«قمة الـ8» بين خيار جنيف والتسليح
ظهرت مؤشرات على الصعوبات التي قد تواجهها بعض الدول الغربية خلال قمة مجموعة الثماني اليوم في رهانها على تعديل موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الأزمة السورية، حيث أنه استبق القمة بتحذير الغرب ممن شبّههم بآكلي لحوم البشر من الجماعات المسلّحة في سوريا، فيما اضطر مضيف القمة، رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون الى الإقرار بعد محادثاته مع الضيف الروسي، بوجود «خلافات كبيرة» بينهما حول سوريا.
وجاء ذلك فيما ذهب الرئيس المصري محمد مرسي، بعيدا في موقفه من الأزمة السورية، مخالفا العلاقات التي جمعت القاهرة ودمشق عبر التاريخ، حيث أعلن خلال مؤتمر «نصرة سوريا» في إستاد القاهرة أمس الأول، «قطع العلاقات تماما مع النظام السوري»، داعيا إلى فرض حظر جوي على سوريا، وشنَّ هجوما عنيفا على «حزب الله» معتبرا أنه «لا مكان لحزب الله في سوريا».
وحاول مرسي، صاحب «المبادرة الرباعية» التي تضم مصر والسعودية وإيران وتركيا، إدخال الجيش المصري في الأزمة السورية، قائلا «شعب مصر يدعم الشعب السوري دعما ماديا ومعنويا. ومصر شعبا وقيادة وجيشا لن تترك الشعب السوري حتى ينال حقوقه وكرامته».
لكن مصدرا عسكريا مصريا وضع مجمل خطاب مرسي بين قوسين، بتأكيده أن «دعوات دعم القوات المسلّحة للجهاد ضد (الرئيس السوري) بشار الأسد تستهدف توريطها في مستنقع صراعات». ونقلت وكالة انباء الشرق الاوسط عن مصدر عسكري آخر قوله إن «الجيش المصري هو لحماية مصر وأمنها الوطني فقط. الجيش المصري لن يتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ولن يتم استخدامه في أي نزاعات إقليمية».
ونقلت مجلة «در شبيغل» الألمانية عن تقرير سري لجهاز الاستخبارات الأجنبية والحكومة الألمانية أن «السعودية تدرس إرسال صواريخ مانبادس» الأوروبية الصنع المضادة للطائرات إلى المعارضة السورية. وأشارت إلى أنه يمكن للصواريخ ارض ـ جو التي تطلق عن الكتف أن تستهدف الطائرات التي تحلّق على ارتفاعات منخفضة، والطوافات.
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين قولهم أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تستعد لنقل أسلحة إلى المعارضة السورية عن طريق قواعد سرية في تركيا والأردن. وأضافوا أن «وكالة الاستخبارات المركزية لديها الآن تصور أدق لبنية قوات المتمردين التي تخطط لتزويدها بالأسلحة».
وفي أول موقف له بشأن إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما موافقته على تقديم واشنطن أسلحة إلى المعارضين السوريين، قال بوتين، في مؤتمر صحافي مشترك مع كاميرون في لندن عشية انطلاق أعمال قمة مجموعة الثماني في ايرلندا الشمالية، «أظن انك لا تنكر أن على المرء ألا يدعم أشخاصا لا يقتلون أعداءهم فحسب بل يشقّون أجسادهم ويأكلون أحشاءهم أمام الناس والكاميرات».
وسأل بوتين، الذي وصل متأخرا لمدة ساعة إلى الاجتماع مع كاميرون، «هل هؤلاء هم الذين تريدون دعمهم؟ هل هؤلاء هم من تريدون أن تزودوهم بالسلاح؟ في هذه الحال، فإن هذا الأمر لا يمت بصلة إلى القيم الإنسانية التي تدعو إليها أوروبا منذ قرون. في أي حال لا يمكن لروسيا أن تتصور ذلك». وأكد أن «مسألة توريد السلاح (الروسي) إلى دمشق تجري وفق اتفاقات وعقود قديمة، وبالتالي فهي قانونية».
وبعد أن حمّل «طرفي الصراع في سوريا مسؤولية إراقة الدماء»، أعلن بوتين أن «روسيا تريد توفير الظروف المواتية لإنهاء الصراع». وأشار إلى «وجود خلاف في وجهات النظر بين موسكو ولندن حول المسألة السورية»، معبّرا عن أمله أن تشكل قمة الثماني أرضية مؤاتية لتهيئة حل للأزمة. وقال «لا أظن أنه قد فات أوان عقد هذا المؤتمر (جنيف 2). زد على ذلك، أنا أشارك تماما رئيس الوزراء الرأي عندما يقول إن المؤتمر هو أحد أكثر السبل المقبولة عقلانية لحل القضية السورية».
وأشار بوتين إلى أن «هذه المشكلة لا يمكن حلّها إلا بالطرق الديبلوماسية والسياسية». وقال «رئيس الوزراء من أنصار عقد مؤتمر جنيف 2، وقد بحثنا معه تفاصيل هذا الموضوع في سوتشي، ثم واصلنا هذا العمل مع شركائنا الأميركيين، ونحن نعمل معهم (واشنطن) على إبلاغ شركاءنا عن سير هذا العمل. لكني واثق بأنه لا يمكن بلوغ حل نهائي لهذه القضية وجعل كل الأطراف المتنازعة يجلسون حول طاولة المفاوضات، إلا ببذل جهود مشتركة، شرط أن يبدي الطرفان حسن النية».
وكرّر كاميرون، من جهته، أن على الأسد أن «يتنحى لوضع حد للكابوس في سوريا». وأعلن أن «خلافات كبيرة ما زالت قائمة بين روسيا وبريطانيا حول ما يحصل في سوريا، ومن يلام»، لكنه اعتبر أنه يمكن لموسكو ولندن التغلب على هذه الخلافات. وقال «ما خرجت به من مناقشتنا اليوم (أمس) هو أنه بمقدورنا التغلب على هذه الخلافات إذا أدركنا أننا نتفق في بعض الأهداف الأساسية، وهي وضع حد للصراع ومنع تفكك سوريا والسماح للشعب السوري بأن يقرر من يحكمه ومحاربة المتطرفين وهزيمتهم». وتابع «سننتهز فرصة اجتماع جميع قادة مجموعة الثماني لمحاولة البناء على هذه الأرضية المشتركة».
ويلتقي بوتين أوباما اليوم على هامش اجتماع مجموعة الثماني في ايرلندا الشمالية، الذي يستمر ليومين. يشار إلى أن المجموعة تضم روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا واليابان.
وقال البابا فرنسيس، في رسالة وجهها إلى كاميرون عشية قمة مجموعة الثماني، «آمل أن تساهم القمة بضمان وقف فوري ودائم لإطلاق النار (في سوريا) وأن تجلب كل الأطراف المتنازعين إلى طاولة المفاوضات».
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ناقض نظيره الأميركي جون كيري، مؤكدا، أمس الأول، أن القوات السورية لم تكن بحاجة إلى استخدام الأسلحة الكيميائية بعد أن حققت تقدما على الأرض. وقال إن «النظام يحرز انتصارات على الأرض، وقد اعترفت المعارضة بذلك صراحة»، متسائلا «أي جدوى يمكن أن يجنيها النظام من استخدام أسلحة كيميائية خصوصا على نطاق ضيق جدا؟».
وكانت وزارة الخارجية الأميركية ذكرت أن كيري أعاد التأكيد لنظيره العراقي هوشيار زيباري، في اتصال هاتفي بينهما، أن «الولايات المتحدة تواصل جهودها الحثيثة لإيجاد حل سياسي مع هدف عقد اجتماع ثان في جنيف»، لكنه اعتبر أن «استخدام أسلحة كيميائية والتورط المتزايد لحزب الله يدلان على عدم التزام النظام الخيار التفاوضي ويهددان بجعل أي تسوية سياسية بعيدة المنال».
وأشار البيان إلى أن كيري «عبّر عن قلقه العميق للمنحى الطائفي المتزايد للحرب السورية من قبل طرفي الصراع، وحث العراق على اتخاذ كل ما يمكن من إجراءات للمساعدة في وقف إعادة تزويد نظام الأسد بالعتاد العسكري، وبالتالي زيادة الضغط الذي سيكون ضروريا لتحقيق تقدم نحو حل سياسي».
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد