آفاق جولة الديبلوماسي البريطاني أليستر بيرت إلى دول المنطقة
الجمل: تحدثت التقارير والتسريبات عن أن منطقة الشرق الأوسط ستشهد خلال الأيام المقبلة زيارة دبلوماسية رفيعة المستوى للسيداليستير بيرت وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، فما هي حقيقة التحركات الدبلوماسية البريطانية الشرق أوسطية الجديدة، ومامدى مصداقية الحديث فيه عن سياسة خارجية بريطانية جديدة تتمتع بالإستقلالية والمصداقية إزاء قضايا وملفات الشرق الأوسط؟
-السياسة الخارجية البريطانية الشرق أوسطية: عقدة أوديب الإسرائيلي-الأمريكي
تراجعت السياسة الخارجية البريطانية في منطقة الشرق الأوسط والعديد من أقاليم ودول العالم الأخرى, ولكن, وعلى خلفية صعود قوة الولايات المتحدة الأمريكية وهبوط قوة بريطانيا, فقد شهدت خارطة العالم الظواهر الجيو بوليتيكية الآتية:
- تراجع النفوذ البريطاني, بما أدى إلى حدوث ظاهرة فراغ القوة الديبلوماسية والعسكرية والاقتصادية البريطانية, في البلدان والأقاليم التي كانت تقع تحت دائرة النفوذ البريطاني.
- تقدم النفوذ الأمريكي, بماأدى إلى حدوث ظاهرة قيام القوة الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية الأمريكية بملء الفراغ والحلول محل القوة الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية الريطانية.
المثير للاهتمام في عملية صعود القوة الأمريكية وهبوط القوة البريطانية, تمثل في الأسلوب التكتيكي الذي تعاملت به إسرائيل, فعندما كانت بريطانيا تمثل "بريطانيا العظمى".. كانت إسرائيل أكثر اهتماماً بالإمساك بكتف لندن.. والآن, عندما لم تعد بريطانيا هي بريطانيا العظمى, وحلت محلها أمريكا لتصبح قوة عظمى، فقد انتقلت تل أبيب لكي تمسك بقوة بكتف واشنطن. واللافت للنظر أكثر أن بريطانيا لم تتخل عن إسرائيل، وظلت النخب البريطانية أكثر اهتماماً بتغليب جانب الوفاء لإسرائيل مهما كان الثمن، حتى لو كان على حساب المصالح البريطانية الشرق أوسطية, وهو ماحدث بالفعل. فقد خسرت الشركات النفطية البريطانية نفط الشرق الأوسط لصالح الشركات النفطية الأمريكية. وخسرت الشركات التجارية والصناعية البريطانية معاملاتها مع الشرق الأوسط لصالح الشركات التجارية والصناعية الأمريكية.
- الدبلوماسية البريطانية الشرق أوسطية: إلى أين؟
انتهت جولة الانتخابات العامة البريطانية الأخيرة, بما أدى إلى حدوث تحولات كبيرة في خارطة التحالفات السياسية البريطانية, فقد برزت ثلاثة كتل برلمانية بدلاً عن نمط الكتلتين الذي ظل من خلاله حزب المحافظين وحزب العمال يفرضان حضورهما القوي على مسرح السياسة البريطانية.
أدى صعود كتلة حزب الديمقراطيين الأحرار إلى مجلس العموم البريطاني إلى إعادة توزيع صيغة معادلة توازن القوى ضمن أوضاع جديدة, أشارت التوقعات إلى أن تداعياتها سوف تؤثر بشكل كبير متجاوزة نطاق جدول أعمال السياسة الداخلية البريطانية إلى نطاق أعمال السياسة الخارجية البريطانية.
ظلت السياسة الخارجية البريطانية أكثر تقيداً بالسياسة الخارجية الأمريكية, في كل أنحاء العالم، إضافة إلى التقيد أكثر وأكثر بالأمريكيين في قضايا الشرق الأوسط. وفي هذا الخصوص, فقد عانت السياسة الخارجية البريطانية من صدمات قاسية كان من أبرزها:
- أزمة حرب السويس عام 1956م.
- أزمة حرب حزيران (يونيو) 1967م.
- أزمة حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973م.
سعت الدبلوماسية البريطانية ليس إلى تحسين صورة بريطانيا في الشرق الأوسط، وليس إلى تعزيز المصالح البريطانية في الشرق الأوسط، وإنما إلى السير وراء توجهات محور واشنطن-تل أبيب.
- مفارقات السياسة الخارجية البريطانية المعاصرة في الشرق الأوسط:
خلال فترات سيطرة حزب المحافظين على الحكومة البريطانية, ظلت المعارضة البريطانية التي يسيطر عليها حزب العمال توجه المزيد من الانتقادات ضد حزب المحافظين الذي يمثل الحليف الرئيسي السياسي البريطاني الأمريكي، وكما هو معروف, فإن التنازلات التي قدمتها حكومات المحافظين البريطانيين لواشنطن.. هي تنازلات لا مثيل لها في كل تاريخ بريطانيا السياسي المعاصر.
صعدت حكومة حزب العمال بقيادة الزعيم طوني بلير الذي ظل يصب جام غضب انتقاداته ضد حكومات المحافظين السابقة بسبب دعمها وتحيزها لصالح توجهات واشنطن سواء في ملف الشرق الأوسط، أو ملف علاقات عبرالأطلنطي مع اوروبا.. وبرغم أن الزعيم العمالي طوني بلير عندما كان في المعارضة قد لعب دور الساعي لتحرير السياسة الخارجية البريطانية من سيطرة السياسة الخارجية الأمريكية، فإن الزعيم العمالي طوني بلير عندما جلس على منصب رئيس الوزراء البريطاني، ظل أكثر حرصاً على توظيف السياسة الخارجية والداخلية البريطانية في خدمة المصالح السياسية الخارجية الأمريكية، وبرغم فشل سياسة طوني بلير، فإن النجاح الذي حققه طوني بلير في توظيف السياسة الداخلية والخارجية البريطانية في خدمة السياسة الخارجية الأمريكية، كان نجاحاً باهراً أثار شفقة صقور الإدارة الأمريكية على مستقبل بلير السياسي في بريطانيا، وهي شفقة كانت في مكانها.. لأن دعم طوني بلير غير المحدود للبيت الأبيض قد أدى إلى إحراق طوني بلير وحزب العمال البريطاني في الانتخابات العامة البريطانية الأخيرة.
- دبلوماسية الحكومة البريطانية الجديدة وملف الشرق الأوسط:
أشارت التقارير والتسريبات إلى أن زيارة الدبلوماسي البريطاني الرفيع المستوى اليستير بيرت لمنطقة الشرق الأوسط, قد أصبحت وشيكة, وبرغم قلة التفاصيل المتاحة, وامتناع السلطات البريطانية عن تقديم الإفادات والمعلومات, فمن الممكن الإشارة إلى النقاط التالية باعتبارها تمثل جدول أعمال دبلوماسية الدبلوماسي البريطاني اليستير بيرت في زيارته الشرق أوسطية:
- التأكيد لزعماء المنطقة عن رغبة لندن في تعزيز روابطها الثنائية مع دول المنطقة.
- التفاهم حول مدى أهمية دعم عملية سلام الشرق الأوسط.
- مطالبة دول المنطقة بضرورة الضغط على الفلسطينين لجهة القبول بالعودة إلى طاولة المفاوضات المباشرة مع الإسرائيلين.
- مطالبة دول المنطقة بالعمل من أجل محاربة الإرهاب.
وما هو متوقع أن يمتنع الدبلوماسي اليريطاني الرفيع المستوى اليستير بيرت عن مناقشته هو:
- التأكيد على ضرورة انسحاب إسرائيل من الجولان.
- التأكيد على ضرورة رفع الحصار بشكل نهائي عن قطاع غزة.
- التأكيد على ضرورة المضي قدماً في متابعة إجراءات تعزيز غولدستون.
ويمكن فهم أبعاد ومكونات سيناريو زيارة الدبلوماسي البريطاني الرفيع المستوى اليستير بيرت من خلال سيناريوهات الدبلوماسية البريطانية-التركية, والتي سعت من خلالها لندن إلى بناء تحالف استراتيجي مع تركيا, حاول من خلاله البريطانيون التلويح لأنقرة بالمنافع والمزايا الهائلة التي يمكن أن تحصل عليها حكومة حزب العدالة والتنمية إذا تمسكت بروابطها مع الغرب وأمريكا وتخلت أو قللت من روابط أنقرة مع دول منطقة الشرق الأوسط.
وإضافة لذلك من المحتمل أن يسعى اليستير بيرت إلى التفاهم مع عواصم المنطقة حول ضرورة أن تسعى دول المنطقة إلى لعب دور إيجابي في تشديد نظام العقوبات المفروضة ضد إيران، إضافة إلى ضرورة دعم جهود الحكومة اللبنانية الرامية إلى نزع سلاح المقاومة اللبنانية، وإلى ضرورة دعم الجهود البريطانية-الأمريكية الجارية في العراق.
وبعد كل هذه العروض, سوف يسعى الدبلوماسي البريطاني الرفيع المستوى اليستير بيرت إلى إفهام عواصم المنطقة بأن ردوده الإيجابية على المطالب الدبلوماسية البريطانية سوف تكون هي السبيل الوحيد لقيام وزير الخارجية البريطاني ديفيد هاغيو بزيارة المنطقة، بما يمكن أن يمهد لزيارة الزعيم المحافظ ديفيد كاميرون لاحقاً.
تقول التسريبات والمعلومات القادمة من خط علاقات عبر الأطلنطي ين أمريكا وبريطانيا, بأن الأسابيع الماضية قد شهدت لقاء في واشنطن بين وزير الخارجية البريطاني ديفيد هاغيو و وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. وقد تفاهم الطرفان حول الدورالدبلوماسي البريطاني القادم إزاء ملف الاتحاد الأوروبي.. وإزاء ملف الشرق الأوسط. وعلى مايبدو فإن تحرك اليستير بيرت هو تحرك إستطلاعي يهدف إلى معرفة ردود الفعل المتوقعة الشرق أوسطية إزاء الدور الدبلوماسي البريطاني القادم في الشرق الأوسط. فهل ياترى سوف تسعى بريطانيا لاعتماد سياسة خارجية شرق أوسطية لبريطانيا لكي تكون "بريطانيا العظمى".. أم أننا سنشهد سياسة خارجية بريطانية أمريكية المنشأ سوف لن تجعل من وزير الخارجية البريطاني ديفيد هاغيو مجرد سكرتير أو معاون لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في شوؤن الشرق الأوسط...
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد