قطار الربيع الناتوي و مذهبة المحطة السورية
باسل محمد يونس : الغرب اتخذ قراراً استراتيجياً بزعامة واشنطن في توسيع رقعة الاحتجاجات، التي أطلقت شرارتها أحداث سيدي بوزيد في تونس، و دفعها للانتشار في كل منطقة الربيع الناتوي الاخواني؛ باراك أوباما تبنى فكرة وزارة الدفاع الأميريكية المعروفة بـ"الفوضى الخلاقة" لإسقاط الانظمة مداورة كأحجار الدومينو بغية إعادة خلط الأوراق وفق مصالح واشنطن. أوباما كان أكثر حنكة من أسلافه في تنفيذ هذه الاستراتيجية. الملاحظ في المحطة السورية من الربيع الناتوي أنها كانت مرحلة مختلفة "عن تونس و مصر و ليبيا"، أهم عناوينها افتعال فتنة مذهبية بالدرجة الأولى، من خلال التركيز على ايران و حزب الله و استبدال مبدأ العداء لاسرائيل كي يحل محلها العداء لايران في الوجدان والوعي العربي. كانت سوريا و على مر التاريخ تتمتع بخصوصية تفتقدها معظم دول المنطقة، فهي رمز الحضارة الانسانية بعيداً عن الأمراض المذهبية والطائفية، الى أن استفقنا على غربان وخفافيش الليل من عصابات مسلحة ارهابية تحت اسم " الجيش السوري الحر" المدعوم من المخابرات التركية و القوى اللبنانية المحسوبة على ثورة الفجل لجماعة 14 آذار ، لاسيما تيار عنزة و لو طارت أو السماء الزرقا ..ألخ "المستقبل" والمنظمات السلفية في قندهار لبنان "طرابلس". هذه الجماعات خُطِطَ لها و تم تمويلها من أجل كوكتيل سوري خاص (خليط من اللبننة والعرقنة) لزرع الفرقة بين أبناء الشعب الواحد و من أجل تخريب الترابط العضوي للمجتمع السوري من خلال توظيف و استخدام أفظع العبارات المذهبية و الطائفية و بالتالي الدفع به ليصبح عبارة عن قبائل متناحرة تقتل بعضها البعض. الأميريكي خطط و عقد صفقة كان ينتظرها ايردوغان، بحكم العلاقة التاريخية في الاتفاقيات الاستراتيجية بين ما يسمى الاسلام السياسي التركي و محور أميريكا اسرائيل، من عدنان مندريس 1950 الى اربكان " الفضيلة و الرفاه" الى ايردوغان "العداله و التنميه"، و لا يجب أن ينغش البعض بالتصريحات النارية لايردوغان ضد اسرائيل كونها من أهم وسائلة وعدة شغله في كسب الرأي العام العربي و الاسلامي، لكنها في النهاية مجرد قرقعة فارغة و الا كيف يقبل بالدرع الصاروخي الذي من مهامة الأساسية حماية أمن اسرائيل؟ ايردوغان استُقدمَ إلى واشنطن، كـمُتعهد للعرب، ومعه ملفات حساسة للغاية وفق صحيفة صباح التركية، ضمنها غزة و مصر... وبعد لقاء ايردوغان ــ أوباما، قالت نيويورك تايمز: إنّ تركيا قدمت نفسها كمفتاح للغز ثورات العرب. يقول محمد طعيمة بأنه علينا ألا ننسى أنّ إسرائيل دائماً أداة غربية، وأنّ تركيا، بمظلتها الغربية، «عشيقة» تتمنع، أو تُغادر فراش الصهيوني، لتصبح حصان طروادة غربي وسط أمتنا... توصيف علاقة أنقرة بتل أبيب بـ «عشيقة ترفض الزواج» نحته بيريز، الذي يُفضل ايردوغان التعامل معه، ومنه تلقى الشكر هو وداود أوغلو على دوريهما في إطلاق جلعاد شاليط، وفق «ميللييت». عندما نأخذ طبيعة ما يجري في حمصستان من أفعال تجاوزت قندهار وتورا بورا... وعندما ندقق في الشعارات المرفوعة من طائفية و مذهبية من الصعب علينا أن نصدق أنها ثورة... لذلك أرى أنها استطاعت انتزاع المركز الأول في معيار و درجة التطرف المذهبي و الطائفي، فان أردت اليوم استعمال مؤشر أقوى من قندهار أو تورا بورا فما عليك الا استعمال مؤشر حمصستان كونه اليوم يتربع على دلالات العنف و الهمجية والجاهلية... فأين تكمن معاني الثوره في " الذبح و الخطف و التمثيل" بجثث مواطنين ابرياء لا علاقة لهم لا من قريب أو بعيد بالسلطة أو النظام الذي يدعون الثورة عليه؟ و هل هناك أي دولة في العالم، أوروبية أو غيرها، يمكن أن ترضى بهكذا مظاهر ؟ فلنفترض صحة كل ما يروج و يقال عن السلطات و النظام؟؟؟ فما هو ذنب المواطنين الأبرياء فيما يتعرضون له من خطف و ذبح على أيدي ما يسمى بالثوار السلميين المدججيين بالسلاح؟ و كيف نفهم الدعوة الاستفزازية التي أطلقتها وزارة الخارجية الأميركية أخيراً للسوريين بعدم تسليم أنفسهم أو سلاحهم السوبر سلمي بالرغم من أن السلطات قامت بتجديد العفو العام عن حملة السلاح ممن لم يرتكبوا الجرائم ؟ شريط جديد وضع مساء أمس على شبكة الإنترنت، أظهر عشرات المسلحين بمختلف أنواع الأسلحة، بما فيها قواذف " آر بي جي" ، وسط الأهالي المدنيين والحارات السكنية في حمص وحي " بابا عمرو". وكانت وسائل الإعلام المختلفة زعمت خلال الأيام الأخيرة بأن " السلطة السورية تشن حرب إبادة ضد المدنيين في العديد من أحياء حمص، لاسيما حي بابا عمرو" الواقع في الجهة الغربية الجنوبية من المدينة. وكانت مجلة" مونثلي ريفيو" الأميركية العريقة ، التي أسسها في ثلاثينيات القرن الماضي المفكر والاقتصادي الأشهر في القرن العشرين بول سويزي وزميله المفكر بول باران ، أول من أشار إلى الشريط اليوم في سياق تقرير لها عن سوريا أرفق برسم كاريكاتوري يسخر من "سلمية الثورة" ومن ما يسمى "المجلس الوطني السوري" الذي بدا على شكل طاولة مغطاة بالعلم التركي ومنتصبة فوق البنادق، لاسيما وأن بعض المسلحين ظهر في الشريط وهو يصرخ بـ"سلمية الثورة" بينما كان يلوح بالسلاح! وبدا المشهد أشبه بأحياء بيروت أيام الحرب الأهلية حين كانت الميليشيات تسيطر على الأحياء والزواريب؟ الحملة الضاغطة يشنها محور (واشنطن، ايردوغان، قطر)... أميريكا كقرار و تخطيط... ايردوغان كتعهد و تنفيذ و قرقعة وعواء، عندما يُداس على ذنبه من قبل سيده في البيت الأبيض، أمير قطر يجند جزيرته "التي سقطت في امتحان الموضوعية و المهنية " يمول مخطط واشنطن خوفاً من أن يشمله الربيع الناتوي و يخلعه من الحكم. لماذا يتم التركيز على ايران، وخصوصاً على خلفيتها المذهبية، و يتم الآن رفع وتيرة التلويح بضربة عسكرية؟ المنطق يقول أن كل هذا من أجل تقليل الضرر الاستراتيجي للسياسة الأميريكية... واشنطن تنسحب مرغمة من العراق و تتخوف من أن تقوم ايران باستغلال هذا الفراغ و توسع نفوذها الاقليمي أكثر وخصوصا في العراق والخليج... التركيز على ايران من الباب المذهبي يأتي في نطاق التركيز الصهيو-أميركي من أجل استبدال عقيدة العداء، أي العداء لايران بدل العداء العربي للصهيونية، وهي سياسة كانت قد اعطت نتائج ايجابية في التطبيع مع مستعمرات النفط الوهابية. وها هي الآن، في زمن الربيع العربي الناتوي الاخونجي، تدفع بهذا الاتجاه بالاضافة الى التركيز على ما يسمى الدور الايراني في انتفاضة البحرين أو دورد حزب الله و ايران في سوريا. واشنطن من خلال استهدافها لسوريا انما تقصد الهجوم الغير مباشر على ايران وحزب الله كآلية بديلة لحرب العراق وأفغانستان و خصوصاً حرب تموز 2006: التي ساهمت في تكريس السيد حسن نصر الله كزعيم حقيقي للعرب مستذكرين أيام جمال عبد الناصر... من هذه الزاوية هناك نقطة شديدة الأهمية أي/ مذهبة الصراع و استبدال العدو لدى الوعي العربي عن طريق زرع الفتنة/ في التركيز من قبل عبيد واشنطن على العنصر المذهبي كما فعل ايردوغان تجاه سوريا أو مع منافسيه في تركيا، و الدفع إلى حروب أهلية في المجتمعات التعددية وإلى تقسيم بلدان الشرق الأوسط إلى دويلات مذهبية، وذلك لإسناد (يهودية الدولة الإسرائيلية) في المنطقة. وبناءً على ذلك، يجد رابطاً استراتيجياً بين قيام "الشرق الأوسط الجديد" والربيع العربي الناتوي أو ما يسمى بالربيع العربي وخطة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في السبعينيات. خطورة المخطط تكمن في ايذاء الترابط العضوي للمجتمع السوري و المنطقة حيث تم توظيف و تحريك و استخدام أقسى العبارات المذهبية و الطائفية عدا عن الأسلحة الإعلامية من الجزيرة الى بقية الاعلام الوهابي الذي بات يعطي شهادات في الديمقراطية لدول المنطقة بينما هو غارق في فتاوى مشايخ العوران: من ارضاع الكبير الى الانجاز الأخير في السماح للمرأه أن تقود السيارة ... ألخ أو عبر نفث نار الفتنة الطائفية والاتنية، باغتيال شخصيات دينية وعرقية، كاغتيال مشعل التمو من قبل المخابرات التركية حسب صحف بريطانية و تركية واتهام السلطات بذلك لاشعال نار الاحتجاجات، أو بواسطة ضرب شرائح اجتماعية والزعم إن لقوات الأمن يداً في قتلها، عندما أقدم ما يسمى بالجيش السوري الحر بقتل الصناعي الحلبي الشيخ محمد الويس. وأفادت أنباء من منطقة سراقب بحلب بأن عشرات المسلحين التابعين لرياض الأسعد ، المقيم في ضيافة المخابرات التركية، هاجموا موكب الصناعي المغدور ، بالرشاشات والقنابل اليدوية بينما كان خارجا من إحدى منشآته الصناعية قرب بلدة سراقب. المغدور كان احتاط لنفسه بموكب حراسة مشددة بعد تلقيه تهديدات وإنذارات بأن الموت سيكون بانتظاره إذا لم يؤيد"المجلس الوطني" و يدفع " زكاة " عن أمواله لـ"الجيش السوري الحر". الأتراك سمعوا من الايرانيين ومن غيرهم كلاما واضحا بأن أية محاولة لاستدراج سوريا الى مواجهة عسكرية تحت عنوان إنساني أو أي عنوان كان، لن تقتصر على سوريا بل ستؤدي الى مواجهة إقليمية كبرى، وهو الأمر الذي لمّح اليه صراحة الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله في مقابلته الأخيرة. تحت عنوان "سورية وإيران، اللعبة العظيمة"، يقول الكاتب البريطاني أليستر كروك في صحيفة الغارديان البريطانية "بأن تغيير النظام في سورية يعد جائزة استراتيجية تفوق ليبيا، وهو ما يفسر سبب لعب المملكة السعودية والغرب الجزء الخاص بكل منهما في هذه اللعبة"... ويرى الكاتب "أن الخطر الحقيقي كما يلاحظه، هو أن السعوديين قد يطلقون مجدداً "شبكة الجهاديين القديمة"، ويصوبونها باتجاه إيران، ما يضع سورية في الخط الأمامي. وفي الواقع، هذا ما يحصل فعلاً، لكن الغرب، كما حصل قبلاً في أفغانستان، يفضلون عدم التعليق طالما أن عرض الدراما يسير بشكل جيد بالنسبة للجماهير الغربية". وتابع كروك: "كما ذكرت وزارة الشؤون الخارجية الشهر الماضي، فإن السعودية وحلفاءها الخليجيين يطلقون السلفيين المتطرفين ...، ليس فقط لإضعاف إيران، لكن لفعل ما يرونه مناسباً للبقاء، ولعرقلة وإضعاف عمليات الصحو الجارية التي قد تهدد النظام الملكي بالمطلق. هذا ما يحصل في سورية، ليبيا، مصر، لبنان، اليمن، والعراق". لقد جربوا حرب ال 2006 و فشلوا... الآن يتم استخدام آلية جديدة في الحرب، من خلال التركيز على الفتنة المذهبية انطلاقا من معادلة توازن الاطراف التي يعتمدها البيت الأبيض و المحصلة و فق قوانين الفيزياء تكون الصفر. لذا فأي سوري يقع في هذا الفخ و يلجأ الى خطابات مذهبية أو طائفية تجاه شريكه في الوطن، انما يساهم عن قصد أو غير قصد في هذا الاتجاه الذي يؤذي في الدرجة الأولى فكرة و مبدأ الوطن و ليس النظام.
رابط المجلة الأمريكية:
http://mrzine.monthlyreview.org/2011/jaza081111.html
* أخصائي في القانون الجزائي الدولي الإنساني العام ـ باريس
إضافة تعليق جديد