إذا كنت في سوريا توخى التهذيب حين تذكر المقاومة وسيدها
الجمل ـ طرطوس ـ حسان عمر القالش: "كل هالشي منشان مفعوصين ونص"..بهذه العبارة وبلهجهته البيروتية الحداثيّة يعلق "رولان" على حرب الصهاينة التي تدور أحداثها في "بلده" لبنان. والمقصود بـ "المفعوصين ونص" ليس الجنديين الإسرائيليين الذين أسرهما حزب الله في 12 تموز، كما ظننا بالبداية ، وإنما قصد المتحدث المعتقلين اللبنانيين في سجون الاحتلال الاسرائيلي واللذين أعلنت المقاومة عن عزمها على تحريرهم في عمليتها الأخيرة.!!
كان رولان واصلا للتو الى مطار دمشق الدولي آتيا من "لندن" ليذهب عن طريق دمشق – حمص - الدبوسية الى بيروت من أجل اخراج زوجته من لبنان وليعود بها الى الخليج حيث يعيش هناك منعماً مرفها، وحيث لا يجرؤ شرطي المرورعلى توقيفه – كما قال - هو الذي يعيش في كنف "أحد المتمولين المليئيين" هناك.
مازحناه بخبث: حيث تعيش في بيروت لا خوف عليكم, فأنتم محميون. فأجاب ببرودة حملها معه من أرض الانكليز: "لأ حبيبي, عشان مش نحنا اللي بلشنا الحرب" وكتب علينا طيلة الطريق الى كراجات بيروت تحمل ثقل دم حديث مثبط للهمم, "يكسّر المقاديف", ضمن مزاج لا يقبل أي رأي ضد المقاومة.
وعندما وصل الحديث دون استجابة منا الى محاولته التعرض لـ"السيد نصرالله" بالقول: "رح يعملوه نبي".. اضطررنا للتدخل بكل رفق أدبي ممزوج بحسن الاستضافة واغاثة الملهوف: اذا كنت تقصد بأننا نميل الى المبالغة, فهذا من الحب والتعلق, وقد كتب كثيرا في مجالات التاريخ وعلم النفس عما بات يعرف بحالة "التماهي مع البطل" والتي لم تبق أمة في الأرض الا وعاشتها, ومن هنا أتى الكلام الذي ساد الشارع البيروتي عقب اغتيال بشير الجميل بأنه لم يمت وأنه أنقذ في اللحظة الأخيرة ونقل في سيارة اسعاف تحمل الرقم كذا, وتبين في وقت لاحق عدم وجود سيارة تحمل هذا الرقم في كل لبنان..وهذا دليل أيضا على المبالغة..فساد صمت اراحنا من رأي لا نحبذه .
وأخذ يشرح لنا الأمور, بلغة استراتيجية المعلن والمخفي من الأحداث, مضيفا مع نهاية كل جملة: أنا عايش" برّة وبعرف..برّة بتشوف الأمور غير". وكأنه غاب عن باله أن هذا الـ"برّة" صار في صميم الـ"جوّة" أو الداخل, وأن المواطن العربي صار بمعزوفة قصيرة على جهاز التحكم التلفزيوني, أو لوحة مفاتيح الكمبيوتر, يرى ويسمع ويقرأ عما يدور في أقاصي الدنيا ونواحيها. وأن قارئ هذا الكلام وغيره يطالعه في مشارق الشبكة العنكبوتية ومغاربها.
وفي طرطوس كان حدث آخر يصب في السياق ذاته. لكن نمط الحوار اختلف تماماً حين توقف أحد اللبنانيين بسيارته عند محطة وقود ليملأها بالبنزين, فاستطاب له بشاشة العامل في المحطة فقال له: أرأيت ماذا فعل فينا ( كذا وكذا...).... طبعا الكذا الأولى هو اسم علم سيد المقاومة, والثانية شتيمة كبيرة, فما كان من العامل الا أن انهال على زبونه بالضرب بعد أن تعدّى على رمز من رموز الشرف العربي.
في حماه, تكرر المشهد الحواري الساخن على نحو أكثر بلاغة، لدى دخول منكوب لبناني احد محلات البقالة لشراء بعض الحاجيات, ولدى السؤال عن ثمن مشترياته, قال له صاحب الدكان: 400 لكن كرمى لعيون "السيد" 200. فتلفظ الزبون بكلام مسيء, وبدأ بعدها حوار لاهب على وقع رقع و صفع الكفوف والركل والرفس, ما جعل أحد المارة يتدخل لفض الاشتباك ، قائلاً لصاحب الدكان عيب فإن هذا ضيف ومنكوب, إلا ان البائع أخبره سبب العلقة فآجر الأخير في الضحية!
في حمص, لم يكن هناك أي داع للأخذ والرد ولا الضرب والصد ، عندما جلست إحدى العائلات التي استضافت عائلة من منكوبي لبنان مع ضيوفها يتابعون نشرة الأخبار, وما أن ظهرت صورة "السيد" حتى بدأ الكلام المسيء يتطاير في الجلسة على نحو مباغت وغير مألوف.. وبكل هدوء نظر صاحب الدار لضيوفه وقال: الله معكم, أخرجوا من بيتي.
ومن نافل القول أن أجمل مكونات لبنان هي تعدديته. لكنها مقتله حين تتحول إلى طائفية بمعناها العنصري والإنعزالي ، الأمر الذي لايزال مرفوضاً في الشارع السوري وبالأخص في ظرف مثل هذا الذي نعيشه . وقد لا تكون تلك الاراء صالحة للتعميم وربما هي ناتجة عن حالات فردية أو خلفيات سياسية معينة، لكنها غير صالحة للتداول في الشارع السوري المحتقن بالغضب والمساندة المطلقة للمقاومة وللسيد حسن نصر الله ، وأي كلام من خارج السياق لا تحمد عقباه إذا لم يتوخ قائلة الحذر والتهذيب الشديد ، فإهانة المقاومة ورموزها هي إهانة لمشاعر شارع بأكمله بات تنفسه مضبوطا على إيقاع أخبار المقاومة .
الجمل
إضافة تعليق جديد