«إنهاء الاحتلال» يصطدم بالتعطيل الأميركي

31-12-2014

«إنهاء الاحتلال» يصطدم بالتعطيل الأميركي

لم يبلغ مشروع القرار الذي قدمته السلطة الفلسطينية في شأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي إلى مجلس الأمن الدولي أمس، عتبة التسعة اصوات الضرورية لتمريره، اذا اقتصر التأييد على ثمانية اصوات، في مقابل اعتراض دولتين وامتناع خمس دول عن التصويت، وذلك خلال جلسة استثنائية، سعت اطراف دولية وعربية الى تعجيل انعقادها، مستبقة بذلك التغييرات الدورية في عضوية مجلس الأمن، والتي كان يمكن ان تفضي الى حشد اكبر للقرار الفلسطيني.
وفي ما بدا رسالة اميركية ضد الخطوة الفلسطينية في مجلس الامن الدولي، وبعد تلويحها باستخدام حق النقض ضد مشروع القرار الفلسطيني، اختارت الولايات المتحدة التصويت بـ»لا» ضد المسودة، التي تم تعديلها اكثر من مرّة، بدلاً من الامتناع عن التصويت، وهو ما يعكس استعدادها لاستخدام الـ»فيتو» في حال كرر الفلسطينيون محاولتهم اللجوء الى الشرعية الدولية لانهاء الاحتلال.فلسطينيون يشيعون الشهيد إمام دويكات في الضفة الغربية أمس (رويترز)
وصوتت ثماني دول فقط لمصلحة المشروع، من بينها فرنسا والصين وروسيا، في مقابل دولتين صوتتا ضده هما الولايات المتحدة وأستراليا، وخمس دول امتنعت عن التصويت.
وبالعموم أقفل تقديم المشروع، برغم ما يبدو من خلاف بشأنه في الصف العربي، مرحلة التهديدات والوعود والاتصالات الديبلوماسية المكثفة من أجل تأجيله أو إفراغه من محتواه.
وكانت أوساط فلسطينية تحدثت عن احتمال أن يتم التصويت على القرار خلال 48 ساعة وفق إجراءات مستعجلة، أشارت أوساط أخرى إلى احتمال تأجيل التصويت إلى وقت لاحق بسبب الأعياد. وأياً كان الموعد، فإن التصويت على المشروع قبيل التغيير المنتظر في تركيبة مجلس الأمن في الشهر المقبل وانضمام ماليزيا وفنزويلا لعضويته يحمل في ثناياه احتمالات عدم نيله الغالبية المطلوبة لإقراره، وبالتالي توفير مخاطر استخدام الإدارة الأميركية لحق النقض «الفيتو».
وتعزو بعض الأوساط الديبلوماسية ترجيح احتمال فشل المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة إلى تراجع بعض الدول الأوروبية عن تأييدها للمشروع بعد عودة الفلسطينيين عن بعض التفاهمات التي قادت إلى إدخال تعديلات على الصيغة في مرحلة ما. وتشير هذه الأوساط إلى أن الصيغة التي قدمت بشكلها النهائي تجاهلت تماماً مطالب الدول الأوروبية الثلاث، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، التي كانت تخطط لتقديم مشروع قرار بديل لمجلس الأمن.
ومعروف أن الأميركيين عملوا بدأب ضد مشروع القرار الفلسطيني انطلاقاً من كونه يتجاوز مبدأ المفاوضات ويقرر مسألة الدولة الفلسطينية وحدودها ويحدد جدولاً زمنياً للتنفيذ ولا يشير إلى احتياجات إسرائيل الأمنية. كما أن الدول الأوروبية ترفض فكرة الجدول الزمني للتنفيذ وتطرح الجدول الزمني للتفاوض وتأخذ في الحسبان مطالب إسرائيل بشأن يهودية الدولة وما شابه. كما أن القيادة الفلسطينية، حينما لاحظت تراجع التأييد للمطلب الفلسطيني المحق بجدولة إنهاء الاحتلال، لم تر مناسباً مواصلة التمسك بالتفاهمات مع الدول الأوروبية، والتي قادت إلى تعديلات جدية في الصيغة. وقاد هذا أيضاً إلى محاولة الأخذ في الحسبان مواقف الفصائل الفلسطينية واعتراضاتها على التعديلات، فعمدت إلى تبني الصيغ المقبولة نسبياً على قطاع عريض من الجمهور الفلسطيني، برغم استمرار اعتراض قوى أخرى عليه.
وهكذا تحدد الصيغة الفلسطينية الأخيرة القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وترفض كل أشكال الاستيطان الإسرائيلي خلف الخط الأخضر بما في ذلك في القدس.
وتتحدث الصيغة أيضاً عن وجوب أن تحترم الترتيبات الأمنية السيادة الفلسطينية وأن يتم الانسحاب الإسرائيلي حتى العام 2017. ولكن هذه الصيغة تترك مسألة حق العودة عرضة للتفسيرات، وتربط حلها بأسس المبادرة العربية والتي تقول بـ «الحل العادل والمتفق عليه».
وتقول مصادر غربية إن الفلسطينيين سايروا الموقف الغربي وقاموا بتلطيف صيغتهم، وخصوصاً تجاه الجدول الزمني وحدود العام 1967، بحيث تلمح إلى مبدأ تبادل الأراضي، ولكن كان واضحاً أن الإدارة الأميركية لن تقبل أي صيغة، وهذا أعاد الفلسطينيين إلى المربع الأول.
ولهذا، كان واضحاً أن الإدارة الأميركية أول من بادر إلى إدانة الخطوة الفلسطينية واعتبارها تتجاهل قضايا أمنية حاسمة. وبديهي أن غالبية الدول الأوروبية ستساير الموقف الأميركي وستتعامل مع الصيغة الفلسطينية على أنها متطرفة ولم تأخذ بالحسبان التفاهمات، وبالتالي ستعمد إلى الوقوف ضدها.
وتتحدث أنباء مختلفة عن أن ست دول فقط أعضاء في مجلس الأمن حالياً مضمون تصويتها لمصلحة القرار الذي يتطلب إقراره تأييد تسع دول. وهذا قاد بعض المنتقدين للإشارة إلى أن القيادة الفلسطينية أصرّت على تقديم المشروع في هذا الوقت بالذات بغية الفشل، لمنع الصدام مع الإدارة الأميركية أو «إجبارها» على استخدام «الفيتو». وبدا واضحاً أمس، أنه وبرغم كل الضخ الإعلامي الفلسطيني طوال الشهرين الماضيين، ظهر أن الخطوة تمّت باستعجال أثار انتقادات. فالأردن وجه انتقادات علنية للسلطة الفلسطينية ولرئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات، لعدم تنسيق موعد تقديم المشروع مسبقاً معه. ومعروف أن الأردن هو من قدّم المشروع باسم الفلسطينيين، لكنه اشتكى من أنه علم بالموعد من وسائل الإعلام.
ولفت منتقدون إلى أن الصيغة لم يتم تنسيقها أيضاً مع رئاسة مجلس الأمن حيث قدمت للأعضاء باللغة العربية، ما استدعى تأجيل مناقشتها إلى حين ترجمتها إلى اللغات الخمس المعتمدة . ولكن آخرين يشيرون إلى أن ما جرى كان نوعاً من التكتيك بهدف تأجيل التصويت على المشروع إلى ما بعد تغيير تركيبة المجلس في الشهر المقبل.
في كل حال، يبدو أن إسرائيل مرتاحة للصورة الحالية، حيث عادت الولايات المتحدة إلى موقع المؤيد لإسرائيل، وصارت الدول الأوروبية أقرب إلى الموقف الأميركي، وتراجعت المخاوف من صدور قرار في مجلس الأمن.
وأشار مسؤولون إسرائيليون إلى أن التفاؤل الفلسطيني ليس مبرراً، وأن مشروع القرار لا يملك غالبية في كل الأحوال في المجلس الحالي وفرصه لا تتعدى الصفر.
ولكن السؤال الأهم هو ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ الفلسطينيون يهددون بالانضمام إلى المعاهدات والمواثيق الدولية الأخرى بما فيها المحكمة الجنائية الدولية. وهناك اعتقاد بأن الأوروبيين سيحاولون في العام المقبل تحريك الجمود عبر العودة إلى الصيغة الأوروبية التي سوف تكون في الغالب منسقة مع الأميركيين، وهو ما تخشاه إسرائيل.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...