«هدوء نسبي»: عراقيّون من لحم ودمّ
يعود شوقي الماجري للتألق هذا العام. يدير كاميرته ببراعة. يهتم بأدق التفاصيل. يضع كل ممثل في مكانه ويعطيه مساحته للمساهمة في صنع الحدث الدرامي ويبني عمله على قصة جميلة. بهذه الطريقة تميز «هدوء نسبي» عن غيره من الأعمال في رمضان.
يصوّر المسلسل معاناة أهل الصحافة في زمن الحروب من خلال قصة مراسلين عرب في حرب العراق. ويعرض العمل قصة حبّ قديمة تشتعل مجدداً بين الصحافي السوري ناجي (عابد فهد) والمصرية ناهد (نيللي كريم) بعدما قررا الذهاب إلى العراق لتغطية الحرب.
بالإضافة إلى ناجي وناهد، هناك مراسلون من لبنان وفلسطين ومصر وتونس أتوا للتغطية أيضاً. هكذا، يعايش المشاهد قصص هؤلاء المراسلين وكيف يتفاعلون مع مشاهد القتل والدمار والفوضى وينظرون إلى معاني الحب والحياة وسط كل هذا الخراب.
وما يجعل العمل متميزاً أنّه قدّم معالجة عميقة وموضوعية بعيداً عن تلك الساذجة التي تطبع الأعمال العربية التي تناولت موضوع العراق وبعيداً عن الكليشيهات الجاهزة. إذ إنّ العمل يعايش معاناة العراقيين بتفاصيلها من خلال قصص عائلات من لحم ودم تعيش مأساة الحصار والحروب المتوالية وقهر النظام وبطشه. عائلة الأستاذ كاظم كمال الكاتب والمثقف كانت ميسورة الحال في السابق. لكن الحصار جعلها في وضع لا تحسد عليه، ما يدفع كاظم إلى بيع كتبه كي يعيش هو وأهله. أما كريم شقيق كاظم، فكان أستاذاً جامعياً قبل أن يدفعه التعذيب وبطش النظام إلى الجنون والمشي في شوارع بغداد أثناء القصف.
كذلك يعرض العمل وضع خالد، زميل ناجي وناهد على مقاعد الدراسة الجامعية في القاهرة، وكيف يعيش هو وأمه في أوضاع صعبة، بالإضافة إلى عراقيين في السوق والشوارع يبيعون ممتلكاتهم لسدّ جوع عيالهم.
يعرض شوقي الماجري كل هذا بحرفية عالية ويأتي بممثلين عراقيين متميزين لتمثيل هذه الأدوار، فلا تبدو اللهجة العراقية مثيرة للسخرية كما في أعمال أخرى، وتتألق السورية قمر خلف في تمثيل دور ابنة كاظم. ويبدو السوق والشارع والبيوت وفندق الإعلاميين في العراق فعلاً لا في مكان آخر.
يتميز العمل أيضاً بالتناول الموضوعي للمسألة السياسية وتأثيرها على المراسلين، فيعرض المضايقات التي يتعرض لها الإعلامي من النظام العراقي السابق وعقليته الأمنية/ البوليسية، حيث يعين النظام مرافقاً (جاسوساً) لمراقبة تحرّكات كل مراسل. كما يرفض عرض أي تقرير لا يوافق عليه. ويعرض العمل جرائم القصف الأميركية وقتل الأبرياء وآثار الحصار الظالم على العراقيين. ولا شك في أنّه سيتعرض إلى معاناة المراسلين الصحافيين مع قوات الاحتلال ومع الجماعات المسلحة التي انتشرت في العراق في زمن الفوضى الأميركية غير الخلاقة.
- الطرح العميق والتناول الموضوعي للحدث العراقي في «هدوء نسبي» يعودان إلى القصة المحكمة التي صاغها الروائي السوري خالد خليفة في قالب درامي مشوق. صاحب «مديح الكراهية» كان دقيقاً وواقعياً في تناول قضايا شائكة ظلّت حتى الآن محل جدل واسع كقضية سقوط بغداد مثلاً. عندما يدخل المثقف والأديب ميدان الكتابة التلفزيونية، فإنه يقدم بثقافته عملاً نقدياً حقيقياً ومتماسكاً بعيداً عن الانفعالات العاطفية الساذجة. ويتميز «هدوء نسبي» عن غيره من الأعمال ذات المواضيع المكررة بتقديمه المراسل الصحافي كشاهد على القمع والقتل والدمار وشهيد «جسدياً ومعنوياً» في معركة الدفاع عن الحقيقة.
بدر الإبراهيم
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد