تقدم الجيش يغيّر الحسابات السياسية والمعارضة السورية تتبلّغ الاستعداد للتسوية
لم ينتظر الأميركيون ولا الروس كثيراً بعيد الإعلان رسمياً عن اتفاق حول سوريا يدعو المعارضة والنظام إلى طاولة للتفاوض قبل نهاية أيار الحالي. ومع انتهاء المؤتمر الصحافي المشترك للوزيرين الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري، كان الديبلوماسيون في فريقي الوزيرين يبدأون جولة هاتفية على المعارضين المقربين من البلدين لإعلامهم بأن صفحة جديدة من العلاقات الروسية - الأميركية قد فتحت وأن على المعارضة السورية أن تتعامل معها بإيجابية.
في هذا الوقت، استطاعت القوات السورية إحراز المزيد من الإنجازات في مواجهة المسلحين، حيث أصيب القائد العام لجبهة النصرة في بلاد الشام أبو محمد الجولاني في قدمه، كما أصيب عدد من عناصر الجبهة خلال قصف الجيش السوري على مناطق في ريف دمشق الجنوبي. ويأتي ذلك في الوقت الذي واصلت فيه القوات السورية تقدّمها في حوران منتزعة السيطرة على غالبية بلدة خربة غزالة في سهل حوران على الطريق السريع بين دمشق ودرعا.
وقام ديبلوماسيون أميركيون بإبلاغ قادة «الائتلاف » و«المجلس الوطني» وشخصيات معارضة في اسطنبول وباريس أن الاتفاق الروسي الأميركي سيكون فرصتهم الأخيرة لإعادة الاستقرار إلى سوريا، وانه ليس من مصلحتهم مقاومة الاتفاق، وان عليهم الصعود إلى القطار الذي انطلق من موسكو قبل فوات الأوان.
وعلل معارضون سوريون رفضهم للاتفاق بأنه ينطوي على غموض كبير بشأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد وعدم حسم مسألة خروجه من السلطة قبل مباشرة المفاوضات على المرحلة الانتقالية، وأنه سيكون على المعارضة أن تقوم بتوحيد السوريين خلال العملية السياسية بوجه الأسد ما يعني بوضوح أن الأميركيين ابلغوا المعارضين السوريين أن الرئيس السوري سيكون حاضراً في قصر الشعب خلال العملية الانتقالية، والمفاوضات عليها. ولم يكن مفاجئاً أن يرفض «الائتلاف» الاتفاق الروسي - الأميركي، لدعوته المعارضين إلى التعايش عامين مقبلين مع الأسد في دمشق، هذا إذا ما قيّض للعملية السياسية أن تنطلق.
ورداً على انتقادات المعارضة لواشنطن، أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني لتكرار أن مستقبل سوريا لا يتضمّن الأسد، معتبراً انه يعود للمعارضة والشعب السوري تقرير الشخصيات التي ستشارك في «المرحلة الانتقالية».
ورحّب مصدر سوري رسمي بالاتفاق الأميركي الروسي. ونقلت صحيفة «الوطن» عن المصدر تفاؤله بما توصل إليه لافروف وكيري، مشيراً إلى أن دمشق بانتظار تفاصيل إضافية. وتوقع أن تنسجم مواقف الدول مع الموقف الروسي «المستند للقانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها وعدم التدخل في شؤون الدول».
وقال مصدر معارض إن الروس والأميركيين لم يطلبوا من المعارضة تشكيل وفد موحد، لكن مشاورات بدأت مع الشخصيات التي تقبل بالتفاوض مع النظام، والتي ستنطلق بعد انعقاد المؤتمر الدولي حول سوريا قبل نهاية الشهر الحالي. وأسقط التوافق الأميركي - الروسي آلياً الاعتراف الدولي بـ«الائتلاف ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري، وكشف عن هشاشة قرارات الأمم المتحدة والجامعة العربية بهذا الشأن، إذ أن المشاورات بشأن تشكيل المفاوضين المعارضين تجاوز في الساعات الأخيرة، ما عكف عليه «أصـــــدقاء سوريا» من فرنسيـــين وبريطانيين ومعهم الجامعة العربية وتركيا وقطر والسعودية أشهراً لتثبيته وتحريم التفاوض مع النظام، ثم حصر تشكيل أي وفد بـ«الائتلاف» وهو ما لن يحصل.
وقال قطب سوري معارض إن الروس والأميركيين عرضوا على وجوه سورية معارضة حضور المؤتمر الدولي في مرحلة أولى، كأفراد، قبل البحث بتمثيل أي كتل معارضة في مرحلة ثانية، على أن يتنوع التشكيل والتمثيل ولا يقتصر على فئة دون أخرى، إذا ما وافقت على المشاركة في العملية السياسية بالشروط الأميركية.
وتقدّم الأميركيون والروس، في أول مقاربة ما بعد اتفاق موسكو، من المعارضين الدائرين في فلكهم بطلب ورقة تعدّها بعض الشخصيات المدعوة إلى المؤتمر الدولي على أن تتضمن أفكارا تطبيقية وتطويرية لبيان جنيف لدراستها خلال المؤتمر.
كما يعكف الروس والأميركيون على إعداد ورقة مشتركة لتقديمها إلى المعارضين السوريين وممثلين عن النظام السوري، تشكل تصوراً جديداً ستكون عليه «جنيف» المقبلة، وتستوحي «جنيف الأولى» وما نصت عليه من تأليف هيئة تنفيذية كاملة الصلاحيات، مختلطة من المعارضة والنظام، تدير المرحلة الانتقالية.
وقال ديبلوماسي روسي لمعارضين في باريس إنه من الممكن الحصول على نتائج جيدة إذا ما استطاع الأميركيون الحد من قدرة قطر وتركيا التخريبية، وأكدوا التزامهم بتنفيذ الاتفاق. وتتجه الأنظار إلى جنيف لعقد المؤتمر الدولي المنتظر، وهو ما لا يستجيب لطلب وزير الخارجية الأردني ناصر جودة الذي سيعرض خلال زيارته موسكو اليوم أن تستقبل عمان المؤتمر الموعود. ويستند الاتفاق الروسي - الأميركي إلى ملفات إقليمية أخرى يجري بحث تنظيمها في وقت واحد.
وأعاد بيان صدر عن «الائتلاف» رفضه الاتفاق إلى اشتراطه المعروف برحيل الأسد وأركان نظامه قبل الدخول في أي مفاوضات، فيما كان كيري يعلن بوضوح أن تنحية الأسد لم تعد شرطاً موضوعاً على أجندة المؤتمر وان «القرار متروك للسوريين بهذا الشأن».
وتواجه الجامعة العربية، التي رحبت بالاتفاق الروسي الأميركي، وفرنسا وتركيا وقطر بشكل خاص، وكل القوى التي لعبت على هامش الخلاف الروسي - الأميركي في قراءة «بيان جنيف»، واجب التعامل مع قراءة موحدة في موسكو وواشنطن للبيان، لن تتيح المزيد من الرهان على التسليح وكسب الوقت. فـ«جنيف» الروسية - الأميركية أصبحت تعني، فيما يتعلق بالرئيس السوري، بقاءه في السلطة، ولم يعد مطلوباً خروجه في أول العملية السياسية ولا خلالها وإنما بعد انتخابات رئاسية منتصف العام المقبل.
ويترك الاتفاق الروسي - الأميركي المعارضة السورية أمام مراجعات صعبة جداً. فليس من المؤكد بعد اليوم أن يجد اشتراط تنحية الأسد وأركان نظامه، قبل الشروع بالتفاوض، تأييداً من قبل رعاة المعارضة الإقليميين والدوليين. كما أن الرهان على طاقة التخريب القطري للاتفاق ستكون قيد الاختبار، ومحرجة للدوحة، بعد أن تأكد أن وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم يتجه إلى طهران الأربعاء المقبل بطلب منه لفتح قناة حوار جديدة مع الإيرانيين حول سوريا.
كما بدأ السعوديون بإبداء مرونة في الملف السوري وإسداء النصح للمعارضة بالاستعداد لتقديم تنازلات في مفاوضات مقبلة، كما ابلغ قادتهم الامير بندر بن سلطان الأسبوع الماضي في الرياض، بعد أن أصبحت الأولويات وقف انتشار الجماعات السلفية «الجهادية» واحتواء هيمنة الإخوان المسلمين على المعارضة، بالإضافة إلى اخذ العلم بميزان القوى الجديد على الأرض الذي يفرضه تقدم الجيش السوري على جبهات عديدة واستعادته المبادرة في مناطق استراتيجية مختلفة.
وكان بليغاً أن يضم وفد كيري إلى موسكو مسؤولين من الأمن القومي الأميركي والاستخبارات وكل الفريق الديبلوماسي المعني بالملف السوري وعلى رأسهم روبرت فورد وعلى جميع المستويات. ويعني ذلك أن الفريق الأميركي نفسه الذي أوحى بتشكيل الهياكل الحالية للمعارضة، سيكون مكلفاً بإعادة تنظيمها للمرحلة التفاوضية المقبلة.
ورحّب المبـــــعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيــــمي بالاتفـــــاق الروسي - الأميركي. وقال، في بـــــيان، «إنها أول معـــــلومات تدعو إلى التــــفاؤل منذ وقت طويل جداً»، مؤكداً أن «التصريحــــات التي صدرت في موسكو تشـــكل خطـــوة أولى إلى الأمام مهمة جدا، لكنها ليست سوى خطــوة أولى».
ويبدو الاتفاق على الملف السوري حلقة من سلسلة ملفات يجري البحث فيها بشكل متزامن، منها الملف النووي الإيراني. فخلال الأسبوع المقبل تنطلق المباحثات بين وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين اشتون وكبير مفاوضي الملف النووي الإيراني سعيد جليلي في اسطنبول. وكان ديبلوماسيون ألمان قد لعبوا دوراً كبيراً في إعادة الأوروبيين والإيرانيين إلى طاولة المفاوضات بعد تقدّم طفيف في المآتا الشهر الماضي من دون التوصل إلى تحديد مواعيد جديدة.
وبغض النظر عن تفاصيل الأجندة الإيرانية - الأوروبية واحتمالات التوصل إلى اختراق في قضية العقوبات أم لا فقد بات مؤكداً أن الاختراق هذا تحقق بفضل وساطة ألمانية، كما تحقق اختراق آخر تولاه الألمان، الذين وضعوا بفضل اتصالات أجراها مسؤول ألماني رفيع المستوى في دمشق الحروف الأولى للاتفاق الذي توصل إليه كيري ولافروف في موسكو: الاستقرار للنظام السوري، وتعديلات في مشاركة المعارضة يجري التفاوض عليها، واحتواء الجهاديين الأوروبيين في المشرق، وأكثرهم ألمان وبلجيكيون، قبل عودتهم إلى أوروبا.
محمد بلوط: السفير
إضافة تعليق جديد