«الشرق الأوسط الكبير» هو الحسم النهائي للهيمنة الأمريكية على العالم
بعد مرور عشرين يوما، مايزال السؤال الحرج، حول احتمالات تصعيد واتساع نطاق الحرب الدائرة حالياً في جنوب لبنان، قائماً.. وماتزال كل مؤشرات التحول، من حرب محدودة إلى حرب إقليمية أوسع نطاقاً، موجودة، وبرغم ذلك فهناك تيار يقول بإمكانية وصول الصراع إلى نقطة التهدئة.. وتيار آخر يقول: إن الصراع قد تخطى نقطة التهدئة.. بسبب النزعة العدوانية الإسرائيلية، والتغطية والمساندة الأمريكية، المصحوبة باتهام ودعم المزيد من الأطراف الأخرى في المنطقة..
الحسابات الأمريكية في المنطقة تهدف بوضوح إلى تجميع أكبر عدد من الكيانات الدولية في المنطقة لتكوين ما يعرف بـ(الشرق الأوسط الكبير) الذي يعتبره المخططون الاستراتيجيون الأمريكيون بمثابة المفتاح الأساسي والخطوة التي لابدّ منها لـ(حسم) الهيمنة الأمريكية على العالم بشكل نهائي..
الشرق الأوسط الكبير يبدأ من أفغانستان(على حدود الصين).. وحتى جنوب أوروبا.. بما يضم تركيا ومنطقة بحر قزوين والقفقاس وآسيا الوسطى..
وبهذه المواصفات.. يكون من يسيطر على هذه المنقطة قد سيطر على العالم، وذلك لأنه يكون عملياً قد سيطر على كل مخزونات النفط العالمي، والممرات البحرية الاستراتيجية الفائقة الحساسية، وعلى التجارة العالمية.. كذلك لاتهدف أمريكا إلى نهب موارد هذه المنطقة وحسب، بل ومن أجل السيطرة على حلفائها الأوروبيين، وروسيا والصين.. وذلك عن طريق التحكم بمنابع النفط التي تزودهم بالطاقة، وممرات الملاحة الدولية، التي ينقلون عبرها وارداتهم وصادراتهم..
إن التحرك من غزو لبنان إلى القيام بـ(ضرب) إيران، يهدف على المدى الأبعد إلى تشديد سيطرة أمريكا على كامل المنطقة والتي سوف تضم الجزيرة العربية، العراق، وإيران، ومنطقة حوض بحر قزوين، وأفغانستان، إضافة إلى باكستان نفسها والتي بدأت مؤشرات التآمر الأمريكي- الإسرائيلي الهادفة لإسقاط نظام برويز مشرف واستبداله بنظام جديد.. بعد أن أدى أفضل الخدمات لأمريكا وإسرائيل في الحرب ضد أفغانستان.
منطق ديناميكيات الصراع يقول بوضوح: عندما تبدأ الحرب لايستطيع أي من الأطراف المتحاربة أن يسيطر بوضوح على تطوراتها، وبالتالي على كل طرف أن يتوقع حدوث المزيد من المفاجآت.
وتوجد حاليا، على الأقل، ثلاث ديناميكيات تؤثر بقوة على التطورات الميدانية القائمة والمحتملة في الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل ضد لبنان، وتتمثل هذه الديناميكيات الثلاث في الآتي:
* إسرائيل تشن حرباً عدوانية تهدف أولاً إلى الانتقام من حزب الله. وثانياً إلى تمهيد
الوضع أمام أمريكا للتذرع من أجل القيام بـ(ضرب إيران)، وفي الوقت الذي يخوض فيه حزب الله حرباً دفاعية، تسندها المشروعية الدولية والإقليمية، فإن (لاعقلانية ولامشروعية) السلوك الإسرائيلي في حدّ ذاتها تمثل عاملاً ديناميكياً يدفع إلى المزيد من الحرب.. وعلى ما يبدو أن أحد دوافع هذه الـ(لاعقلانية) الإسرائيلية يتمثل في الـ(غرور) الصهيوني والذي عبّر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت عندما قال: (لايمكن تركيع إسرائيل).. وهذا يشير بوضوح إلى روح التمادي والـ(بريستيج) اليهودي الذي يدفع للاستمرار في الحرب وتوسيعها دون أي اعتراف (عقلاني) بإمكانية أن يكون الآخرون قد أصبحوا أقوياء أيضاً.
* كل حرب تترتب عليها خسائر، وتزايد الخسائر يؤدي إلى ردع الأطراف، أي عندما يشعر أي طرف بتزايد خسائره فإنه يحاول العمل من أجل إيقاف الحرب وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. والآن بموجب الدعم الأمريكي المفتوح لإسرائيل، أصبحت إسرائيل أكثر اطمئناناً بأن خسائرها من العتاد والمال سوف يتم تعويضها. وباختصار، إن عملية الدعم الأمريكي المفتوح تشكل ديناميكية تدفع إسرائيل إلى المضي قدماً في الحرب مادامت أمريكا سوف تغطي لها الخسائر.
* اختلال التوازن الدولي يشكل عاملاً ديناميكياً ثالثاً يحفز على الحرب.. وذلك لأن نجاح أمريكا وحلفاءها –بمجلس الأمن الدولي- في تغييب الـ(معايير) والـ(ضوابط) الدولية التي أرساها المجتمع الدولي من أجل وقف العدوان والحرب ومن أجل تحقيق السلام يشكل عاملاً ديناميكياً يؤدي إلى استمرار إسرائيل في عدوانها مادام عدوانها يتمتع بالحماية (الدولية)..
برغم هذه الديناميكيات التي قد تبدو إيجابية لأنها تمثل الـ(فرص) المتاحة أمام إسرائيل للمضي في عدوانها قدماًً.. فهناك بالمقابل توجد مخاطر والتي بالتأكيد تعمل كـ(ديناميكيات) رادعة لإسرائيل وأمريكا من الاستمرار في الحرب، وتتمثل أبرز هذه الديناميكيات في الآتي:
- تزايد مشاعر العداء العام ضد إسرائيل وأمريكا في الأوساط الشعبية، وذلك على النحو الذي وصل إلى حدّ الإجماع، وهذا الغضب والسخط العام سوف تستفيد منه حركات المقاومة الإسلامية التي سوف يؤدي ظهورها إلى المزيد من (إنزعاج) أمريكا وحلفائها.
- تزايد المخاوف من أن توسيع الصراع سيؤدي إلى انفجارات جماهيرية شعبية تعصف وتطيح بالأنظمة الحليفة لأمريكا وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
- الشراكة بين حماس وحزب الله، في مواجهة العدوان الإسرائيلي التي تضمنتها عملية الـ(وعد الصادق) التي نفذها حزب الله.
وعموماً نقول: بدأت الآن التداعيات الخطيرة في مواجهة أمريكا وإسرائيل تظهر أكثر فأكثر.. وذلك لأن أي تحالف ميداني سني- شيعي يحدث في العراق، معناه خسارة أمريكا للحرب بالكامل في العراق، وهذا سوف يؤدي بالضرورة لا للإطاحة بالرئيس بوش وحسب، بل وبـ(امبراطورية المحافظين الجدد) التي بنوها في أمريكا، إضافة إلى إفشال مخطط الحرب ضد الإرهاب، ومن ثم إفشال مخطط الهيمنة، وإعادته للمربع الأول..
الجمل
إضافة تعليق جديد