مي نصر: أنا ضدّ الموسيقا التجارية وسأغني دائماً من أجل السلام
يأتي هذا الحوار مع مي نصر بمناسبة الحفل الغنائي الذي أقامته في قلعة دمشق الأسبوع الماضي بتنظيم من دار الفنون. وقد قدَّمت مي نصر في حفلها مجموعة أغاني من قديم السيدة فيروز، وأغاني لزكي ناصيف، ومجموعة من الأغاني العراقية، بالإضافة إلى مختارات من ألبومها الخاص. وقد شهد حفلها إقبالاً واسعاً.
لم تتفرَّغ مي نصر للغناء، فهي تعمل مع الأمم المتحدة استشارية في مجال التمويل متناهي الصغر.
ولذلك كانت أغنياتها الخاصة قليلة جداً، جمعتها في ألبوم غنائي أسمته «للغالي». تخصَّصت اللبنانية السمراء في أداء أغنيات السيدة فيروز، انطلاقاً من يقينها بأنَّ للكلمة واللحن تأثيراً كبيراً على الناس: «سأبقى دائماً أغني من أجل السلام والتنمية الاجتماعية، أما المقاومة فتأتي من أسلوب حياتنا الاجتماعية».
عاشت مي نصر طفولتها في البحرين، حيث ولدت هناك العام 1965: «كان عمري 10 سنوات، وكنت أحبّ أن أعيش في بلدي لبنان. وعدنا إلى هناك، فاندلعت الحرب الأهلية».
أما تلك الحرب اللعينة فستشعل في الفتاة الصغيرة ذلك التوق إلى الغناء: «عشنا كلَّ الألم والمعاناة، وذقت مرارة التشرد، وكنا ننتقل من بيت إلى بيت بحثاً عن مكان آمن. كنت أستمع إلى المذياع، عندها كان يدهشني مارسيل خليفة وأحمد قعبور وفيروز.. كنت أتأثر كثيراً بأصواتهم، وأُغرمت بهذا النوع من الغناء. كم يختلف أن يتربّى الطفل على سماع هؤلاء وبين أن تتمّ تربيته على سماع ما تقع تحت سطوته الأجيال اللاحقة».
الصدفة ستقود الفنانة الشابة لتتعرف على مهندس الصوت اللبناني المعروف فريد أبو الخير، الذي لم يتوانَ عن تقديمها إلى الفنان الكبير الراحل زكي ناصيف، الذي درَّبها لمدة سنة كاملة على تمارين الصوت: «كان زكي ناصيف علامة فارقة في حياتي، وتعلَّمت منه أشياء كثيرة».
وجدت مي نصر نفسها فنانة ملتزمة: «الناس ابتعدوا عن المبادئ، وبدؤوا بنسيان تلك الأشياء الأساسية التي تمسّ وجودهم. أنا تربيت على تلك المبادئ، كما يحدث في كلّ بيت لبناني».
ومن هذه المنطلقات، تصرّ مي نصر على أن تمارس دوراً في «المعمعة» القائمة الآن على المستوى الفني الذي لا ينفصل عن السياسي: «صحيح أنَّ الحرب الأهلية انتهت وأنَّ الوضع قد تغيَّر، لكن إسرائيل ما زالت خطراً واقفاً على الأبواب».
ومن هذا الوعي بخطورة الموقف في هذه المرحلة، ولاعتبارها أنَّ الفن ساحة من ساحات المواجهة، ترفض مي نصر الكثير من محاولات «التمييع الفني» التي تحصل.
نسألها عن موقفها من برامج تصدّر نجوماً كـ«سوبر ستار» و«ستار أكاديمي»: «هذه مشاريع تجارية، ولا يمكن للساحة أن تتسع لثلاثة نجوم في كل عام. وهكذا سنجد أنَّ هؤلاء، الذين يتمّ اعتبارهم نجوماً الآن، هم أشخاص لن يعرف الناس وجوههم بعد فترة من الوقت». وتضيف: «هذه البرامج ليست إلا مضيعة وقت، ومحاولة للتشويش على ذائقة الناس».
تكاد تكون شعبية مي نصر الأكبر في سورية؛ إذ استطاعت الفنانة الشابة أن تحقّق جمهوراً خاصاً لها في فترة قياسية جداً: «بدأ ذلك من حلقة ضيقة من الأصدقاء. كنا نأتي إلى اللاذقية، وكنت أغني لهم في الجلسات الخاصة، وكانوا يسجلون الأغنيات على كاسيتات ويتداولونها، ثم دعيت لإقامة حفلة غنائية في جامعة تشرين، ثم امتدّ الأمر إلى حلب ودمشق. وهكذا يكون رصيدي ابتدأ عبر الاتحاد الوطني لطلبة سورية. واللاذقية هي المنطلق، فأنا أدين لهذه المدينة كثيراً».
ترى نصر أنَّ وضع الموسيقا والغناء العربي تحسّن في السني الأخيرة، لاسيما مع ظهور العديد من الفرق الموسيقية. وهذا ما ساعد على الانتهاء من حالة الإحباط التي سادت المشهد: «من بضع سنوات كانت هناك حالة من الإحباط.. كان هناك ما يشبه الفراغ على صعيد صناعة الموسيقا الشبابية؛ حيث كادت الموسيقا التجارية تطيح بكلّ شيء، لكن حالة الإحباط تلك تبدلت كلياً، وأصبح هناك مجموعات من الموسيقيين الشباب ممن يعملون بجدية، وقد استطاعوا أن يجدّدوا ويبتكروا على صعيد الكلمة واللحن. وعلى الرغم من أنَّ بعض تلك الاشتغالات هي أقرب لـ»الصرعة»، إلا أنَّ تلك الصرعات لها قيمة أيضاً». نسأل مي نصر عما تقصده بالصرعة، فتقول: «لعلّها تلك الأعمال التي لا تناسب كبار السن، والسميعة التاريخيين، ولكنها تحقّق جمهوراً واسعاً في أوساط الشباب».
ترى مي نصر أنَّ العودة التي نشهدها إلى الموسيقا الكلاسيكية هي شكل من أشكال الردة الجميلة: «مررنا بسنوات من الضياع، بسبب موجة الاستهلاك والخفّة التي مازالت مستمرة، وأصبحت كلّ الأغنيات والألحان متشابهة. وفي العودة إلى الكلاسيكيات عودة إلى الأصول. وهذا يعبّر عن توق الفنانين وكذلك الجمهور إلى تعديل المزاج الذي تعكِّر صفوه تلك الأعمال الهابطة».
أما الأشكال الموسيقية الجديدة التي بدأت تظهر مؤخراً، والتي تتضمَّن مزجاً بين أنواع مختلفة من الموسيقا، فتجد مي نصر أنها تنتج موسيقا جميلة تعبّر عن تمازج الثقافات والحضارات: «إنَّ ذلك المزج يعطي قيمة مضافة إلى كلّ نوع من أنواع الموسيقا التي تتمتّع بخصوصية معينة».
- تتعاون مي نصر مع فنانة من بورنيريكو، وقامت بترجمة أغنية أحمد قعبور «أناديكم» إلى الإسبانية، وستصدر هذه الأغنية ضمن مجموعة أغنيات أخرى في وقت قريب. وهي تطمح إلى تحقيق «انسجام من نوع خاص بين نمطين مختلفين من الغناء». وهي ترى أنَّ قاسماً مشتركاً كبيراً يجمعها مع كل أولئك الذين يغنون أغاني وطنية؛ «فكل واحد منهم يقول رسالته للناس بصدق تام».
تعلق مي نصر على حادثة منع السيدة فيروز من الغناء: «حدا يمنع فيروز من إنو تغني!»، وتضيف: «لقد أصبحت فيروز ملكاً عاماً، وأغانيها هي ملك لكلّ الناس، مع احترام الحقوق. وأضمّ صوتي إلى كلّ الذين تضامنوا مع فيروز في كل مكان».
أما عن عملها استشارية في الأمم المتحدة للمشاريع متناهية الصغر، فهي ترى فيه «فرصة للاقتراب من الناس والتواصل معهم. ومن جهة أخرى، هي فرصة لمساعدة أولئك الذين يعيشون على خط الفقر».
قيس مصطفى
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد