استراتيجية التملص الأمريكي الآمن من أفغانستان الى لبنان
الجمل:بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، توجهت الإدارة الأمريكية إلى اعتماد أداء سلوكي تدخلي في البنية الدولية، يقوم على تطبيق ما عرف عليه اصطلاحاً بـ(مبدأ بوش).. والذي يقوم على جملة من المبادئ الفرعية، أبرزها (مبدأ وولفوفيتز).. بحيث تقوم أمريكا باستخدام الضربة الاستباقية إزاء كل ما تعتبره خطراً أم مصدراً للخطر، يهدد الأمن الأمريكي في الوقت الراهن أو في المستقبل.
بدأت أمريكا سلسلة إجراءاتها التدخلية مستخدمة وسائل السياسة الخارجية التي تعتمد العنف المادي والرمزي، وذلك وفقاً للآتي:
• الوسائل العسكرية: وتتمثل في القيام بعمليات الغزو المسلح (كما حدث في أفغانستان والعراق)، والتوسع في نشر القواعد العسكرية الأمريكية وبالذات في المناطق الفائقة الأهمية، مثل آسيا الوسطى، والخليج العربي، كما تتضمن أيضاً عملية تسليح حلفاء أمريكا، بما يمكّنهم من التحرك عسكرياً وشن العمليات الحربية التي تخدم وتعزز التوجهات الأمريكية، ومن أمثلة ذلك قيام الإدارة الأمريكية بتعزيز ترسانة الأسلحة الإسرائيلية، وتزويد بعض الدول الأخرى مثل تركيا بالسلاح، إضافة إلى دعم الحركات والفصائل المسلحة التي تدعم أمريكا مثل الحركات الكردية العراقية ومتمردي دارفور.
• الوسائل الاقتصادية: وتمثلت في قيام أمريكا بعملية تسييس المعونات الاقتصادية التي تقدمها لبلدان العالم، بحيث تصبح عملية انسجام حكومات هذه البلدان مع التوجهات الأمريكية الشرط الرئيس الذي يؤهل هذه البلدان للحصول على المعونات والمساعدات الأمريكية، وتخضع لذلك الحركات والقوى السياسية، ومن أمثلة ذلك قانون مكافحة الإرهاب الفلسطيني الذي سعى إلى معاقبة الشعب الفلسطيني ومساعدة إسرائيل في محاصرته، وذلك أولاً عقاباً له على تصويته لصالح حماس في الانتخابات التشريعية.. وثانياً لإضعاف حركة حماس ودفعها للاعتراف بإسرائيل، ولتعزيز موقف جماعة أوسلو.. كذلك هناك أمثلة أخرى لعملية تسييس المعونات الاقتصادية، تبدو أكثر وضوحاً في القارة الأفريقية.
• الوسائل السياسية: وتتمثل في قيام الإدارة الأمريكية بالتدخل في الشؤون الداخلية بما يحقق توجيهها سياسياً وفقاً للمخططات الأمريكية، وقد تدخلت أمريكا في كل دول الاتحاد السوفييتي السابق، ونجحت في تنفيذ ما أطلقت عليه تسمية (الثورات الملونة) في معظم هذه المناطق، وحاولت الأجهزة الأمريكية تعميم هذا النموذج في بعض بلدان العالم الأخرى، كان آخرها ما أطلقت عليه اليهودية الأمريكية باولا دوبريانيسكي تسمية (ثورة الأرز) في لبنان.
• الوسائل الاجتماعية: ومن أبرزها عملية استخدام وسائل الإعلام الجماهيري، وتعمدها عملية تشويه الحقائق، بما يخدم لا عملية تضليل الرأي العام وحسب، بل وعملية صناعة هذا الرأي العام، وحالياً تقوم شبكات (فوكس نيوز)، والـ(سي.إن.إن)، وغيرها بهذه العملية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك قيام شبكة فوكس نيوز بعملية التنميط الاخباري للتطورات والتفاعلات السياسية في لبنان، بحيث تعتمد على تصنيف الأخبار والمواد الإعلامية الخاصة بلبنان ضمن مجموعتين هما أخبار جماعة 14 آذار، وأخبار جماعة 8 آذار، وذلك بشكل يستدعي إلى الذهن ثنائية الصراع بين قوى الخير وقوى الشر.
بعد مرور خمسة سنوات أصبح الأداء السلوكي الأمريكي القائم على أساس مبدأ بوش (الضربة الاستباقية) أكثر انكشافاً أمام نقاط الضعف، فالفرص الداخلية أصبحت أكثر ضيقاً ومحدودية من جهة، ومن الجهة الأخرى أصبحت البيئة السياسية الدولية الخارجية محفوفة بالمخاطر، وذلك على النحو الذي جعل كامل السياسية الخارجية الأمريكية تدخل دائرة المغامرة الخطيرة العواقب. وهو أمر كشفته المعطيات الآتية:
- احتلت أمريكا أفغانستان، ولم تستطع حتى الآن تحقيق السيطرة الكاملة على أفغانستان والتطورات الأخيرة تشير إلى أن القوات الأمريكية سوف تواجه حرب عصابات مرتفعة الشدة داخل أفغانستان.
- احتلت أمريكا العراق، ولم تستطع حتى الآن تحقيق السيطرة الكاملة على العراق، والتطورات الأخيرة تشير إلى أن القوات الأمريكية سوف تواجه حرب عصابات مرتفعة الشدة داخل العراق.
- دعمت أمريكا إسرائيل بشكل غير محدود، في تنفيذ عدوانها ضد لبنان، وقد استطاعت مقاومة حزب الله أن تكسر العدوان العسكري الإسرائيلي.
الآن على خلفية النتائج العسكرية الميدانية لحرب جنوب لبنان، أصبحت الإدارة الأمريكية أكثر تخوفاً من انتقال عدوى نموذج (مقاومة حزب الله)، إلى مسرح القتال الأفغاني والعراقي، وبرغم سقوط النائب الأمريكي ليبرمان (من أبرز الداعين لاستمرار وجود قوات الاحتلال الأمريكي في العراق) في حملة انتخابات الكونغرس، أمام منافسه المؤيد للانسحاب الأمريكي من العراق، وقد أعقب ذلك سقوط ثلاثة آخرين من النواب الداعمين للحرب والاحتلال.
الأداء السلوكي الأمريكي في فترة ما بعد حرب جنوب لبنان، أصبح يتسم بالتحول والتغير، وظاهرياً –على الأقل- أصبحت الإدارة الأمريكية مترددة في الاعتداء على إيران، وأيضاً أصبحت تواجه صعوبة في التعامل مع بعض الدول الأخرى، ومن أمثلة ذلك قيام دول آسيا الوسطى برفض وجود قواعد القوات الأمريكية في أراضيها، ورفض السودان لطلب الإدارة الأمريكية بالموافقة على إرسال القوات الدولية إلى دارفور.
أمريكا أصبحت تعمل حالياً وفقاً لمبدأ نقل الأزمات إلى الآخرين، وجعلهم يدفعون الثمن، وحالياً تطالب أمريكا الأوروبيين بإرسال المزيد من قوات حلف الناتو إلى أفغانستان، وقد رتبت أمريكا توريط حلف الناتو في مستنقع الحرب الأفغانية، وذلك عندما حدد البنتاغون منطقة عمل قوات حلف الناتو، بأن تكون حصراً جنوب أفغانستان، وهي المنطقة التي تتمركز فيها حركات المعارضة المسلحة الأفغانية، كذلك خططت أمريكا للاستعانة بقوات اليونيفيل في لبنان، وذلك من أجل توريطها في الصراع اللبناني نيابة عن إسرائيل، وبما يخدم مصالح إسرائيل، ويبدو ذلك واضحاً من صيغة القرار الدولي الذي تضمن مهام واختصاصات وصلاحيات قوات اليونيفيل، والتي تضمنت تنفيذ بعض الأجندة التي تعتبر شأناً داخلياً لبنانياً.. وذلك على النحو الذي سوف يؤدي إلى دفع قوات اليونيفيل في نهاية الأمر إلى خيار المواجهة مع بعض القوى السياسية اللبنانية.
كذلك سوف تسعى أمريكا بعد عملية تخفيف العبء العسكري الواقع على عاتقها إلى تخفيف العبء المالي والاقتصادي أيضاً وذلك عن طرق جعل حلفائها يتحملون نفقات تمويل هذه القوات.
وأخيراً نقول: إذا كانت الإدارة الأمريكية قد أقرت مبدأ تدويل الصراعات الإقليمية كمسبب وذريعة تبرر لها التدخل في الفترة الماضية، فإن هذه الإدارة الآن تعمل على تنفيذ مبدأ تدويل الصراعات الإقليمية بشكل يفتح أمام أمريكا الباب الخلفي الذي تستطيع التسلل عن طريقه بحيث تخرج وتتملص من الصراعات، بعد أن تكون قد ورطت حلفاءها فيها.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد