الآثار المحتملة لدعوة بوش التخلي عن النفط العربي
عبّر الرئيس الأميركي جورج بوش في كلمة الاتحاد السنوية التي ألقاها في نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي، والتي تعتبر أهم خطاب يلقيه رئيس الولايات المتحدة خلال سنة، عن نية الولايات المتحدة تقليص استخدام البترول من الشرق الأوسط (أي البترول العربي، فأميركا لا تستورد من إيران، ولا يوجد بترول لدى كل من إسرائيل وتركيا وباكستان) الى ما نسبته 75 في المئة في حلول عام 2025.
وأثارت هذه الخطة/ الدعوة اهتماماً كبيراً في الولايات المتحدة وفي العالم العربي وفي مناطق أخرى من العالم، ما بين مؤيد ومعارض، وما بين معتقد بإمكان تنفيذها وآخر يعتقد باستحالة ذلك... الا ان الصورة يجب ان تؤخذ من جوانبها المختلفة، والتي يمكن تلخيصها كالآتي:
سوق بترولية عالمية واحدة
لا شك في أن تقلبات أسعار البترول تعتبر أحد العوامل التي تمخضت عنها خطة الرئيس بوش. الا ان البترول سلعة عالمية يحدد سعرها العرض والطلب العالميان، لا السياسات البترولية التي تنتهجها حكومات الدول المستهلكة. فأي تغيير يطرأ على أسعار البترول في احدى الأسواق المستهلكة لا بد من ان ينعكس على الأسعار في بقية المناطق المستهلكة من العالم. فعلى سبيل المثال عندما ارتفعت أسعار البنزين في الولايات المتحدة كنتيجة للأضرار التي لحقت بالمصافي جراء إعصاري ريتا وكاترينا، ارتفعت أسعار البنزين في أوروبا الغربية أيضاً على رغم ان أوروبا تصدره الى الولايات المتحدة ولا تستورده. لذا، فحتى لو أوقفت الولايات المتحدة استيرادها تماماً من بترول الشرق الأوسط، فإن السعر الذي يدفعه المستهلك الأميركي يبقى مرتبطاً بالعرض والطلب العالميين. بل وفي ظل النمو المتوقع في الطلب على البترول كنتيجة للانتعاش الاقتصادي الذي تشهده الدول الناشئة كالهند والصين، فمن المتوقع ان ينعكس ذلك باستمرار على أسعار البترول. فالصين تستورد نحو نصف حاجتها من البترول، ومن المتوقع ان يتضاعف استيرادها ليصل الى 14.2 مليون برميل يومياً بحلول عام 2025. أما الهند، والتي يبلغ استهلاكها الحالي 1.5 مليون برميل يومياً، فمن المتوقع ان يرتفع الى 5 ملايين برميل يومياً عام 2020. وبناء على ذلك، فان النمو المتوقع في الطلب العالمي على البترول سيستمر، والسعر في النهاية ستحدده عوامل خارجة عن نطاق اي حكومة مستهلكة مهما كانت أهميتها.
أهمية بدائل الطاقة في الاقتصاد
ان البدائل المختلفة للبترول موجودة، الا انها في النهاية قضية اقتصادية من حيث التكلفة. وهنا يجب الإشارة الى البدائل المحتملة والمقترحة:
أ- الفحم: يستخدم الفحم لتوليد نصف حاجة الولايات المتحدة من الكهرباء. وتشير الدراسات الى توقع ارتفاع مجمل مبيعات الكهرباء بمعدل 1.9 في المئة سنوياً، من 3.481 بليون كيلواط في 2003 الى 5.220 بليون كيلواط للعام 2025. الا ان الفحم يعتبر من اكثر مصادر الطاقة تلويثاً، ما يجعل أنصار البيئة يروجون فكرة تقليص استخدامه على رغم وفرة كمياته المتاحة. كذلك، فان الحد من استخدام الفحم يشكل عائقاً رئيساً لمروجي فكرة استقلال الطاقة. فعلى رغم ما يحدثه الفحم من تلوث، الا انه يعتبر من ارخص مصادر الطاقة، إضافة الى وفرته أميركياً إذ أنه يكفي لتغطية 250 عاماً من الاستهلاك المحلي.
2- الطاقة النووية: تعتبر الذرة أحد أهم البدائل المتاحة لتنويع مصادر الطاقة والحد من تلوث البيئة. فالكهرباء التي يمكن توليدها منها تخلو من ثاني اوكسيد الكربون وتشكل قرابة 70 في المئة من إنتاج الطاقة غير الكربونية في الولايات المتحدة. وفيما يعتبرها البعض مصدراً آمناً ونظيفاً للطاقة، تشير بعض الدراسات الى إمكان استخدام الطاقة النووية في شكل غير مباشر لخدمة قطاع النقل، وذلك من خلال إنتاج الهيدروجين لخلايا الطاقة والسيارات التي تدار بالكهرباء. أما على الصعيد العالمي، فتستخدم 16 دولة الطاقة النووية لتوليد ما لا يقل عن ربع احتياجاتها من الكهرباء. ولكن على رغم انتشارها الواسع عالمياً، يبدو الوضع مختلفاً في الولايات المتحدة، اذ لم تبنَ محطة نووية واحدة خلال العقود الثلاثة الماضية، بسبب اعتبارات الأمن والسلامة، وكيفية التخلص من النفايات النووية. لذا هناك شك في حجم وسرعة توسعها مرة أخرى، على رغم التصريحات المتفائلة الأخيرة في هذا الصدد.
ج- الايثانول: يشكل استخدام الطاقة في قطاع النقل وتحديداً السيارات الجزء الأكبر (14 مليون برميل يومياً) من مجمل استهلاك الولايات المتحدة من البترول والذي يبلغ 20 مليون برميل يومياً. ويتوقع أن تستهلك وسائل النقل الأميركية نحو 21 مليون برميل يومياً من البنزين والديزل خلال السنوات العشرين المقبلة. حينئٍذ سيشكل استهلاك قطاع النقل ما يعادل 75 في المئة من مجمل استهلاك البترول في أميركا، وسدس استهلاك العالم ككل. ونظراً الى ادراك الإدارة الأميركية تلك الحقائق، فقد عوّل الرئيس بوش في خطابه على استخدام الايثانول أو ما يعرف بـE85 كبديل للبنزين، وهو سائل كحولي يتكون من 85 في المئة من الايثانول المستخرج من الحنطة والذي تدعم إنتاجه الحكومة الأميركية في شكل كبير، و15 في المئة من البنزين إضافة إلى استخدام كثير من المواد الحيوية الأخرى في الديزل وغيره من المحروقات، والتي تستخرج من المخلفات النباتية. الا أن المخلفات النباتية التي تستخدم كوقود لانتاج الايثانول تتطلب استهلاك كمية كبيرة من الوقود التقليدية، وذلك لتنمية وتحويل ونقل الايثانول، ما يحد من دوره في شكل كبير كبديل. كما ان كثيراً من شركات البترول تبدي حذراً من استخدام الايثانول لأنه يتطلب بناء خزانات صرف وتوزيع إضافية، ما يزيد من شبكات الامدادات الحالية تعقيداً ويجعلها بالتالي عرضة لاعاقة او تعطيل الإمدادات، خصوصاً في أوقات الأزمات الإقليمية والمحلية، إضافة الى قلة كفاءة الايثانول الاقتصادية مقارنة بالبنزين (حيث تصل الى 75 في المئة فقط).
ولعل أهم ما يدل الى عزم الحكومة الأميركية تمهيد استخدام الايثانول، هو مسودة او مخطط تمهيدي بعنوان «خيارات السيارات والوقود من اجل حركة الامن الاميركية». والذي يطرح قروضاً ومحفزات لمصانع السيارات الأميركية لاعادة هيكلة أساليب تجميع السيارات، بهدف زيادة إنتاج السيارات التي تستعمل أنواعاً عدة من الوقود (Fuel Flex Vehicles - FFVs) بحيث يمكنها استخدام اي مزيج من الكحول والبنزين، إضافة الى السيارات الهجينة والمعدلة. وفي حال اعتمد المشروع، فإن ذلك يهدف الى تقليص استخدام البترول بنحو 2.5 مليون برميل يومياً بحلول العام 2010 و7 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2025.
د. الهيدروجين: تضّمن خطاب الرئيس بوش أيضاً تطوير تكنولوجيا جديدة لانتاج مصادر طاقة من الهيدروجين بدلاً من البترول والغاز الطبيعي، بما في ذلك خلايا متطورة تعمل على تحويل الطاقة الى وقود نظيف. وتجدر الإشارة هنا الى ان الرئيس الأميركي نادى مسبقاً باستخدام الهيدروجين كبديل للطاقة قبل ثلاثة أعوام في كلمة الاتحاد السنوية عام 2003.
ولعل من اهم مزايا الهيدروجين وفرة وجوده، اذ يمكن استخلاصه كيميائيا من جزيئات الماء (والتي تحتوي كل منها على ذرتي هيدروجين) او باستخدام تقنية الكهرباء، او مباشرة من الغاز الطبيعي باستخدام أجهزة تقنية لاعادة تشكيله، وهو عادة مرتفع الكلفة. كذلك، هناك مشكلة بناء شبكة توزيع وبيع بدلاً من المحطات الحالية وما يتطلبه ذلك من تكلفة عالية.
كما أن إنتاج الهيدروجين يحتاج الى غاز طبيعي وطاقة كهربائية تولد بواسطة الفحم او الطاقة النووية. وهنا يتساءل البعض إذا كانت الكهرباء اللازمة لانتاج الهيدروجين تعتمد على الغاز الطبيعي المستورد من دولة كقطر او روسيا، فكيف سيمكن للولايات المتحدة الاستقلال عن مصادر الطاقة الأجنبية؟ اما اذا كان توليد الكهرباء يعتمد على الفحم، فكيف سيكون إنتاج الهيدروجين انظف بيئياً؟ لذا سيتطلب استخدام الهيدروجين وقتاً طويلاً ليصبح عملياً واقتصادياً.
الخلاص من خلال التقنية؟
لا شك في ان للتقنية دوراً هاماً ذو جنبين، الأول يتعلق بإيجاد بديل للبترول، والثاني بجعل البترول متوافراً وسهل الاستخدام وافضل من الوسائل الأخرى.
فبالنسبة الى الجانب الأول، يشير الخبراء إلى إمكان تحقيق استقلال الطاقة، من خلال التقنية، خلال العقدين القادمين. فعلى سبيل المثال، انخفضت تكلفة الكهرباء المولدة من الرياح بنحو 80 في المئة خلال السنوات العشرين الماضية. اما تكلفة الطاقة الشمسية فقد انخفضت هي الاخرى من دولار واحد للكيلواط الى 18 سنتاً فقط. ومن المتوقع ان تنمو سوق الطاقة المعتمدة على الطاقة الشمسية والرياح وخلايا الوقود بنحو 16 بليون دولار عام 2004 الى 102 بليون دولار بحلول العام 2014.
وعلى رغم الدور الهام للتكنولوجيا، فان تغيير مصادر الطاقة يتطلب وقتاً طويلاً، لا سيما عند الأخذ في الاعتبار التخلي عن فائدة او ميزة مصدر ما في مقابل تفضيل او الرغبة في مصدر بديل.
من الواضح ان التكنولوجيا حققت أثراً مهماً في بعض جوانب كفاءة استخدام الطاقة في الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين. فعلى سبيل المقارنة، بينما بلغ معدل النمو الأميركي بين 1973 و2005 نحو 3 في المئة ، بلغ معدل نمو استهلاك البترول للفترة نفسها نحو 0.5 في المئة سنوياً. لكن وكما ذكر سابقاً، فان الاستهلاك اليومي لقطاع السيارات والمركبات (والذي يصفه البعض بالإفراط في الاستهلاك) يصل الى 14 مليون برميل يومياً. ولا يتوقع ان يتراجع هذا المعدل خلال السنوات الـ25 المقبلة، بل أن يصل أسطول السيارات الأميركي عام 2030 الى 350 مليون مركبة، لا يزيد عدد السيارات الهجينة منها على 30 مليوناً، اي اقل من 10 في المئة.
دور الحكومة
باستطاعة السياسات الحكومية تغيير طبيعة استخدام مصادر الطاقة. الا أن لكل شيء تكلفته. فلم يتطرق الرئيس الأميركي في كلمته الى اكثر السبل فعالية في الحد من الاعتماد على البترول، أي خفض استهلاك السيارات من الوقود وذلك عن طريق فرض ضرائب على البنزين، او اي اجراءات اخرى من الممكن بواسطتها تغيير نمط استهلاك الـوقـود، ولـيـس تـغـيـير السياسة البترولية.
فاسعار البنزين في محطات البيع الاميركية ارخص من غيرها في الدول الصناعية الاخرى. ولم تفكر أي من الإدارات الأميركية في زيادة الضرائب المفروضة على البنزين ، رغبة منها في عدم إثارة غضب المستهلك. وفيما تبلغ ضريبة البنزين الحالية 18 سنتاً للجالون، تشير الدراسات الى أن رفع تلك الضريبة الى 46 سنتاً كفيل بخفض الاستهلاك بنحو 10 في المئة خلال السنوات الـ14 المقبلة. الا انهم يستبعدن فرض تلك الزيادة. وتعتبر الأسعار الحالية اقل من مستواها خلال عام 1981 (بعد الأخذ في الاعتبار معدل التضخم)، لذا فلن يساعد ذلك على فك الاعتماد على النفط الأجنبي بل من المحتمل أن تزيد الحاجة اليه.
وهناك البعض الآخر والذي يرى ان الحل الأمثل لاستهلاك الطاقة يكمن في ترشيد الاستخدام، اذ ان تلك السياسات نجحت في الماضي. فعلى سبيل المثال يبلغ استهلاك السيارات اليوم في أميركا 60 في المئة مما كان عليه خلال عام 1972. والأمثلة على ذلك كثيرة. ولكن على رغم ذلك فإن استخدام الطاقة في الولايات المتحدة ارتفع 30 في المئة عن مستواه عام 1973. كما تشير الدراسات الى ان قلة من المستهلكين يهمهم مقارنة متطلبات الطاقة عند شرائهم الأجهزة الكهربائية (مثلاً، تلفزيون البلازما والذي يتطلب 10 أضعاف ما يتطلبه التلفزيون العادي).
اما في الدول الاخرى، فمن المستبعد ان يكون لترشيد استهلاك الطاقة أي أثر في إبطاء الطلب على البترول قي الاقتصادات الكبيرة والنامية. ففي عام 1973 مثلاً بلغ مجمل الناتج المحلي للصين 140 بليون دولار، وبلغ استهلاكها للبترول مليون برميل يومياً. وفي عام 2004 ارتفع الناتج المحلي الى ما يقارب 7.3 تريليون دولار في حين ارتفع الطلب الى قرابة 6.5 مليون برميل يومياً. فيمكن القول ان الصين خلال ثلاثين عاماً استطاعت تحقيق كفاءة أعلى في استخدام الطاقة، ولكن احتياجات اقتصادها النامي فاقت تلك الكفاءة ما جعل حاجة البلاد الى البترول في ازدياد مستمر.
ختاماً، يبدو من الصعب على الولايات المتحدة تنفيذ الدعوة التي طالب بها الرئيس بوش، وذلك للأسباب السابق ذكرها. الا ان الدول المنتجة للبترول كالمملكة العربية السعودية يجب ان تكون حذرة ومستعدة لذلك. كما يجب عليها تنمية وتوسيع اقتصادها بعيداً من البترول، والاستعداد لتحمل هزة بترولية سلبية - كما حدث في عام 1985-1986، والتي كانت ناتجة عن سياسات حكومية في الدول الرئيسة المستهلكة للبترول (الولايات المتحدة وأوروبا الغربية).
الحياة
إضافة تعليق جديد