة، ومتى ينتهي سلام لم يجلب للقاهرة سوى الاستقرار الهش، ومعدلات تنمية أقل مما كانت عليه البلاد حين دخلت حرب .1973
اميمة عبد اللطيف
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد