الأبعاد غير المعلنة في تحركات السياسة الخارجية التركية
الجمل: شهدت الأسابيع الماضية تحركات دبلوماسية تركية مكثفة شملت سوريا وإيران وباكستان والعراق وكازاخستان وفرنسا وأرمينيا، وعلى أساس اعتبارات معطيات التحليل السياسي فإن هذه التحركات تحمل العديد من الدلالات فهي من جهة ترتبط بتوازنات النسق السياسي الإقليمي التركي ومن الجهة الأخرى ترتبط بتوازنات النسق السياسي التركي الداخلي.
* تحركات السياسية الخارجية التركية الجديدة: إشكالية الاستمرار والتغيير:
خلال الأسابيع الماضية وضمن تحركات دبلوماسية تركية واسعة النطاق استطاعت أنقرة من خلال إنجاز بنود جدول أعمال في مختلف المجالات ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• سوريا: تطورت العلاقات على خط أنقرة – دمشق بشكل غير مسبوق فقد تم توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية وتم عقد اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي السوري – التركي العالي المستوى، وعلق وزير الخارجية التركي أحمد دافو توغلو قائلاً أن الشعار الرئيسي لاجتماع هذا المجلس هو المستقبل والتاريخ والمصير المشترك، والعمل معاً من أجل بناء المستقبل وأشار الوزير التركي إلى أن سوريا وتركيا تعملان من أجل التكامل الاقتصادي وعبر عن أمله بأن تصبح العلاقات السورية – التركية نموذجاً يحتذى من قبل دول الجوار التركي الأخرى.
• العراق: تم عقد اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي التركي – العراقي العالي المستوى الذي ضم وزراء البلدين وركز الاجتماع على مناقشة الفرص المتاحة والعراقيل والمعوقات الماثلة بين البلدين إضافة لذلك تم التوقيع على 48 اتفاقية ثنائية عراقية – تركية تضمنت العديد من القضايا والملفات المشتركة التي كان من بينها: ملف المياه – ملف النفط – ملف مكافحة حزب العمال الكردستاني.
• أرمينيا: توصلت تركيا وأرمينيا إلى توقيع مذكرة تفاهم واتفاق حول حل الخلافات التي ظلت تعرقل تفعيل علاقات خط أنقرة – ييرفان وعلى وجه الخصوص سوء التفاهم المتبادل إزاء ملف المذبحة الأرمينية إضافة إلى الموقف من صراع إقليم ناغورنو – كرباخ وبالفعل فقد انتقلت العلاقات الثنائية التركية – الأمنية خطوة للأمام بحيث تم فتح الحدود بين البلدين إضافة إلى قبول أرمينيا للوساطة التركية لحل النزاع الأرمني – الأذربيجاني حول إقليم ناغورنو – كارباخ وبرغم عدم رضا أذربيجان في بداية الأمر بالتوافق التركي – الأرمني إلا أنها رحبت بما تم التوصل إليه عندما أعلنت أرمينيا موافقتها على الطلب التركي لجهة القيام بسحب القوات الأرمينية المتمركزة في الأراضي الأذربيجانية التي ليس جزءاً من إقليم ناغورنو – كرباخ.
• إيران: قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بزيارة لإيران استغرقت يومين أثارت المزيد من الاهتمام من قبل الزعماء الغربيين والأطراف المهتمة بتطورات أزمة البرنامج النووي الإيراني فمن جهة نظر البعض لها على أساس اعتبارات أنها تندرج ضمن جهود الوساطة التركية لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني خاصة وأن هناك زيارة لواشنطن سيقوم بها أردوغان في شهر كانون الأول القادم. من الجهة الأخرى نظر لها البعض عل أساس اعتبارات أنها تندرج ضمن مؤشرات التعاون التركي – الإيراني المتزايد لجهة تعزيز موقف إيران إزاء المضي قدماًَ في موقفها طالما أن أي عقوبات مفروضة ضد إيران سو ف لن تنجح طالما أن تركيا سوف لن تلتزم بتطبيقها.
• فرنسا: زار الرئيس التركي عبد الله غول فرنسا قبل حوالي ثلاث أسابيع وتقول المعلومات أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي التقى بغول لفترة قصيرة حيث أن ساركوزي لا يرغب في أن يعطي عن نفسه انطباع من يستقبل الرئيس التركي فترة طويلة في الوقت الذي يعارض فيه ساركوزي انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، كما أشارت المعلومات إلى أنه برغم توتر العلاقات بين البلدين فإن التعاون الاقتصادي المتزايد سيؤدي إلى تخفيف هذا التوتر كما يعتقد البعض في تركيا.
• كازاخستان: شهدت العاصمة التركية قبل عشرة أيام لقاء الرئيس التركي عبد الله غول مع نظيره الكازاخستاني نور سلطان نزار باييف وإضافة لتوثيق العلاقات الاقتصادية والثقافية فقد شدد باييف على ضرورة تعزيز الاهتمام المشترك بالنسبة لقضايا شعوب الأمة التركية.
هذا، وتقول المعلومات أن العلاقات الاقتصادية التركية – الكازاخستانية تشهد المزيد من التطورات السريعة الوتائر وعلى سبيل المثال لا الحصر، بلغت المبادلات في عام 2007 1.9 مليار دولار وفي عام 2008 وصلت إلى 2.9 مليار دولار، ومن المتوقع أن تحمل الإحصاءات الجديدة أرقاماً أكبر.
* الأبعاد غير المعلنة في تحركات السياسة الخارجية التركية:
تحليل الأداء السلوكي الدبلوماسي الخاص بالسياسة الخارجية التركية يشير إلى الآتي:
• تمت هذه التحركات الدبلوماسية المكثفة خلال شهر تشرين الأول 2009.
• تزامن مع تزايد وتائر التعاون مع سوريا والخلاف مع إسرائيل.
• نجح في تخطي سقف المحددات الأمريكية إزاء إيران.
• عزز الترابط مع كازاخستان مما سيجعل تركيا لاعباً مهماً في آسيا الوسطى مما سيترتب عليه إضعاف الروابط الإسرائيلية – الكازاخستانية التي شهدت مؤخراً المزيد من التطورات واللقاءات الدبلوماسية الرفيعة المستوى.
• نجح في ما يتعلق بالعراق في تخطي حاجز القضية الكردية وبدا واضحاً أن تركيا استطاعت النفاذ حتى جنوب العراق.
دلالة الأبعاد غير المعلنة لتحركات السياسة الخارجية التركية تشير بوضوح إلى الاستنتاجات الآتية:
• على المستوى النظري ما زالت فكرة الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي موجودة وفي الوقت نفسه على المستوى العملي أصبحت تركيا أكثر تقدماً في وتائر الاندماج مع بيئتها الشرق أوسطية.
• تزايد مؤشرات المعاملات الخارجية التركية أصبحت أكثر وضوحاً لجهة حدوث التحولات الآتية:
- المعاملات الاقتصادية: تزايد انتقال السلع والخدمات والأفراد إضافة لحركة تدفقات رأس المال المباشرة وغير المباشرة العابرة للحدود التركية مع كل من سوريا والعراق وإيران وكازاخستان.
- المعاملات الاتصالية: تزايد تبادل المعلومات والزيارات الرسمية والشعبية العابرة للحدود بين تركيا وجيرانها.
• تقلص مكونات مؤشر المعاملات الخارجية التركية مع الدول غير الشرق أوسطية وبات من الواضح بقدر أكبر أن المعاملات التركية – الإسرائيلية أصبحت ليس في حالة تدهور وحسب، وإنما في مواجهة حالة من الانهيار السريع الوتائر، وبات يشهد تناقضاً متزايداً أما بالنسبة لحجم المعاملات التركية – الأوروبية فإن كل المؤشرات تفيد لجهة الثبات والاستقرار بحيث لا احتمالات للزيادة أو النقصان ولكن من الواضح أن توسع تركيا في معاملاتها الشرق أوسطية سيكون تأثيره الكبير على المعاملات التركية – الأوروبية بحيث إذا كانت الحكومات الأوروبية غير راغبة في إلحاق تركيا بعضوية الاتحاد الأوروبي فإن شركات دول الاتحاد الأوروبي سوف لن تستطيع التخلي عن مصالحها المتزايدة في تركيا.
* التأثيرات المتبادلة بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية التركية:
تشهد الساحة السياسية الداخلية في تركيا التطورات الآتية:
• تزايد الصراع بين الحكومة والمؤسسة العسكرية بخصوص المعلومات الأخيرة التي أكدت وجود محاولة انقلابية سعى رئيس الأركان التركي الحالي إيلكير باشبوق إلى التغطية عليها.
• تزايد الصراع بين القوى السياسية التركية حول الموقف من مبادرة حل الأزمة الكردية فبينما يقف حزب العدالة والتنمية وحزب المجتمع الديمقراطي (كردي) إلى جانبها فإن حزب الشعب الجمهوري والحزب القومي ما زالا يعارضانها.
• تزايد الخلافات حول جدوى التعديلات الدستورية اللازمة لتلبية شوط الاتحاد الأوروبي المتعلقة بملف عضوية تركيا.
من الواضح أن التحركات السياسية والدبلوماسية التي قامت بها حكومة حزب العدالة والتنمية هي تحركات تهدف للتأثير على خارطة التحالفات السياسية التركية الداخلية وبكلمات أخرى سيترتب على نجاح هذه التحركات إضعاف موقف حزب الشعب الجمهوري والحزب القومي الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى احتمالات قيام حكومة أنقرة بإجراء بعض حملات التطهير في صفوف المؤسسة العسكرية – الأمنية التركية وكذلك ضمن مؤسسات السلطة القضائية وتحديداً المحكمة الدستورية العليا وهيئة الادعاء العام.
هذا وبرغم أن شبح الانقلابات العسكرية أصبح حقيقياً بسبب ملف عضوية الاتحاد الأوروبي ومساندة الشرائح الاجتماعية لفكرة عدم تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة فإن البيئة السياسية الداخلية في تركيا قد لا تبقى مستقرة لفترة أطول ومن المحتمل حدوث بعض الوقائع والأحداث التي قد تأخذ طابعاً معزولاً وفي هذا الخصوص نشير على سبيل المثال لا الحصر بأن رئيس الوزراء التركي أردوغان تعرض لعدة محاولات اغتيال وعلى الأغلب أن تسعى بعض الأطراف الداخلية والخارجية إلى التخلص منه خاصة إذا أدركت أن ذلك سيؤدي إلى صراع الأجنحة داخل حزب العدالة وإلى عدم تماسك التحالف التركي الذي يسيطر حالياً على البرلمان والحكومة التركية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد