تاريخ العداوة الفرنسية ـ البريطانية لسورية
الجمل ـ بشار بشير: لا بد قبل أن أبدأ من توضيح التالي : هذه مقاربة حاولت أن تكون تاريخية وليست سياسية لموضوع علاقات بين دول . ليس في هذه المقالة أي ترويج لفكر أي حزب .
في وقت ما بين ميلاد المسيح (ع) و القرن العاشر الميلادي (لا يهم متى على وجه التحديد) بدأت مجموعة القبائل ومن بعدها الإمارات والإقطاعيات في أوروبا تتحد لتتحول إلى دول وممالك يهمنا منها مملكتان هما إنكلترة التي تحولت فيما بعد للملكة المتحدة و فرنسا التي تحولت فيما بعد إلى الجمهورية الفرنسية . بالكاد كانا قد تشكلتا كمملكتين عندما دعا دجال أسمه البابا أوريان الثاني ( أعتذر من الأخوة المسيحيين ولكن الذبح الذي نالهم بسبب هذا الشخص فاق ما نال المسلمين ) لإستخلاص القبر المقدس ( أي مدينة القدس ) من أيدي المسلمين فكانتا أول المستجيبين وهكذا بدأت العلاقة ( الآثمة ) بينهما وبين سورية بإعلان الحرب عليها ليستخلصوا منها قبر سوري مدفون فيه شخص سوري في مدينة سورية يرون أنهم أولى وأحق به . لا مانع من التذكير أن حربهم هذه كانت وحشية لدرجة أن إلتهام ( نعم إلتهام أي أكل ) السوريين كان ممارسة معتادة في تموين الجيش الصليبي وأن حملة صليبية كاملة تشكلت من الأطفال الذين كان بعضهم دون العاشرة والذين أرسلوا لينالوا بركة قتل السوريين في ممارسة همجية لم يعرف التاريخ لها مثيل كان ضحياها أبنائهم وأبناء سورية . وهكذا تعرفنا على الوحشية والهمجية الفرنسية والإنكليزية والسبب الذي ساقوه هو حماية حجاجهم و حماية قبر "نبيهم " . ألم يكن من الأسهل والأكثر إنسانية الإتفاق مع الخليفة العباسي أو مع أمراء المناطق التي حاربوها لتسهيل الحج مقابل رسوم ؟ أما موضوع "حماية " قبر نبيهم فهو أسخف من أن يناقش , أبحثوا عن الوحشية التي يحركها الحقد .
لم تكد تجف دماءشهداء آخر حملة صليبية حتى وجد نابليون أن أفضل طريقة للإضرار بعدوته بريطانيا هي قطع طريق الهند عليها وذلك في منطقة مصر و شرق المتوسط وهكذا كان على أجزاء من سورية أن تتعامل مجدداً مع الوحشية والهمجية الفرنسية والسبب هذه المرة سياسي وعسكري. ألم يكن من الأسهل والأنسب سياسياً أن يعقد إمبراطور الإستراتجيا العسكرية حلفاً أو إتفاقاً مع هذين البلدين لمناهضة بريطانيا أم أنه وجد من الأليق لعظمته ومن الأوفى لتاريخ بلده الوحشي أن يخضعهما عسكرياً و يحتلهما ؟ أبحثوا عن الوحشية التي يحركها الحقد .
لم يمض وقت طويل حتى تحركت لواعج فرنسا عطشاً للدم السوري فاستغلت الحرب العالمية الأولى لتعود إلى إحتلال سورية. وإخلاصاً منها لوحشيتها وهمجيتها فقد قامت بإعادة تشكيل وتسمية مناطق كاملة في سورية؛ فقد حولت ساحة المرجة في دمشق إلى معرض لجثث الشهداء، وحولت البرلمان إلى قبر لحاميته، وحولت أحياء كاملة في دمشق إلى ركام لدرجة أن أسماءها ضاعت فأصبح اسم حي سيدي عامود (الحريقة ). هي همجية ووحشية فرنسا تطل علينا مجدداً ، والسبب هذه المرة الأخذ بيدنا على درب المدنية والتقدم ( لذلك أطلقوا على إحتلالهم لنا اسم الإنتداب ) . أحد أقذر الشعوب ( أقل شعب إهتماماً بالنظافة الشخصية ) والذي كانت دولته ومدنه لا تزال عبارة عن مستنقعات وغابات تسكنها الحيوانات في الوقت الذي كانت فيه بلدنا رحم الحضارة الأول ومدننا دمشق وحلب أمهات المدن وحواضر البشرية .. هذا الشعب يريد أن يعلمنا بهمجيته ووحشيته الحضارة هل أتجنى على الفرنسيين والإنكليز هنا وأكتب بطريقة شوفينية ... سيرد جوابي لاحقاً ..ألم يكن أسهل على فرنسا أن ترسل لنا خبراء وأساتذة ومساعدات حضارية لتأخذ بيدنا على صعيد إنشاء دولة حضارية متمدنة بدل أن تسلك معنا طريق الإحتلاال والقتل ؟ أبحثوا عن الوحشية التي يحركها الحقد .
طردهم من سورية أجج حقدهم فتآمروا لينتقموا بطريقة مبتكرة هذه المرة فزرعوا في جسد سورية جرثومة اسمها إسرائيل لا تألوا جهداً لتذكرنا كل يوم بوحشية وهمجية أسيادها . سبعة عقود لم تفتر فيها عن الظلم والقتل أصالة عن نفسها ونيابة عن فرنسا والإنكليز اللذين تعللوا هذه المرة بمساعدة شعب تائه ولكن على حساب لحم سورية الحي.! لم يكن من الأسهل والأنسب منح اليهود بعض أراضي كندا مثلاً وهي شاسعة وخصبة ولا يسكنها أحد و لن يتسبب إستيطانها من الصهاينة بمشاكل لأحد ؟ مرة أخرى أبحثوا عن الوحشية التي يحركها الحقد .
شبق القتل عند الفرنسيين والإنكليز أعادهم بسرعة مع ربيبتهم هذه المرة وبنفس الوحشية والهمجية ليدمروا مدناً مصرية ويقتلوا مصريين وسوريين وطبعاً السبب الحقد ولكنهم ألبسوه لباس حقهم في السيطرة على قناة السويس . ممر بحري مصري يقع بكامله في الأراضي المصرية حفره المصريون بأيديهم ودفعت تكاليف حفره مصر لدرجة أنها أفلست . ثم يأتي مدعوا الحضارة ليقولوا إن قناة السويس لهم ويثبتوا أحقيتهم بها على جثث أصحابها الشرعيين أليس من الأسهل والأكثر حضارة أن يدفعوا رسوم إستعمال القناة بدل أن يحاولوا الإستيلاء عليها . تابعوا البحث عن الوحشية التي يحركها الحقد .
إبتداءً من هذا التاريخ لم يعد الفرنسيون والإنكليز يغادروا سورية ويعودوا أصبحت خناجرهم مقيمة دوماً في اللحم السوري ولا داعي للتذكير بحاضر لاينسى من الحقد السافر بلا تجميل وبلا تسميات كاذبة , حقد رأيناه من حامي حمى اليهود ميتران و من شيراك أجير الحريري إلى قصير الفتنة زوج كارلا إلى أجير قطر هولاند .
هل تجنيت على فرنسا وشريكتها اللدود إنكلترة عندما أعتبرت أن محركهم تجاه سورية هو الحقد لنرى :
لماذا تشن الدول الحروب ؟ أول الحروب بدأت لتوسيع المجال الحيوي للمدن الدول أي لضم الأراضي المجاورة لهم ليتوسعوا جغرافياً و ديموغرافياً . هل من المنطقي أن تتوسع فرنسا وإنكلترة جغرافياً في سورية ؟ لاأظن
ثم أصبحت الحروب تشن لأسباب إقتصادية وللسيطرة على التجارة وطرقها . هل للدولتين المذكورتين مصالح مباشرة في التجارة وطرق التجارة المارة في سورية ؟ قد يكون للإغريق مصالح وقد يكون للإمبراطورية الرومانية مصالح أما فرنسا وإنكلترة فأشك بمصالحهما وإن وجدت فبالإمكان تأمينها بالإتفاقيات وليس بالحروب.
ثم أصبحت الحروب تشن لنهب الثروات . وهنا أفهم أن تحتل فرنسا وبريطانيا إفريقيا والهند وبعض بلاد شرق آسيا وحتى أميركا الشمالية وأستراليا لكن ماالثروات الباطنية التي استخرجتها فرنسا من الأراضي السورية أثناء إحتلالها لها ؟
ثم أصبحت الحروب تشن بغرض السيطرة الإستراتيجية على العالم حيث دخل لاعبون جدد وخرجت فرنسا وإنكلترة من هذه اللعبة تقريباً , فتخلوا عن حروبهم التي لاسبب لها ( طبعاً حروب السلب والنهب خاصة في البلدان الأفريقية لا يتخلون عنها ) إلا حربهم على سورية لم تتوقف رغم أني لاأجد لها سبباً إلا ... الحقد . أود هنا أن أُذكِر أن حرب سيطرة إستراتيجية و نهب ثروات قد شنت على العراق ولم تشارك فيها فرنسا لكنها لم تتردد في المشاركة في الحرب الحالية على سورية رغم أنها لن تتحصل منها على سيطرة إستراتيجية فهي ليست لها ولن يكون لها حصة في الثروات ( إن وجدت ) فهي أيضاً ليست لها .
أعود للسؤال الذي طرحته في هذا المقال آنفاً هل أتجنى على فرنسا وإنكلترة وهما تمثلان للكثيرين قمة الحضارة والمدنية خلال بضعة قرون الأخيرة . لنبحث قليلاً في مستوى حضارة ومدنية هذين البلدين . أولاً أود أن اشير إلى أن فرنسا وبريطانيا بلدان يعدان سكانياً حوالي مئة وعشرون مليون نسمة و يتمتعان بغنى أسطوري، لذلك من الطبيعي أن نجد فيهم كثيراً من المبدعين والعباقرة و المخترعين المساهمين في التقدم الإنساني ولكن هل لهما سجل مميز في مجال حضاري ما يتناسب وضخامتهما وثرائهما ؟ أم هي سيطرتهما العسكرية ( نعود لوحشيتهما التي هي سجلهم المميز في الحقيقة ) التي استطاعوا عبرها أن يزرعوا في أقطار الأرض فكرة تفوقهم الحضاري والفكري . هل لهذين البلدين بصمة حضارية في التاريخ كاليونان أو الرومان مثلاً ؟ هل عرفتا بفلاسفتهم كالفرس والصينيين والهنود ؟ هل قدموا للبشرية أنبياء كالعرب ؟ هل لهما بصمة في مجال الفنون والذوق الرفيع كالطليان ؟ هل استطاعتا مجتمعنين إنتاج علماء ومخترعين بقدر ما فعلت ألمانيا لوحدها ؟ هل أستطاعتا بلوغ رقي إجتماعي رغم ثرائهما يشبه الدول الأسكندنافية ؟ هل أستطاعتا المواءمة بين أصالتهم وبين تقدمهم كما فعلت اليابان والصين وماليزيا ؟ هل استطاعتا أن تكونا مغناطيساً حضارياً وإمبراطورياً يضم الدول التي حولهما كما فعلت روسيا ؟ برأيي إنجازهم الوحيد هو القوة العسكرية الوحشية التي فَرضَت على شعوب كثيرة كذبة تاريخية أن فرنسا وبريطانيا هما الأكثر تمدناً وحضارة . على مدى قرون وهذان البلدان يربطان التمدن والحضارة بالحرية ويتشدقان بأنهما البلدان الأكثر حرية حتى أن فرنسا تعتبر نفسها رائدة الحرية الإنسانية وذلك عبر ثورتها ثورة الحرية والإخاء والمساواة . ولكن هل هي مؤمنة بالحرية فعلاً وهل حريتها هي حرية حقيقية أم أنها كذبة تستعملها للتعالي علينا ؟
أستعاضت فرنسا وبريطانيا عن الكنيسة كمعتقد وكمرجع ومشرِّع بالرأسمالية , الكنيسة لها رب هو فكرة يمكن أن تحارب بفكرة مضادة يُخشى أن تكون مقنعة أكثر مما يضع الكنيسة في موقف صعب لذلك لا مجال للحرية الفكرية والإجتماعية في زمن الكنيسة و من اللازم إيجاد مؤسسة قمعية كمحاكم التفتيش لتقتل أي إرهاصات للحرية , وهكذا عندما لزم الأمر وأملت المصلحة، كانت فرنسا رائدة القمع المشرعن والمنظم . أما عندما حلت الرأسمالية محل الكنيسة وأصبح الرب هو المال فلم تعد للفكرة قوة لأن المال لا يحارب إلا بمال أكثر منه ولا أحد معه من المال أكثر من الدولة الرأسمالية لذلك فكر كما تشاء وقل ما تشاء وتصرف كما تشاء فأنت لم تعد تؤثر ولا تُغيِّر وهكذا أصبح بإمكان الدولة الرأسمالية ( وهي هنا الدولتان إياهما ) أن تتشدقا بأنهما منحتا شعوبهم الحرية لفعل كل ما يريدون ولكن هل هي حرية حقيقة ؟ هي أكذوبة حرية تخدرك لكي لا تشعر أنك مسمار صغير في آلة الدولة الضخمة والوحشية . إذاً حتى أكثر إنجاز تفتخر به فرنسا هو بالحقيقة كذبة مجوفة فماذا يبقى لها ؟ يبقى وحشيتها التي لاتندثر ؛ ألفي سنة من الوحشية والقتل وُلدَت حضارات واندثرت صعدت دول وبادت ظهر غزاة و محاربون وهمج وقتلة وأختفوا , كلما أوقدت نار للفتنة والقتل تكفل التاريخ بإطفائها بعد زمن، إلا وحشية وهمجية فرنسا لا زالت تستعر . ويبقى السؤال ... أي قدر ولماذا صُب حقد هذه الوحشية الفرنسية على البلد الصغير الوادع المسالم سورية .
إضافة تعليق جديد