لنـدن «تعتـذر» عن حادثـة ليفنـي: سنغيّر نظامنا القضائي
أطلق قرار قاض بريطاني باعتقال وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة وزعيمة المعارضة الحالية تسيبي ليفني، عنان أزمة دبلوماسية بين دولتين حليفتين. ورغم اعتذار القيادة السياسية البريطانية، فإن إسرائيل الرسمية انطلقت في أوسع حملة توبيخ دبلوماسية بهدف إجبار بريطانيا على تغيير قانونها الذي يسمح بمحاكمة مجرمي الحرب على أراضيها، بينما يؤكد خبراء في القانون الدولي أن مشكلة إسرائيل مع بريطانيا تكمن في الاستقلال المطلق للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، مما يجعل كل محاولة لتغيير القانون بالغة العسر.
وهكذا بعد يوم كامل من التعتيم، اضطرت الحكومتان البريطانية والإسرائيلية للإقرار بأن قرار اعتقال صدر فعلياً بحق ليفني بتهمة ارتكاب جرائم حرب لدورها في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة. وشكّل ذلك أهم قرار يصدر في بريطانيا بحق شخصية سياسية فاعلة في دولة حليفة. وقاد فعلياً إلى قيام إسرائيل بإبلاغ السفير البريطاني في تل أبيب بأن أياً من المسؤولين الإسرائيليين لن يطأ الأرض البريطانية حتى إشعار آخر.
وشهد يوم أمس اتصالات مكثفة، علنية وسرية، بين الجانبين الإسرائيلي والبريطاني. فقد أمر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مستشاره، عوزي أراد، باستدعاء السفير البريطاني توم فيليبس وتوبيخه على الإرباك الذي تتسببت به لندن بعدم وفائها بوعودها تغيير القانون الذي يسمح بسهولة بتقديم مسؤولين إسرائيليين للمحاكمة. وبعد ذلك، استدعت الخارجية الإسرائيلية السفير ذاته وأبلغته رسمياً بـ«مقاطعة» المسؤولين الإسرائيليين للأراضي البريطانية ومطالبتها بإنهاء هذه «السخافة» القانونية.
كما أن السفير الإسرائيلي في لندن رون بروسأور، طلب لقاء عاجلاً مع وزير الخارجية البريطانية دافيد ميليباند أبلغه فيه احتجاج حكومته على ما حدث. وطالب الحكومة البريطانية بالعمل فوراً على تعديل القانون الذي ينكل بالإسرائيليين. وبعد اللقاء، أعلن أن ميليباند تفهم الاحتجاج الإسرائيلي، وأبدى اعتذاره لما حدث، مؤكداً أن لا دور للحكومة البريطانية فيما جرى.
وقال ميليباند إن لندن تدرس «طرق تغيير نظامها» القضائي. ولاحظ الوزير في بيان «ان الإجراء الذي يمكن بموجبه المطالبة بمذكرات توقيف وإصدارها» من دون إبلاغ النيابة «خاصية نادرة في النظام (القانوني) في انكلترا وويلز»، علماً ان المتحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية باري مارستون، قال في وقت سابق إن مذكرة التوقيف قضية قضائية لا يمكن للحكومة البريطانية التدخل فيها.
كما ذكر بيان من السفارة البريطانية في اسرائيل ان «المملكة المتحدة مصممة على بذل كل ما بوسعها للنهوض بالسلام في الشرق الاوسط وعلى ان تكون شريكاً استراتيجياً لإسرائيل.. ولتحقيق ذلك ينبغي أن يتمكن
زعماء اسرائيل من القدوم الى المملكة المتحدة لإجراء محادثات مع الحكومة البريطانية. ونحن نبحث على نحو عاجل في عواقب هذه الحالة».
وكان نائب وزير الخارجية الإسرائيلية داني أيالون، قد أعلن أنه إذا كانت بريطانيا معنية بمواصلة تأدية دور مهم في العملية السياسية في المنطقة، فإن عليها الشروع فوراً بإصلاح الخلل في القانون البريطاني. وقد اعتبرت التصريحات الإسرائيلية بشأن الدور البريطاني في العملية السياسية، تهديداً لمكانة بريطانيا الدولية.
ويبدو أن إسرائيل وبعدما ضمنت وجود ليفني خارج الأراضي البريطانية، انتقلت على وجه السرعة من الصمت إلى الهجوم المضاد. وأعلنت الجهات الرسمية الإسرائيلية أن القضاء البريطاني تجاوز كل الخطوط الحمر بقراره اعتقال ليفني. وإضافة إلى قرار «مقاطعة» الزيارات الرسمية لبريطانيا، يبدو أن هناك مخططاً لإثارة المجتمع البريطاني بأسره عبر الإدعاء على شخصيات عربية وفلسطينية بتهم ارتكاب جرائم حرب ضد إسرائيل.
وقد حاولت إسرائيل يوم أمس الظهور وكأنها تقف صفاً واحداً ضد بريطانيا في قضية ليفني. وأعلن نائب رئيس الحكومة من الليكود، سيلفان شالوم في الكنيست «كلنا في هذا الشأن تسيبي ليفني». كما أن الرجل الثاني في كديما، والمنافس الدائم لليفني، شاؤول موفاز، طالب باستدعاء السفير الإسرائيلي في بريطانيا للتشاور، في دعوة لتعميق الأزمة.
وبدا أن ليفني في موقع المتصدي للقانون البريطاني، التي كان والدها أثناء خدمته في الارغون (وهي مجموعة ارهابية يهودية عملت اثناء الانتداب البريطاني لفلسطين) أحد المطلوبين له، تؤكد إصرارها على ما فعلته في حرب غزة. وقالت أمام مؤتمر مركز دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إن «عملية الرصاص المسكوب كانت مطلوبة بموازاة العملية السياسية من أجل أن تستعيد دولة إسرائيل قدرتها الردعية». وأضافت انها كانت ستتخذ القرارات نفسها «بوجود أو عدم وجود أوامر اعتقال».
والواقع أنه لا تنبغي الاستهانة بالأزمة القائمة بين بريطانيا وإسرائيل في ظل حقيقة أن الدولتين ليستا مجرد حليفتين، وإنما شريكتان اقتصاديتان مهمتان. ويزور بريطانيا ليس ساسة وقادة عسكريون فقط، وإنما رجال أعمال أيضاً. ويمكن القول إن القرار البريطاني يمس قطاعات واسعة من الإسرائيليين، في ضوء تداخل الجيش والمجتمع في إسرائيل.
وللدلالة على ذلك، يمكن القول إنه بموجب القوانين الحالية في بريطانيا، يمكن تقديم ما لا يقل عن ربع أعضاء الكنيست الحاليين للمحاكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب. كما أن الضباط الإسرائيليين من رتبة رائد فما فوق معرضون أيضاً للمحاكمة. وأشارت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي إلى قائمة موجزة لمن لا تطأ أقدامهم الأرض البريطانية حالياً بسبب حربي لبنان وغزة: رئيس الحكومة السابق إيهود اولمرت ووزير دفاعه عمير بيرتس؛ شاؤول موفاز وموشيه يعلون وبنيامين بن أليعزر بسبب مجزرة حي الزيتون في غزة التي استهدفت اغتيال الشهيد صلاح شحادة في العام 2002؛ إضافة الى الوزراء السابقين دانييل فريدمان، روني بار أون، ويعقوب إدري.
ولا تبدي إسرائيل ارتياحها للوعود البريطانية بتغيير القانون. فقد سبق لبريطانيا أن قدمت وعوداً كهذه منذ حادثة فرار الجنرال دورون ألموغ من الاعتقال وعودته بالطائرة نفسها التي أقلته للعاصمة البريطانية. كما تكرر الأمر عندما منع شاؤول موفاز وموشيه يعلون من دخول بريطانيا خشية اعتقالهما. بل أن مشكلة كبيرة كادت تحدث لولا تساهل قاض بريطاني في مسألة الحصانة الدبلوماسية وإضفائها على وزير الدفاع إيهود باراك قبل شهور. ومعلوم أن القانون الدولي لا يمنح حصانة من هذا النوع إلا لرئيس الحكومة ووزير الدفاع العاملين وليس السابقين.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد