الألغام الثقافية وصناعة القنابل النووية الشيعية والسنية
الجمل: تشير الخارطة العسكرية والجيوسياسية الخاصة بمنطقة الخليج العربي، إلى وجود حالة سباق تسلح بين دول المنطقة، وذلك بسبب حالة التوتر التي هيمنت على البيئة الجيوسياسية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط عموماً، والخليج العربي على وجه الخصوص.
الخلاف الذي بدأ بالفتنة الكبرى التي وقعت قبل أكثر من ألف عام في جنوب العراق، وما ترتب على هذا الخلاف من انقسام إسلامي سني شيعي، تحول لاحقاً بتأثير التراكمات التاريخية والخلافات الدينية- الدينية، والمذهبية- المذهبية، والسياسية- السياسية إلى احتقان سياسي مذهبي إقليمي، تصاعد بدوره بسبب تدخل القوى الدولية، وتفشي حالة التبعية للغرب، إلى صراع دولي إقليمي.
الآن وبعد مرور أكثر من ألف عام، تصاعد الخلاف والصراع السني- الشيعي في نقلة نوعية جديدة، متجاوزاً نطاق الحرب الباردة منخفضة الشدة إلى حرب باردة مرتفعة الشدّة، أصبحت تحمل نذر التحول من سباق التسلح التقليدي في منطقة الخليج إلى سباق التسلح النووي السني- الشيعي.
خلال الأعوام التي أعقبت غزو واحتلال العراق في عام 2003م، تسارعت عجلة الخلاف السني- الشيعي في العراق، وبدأت تلقي بتداعياتها على العلاقات السنية- الشيعية ضمن محورين:
- الأول: داخلي، ويتمثل في العلاقات السنية- الشيعية داخل لبنان، وداخل بلدان مجلس التعاون الخليجي الستة (السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات المتحدة، وسلطنة عمان)، الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات بين الطائفتين، وإن كان توتراً لم يتجاوز الجوانب السياسية والاجتماعية، ولكنه لو تصاعد أكثر فأكثر فربما يصل إلى مستوى المواجهة.
- الثاني: إقليمي، ويتمثل في علاقات عبر الخليج العربي، بين دول مجلس التعاون الخليجي السنية الستة، وإيران الشيعية.. وقد تمدد هذا التوتر ليضم دولاً أخرى في الشرق الأوسط، وهي: مصر، الأردن، إضافة إلى باكستان، وأفغانستان وأذربيجان، وهي جميعها تعتبر دولاً سنية.
إيران مازالت ماضية قدماً في تنفيذ برنامجها النووي، وأصبحت على وشك الحصول على القنبلة النووية، والتي تأبى دول الخليج العربي السنية، إلا أن تعتبرها (قنبلة نووية شيعية)، وبالمقابل تحركت نوازع هذه الدول السنية وانفتحت شهيتها من أجل الشروع في تنفيذ القنابل النووية وصولاً إلى (القنبلة النووية السنية). ويعتبر اجتماع قمة دول مجلس التعاون الخليجي الذي ضم زعماء الدول الستة، وتم عقده في كانون الأول 2006م الماضي، بمثابة أولى المؤشرات في طريق سباق التسلح النووي السني- الشيعي في المنطقة. وفي هذا الاجتماع عبر قادة دول المجلس الست عن رغبتهم في تنفيذ برنامج خليجي نووي مشترك، يهدف إلى استخدام التكنولوجيا النووية من أجل الأغراض السلمية –تماماً مثلما زعمت إيران- وقد برر زعماء المجلس الستة –بنفس الطريقة التي بررت بها إيران- بأن اتفاقيات استخدامات الطاقة النووية للأغراض السلمية، وعدم نشر الأسلحة النووية طالما أنها لا تتعارض مع رغباتهم ونواياهم المشتركة، فمن حقهم التمسك بحقهم في المزايا التي تتيحها هذه الاتفاقيات. كذلك عبرت بعض الدول العربية السنية الأخرى عن نفس الرغبة، وهي: مصر، الجزائر، والأردن.
الذريعة الكامنة وراء رغبة البلدان العربية السنية الهادفة إلى بناء القدرات النووية، هي ذريعة استراتيجية خالصة، تهدف من ورائها هذه الدول إلى موازنة القوة الإيرانية النووية الشيعية، وذلك وصولاً إلى ما يُعرف بحالة حفظ ومعادلة ميزان الردع النووي.
الخلاف السني- الشيعي، أصبح أكثر خطورة في هذا الوقت، بسبب الصراع السني- الشيعي الدائر حالياً في الساحة العراقية، والذي تنظر إليه معظم التحليلات السياسية على أنه خلاف تحوّل إلى نزاع، ثم تصاعد إلى حالة حرب بالوكالة: أي يخوض السنة العراقيون حرباً بالوكالة عن السعودية، ويخوض الشيعة العراقيون حرباً بالوكالة عن إيران.
حالياً تملك كل من إيران (الشيعية)، وبلدان مجلس التعاون الخليجي الست (السنية) الموارد المالية اللازمة لتمويل البرامج النووية، وفي حالة توافر بعض الشروط الإضافية الاستثنائية، فإن كل طرف سوف يكون في مقدوره بناء ترسانته النووية، ويُقال بأن السعودية حاولت بناء ترسانتها النووية قبل وقت طويل، وذلك عن طريق استخدام دولة باكستان الإسلامية كـ(بروكسي) يقوم بعملية تصنيع القدرات النووية بالوكالة عن السعودية، وقد قدمت السعودية سراً لباكستان خلال حقبتي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي حوالي مليار دولار، (دعماً للبرنامج النووي الباكستاني).. وحتى الآن لا يعرف مصير هذه الشراكة النووية الباكستانية- السعودية، خاصة أن المسؤولين السعوديين مازالوا يصرون على نفي وجود مثل هذه الشراكة.
يقول البعض: إن السعودية سوف تبذل كل ما هو ممكن من أجل بناء قدراتها النووية، سواء مع الباكستانيين أو غيرهم. وأشار أحد المحللين المختصين بأن ارتباط الدول العربية النفطية بالغرب وتبعيتها الشديدة لأمريكا، هي التي أعاقتها عن بناء قدراتها العسكرية والنووية منذ وقت مبكر، وذلك بعكس الإيرانيين، فقد تخلصوا من نظام الشاه الذي كان تابعاً للغرب وأمريكا، وقاموا ببناء قدراتهم التسليحية التقليدية والنووية بسرعة مذهلة خلال الخمسة وعشرين عاماً الماضية التي أعقبت سقوط شاه إيران.
حالياً، الإشارة القادمة من منطقة الشرق الأوسط، أصبحت واضحة المحتوى والمضمون، فبوجود إسرائيل النووية، وإيران النووية، سوف تعمل أمريكا على إيجاد الحل اللازم لمشكلة الميزان النووي، وإذا كان أصدقاء وحلفاء أمريكا مثل دول مجلس التعاون الخليجي الستة، ومصر، والأردن، يظنون أن أمريكا سوف تسمح لهم ببناء القدرات النووية من أجل موازنة الخطر الإيراني، فإن هذا الظن لن يكون سوى ضرب من الافتراض الخاطئ، وذلك لأن أمريكا المقيّدة إسرائيلياً قد تقبل بإيران النووية كأمر واقع، ولكنها لن تسمح لهم ببناء القدرات النووية.. وحالياً تشير المعلومات إلى أن أمريكا وإسرائيل تخططان للاستفادة من وجود إيران النووية على النحو الذي يعزز احتلالها وسيطرتها على دول الخليج ومصر والأردن، وذلك على النحو الآتي:
- أن تقبل مصر والأردن بالتحالف مع إسرائيل، بحيث تلتزم إسرائيل بالدفاع عنهما في حالة مواجهة أي اعتداء نووي (شيعي إيراني).
- أما دول الخليج فسوف تقوم أمريكا دون أخذ مشورة أحد، بنشر شبكات الدفاع الصاروخي، وتخزين الرؤوس الحربية النووية غير التقليدية تحت وزاعم الدفاع عن المصالح الأمريكية في مواجهة الخطر النووي (الشيعي الإيراني) المحتمل.
تحالفت حكومات دول الخليج ومصر والأردن مع أمريكا، وظنوا أن الركوب على ظهر أمريكا سوف يجلب لهم المنافع، ولكنهم أصبحوا الآن كمن يركب ظهر الذئب الجائع.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد