تداعيات الطلاق الأمريكي ـ الباكستاني
الجمل: تحدثت التقارير الجارية عن وصول إسلام آباد إلى مرحلة غير مسبوقة في علاقاتها المتوترة مع واشنطن، وتقول التحليلات وتعليقات الخبراء بأن التوترات الجارية حالياً سوف تشكل نقطة تحول هامة في مجرى مشروع الحرب الأمريكية ضد الإرهاب: فما هي حقيقة الموقف الباكستاني السلبي إزاء واشنطن، وما هي تأثيرات ذلك على توازنات الأوضاع الإقليمية والدولية، لجهة علاقات واشنطن مع بلدان شبه القارة الهندية، ولجهة مستقبل دور حلف الناتو والتحالف الأمريكي الدولي المعني بمشروع الحرب الأمريكية المفتوحة ضد الإرهاب؟
* الأزمة الجارية في العلاقات الباكستانية ـ الأمريكية: توصيف المعلومات الجارية
شنت طائرات الهيلكوبتر الهجومية الأمريكية هجوماً غادراً في الساعات الأولى من صباح يوم السبت 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، ضد أحد معسكرات القوات الباكستانية، وتحديداً في منطقة موهماند القبلية الباكستانية المتاخمة للحدود مع أفغانستان، وتقول المعلومات بأن الهجوم الأمريكي أسفر عن مقتل 28 جندياً باكستانياً، إضافة إلى ضابطين، وجرح 14 جندياً، وتشير التقارير إلى احتمالات ارتفاع عدد القتلى، بسبب أوضاع بعض الجرحى الشديدة الخطورة.
• الهجمات العسكرية الأمريكية ضد القوات الباكستانية ليست أمراً جديداً، وكانت واشنطن تقدم الاعتذار تلو الاعتذار على أساس اعتبارات أن الأمر قد حدث عن طريق الخطأ.
• الهجوم العسكري الأمريكي الأخير، والذي سبقه، لم تسع واشنطن إلى تقديم أي اعتذار وتقول التقارير بأن واشنطن قد تعمدت تجاهل ذلك.
تقول المعلومات والتسريبات بأن واشنطن وحلفاء الناتو، قد قصدوا هذه المرة استخدام الهجمات ضد القوات الباكستانية، من أجل إبلاغ إسلام آباد رسالة واضحة تحمل المزيد من الإشارات التي يتوجب على إسلام آباد قراءتها جيداً وأخذها على محمل الجد وهي:
• إن واشنطن وحلف الناتو يدركان جيداً مدى العلاقات والروابط الوثيقة التي تجمع بين السلطات الباكستانية وحركة طالبان الأفغانية، وطالبان الباكستانية، إضافة إلى طالبان البينجاب.
• لقد ظلت أجهزة المخابرات الباكستانية خلال السنوات الماضية أكثر اهتماماً بتقديم الدعم للحركات الإسلامية المسلحة، وذلك بما يتيح لإسلام آباد ممارسة الابتزاز السياسي والاقتصادي ضد واشنطن وحلفاء الناتو.
• لقد ظلت الأجهزة الباكستانية تشرف على إيواء الشيخ أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، والذي نجحت القوات الأمريكية في اعتقاله خلال تواجده في أحد المباني القريبة من مقر المخابرات الباكستانية، إضافة إلى ارتباط من كانوا يترددون عليه بأجهزة المخابرات الباكستانية.
• إن واشنطن وحلف الناتو سوف لن يترددوا في إيقاع أقصى العقوبات بباكستان إذا ظلت تعمل من أجل دعم خصوم أمريكا وحلف الناتو.
هذا، وتأسيساً على ذلك، تقول التحليلات، بأن واشنطن وحلف الناتو أرادوا من هذه الغارة أن تؤدي إلى خلق وتشكيل إدراك باكستاني رسمي وشعبي مفاده أن استهداف القوات الأمريكية والدولية وقوات حلف الناتو وارد جداً ضد باكستان، إن لم تسع إسلام آباد وبشكل سريع وفوري لجهة التعاون لأقصى الحدود مع واشنطن في مسرح الحرب الأفغانية.
* رد الفعل الباكستاني: ماذا حمل؟
أحدثت الهجمات الأمريكية الأخيرة رد فعل غاضب، وما زاد حفيظة الباكستانيين أكثر فأكثر تمثل في الآتي:
• تعمد واشنطن وحلف الناتو عدم إبداء أي اعتذار.
• تعمد واشنطن وحلف الناتو التعليق على حادث الهجوم باعتبار أنه كان نتاجاً لقيام الأجهزة الباكستانية بدعم حركة طالبان.
• تعمد واشنطن وحلف الناتو مطالبة السلطات الباكستانية بضرورة العمل من أجل فرض الرقابة والسيطرة على أجهزة الأمن الباكستانية بما يؤدي إلى منعها من القيام بدعم حركة طالبان.
هذا، وأضافت التقارير والمعلومات، بأن هيئة الإذاعة البريطانية، بي بي إس، وشبكات الفضائيات الأمريكية والأوروبية الغربية المرتبطة بحلف الناتو، قامت بعملية تكثيف غير مسبوقة لجهة نشر المزيد من الأفلام والتقارير الوثائقية التي تتحدث عن التعاون والروابط الوثيقة بين أجهزة المخابرات الباكستانية، وحركة طالبان وتنظيم القاعدة.
وتأسيساً على ذلك مجتمعاً، جاء الرد الباكستاني الرسمي غير المسبوق، والذي تضمن قيام إسلام آباد باتخاذ القرارات الآتية:
• مطالبة واشنطن بإخلاء القاعدة الجوية الأمريكية الموجودة في ولاية بلوشيستان الباكستانية (المجاورة لإيران وأفغانستان) وذلك خلال 15 يوماً محد أقصى.
• إغلاق خطوط تمرير الإمدادات التي تربط بين ميناء كراتشي الباكستاني، والحدود الباكستانية ـ الأفغانية.
• إغلاق مكتب محطة هيئة الإذاعة البريطانية، ومنعها من العمل في الأراضي الباكستانية، إضافة إلى إغلاق العديد من مكاتب المحطات التلفزيونية الأمريكية الرئيسية الكبرى التي ظلت ناشطة في الساحة الباكستانية.
أكد الخبراء والمراقبين، بأن واشنط قد سعت للتصرف بطريقة استفزازية "غير مسبوقة" ضد باكستان، وبأن باكستان سعت هذه المرة إلى اتخاذ رد فعل "غير مسبوق" ضد واشنطن، وفي هذا الخصوص، تقول التحليلات بأن الأوضاع الميدانية أصبحت تتضمن الآتي:
• قيام إسلام آباد بإغلاق طرق الإمداد، قد أدى بالضرورة إلى قطع الإمدادات عن القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو، والقوات الدولية الموجودة في المسرح الأفغاني.
• اللجوء لاستخدام الطرق البديلة الأخرى، لتمرير الإمدادات، سوف يكون أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن تمرير الإمدادات عن طريق إيران لن يكون متاحاً، وتمرير الإمدادات عبر الصين سوف لن يكون متاحاً أيضاً.
• الطريق الوحيد الممكن هو تمرير الإمدادات عن طريق روسيا ودول آسيا الوسطى ولكنه ينطوي على تكاليف كبيرة، إضافة إلى المزيد من المخاطر المحدقة في مناطق شمال أفغانستان.
تحدثت التسريبات قائلة، بأن روسيا، انتهزت فرصة القرارات التصعيدية الباكستانية، وقامت بدورها بإبداء عدم رغبتها في السماح لواشنطن وحلفاءها بتمرير الإمدادات عبر الأراضي الروسية، ونفس الموقف أبدته دول آسيا الوسطى، وفي هذا الخصوص أشارت التسريبات إلى الآتي:
• إن موسكو سوف لن تتقبل بالسماح لواشنطن بتمرير الإمدادات إلا بموجب صفقة روسية ـ أمريكية، حول الملفات العالقة بين موسكو وواشنطن، وبالذات في ملف الدرع الصاروخي، وملف اتفاقية ستارت، وملف سوريا، إضافة إلى بعض الملفات الأخرى.
• إن باكستان، وإن كان من المحتمل أن توافق على تهدئة التوترات، فإنها سوف تسعى لفرض شروط صعبة التحقيق، وبالذات فيما يتعلق بحجم المعونات والمساعدات الاقتصادية الأمريكية، إضافة إلى إلزام الأمريكيين وحلف الناتو بضرورة عدم تنفيذ أي عمليات عسكرية إلا بعد التفاهم مع إسلام آباد.
هذا، وما هو مثير للاهتمام تمثل في قيام بعض الدول العربية الخليجية بالسعي لجهة الضغط على باكستان من أجل التخلي عن قراراتها الأخيرة، والصفح عن الجرائم الأمريكية الأخيرة ضد الباكستانيين، وأضافت التسريبات إلى أن هذه الأطراف قد قامت بإغراء إسلام آباد بالمزيد من المساعدات والمزايا الإضافية، في حال استجابة باكستان إلى وجهة النظر الخليجية ـ السعودية!؟
وإضافة لذلك، تحدثت التسريبات قائلة بأن الضغوط السعودية والخليجية سوف تزداد خلال الأيام القادمة لجهة دفع باكستان على تقديم التنازلات، مع تهديد إسلام آباد بأنه إذا لم تتراجع عن قراراتها، فإنها سوف لن تحصل على الدعم الاقتصادي والنفطي السعودي ـ الخليجي!
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
برايي سياسة الخليجيين فاشلة
إضافة تعليق جديد