إسرائيل استخدمت اليورانيوم في لبنان
أظهر تقرير علمي بريطاني استخدام إسرائيل لليورانيوم في عدوانها الأخير على لبنان. وكشف تحليل عينات أخذت من الجنوب منها عينتان من التربة أخذتا من موقع معتقل الخيام ومن إحدى الحفر التي خلفها صاروخ إسرائيلي في بلدة الطيري وجود نسب عالية من الإشعاعات الناتجة عن اليورانيوم تفوق المعدلات الطبيعية. وأعاد تأكيد هذه النتيجة تحليل العينتين من قبل مختبرات هارويل في اوكسفورد شاير، وهي مختبرات متخصصة في البيئة النووية وتعتمدها وزارة الدفاع البريطانية، حيث تبين وجود تركيز عال من نظائر اليورانيوم المشع في عينة الخيام في حين خلت عينة الطيري من أي نسب غير طبيعية بخلاف ما أشارت إليه تقارير صحفية سابقة.
والعينتان حملهما معه إلى بريطانيا الخبير المستقل في أسلحة اليورانيوم داي ويليامس الذي زار لبنان وأجرى تحقيقاته واستطلاعاته وخبراء لبنانيين مستقلين بين الخامس عشر والثالث والعشرين من أيلول الماضي.
وأطاحت هذه النتيجة بتلك التي أعلن عنها قبل أسبوع تقريبا المجلس الوطني للبحوث العلمية الذي اكتفى بالإعلان أن لا يورانيوم منضب في لبنان في حين أن ما كشف عنه التقرير الجديد هو أخطر بكثير. فالسكرتير العلمي للجنة الأوروبية لمخاطر الإشعاعات، الخبير البريطاني الدكتور كريس باسبي، الذي قام بتحليل العينتين أكد في تقريره المشترك مع ويليامس، أن إحداهما (عينة الخيام) تحتوي على نسب غير طبيعية من إشعاعات ألفا تدل على وجود يورانيوم مخصب. مما يطرح سؤالا حول جدوى ما قام به المجلس الوطني للبحوث العلمية بالتعاون مع الهيئة الدولية للطاقة الذرية على 50 عينة خلال شهرين من العمل! وهل أن كل العينات التي أخذها المجلس لم تظهر أثرا لنسب غير طبيعية من اليورانيوم في حين لم يستلزم الخبير البريطاني سوى ثماني عينات أخذها من الجنوب حتى يثبت حقيقة الخطر الذي يعيش فيه الجنوبيون؟ أسئلة كثيرة برسم المسؤولين تحتاج لإجابات وربما تحقيقات تظهر المسؤول عن هذا التقصير وإضاعة الوقت وأموال دافعي الضرائب من اللبنانيين المنتظرين أي بارقة تطمئنهم إلى مستقبلهم.
وقال تقرير باسبي ويليامس أن هناك سببين ممكنين لهذا التلوث: الأول هو أن تكون إسرائيل قد استخدمت نوعا جديدا من الأسلحة الصغيرة التي تعتمد على جهاز يعمل بالانشطار النووي أو سلاحا تجريبيا آخر كأسلحة قذائف الحرارة والضغط الفراغية الحديثة THERMOBARIC التي تعتمد على احتراق سريع لمادة اليورانيوم على شكل ثاني أكسيد اليورانيوم. أما الاحتمال الثاني بحسب ما قال تقرير باسبي ويليامس فهو أن تكون إسرائيل قد استخدمت قنابل مضادة للتحصينات bunker-busters تحتوي، بدلا من رؤوس اليورانيوم المنضب المستخدمة تقليديا، على رؤوس من اليورانيوم المخصب. وهو الاحتمال الذي يرجحه التقرير.
يقول الخبير البريطاني داي ويليامس للسفير، الذي نقل في الثالث والعشرين من أيلول الماضي، بالإضافة إلى عينات الجنوب، عينات أخرى من منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت مازالت تخضع للتحليل، ان عينات التربة الملوثة بيورانيوم غير طبيعي نتجت عن انفجار استخدمت فيه ذخيرة تقليدية شديدة الانفجار بالإضافة إلى مواد حارقة، رجح أن يكون اليورانيوم والذي يحترق على درجة حرارة عالية جدا تصل إلى 5000 درجة مئوية.
واليورانيوم المخصب هو شكل من أشكال اليورانيوم يحتوي على نسب من اليورانيوم 238 على 235 تبلغ 60? في المفاعلات النووية و25? في القنابل النووية. وهو يستخدم عادة كوقود نووي في المفاعلات. أما اليورانيوم المنضب فهو أزيلت منه نظائر اليورانيوم 235 ويحتوي على نسبة عالية من اليورانيوم 238 ذي القدرة الضعيفة على الانشطار. وهو غالبا ما يشكل أحد نفايات تخصيب اليورانيوم. وأكد ويليامس أننا لسنا أمام سلاح نووي فالإختبارات الإضافية على العينات أكدت غياب أي دليل على ذلك وأن السلاح المستخدم تقليدي يحتوي على مادة اليورانيوم.
وتتضمن العينة التي أخذت من داخل معتقل الخيام المدمر قطعة من التربة الجامدة الحمراء قذفها انفجار قنبلة ضخمة أو صاروخ موجه عدة أمتار بعيدا عن الحفرة الضخمة التي أحدثها والتي بدا سطحها أسود اللون. وتبين أن نسبة نظائر اليورانيوم (238 على 235 ) بلغت 108 مما يدل على وجود يورانيوم مخصب. فالنسب في اليورانيوم الطبيعي تبلغ 137.88 إلى 141.86 ونادرا ما نحصل في الطبيعة على نسب مختلفة. أما في حال وجود اليورانيوم المنضب فتبلغ النسبة 450 تقريبا. ويقول ويليامس أن عينة الخيام احتوت على اليورانيوم 235 بنسبة زادت 28 في المئة عن اليورانيوم الطبيعي في المادة السوداء التي غطت التربة أي أنه تم تخصيبه بشكل معتدل من خلال عملية معالجة نووية. وهو يحتوي على كمية من اليورانيوم 235 تزيد أربع مرات عما يمكن أن يحتويه اليورانيوم المنضب. وهذا التلوث لا يمكن إخفاؤه والإدعاء أنه يورانيوم طبيعي بسبب الكمية الكبيرة لليورانيوم 235 الذي يحتويه. وتأتي العينة من الموقع نفسه الذي سبق أن سجل فيه الدكتور محمد علي قبيسي الخبير في الفيزياء النووية ارتفاعا في الإشعاعات باستخدام عداد غيغر مولر.
ويقول باسبي وويليامس في تقريريهما أن اليورانيوم المخصب لا يمكن أن يتواجد في الطبيعة إلا إذا دخل بفعل نشاط بشري. وهما يشيران إلى أن وجود كمية عالية من اليورانيوم المخصب في عينة الخيام يجب أن تكون نتيجة استخدام هذه المادة في السلاح الذي أنتج الحفرة. ويضيف ويليامس أن المادة التي احتوتها القنبلة أو الصاروخ الذي أحدث هذه الحفرة احتوت على يورانيوم مخصب بنسبة صغيرة وهو ما ينبغي أن يكون قد تم في موقع معالجة نووية.
في المقابل لم يظهر في العينة التي أخذت من حفرة أحدثها صاروخ آخر في بلدة الطيري أي زيادة في اليورانيوم عن المتوقع في التربة الطبيعية وكذلك الأمر بالنسبة لنسب نظائر اليورانيوم بعضها إلى بعض.
واستخدمت في تحليل العينات عدة تقنيات منها scintillation counter ثم حيث استخدمت تقنية مطيافية الكتلة mass spectrometry.
ويستبعد داي ويليامس في حديثه أن يكون الأمر متعلقا بسلاح تجريبي بل يرجح سلاحا معروفا استخدمه الأميركيون في العراق وأفغانستان مثل قنابل الضغط والحرارة الفراغية من نوع BLU-118/B. مشيرا إلى أن هذا النوع من الأسلحة محظر بفعل البندين 35 و55 من معاهدة جنيف اللذين يمنعان استخدام أسلحة تترك تلوثا طويل الأمد ولا تفرق بين مدنيين وعسكريين. وهو ما تفعله الأسلحة التي تحتوي على اليورانيوم.
ونقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية أول من أمس عن باسبي أنه عندما تصطدم قذيفة خارقة تعتمد على اليورانيوم بهدف صلب، فإن جزئيات الانفجار تبقى طويلاً في البيئة وتغطي مسافات طويلة، ويمكن استنشاقها فتدخل إلى الرئتين. ويبدو أن العسكريين مقتنعون بأن هذه المواد ليست خطيرة على الصحة.
ويقول تقرير باسبي ويليامس أن المخاطر على صحة المواطنين التي تنتج عن استخدام قنابل ضخمة من اليورانيوم واستنشاق كميات كبيرة من غبار أكسيد اليورانيوم هي مخاطر هامة. وينصح بأن تحصل اختبارات إضافية للبحث عن آثار لهذه الأسلحة مع وضع خطط للتنظيف.
وأبدى ويليامس قلقه بشكل خاص على صحة العمال الذين يقومون بإزالة الردم. فهم برأيه الأكثر عرضة لاستنشاق غبار اليورانيوم في ما لو كانوا يعملون في موقع ملوث لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى حالات تسمم وانهيار في وظائف الكلى خلال شهرين أو ثلاثة. ورأى ويليامس أن طبيعة الانفجار الذي يحدثه هذا النوع من القنابل والحريق الهائل يحدث عاصفة في داخله تقوم بتنظيف موقع الانفجار نفسه ونشر الغبار على بعد أمتار من الموقع بحيث أنها قد لا تطال مباشرة الأفراد الذين يسكنون بقربها. وهو يرى ضرورة إرسال وزارة البيئة أو أي مؤسسة رسمية معنية فريقا للتحقيق في كل المواقع التي رصدت فيها انفجارات ضخمة شبيهة بانفجار الخيام (حصول كتلتين من النيران مع دخان أسود قاتم يرتفع عموديا) والتي تظهر عليها آثار حريق للتأكد من خلوها من اليورانيوم داعيا المواطنين إلى الابتعاد عنها وعدم العبث بمحتوياتها إلى أن تظهر نتائج دراستها. معتبرا أن من مسؤولية هذه الجهات أن تصدر تعليمات للمواطنين في كيفية الوقاية. كما دعا ويليامس الجهات المعنية إلى إجراء تحليل لمياه الشرب في المناطق المستهدفة التي تعتمد على آبار ارتوازية ووقف الشرب منها لحين التأكد من عدم تلوثها.
وعلق المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية مارك ريغيف لصحيفة الإندبندنت البريطانية على المعلومات التي نشرتها أول من أمس بالاستناد إلى تقرير باسبي ويليامس أن إسرائيل لا تستخدم أسلحة غير مصرح بها من قبل القانون الدولي أو المعاهدات الدولية.
ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست الاسرائيلية عن إذاعة جيش العدو أول من أمس السبت أنه يحقق في هذه المعلومات.
وفي حين تجري لجنة من برنامج البيئة في الأمم المتحدة UNEP تحقيقا حول الآثار البيئية التي خلفها العدوان الإسرائيلي على لبنان، لم يستطع مسؤول منطقة الشرق الأوسط وآسيا في البرنامج حبيب الهبر تأكيد أو نفي ما جاء في هذا التقرير من ارتفاع في نسب الاشعاعات ونشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية أول من أمس. وقال الهبر لوكالة الصحافة الفرنسية لو كان هناك يورانيوم سنجده. وأشار الهبر على أن تحليل العينات التي أخذها خبراؤنا في الذخائر تتم في مختبر في مدينة سبيتز في سويسرا. وأنا لا أستطيع اليوم أن أؤكد أو أنفي وجود اليورانيوم. ويتوقع أن ينشر البرنامج تقريره في منتصف شهر كانون الأول المقبل.
وكانت إسرائيل اعترفت مؤخرا بأنها استخدمت قنابل فوسفورية في حربها ضد لبنان بعد أن استمرت بنفي هذه المعلومات منذ انتهاء الحرب فهل ننتظر قريبا اعترافا آخر باستخدامها لليورانيوم؟
زينب غصن
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد