هل تبيع بكين كوريا الشمالية مقابل تخلي واشنطن عن بورما وتايوان
الجمل: تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قبل بضعة أيام في العاصمة الكورية الجنوبية سيول, منددة بحادثة إغراق السفينة الحربية الكورية الجنوبية شيونان يوم 26 آذار (مارس) 2010م الماضي, وما كان لافتا للنظر هو أن الوزيرة الأميركية كلينتون قد صبت جام غضبها محملة كوريا الشمالية المسئولية الكاملة ومطالبة المجتمع الدولي بالتحرك وتحمل مسئولياته إزاء حماية الأمن والسلام الدولي: فما هي خلفيات هذه الوقائع, وهل من معطيات تآمرية جديدة في شبه الجزيرة الكورية, وما هو الخيط الرفيع الذي يربط هذه الوقائع بالوقائع الجارية حاليا في منطقة الشرق الأوسط؟
توصيف الوقائع:
تشير المعلومات والتحليلات المرتبطة بها, إلى وجود جانبين في التوترات المتصاعدة على خط سيول-بيونغ يانغ, ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• حادثة غرق السفينة شيونان: تحركت السفينة الحربية الكورية الجنوبية باتجاه الشمال الغربي, وتحديدا مبحرة ضمن ما يعرف بـ(البحر الأصفر) والذي يمثل الجزء الشمالي من بحر الصين الشرقي, والواقع بين شبه الجزيرة الكورية وساحل الصين الشرقي, وبالقرب من جزيرة بايينق نيونق, وتحديدا في يوم الجمعة 26 آذار (مارس) 2010م, الساعة التاسعة و22 دقيقة مساء بالتوقيت المحلي الكوري, دوى انفجار أدى إلى انشطار السفينة إلى نصفين, ثم غرقت بعد ذلك مباشرة. ومن بين الـ104 بحارا الذين كانوا على متنها, تم إنقاذ 58, وبالنسبة لبقية الـ46 بحارا, فهم إما قتلى أو مفقودين.
• ردود الأفعال على غرق السفينة شيونان: أظهرت كوريا الجنوبية المزيد من ردود الأفعال الغاضبة, مع التلميح إلى اتهام كوريا الشمالية بالتورط, خاصة وأن السفينة الحربية الكورية الجنوبية شيونان كانت تبحر في المياه الدولية المقابلة لساحل كوريا الشمالية الغربي, ولاحقا بعد ذلك أعلنت كوريا الجنوبية بأن السفينة شيونان قد غرقت فورا بعد إصابتها بصاروخ طوربيد, أدى إلى انشطارها إلى نصفين, ولاحقا أعلنت كوريا الجنوبية بأنها عثرت على الدليل الذي يثبت أن كوريا الشمالية هي المسئول الأول عن اقتراف الجريمة, وهو بقايا طوربيد صاروخي من طراز القرش (SANG-O) الكوري الشمالي المخصص للأغراض الهجومية ضد الأهداف البحرية. أما بالنسبة لكوريا الشمالية, فقد أنكرت بيونغ يانغ منذ البداية أي مسئولية عن إغراق السفينة الكورية الجنوبية شيونان, وأكدت بأن سيناريو إغراق هذه السفينة ليس سوى مؤامرة جديدة ضد كوريا الشمالية.
تقول المعلومات والتقارير بأن واشنطن تسعى حثيثا إلى استخدام حادثة إغراق السفينة الكورية الجنوبية شيونان من أجل بناء ملف دولي, وتحديدا بواسطة مجلس الأمن الدولي, بما يتيح فرض المزيد من العقوبات ضد بيونغ يانغ, ولإجهاض هذه التحركات فقد سعت بيونغ يانغ إلى التحرك ضمن ثلاثة محاور, هي:
• إعلان حالة الاستنفار والتعبئة الداخلية القصوى استعدادا للحرب, ووضع أكثر من مليون جندي والآلاف من الوسائط الحربية والنووية والكيماوية والبيولوجية في حالة الاستعداد والتأهب الكامل.
• الإعلان بأن فرض أي عقوبات ضد كوريا الشمالية هو بمثابة حرب سوف ترد عليها بيونغ يانغ بإشعال الحرب الشاملة في المنطقة بما يشمل كوريا الجنوبية واليابان, إضافة إلى بعض المناطق الأخرى, والتي لم تشر إليها بيونغ يانغ صراحة.
• قيام الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ إيل بزيارة مفاجئة للصين, وتقول التقارير والمعلومات بأن الرئيس الكوري الشمالي والوفد المرافق له قد استقلوا قطارين, وتوجها برا عن طريق السكة الحديدية إلى بكين.
حتى الآن, وكما هو واضح, فإن عملية التصعيد المتزايد ما تزال تشكل وتمارس حضورها القوي الفاعل في حركيات سيناريو التوتر في منطقة شبه الجزيرة الكورية.
سيناريو التصعيد بين الكوريتين: إلى أين؟
تشير التوقعات إلى أن سيناريو التصعيد السلبي العدائي سوف يأخذ طابعا متزايدا خلال الأيام القادمة, ولكن, وكما تشير المعطيات فإن لهذا السيناريو حدوده الإقليمية التي لا يمكن أن يتجاوزها:
• من الصعب التورط في إشعال أي حرب في منطقة شبه الجزيرة الكورية, وذلك لأن كوريا الشمالية تمتلك القدرات النووية, إضافة إلى القيادة المتصلبة التي سوف لن تتردد في استخدام قدراتها النووية.
• تؤكد معطيات الميزان العسكري بين الكوريتين, بأن كوريا الشمالية تستطيع خلال فترة 72 ساعة كحد أقصى من القيام باحتلال كامل أراضي كوريا الجنوبية.
• القدرات الأميركية الموجودة في كوريا الجنوبية واليابان لن تستطيع الدفاع بالفعالية المطلوبة في حالة حدوث هجوم عسكري كوري شمالي, وذلك لأنها مجرد قوات القصد من تمركزها في هذه المنطقة هو تلبية متطلبات الردع, أو على الأقل تعطيل أي هجوم عسكري ضد كوريا الجنوبية أو اليابان, إلى حين وصول الامدادات العسكرية الإضافية.
على خلفية هذه النقاط والمعالم, فمن المتوقع أن لا تسعى واشنطن إلى التورط في أي حرب غير تقليدية في منطقة شبه الجزيرة الكورية, ولكن ما هو متوقع أن تسعى واشنطن إلى توظيف مفاعيل أزمة الكوريتين, من أجل ابتزاز الصين وأيضا كوريا الشمالية في بعض الملفات الإقليمية والدولية, والتي سوف تكون من أبرزها الملفات الشرق أوسطية, وملفات العلاقات الصينية-الأميركية, والشواهد والدلائل على ذلك كثيرة, ومن أبرزها:
• التوقيت الذي حدثت ضمنه عملية إغراق السفينة الحربية الكورية الجنوبية, كان قبل حوالي شهرين, أي في 26 آذار (مارس) 2010م, الماضي, ولكن التصعيد السياسي والدبلوماسي, جاء بشكل متزامن مع انعقاد مؤتمر الحوار الاستراتيجي-الاقتصادي الأميركي-الصيني.
• بدأت نقطة التصعيد من لحظة قيام وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وهي في العاصمة الكورية الجنوبية بإطلاق التصريحات الغاضبة والتهديدات, ونلاحظ أن عملية الكشف عن طراز الطوربيد الصاروخي القرش (SANG-O) قد تمت قبل فترة قصيرة جدا من قدوم الوزيرة كلينتون إلى سيول.
• أعلنت كوريا الجنوبية بأنها تتمسك بحقها بضرورة الرد والانتقام ضد كوريا الشمالية, ونلاحظ أن الإعلان الكوري الجنوبي قد جاء بشكل متزامن مع وجود الوزيرة الأميركية كلينتون في كوريا الجنوبية.
تقول التحليلات والتسريبات, بأن واشنطن قد بدأت فعلا في استخدام وتوظيف ملف التوتر بين الكوريتين لجهة القيام بابتزاز الصين, وفي هذا الخصوص, نشير إلى الآتي:
• مطالبة الوزيرة كلينتون للصين بضرورة التنسيق مع واشنطن لجهة التحرك المشترك من أجل احتواء ملف الخطر الكوري الشمالي.
• مطالبة الوزيرة كلينتون بضرورة أن يتحرك المجتمع الدولي لاحتواء ملف الخطر الكوري الشمالي, وذلك بما معناه أن على بكين أن لا تسعى إلى عرقلة الأمور في مجلس الأمن الدولي.
من المتوقع, والمتوقع جدا, أن يكون ملف كوريا الشمالية قد تم التطرق له في المداولات المنعقدة بجلسات مؤتمر الحوار الاستراتيجي-الاقتصادي الصيني-الأميركي, الذي انتهت فعالياته بالأمس, ولكنه, وبرغم أهمية ملف توتر الكوريتين, فإن بيانه الختامي لم يتعرض للأمر.
صفقات خط واشنطن-بكين المحتملة: ما نصيب الشرق الأوسط منها
تشير التحليلات إلى أن بكين أصبحت أكثر استشعارا لمخاطر الاستهداف الأميركي الحالي الجارية على تخومها, وعلى وجه الخصوص في بورما, والهند, وأفغانستان, وكازخستان, وهي استهدافات لو تحقق لها النجاح, فإنها سوف تورط الصين في حروب أهلية وصراعات مسلحة داخلية باهظة الثمن.
وإضافة لذلك, فقد بدأت بكين أكثر حساسية إزاء تحركات الرئيس الروسي ميدفيديف, المتعلقة بتفاهمات خط واشنطن-موسكو, والتي استقرت على التوقيع على اتفاقيات استارت الثالثة, وإضافة لذلك أيضا, فهناك مشروع نشر أميركا لما أطلق عليه الخبراء تسمية شبكات الدفاع الصاروخي جنوب شرق آسيا المتاخمة للصين, إضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية, وفي هذا الخصوص يشير الخبراء إلى النقاط الآتية باعتبارها سوف تمثل وتشكل الخطوط العامة للصفقة الصينية-الأميركية المتوقعة:
• أن تسعى واشنطن إلى تخفيف وجودها العسكري في كوريا الجنوبية واليابان, مقابل أن تسعى بكين إلى التخلي عن معارضة توجهات واشنطن إزاء الملف الإيراني, وملفات الصراع العربي-الإسرائيلي.
• أن تسعى واشنطن إلى تخفيف دعمها وتدخلها في بورما, مقابل أن تتمتع بكين بالحفاظ على سعر صرف اليوان الصيني ضمن الحدود التي تقررها بكين, وبمعزل عن واشنطن.
• أن تسعى بكين إلى دعم واشنطن في المسرح الأفغاني والباكستاني مقابل أن تتخلى واشنطن عن دعم التمرد البوذي في مقاطعة التبت الصينية والتمرد الإيغوري في مقاطعة سينكليانغ الصينية.
• أن تسعى واشنطن إلى تخفيف دعمها لتايوان بما يسهل عملية إعادة ضمها إلى الصين, مقابل أن تسعى بكين إلى تحقيق روابطها مع موسكو.
هذا, وتجدر الإشارة إلى أن كوريا الشمالية نفسها قد تساهم بقدر ما في هذه الصفقة الصينية-الأميركية, وفي هذا الخصوص ليس بخاف على أحد أن واشنطن قد سعت خلال فترة إدارة بوش الجمهورية السابقة إلى السعي من أجل عقد صفقة تقوم بموجبها بيونغ يانغ بتقديم إفادات كاذبة أمام اللجنة السياسية مفادها أن كوريا الشمالية قد تعاونت مع بعض الأطراف الشرق أوسطية في إنشاء البرامج النووية وبناء الرؤوس الحربية غير التقليدية, ولكن بيونغ يانغ رفضت حينها العرض الأميركي, والآن, ولما كانت السياسة الخارجية الكورية الشمالية لا تستطيع بأي حال من الأحوال تجاوز حدود سقف السياسة الخارجية الصينية, فإن هناك الكثير من المخاطر إزاء احتمالات قيام بيونغ يانغ بالتورط لجهة القيام بما رفض القيام به سابقا!! فبالوعة الصفقات تحتوي على كل شيء, والذي يسقط فيها لن يستطيع اختيار ما يناسبه من ملوثاتها وعندها يحكم عليه أن يقبل بكل ما هو موجود!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد