صناعة البرمجيات في سورية
ماهو واقع صناعة البرمجيات في سورية؟
سؤال يتطلب الكثير من البحث والتمحيص، لأن عناصر هذه الصناعة كثيرة ومتشعبة، فهي اقتصادية وثقافية وفكرية وإبداعية وحتى سياسية، إضافة إلى كونها تقانية، وهذا يعني أن هذا المقال ليس سوى مقدمة لواقع يتطلب المزيد من التحليل العلمي العميق لهذا الواقع، خاصة بعد قرار الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية بتبني منتدى البرمجيات وتقديم الدعم اللازم له للانطلاق بمهامه بشكل أفضل، وبعد أن قررت الجمعية تغطية نفقات المنتدى للمشاركة في معرض جايتكس لتقانة المعلومات والاتصالات.
تتربع على عرش السوق العالمية للبرمجيات الحاسوبية 6 دول أساسية هي: أمريكا واليابان وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وتصل حصتها جميعاً إلى 71%، حيث تشغل أمريكا وحدها 50% من هذه السوق.
هذا الواقع لم يمنع الكثير من دول العالم من العمل كل وفق إمكاناته، وخاصة بالنسبة لحاجات السوق المحلية، حيث تتوفر اللغة المطلوبة وآليات العمل الفاعلة وإمكانات التدريب والتأهيل والصيانة والمتابعة.
هنا كان التوجه في سورية نحو صناعة البرمجيات هو في منطلقه توجه للسوق المحلية، بالرغم من أنها استطاعت الانتقال إلى أسواق عربية وأحياناً عالمية.
شركات البرمجة الوطنية:
تُصنف شركات صناعة البرمجيات السورية ضمن فئة الشركات الصغيرة (معظم الشركات )والمتوسطة وتمتلك هذه الشركات عدداً قليلاً من الخبرات المتميزة في مجالات التخصص الدقيق، وهي بالتالي تعاني من نقص الموارد البشرية المتخصصة.
وتوظِّف هذه الشركات استثمارات محدودة، حيث ان حجم أعمالها صغير إذا ما قورن بحجم أعمال شركات التجهيزات أو بحجم أعمال شركات البرمجيات في المنطقة والعالم، كما أن التنظيم الإداري المُعتمد لدى معظم شركات البرمجيات الوطنية هو تنظيم تقليدي، وفي معظم الأحيان لاتنسجم طبيعة هذا التنظيم مع القدرات البشرية المتوفرة.
يشار هنا إلى أن التعاون بين شركات البرمجيات الوطنية ضعيف، وكذلك بين هذه الشركات والجهات العلمية والأكاديمية، كما أن العلاقات الخارجية محدودة.
وعلى جانب آخر فإن معظم شركات البرمجيات الوطنية هي شركات ناشئة، ولم تتراكم لديها خبرات كبيرة، والعديد من هذه الشركات يخرج من السوق قبل أن يثبت جدارته، لأسباب كثيرة لعل أهمها ضعف الخبرات الإدارية والتسويقية، واعتماد الأساليب الارتجالية في العمل.
تسعى شركات البرمجيات السورية إلى تلبية الحاجات المحلية من النظم البرمجية (أنظمة الأتمتة الإدارية والمالية، عدد محدود من الأنظمة التخصصية)، لكنها لم تُحدث حتى الآن تأثيراً هاماً في توجهات السوق الوطنية، ولم تتمكن من تعريف تخصص دقيق لعملها، كما أنها لم تستطع مجاراة الاتجاه العالمي في تحويل صناعة البرمجيات إلى صناعة عالمية، لأسباب كثيرة لعل أهمها عدم اتباع المنحى العالمي في معايرة المنتجات البرمجية، وعدم وجود منهجية واضحة لتكرار التجارب الناجحة، وعدم تكرار الأخطاء، واقتصار العلاقة مع الزبون على مفهوم التوريد (تجاري) وعدم نشوء علاقات شراكة فعلية تهدف إلى إنجاح المشاريع، وضعف الخدمات التي ترافق تنفيذ المشروع البرمجي وتكون في بعض الحالات أهم عوامل النجاح والفشل مثل التركيب والتشغيل وتهجير البيانات والتشغيل تحت الإشراف والدعم الفني.
بيئة العمل:
تتوفر لدى شركات البرمجة مجموعة من العناصر التي تدعم عملها ولعل في مقدمتها تفهم الواقع المحلي ومرونة في العمل والقدرة على استقطاب الكوادر الوطنية وتميز سورية في مجال اللغة العربية، لكن هذه العناصر الإيجابية ليست كافية لاسيما أن الكثير من العناصر الأخرى تنتمي إلى الجانب السلبي ومنها ضعف مستوى البرمجيات المطلوبة الذي ينعكس على ضعف المستوى التقني للمنتجات وضعف الدور الاستشاري لدى الشركات الوطنية وضعف مستوى التأهيل والتدريب (المستمر ( الذي تقدمه للعاملين فيها وضعف المشاركة في النشاطات الوطنية والإقليمية والعالمية وضعف التسويق وغياب بيئة التمويل وغياب الجهات الراعية والضامنة لشركات البرمجيات.
وتشير دراسات أعدت في هذا المجال إلى أن الضغوط السلبية لاتزال هي الأقوى في معركة صناعة البرمجيات، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الضرائب المرتفعة وفقدان الأطر القانونية الخاصة بهذا النوع من العمل وهجرة الكوادر الخبيرة والمدربة وعدم وجود استثمارات حكومية عالية أو دعم حكومي لهذه الصناعة في غياب سوق واسعة للعمل، حتى ان المشاريع الحكومية البرمجية الكبرى تنفذ من قبل شركات غير وطنية، إضافة إلى الافتقار لآليات الاعتمادية بالنسبة للشركات والأفراد، وغياب معايير العمل وضعف البنى التحتية والبيئة الاستثمارية.
ويبقى لنا هنا أن نشير إلى أن الدعم الوحيد الذي تتلقاه صناعة البرمجيات حتى الآن هو ذلك الذي توفره الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية، وهذا الدعم هو الذي أتاح للمنتدى المشاركة في معرض دولي كمعرض جايتكس 2006، على أن وزارة الاتصالات والتقانة وعدت أن تضع في خطتها المستقبلية موضوع دعم صناعة البرمجيات الوطنية في مقدمة أولوياتها.
-هذا الواقع تطلب الاتجاه نحو خطوات عملية قادرة على استثمار نقاط القوة وتذليل نقاط الضعف ولعل أهم هذه الخطوات السعي نحو إعداد برنامج لتأهيل وتقييم واعتمادية شركات البرمجيات )بالتعاون مع كلية الهندسة المعلوماتية - جامعة دمشق(، وتسجيل الشركات ) بالتعاون مع وزارة الاتصالات و التقانة ووزارة الاقتصاد والتجارة( في إطار التصنيف المعلوماتي، والتحضير لمبادرة لتنمية قطاع صناعة البرمجيات ) في ضوء تقدم العمل في الاستراتيجية(، والعمل باتجاه إنجاز مشروع لبنك معرفي لمعايير صناعة البرمجيات بهدف إيجاد تخصصات للأفراد في مجال هندسة البرمجيات.
- لعل الخطوة الأكثر أهمية هنا هي القرار الذي اتخذته الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية عام 2003 بإنشاء منتدى خاص لصناعة البرمجيات، والذي أصبح يضم حوالي 25 شركة تعمل في هذا المجال، وقد حددت أهداف المنتدى كما يلي:
* تحسين المنتج البرمجي الوطني لرفعه إلى مستوى المنافسة العالمية.
* الترويج للمنتجات البرمجية الوطنية في الأسواق المحلية والإقليمية و العالمية
* تمثيل شركات البرمجة الوطنية لدى الجهات المعنية بتنظيم مهنة صناعة البرمجيات والجهات المالية و الاقتصادية في سورية.
* رفع سوية عمل الشركات إدارياً و فنياً من خلال تأمين الاحتكاك المباشر بين شركات المنتدى و الأوساط الاقتصادية و العلمية في سورية و الخارج.
* التشجيع على دعم الصناعة الوطنية من خلال الجهات المعنية ليكون من الموارد الوطنية الهامة على الصعيدين المالي و التطويري لمختلف القطاعات العاملة في سورية.
* تنسيق و مكاملة أعمال الشركات فيما بينها لضمان رفع الإنتاجية و تشكيل تجمعات عمل كبرى في القطاع البرمجي، لتلبية الاحتياجات الواسعة و المتنامية للقطاعين الخاص والعام.
* رفع مستوى استيعاب الكوادر المعلوماتية كمياً و نوعياً.
- أصبحت صناعة البرمجيات في كثير من دول العالم هي الصناعة الأساسية، خاصة أنها لا تتطلب توفر رؤوس أموال مرتفعة، بل هي بحاجة إلى رأس المال المعرفي فقط، وهنا نذكر ماوصلت إليه الهند التي تنتمي إلى دول العالم الثالث، حيث أصبحت صادراتها من صناعة البرمجيات في مستويات عالية جداً.
وعلى صعيد المنطقة، استطاعت شركات البرمجة في مصر عام 2004 تصدير برمجيات وصلت قيمتها إلى 150 مليون دولار من خلال 250 شركة تعمل في هذا المجال أي عشرة أضعاف عدد الشركات السورية، وقد بلغ عدد العاملين في هذا القطاع 7 آلاف فني.
واستطاعت الأردن جذب استثمارات في مجال صناعة البرمجيات من خلال مبادرة (ريتش)Reach وصلت قيمتها إلى 80 مليون دولار، كما أنها استطاعت تصدير برمجيات عام 2002 بمقدار 40 مليون دولار.
هذا الواقع الذي حققته دول مجاورة تعيش نفس الظروف ونفس نقاط القوة والضعف يعطي المبررات الكافية لأن تأخذ الجهات المعنية موضوع صناعة البرمجيات على محمل الجد، خاصة بعد توفر دراسات شاملة عن هذا الموضوع قد يكون لها الأثر في توفير المعطيات اللازمة للتعامل مع هذه الصناعة وفق مناهج استراتيجية.
يقل حجم رأسمال 30% من شركات البرمجيات العاملة في سورية عن 10 آلاف دولار، في حين يزيد هذا المبلغ لدى 34% من الشركات، وهو غير معروف بالنسبة للشركات الأخرى.
ومن اللافت للنظر هنا أن الجزء الأكبر من رأسمال غالبية هذه الشركات(98%) محلي المصدر، ويقل عدد العمال المصرح بهم في (76%)من الشركات عن عشرة عمال وموظفين ومستخدمين، في حين أن (24%) فقط يزيد عدد عمالها على عشرة عمال.
غالباً ما يدل تصدير الإنتاج على القوة الاقتصادية للشركة وعلى قدرتها على إيجاد أسواق خارجية لسلعها، وقد تبين أن معظم الشركات التي تمت دراستها (88%)لا تصدر منتجاتها إلى الخارج، أما الباقي فهي تصدر منتجاتها إلى دول الخليج العربي (17%) ولبنان (15%) والعراق (14%)والسعودية (6%) ومصر (5%(
ويشار هنا ـ حسب الدراسة المعتمدة ـ إلى أن ثلث الشركات السورية لا تعرف ما إذا كان هناك اتفاقات ثنائية بين سورية والبلدان الأخرى. كما اعتبرت نسبة تتراوح ما بين (41%)إلى (62%( من هذه الشركات أن مثل هذه البروتوكولات غير موجودة، في حين رأت الشركات التي أقرت بوجود هذه البروتوكولات أن الاستفادة منها كانت كبيرة، وبخاصة مع لبنان وبلدان الخليج العربي، في حين كانت الاستفادة محدودة مع بقية البلدان. وترى أغلبية هذه الشركات أن وجودها يساهم، إلى حد بعيد، في زيادة حجم التعامل.
ويعتقد 29% من مسؤولي هذه الشركات أن إقامة المعارض ووجود وكلاء هما أفضل طريقتين لزيادة التعاون في هذا القطاع. ويرى 27% أن الأداة الثانية المفيدة لتنشيط التعاون هي وجود وكيل محلي.
- لأول مرة يشارك منتدى البرمجيات السوري في معرض خارج سورية بعد عدة مشاركات له في معرض الشام للمعلوماتية بدمشق، وتتمثل هذه المشاركة في جناح واسع في معرض جايتكس دبي سوف يضم أجنحة فرعية ليست شركات برمجية سورية تنتسب إلى المنتدى، إضافة إلى حيز خاص باسم المنتدى يمثل فيه جميع الشركات البرمجية السورية.
ويتوقع المنتدى أن هذه التجربة الجديدة ستتيح له الوصول إلى تفاهمات مع كثير من الجهات المستثمرة بالشكل الذي ينقل البرمجيات السورية إلى المحيط العربي والاحتكاك بالشركات العربية والعالمية والاطلاع على متطلبات السوق الخارجية بشكل عام.
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد